انتفاض شغيلة الزراعة بسهل سوس: 25 نوفمبر 2024 يوم تاريخي  

بقلم مصطفى البحري

الاثنين 25 نوفمبر 2024 يوم تاريخيٌّ في سجل كفاح عاملات الزراعة وعمالها في سهل سوس. فمنذ الرابعة صباح هذا اليوم دبت حركة غير معهودة في أماكن تجمع الشغلية (الموقف) توقا إلى فرصة عمل قد تأتي أو لا تأتي. عقدت جماهير الشغيلة، رجالا ونساء،  العزم على الإضراب العام في هذا اليوم والاحتجاج على سوء أوضاع العمل والحياة. لم يعد العمال والعاملات قادرين وقادرات على تحمل البؤس المفروض بأجور هزيلة حطم الغلاء قدراتها الشرائية تحطيما. علا صوت شغيلة الزراعة، ودوى في كل من خميس أيت عميرة وبيوكرى: نريد زيادة الأجر اليومي ليصل إلى 150 درهما.  

يعود الدور الرئيسي في هذا الانتفاض غير المسبوق إلى عاملات “الموقف” وعماله، مع مشاركة جزء من الشغيلة القارين قي الضيعات. 

شغلية “الموقف” ضحايا استغلال شرس، لأنهم بلا عمل قار، مكان العمل يتغير باستمرار، بفعل ما يسميه أرباب العمل “مرونة التشغيل” اي تحررهم من أي ارتباط باليد العاملة، حيث يكون الوسيط من تربطه العلاقة بالعامل/ة، مقابل كسب مالي من دور الوساطة هذا، في نوع من المتاجرة في البشر لا يعاقب عليه أي قانون. وقد يبقى شغيلة “الموقف ” بدون عمل فترات متفاوتة في السنة، حسب حاجات أرباب الضيعات. يد عاملة مسترخصة، بلا حماية اجتماعية، ولا حقوق مدونة الشغل، على بساطتها، لا شيء غير الأجر اليومي الهزيل. يد عاملة مهانة ومهدورة الكرامة،  تدر الأرباح الضخمة لا سيما مع أسعار المنتجات الفلاحية المرتفعة، وكون قسم مهم من البرجوازية الزراعية مصدرون إلى الخارج. 70 إلى80 درهما مقابل يوم عمل قد يمتد إلى أزيد من الوقت القانوني في وضع قهر وحُكّرة . 

 الافراط في الاستغلال والقهر بأجور البؤس

 اكتسحت الزراعة الرأسمالية التصديرية سهل سوس منذ عقود، ما جعله قبلة للباحثين عن عمل من مختلف مناطق المغرب المُهْمَل، فتشكل تجمع عمالي ضخم  لا نظير له. يتجلى فيه تفاقم المسألة الاجتماعية: الفقر، السكن غير اللائق، وضع صحي متدهور، ظواهر التردي الاجتماعي،…

ظروف العمل الشاقة غير متحملة، عبر عنها العديد من المستجوبين في أثناء الإضراب والاحتجاج ؛ مخاطر الشغل واستنزاف الصحة بشدة ،  العمل ساعات طوال، منذ الرابعة صباحا في “الموقف”. العذاب هي الكلمة التي يصف بها الشغيلة ظروف العمل . 

في صرخات العمال والعاملات في مقابلاتهم لوسائل الإعلام شكوى كبيرة من تشديد الاستغلال، حيث يضغط أرباب العمل من أجل رفع المردودية، ويمددون ساعات العمل بالإجبار على مواصلة العمل فوق الوقت القانوني بمبرر ألا تضيع البضاعة، ويطردون من يرفض من الشغيلة.  وبعد ساعات العمل يمتد اليوم بوقت التنقل الى مكان العمل ومنه الى البيت، بوسائل نقل معظمها نقل غير إنساني وغير آمن يُسقط منذ سنوات قتلى ومعطوبين، تحت أنظار السلطات بمختلف أنواعها ومستوياتها.   

 فوق كل هذا العذاب يكتوي الشغيلة بغلاء المواد الغذائية، الماء و الضوء والكراء، وكلفة حضانات الأطفال، وما ينتج عن تدهور الخدمات العامة بمقدمتها الصحة. الوضع الصحي كارثي بفعل زحف الخوصصة وتدمير الخدمة الصحية العمومية وانعدام تغطية صحية :صاحت عاملة: “نموت يوما بعد يوم… نموت لعجزنا عن العلاج… أنا بحاجة الى فحص بالسكانير و لا قدرة مالية  لي عليه”، هكذا تنفضح أضاليل تعميم التغطية الصحية والدولة الاجتماعية.  

أجور لا تكفي للعيش بأدنى مستوى، فما بالك بالتوفير لمساعدة من ينتظرون المساعدة هناك في جبال أزيلال أو خنيفرة أو ولماس…: العديد من العمال لم يزروا أسرهم من 4  سنوات وأكثر، لأنهم ليس لديهم ما  يعطون للوالدين . “80 درهم لا تشتري حتى ليتر زيت،  ننتج الخضر ونشتريها غالية، نحن في بلاد الفلاحة، ونشتري البطاطا  والطماطم بأسعار خيالية،  بينما أجورنا هزيلة” هكذا تعبر عاملة عن واقع الغلاء الذي تسعى الأرقام الرسمية الكاذبة إلى حجبه عن الأنظار. 

