التنظيم النقابي بصيغة المؤنث
نشر هذا النص ضمن مواد العدد 60 من جريدة المناضل-ة
بقلم: الرفيقة رشيدة
رافق تطور الرأسمالية التبعية بالمغرب توسع سوق الشغل وانضمام المزيد من النساء إلى مجموع الباحثين عن الشغل مدفوعات بضرورة البحث عن منافذ للخروج من البطالة والفقر. وبالرغم من التطور الذي عرفه معدل نشاط النساء حيث يناهز حاليا 25%، إلا أنه لازال ضعيفا مقارنة بمعدل نشاط الرجال. و علاوة على ذلك، تتركز معظم النساء العاملات بقطاعات اقتصادية هشة عموما كقطاع النسيج والصناعات الغذائية والخدمات المنزلية والقطاع غير المهيكل. ويمثل ذلك أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل من النساء أول من يعاني من هشاشة التشغيل وتدني الأجور المرتبطة بتركزهن في تلك القطاعات. وفضلا عن ذلك تعد النساء العاملات في مقدمة المتضررين من تردي ظروف الشغل ومرونة قوانين الشغل وتراجع الحماية الاجتماعية الآخذة في التقلص نتيجة الهجوم النيوليبرالي.
ونتيجة لعوامل ثقافية واجتماعية وفكرية تعاني النساء العاملات من ميز في الأجور، إذ تحصلن على أجور تقل عن تلك التي يتلقاها الرجال بنسبة 40%. هذا دون ذكر حرمانهن من رخص الولادة والرضاعة وتشغيلهن لأوقات متأخرة من الليل مما يعرضهن لشتى أنواع العنف والاغتصاب والتحرش الجنسي داخل و خارج أماكن العمل …الخ.
الوضع الراهن للنساء في النقابات العمالية
إن تعرض النساء للاستغلال المضاعف ومعاناتهن من فرط استغلال أرباب العمل وتجرعهن لتمييز في الأجور ولظروف عمل قاهرة تفوق تلك التي يكون الرجال عرضة لها يفرض مبدئيا أن تكون النساء حاضرات نقابيا من جهة كطاقم مشارك في التسيير النقابي، ومن جهة أخرى أن تكون معاناتهن حاضرة على صعيد المطالب النقابية والنقاشات الجماعية.
تتجلى المفارقة في كون ارتفاع مساهمة النساء في سوق الشغل لا يوازيه تطور في مشاركتهن في الهياكل النقابية. فنسبة انخراط النساء العاملات بالنقابات هزيلة جدا، إذ لا تتجاوز 15% من مجموع المنخرطين الذكور. أما على صعيد تمثيليتهن في مراكز القرار داخل الهياكل النقابية فتعد أكثر انخفاضا بكثير. صحيح أن النساء النقابيات أصبحن في السنوات الأخيرة يتمثلن بأعداد أكبر من السابق في المؤتمرات والملتقيات، إلا أن المهام المنوطة بهن تكون وفق رغبات الذكور وتحت رقابتهم. وإن تقلدن مركزا قياديا في لجنة أو هيئة ما فإنه يقتصر على موضوعات ذات صبغة نسائية أو اجتماعية تعيد إنتاج تراثبية المجتمع الذكوري.
تتوزع نسبة الانخراط في النقابات حسب القطاعات والمناطق والجنس. هناك توسع نسبي للانخراط على سبيل بقطاع الوظيفة العمومية حيث لا وجود للخوف من الطرد من النقابة. أما بالقطاع الخاص فيساهم هذا العامل إلى حد بعيد في تقليص المنخرطين بالنقابات. وعلى صعيد الجنس، تتصدر الصناعة التحويلية والصناعة الغذائية القطاعات التي تنتسب فيها النساء للنقابة كمنخرطات. وهذا راجع بالضرورة إلى تأنيث هذه القطاعات وإلى نسبة نشاط النساء.
غياب النساء عن العمل النقابي، مسؤولية من؟
إن تركز النساء في القطاعات الهشة و ذات الأجور الدنيا والمعروفة بتسلط أرباب العمل هو أحد العوامل الرئيسية المفسرة لعدم إقبال العاملات على الإنخراط في النقابات. وهناك عوامل أخرى نلخصها في ما يلي:
أولا، الأمية: تعتبر هذه الظاهرة عائقا أساسيا أمام تنقيب النساء. المرأة غير واعية بكون العمل النقابي بالإضافة إلى انه سيساهم في تحصين مكتسباتها كعاملة وتحسين ظروف اشتغالها، سيمكنها من المشاركة في تسيير الحياة العامة و بالتالي الدفاع عن كل ما يعنيها كامرأة.