“الزيادة في الأسعار و لا زيادة في أجورنا: نجوع كي نؤدي الماء الكهرباء والكراء: كراء غرفة ب500 درهم”. بهذه المعادلة تعرض عاملة “موقف” صورة عن حياتها، بعد أن تكون  أنتجت وأغنت أرصدة رب العمل في البنوك. الشغيلة على وعي بحجم أرباح رأسماليي الزراعة، رغم عدم وجود توعية نقابية في هذا الشأن. يقارن الشغيلة بشكل ملموس حجم ما ينتجون وأسعاره في السوق، المحلي و الخارجي، بدخلهم المضغوط الى حدود لا تتعدى 2000 درهما في الشهر. 

واقع الأجور فرضته الدولة بقمع العمل النقابي، وإشاعة الخوف من التنظيم، وبعدم التزامها المقصود بما وقعت في اتفاق 26 ابريل 2011 مع المنظمات النقابية. جاء في هذا الاتفاق:  التوجه التدريجي نحو  تساوي الحد الادني للاجر بالقطاعين الصناعي و الفلاحي  على مدى 3 سنوات . ما يعني  ان يكون الاجر الفلاحي مساويا للصناعي منذ 2014 . أي منذ عشر  سنوات، شهدت زيادات فتات لا تغني من جوع. سخرية من البشر المستغَل المُجوَّع. 

معاناة تزداد بشعور الحكرة 

المقدرة على التحمل و الصبر  انتهت، سنوات و الأسر العمالية تكابد لسد الرمق بأجور البؤس المفروضة عليها. فكان هذا الاجتياح غير المسبوق للشارع بمشاركة نسائية عالية. وكن الأقوى تعبيرا عن المعاناة لما يتحملن من مشاق العمل المأجور و عمل البيت. 

“حْنا مكرفسين بزاف، مقهورين بزاف… الظلم والعصا و الظلم..  يحرث بك كالحمار  والخلاص والو… الناس مقهورين… لا أحد يهتم بأوضاعنا… الحكرة والقمع في المغرب كله….” صرخات من الأعماق دفعت بها شدة المعاناة ونفاذ الصبر… تفريغ بالصراخ لأوجاع هذه الحياة التي ليست بحياة، لكن مع استعداد لا يلين للنضال لتغيير الوضع.  

ركزت التصريحات على مطلب الاحترام و الكرامة وما سمته عاملة “القيمة” بقولها : لم تعد لنا قيمة بصفة نهائية. شعور المهانة و الإذلال بالقهر بكثرة العمل وقلة الأجور.  الأجر الهزيل بحد ذاته إهانة. 

“ماذا سنفعل؟  الى اين سنذهب ؟ نحن اليد العاملة، نحن الذين يحملون المغرب على أكتافنا ، من يحمل المغرب ؟ نريد كرامتنا هنا … نريد البقاء هنا … نريد العيش في المغرب معززين مكرمين … لا نطلب أجرا خياليا”: صرخة إدانة من عاملة  لحكام المغرب وبرجوازيته الذين أوصلوا البلد إلى هذا الوضع المفجع: تدمير البشر وموارد البلد لصالح رأسمال محلي وآخر أجنبي. وصرخة أيضا في آذان قوى النضال لتكون في مستوى مسؤولية النهوض بمهام السير بالمغرب نحو مغرب مغاير: بلد الحياة اللائقة والحرية و الكرامة.

وحدة  بحاجة إلى التقوية بالتنظيم 

شغيلة الموقف يتغير مكان عملها بشكل لا يتيح اقامة علاقة دائمة مع رفاق الكدح، وبالتالي إمكان التنظيم للدفاع الجماعي عن الحقوق. وحدها وسائل التواصل الاجتماعي خلقت وحدة، بفعل واقع القهر المشترك.  سبق هذا الانتفاض تعبئة بوسائل التواصل الاجتماعي. 

التحرك النضالي العارم جرى بدون تنظيم نقابي، بنوع من العفوية المنظمة، فبفعل وسائل التواصل الاجتماعي انطلقت الحركة النضالية متزامنة في كل من بيوكرى وخميس ايت عميرة . ليست هناك عفوية مطلقة، فالتعبئة شارك فيها نقابيون سابقون، منهم المطرود بسبب نضاله، منهم من سبق ان كان عضوا بمكتب نقابي.  

نحو إضراب عام منظم 

ما جرى يوم 25 نوفمبر 2024 إضراب عام، أراده الشغيلة عاما بكل معنى الكلمة، لكنه كان إضرابا عاما جزئيا. ولو شاركت النقابات في الدعوة إليه لحالفه نجاح أعظم. أيا يكن حجم المشاركين في هذه الخطوة النضالية تبقى عظيمة الدلالة: الغليان داخل الجماهير العمالية يتحول إلى فعل نضالي هائل رغم نقص التنظيم. 

 النقابات العمالية بالقطاع الفلاحي أمام تحدي  غير مسبوق : العمال و العاملات على استعداد تام للنضال. من يوحد الصف؟ بتعاون مختلف النقابات يمكن تنظيم إضراب عام حول مطلب أجرة يومية  بمبلغ  150 درهم وتحسين ظروف العمل و النقل. 

لم يسبق أن توافرت شروط نجاح إضراب عام بالقطاع في سوس كما هي اليوم، حتى القسم غير المنظم من الشغيلة مستعد للكفاح. يجب جعل مطلب أجرة يوم عمل ب  150 درهما يوحد شغيلة الزراعة، وسيكون إنتزاعه حفزا قويا للكفاح من أجل بقية المطالب، وحفزا قويا للإقدام على التنظيم النقابي. 

الحديد  حامي … فإلى المطارق ايها المناضلون و المناضلات.

شارك المقالة

اقرأ أيضا