ثانيا، الصورة النمطية حول عمل المرأة خارج البيت : تستمد هذه النظرة جذورها من الثقافة المجتمعية والتي لا تتقبل المرأة في المحيط الخارجي بما فيه النقابة ولا يستثنى من حاملي هذه النظرة رفاقها في النقابة.. كما يمكن أن تشمل هذه الصورة الحكم بضعف شخصية المرأة في مواجهة رب العمل واعتبارها بالمقابل عنصرا تزيينيا لقاعة الاجتماعات، أو «وسيلة» فعالة للإقناع أثناء الحملات التعبوية نظرا لصدقها.
ثالثا، الطابع الذكوري الذي يطبع العمل النقابي: تتم برمجة الاجتماعات و اللقاءات (مواعيد الاجتماعات، التزامات خارج أوقات العمل…إلخ) حسب إمكانيات الذكور دون الأخذ بعين الاعتبار إكراهات النساء، إذ تنعقد بالليل أو أثناء العطل و يوم الأحد وبأماكن لا يمكن لبعض النساء التواجد بها كالمقاهي. كما يتم برمجتها بشكل ارتجالي ومفاجئ مما يضع المرأة في وضع محرج مع عائلتها.
رابعا، الثقافة الذكورية السائدة في النقابة: حسب أقوال مناضلة تم استجوابها, فان المراة النقابية ملزمة بان تكون بقدرات 10 رجال لكي يتم قبولها كمسؤولة نقابية. فهي دائما مراقبة ومتابعة ولا يسمح لها بالخطأ ويشترط فيها الكفاءة العالية( في حين انه ليس شرطا إجباريا بالنسبة للرجل). كما أن مسالة النوع الاجتماعي أصبحت موضة في النقابات وتناقش مع المناضلات كأنهن المعنيات الوحيدات بالأمر. في نفس السياق يأتي التحرش الجنسي و الذي يحفزه كون المناضلة امرأة وبالتالي للمناضل الرجل الحرية في التعامل معها كما يشاء.
خامسا، الخوف من تسريحهن من طرف المشغل: إن ما يصيب العاملات من طرف أرباب العمل بسبب انتمائهن النقابي من عقوبات وعنف و طرد يجعل النساء تتهربن وتتجنبن العمل النقابي خشية فقدان حقوقهن أو عملهن. والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها: تشريد أكثر من 700 أسرة في مصبرات ضحى (بيشا) بأيت ملول، تسريح 400 عاملة من شركة أمين للنسيج و 1500 من شركة مورنتكس.
سادسا، اللامساواة في تقسيم الأدوار سواء بالبيت (المسؤولية عن العمل المنزلي و تربية الأبناء وإعالة المريض والمسن) أو بالنقابة، حيث تناط بهن مهام من قبيل مستشارات في المكاتب الوطنية، وأعمال السكرتارية، الملصقات، الهاتف، تنظيم الملفات، الاستقبال…الخ. وإن تقلدن منصب الكاتب العام يكون ذلك على رأس مكتب في التنظيم النسائي الموازي للنقابة والاهتمام إذن بكل ما له علاقة بالمرأة فقط.
سابعا، عدم الثقة في النفس: بعض النساء تتجنبن مراكز المسؤولية بالرغم من إتاحتهن الفرصة لذلك نظرا لتخوفهن من عدم التمكن من مسايرة وثيرة الاجتماعات والملتقيات أو من زعزعة استقرارهن العائلي.
خلاصة القول، فان المناضلة النقابية تجد نفسها في تحدي مزدوج لإثبات شخصيتها وتحصين وجودها أمام الإدارة والزملاء النقابيون.
تستمد معيقات الانخراط الفعلي للنساء في النقابة جذورها من الثقافة الذكورية والرجعية السائدة في المجتمع (تقسيم الأدوار والنظرة الدونية للمرأة والصورة النمطية للمرأة…الخ.) و لتي يزكيها النظام الرأسمالي الذي يثقل كاهل النساء بازدواجية الأدوار ولمهام داخل و خارج البيت لصالح طبقة أرباب العمل.
واقع الامر!
يفترض هذا الوضع المتأزم للممارسة النقابية النسائية على الحركة النسائية المغربية من جهتها أن توجه عمل عضواتها والمناضلات النسائيات إلى التوجه صوب النقابات، وأن تثقف قاعدتها النسوية حول أهمية العمل النقابي لتحسين أوضاع النساء العاملات وانتزاع حقوقهن.
كما يلاحظ غياب شبه تام لأي مساندة أو تضامن من قبل هذه الجمعيات للنضالات العمالية النسائية، خاصة و أن هذه الأخيرة تحتج من أجل تحقيق مطالب نسائية بالدرجة الأولى كالمساواة، الحق في رخص الأمومة بأجرة كاملة و النضال ضد التحرش الجنسي…الخ.
كما تكتفي النقابات من جهتها بالإسهاب في التحليل و اقتراح الحلول بحلول 8 مارس، بدون عمل ملموس ينطلق من واقع استغلال العاملات. فمثلا لم تشتغل أية نقابة عمالية على استمارات للإحاطة بمختلف جوانب ظروف الاستغلال المضاعف الممارس على العاملات. و هكذا عمل يستدعي تنسيقا ميدانيا بين كافة النقابات في إطار عمل وحدوي يضع نصب عينيه استثمار كل المعطيات من أجل تشهير واسع بالاستغلال المضاعف الذي يعانين منه.
من أجل إشراك فعلي للنساء في العمل النقابي
على النقابات اليوم التفكير بجدية في آليات وسبل تجاوز هذه الوضعية المفارقة لعاملين اثنين:
أولا، لان أرباب العمل والدولة ويشنان حربا شنعاء على النضال النقابي. ويستوجب ذلك توحيد قوى الطبقة العاملة بنسائها ورجالها. إذ لا يعقل أن تحارب منظمة عمالية بجسد معظمه مشلول جراء إعادة إنتاج علاقات الميز ضد النساء وتهميشهن. وثانيا، لان النساء تشكلن قسما هائلا من جيش العمل الهش، وإذا تم تنظيمهن وتكوينهن يمكن أن يصبحن ذخيرة لا يستغنى عنها في جبهة النضال ضد المستغلين.
إن انخراط النساء في العمل النقابي رهين حاليا بتجاوز أزمة الثقة التي تطبع علاقة العاملات والعمال عموما بالنقابات والتي انشغلت عن مصالح الطبقة العاملة بمصالح قيادييها الخاصة و اهتماماتها الحزبية. ورهين كذلك باعتماد تدابير آنية مبنية على أساس الميز الايجابي من شانها أن تشجع النساء على خوض التجربة النقابية من قبيل: تطبيق المناصفة في عضوية الهيئات القيادية و تدريب النساء على مهارات القيادة و تفعيل برامج توعية وتثقيف لفائدة النساء والرجال حول أهمية عمل وانتساب المرأة للنقابة وممارسة الضغوط من اجل إصدار قوانين تضمن حرية التنظيم النقابي للعاملات ويراعي خصوصياتهن والعمل على رفع جميع أشكال التمييز ضدهن داخل النقابات…الخ.
وانأ أدون هذه السطور تذكرت كلام شخص صادفته إبان الإعداد لنشاط نسائي قائلا: «عندما أرى نساء «تافهات» وغير كفئات يتقلدن مناصب القرار في جميع الأجهزة، يمكنني آنذاك أن أتحدث عن مساواة حقيقية بين النساء والرجال، لأننا اليوم ودائما نرى رجالا كذلك». استغربت من هذه المقارنة في البداية، إلا أنني رأيت بعض الصواب فيما ردده، إذ أن المرأة لا تتمكن من إقناع من حولها بترشيحها لمنصب ما إلا إذا كانت فعلا تتمتع بقدرة وكفاءة استثنائيتين.
كي تنخرط عموم الشغيلة نساء ورجال في العمل النقابي على أسس المساواة يقتضي الأمر إعادة نظر في الأسس التي تشتغل عليها النقابات في الوقت الراهن. لا ينبغي أن تقتصر غاية النضال النقابي على مطالب تحسين ظروف العمل الآنية، وإنما يجب أن يتخطاها بمطالب سياسية تساهم بتوعية العاملات والعمال بالشروط اللازمة لتحررهم الجماعي وبالأخص الفكاك من سيطرة الموروث الثقافي الذكوري ووضع حد لنظام الاستغلال الرأسمالي.
اقرأ أيضا