ولاية ترامب الثانية – حان وقت رد عالمي
بيان منظمة المقاومة المناهضة للرأسمالية، 6 نوفمبر 2024
فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لمرة ثانية يوم في 6 نوفمبر 2024. وبات الحزب الجمهوري مسيطرا بنحو تام تقريبًا على سياسات المؤسسة الأمريكية، إذ حقق أيضًا تقدما في مجلس الشيوخ، يمنحه التحكم على مجمل المجلس التشريعي والرئاسة والمحكمة العليا. إنه فوز للبلوتوقراطيين والأوليغارشيين الأمريكيين وإيلون ماسك وجيف بيزوس ومهووسي العملات الرقمية ومقاولات الصناعة الرقمية في الساحل الغربي. إن الترامبية جزء من الموجة العالمية المضادة للثورة التي نشهدها مع وصول الشعبويين اليمينيين المتطرفين والسلطويين وأنصاف الفاشيين والليبرتاريين إلى السلطة في بلدان العالم. إننا إزاء سيرورة انزلاق عام نحو اليمين المتطرف بسبب النيوليبرالية وما أدت إليه من انهيار الإجماع الليبرالي لما بعد الحرب العالمية الثانية. الترامبية هي نفس الميل الذي أنتج مودي في الهند، ودوتيرتي في الفلبين، وميلوني في إيطاليا وهلم جرا.
لكن هذه الهزيمة كارثة بوجه خاص على ملايير البشر عبر العالم، حيث تظل قدرة الإمبريالية الأمريكية على الفعل أو عدمه عاملاً حاسماً في السياسة العالمية.
ستكون رئاسة ترامب الثانية مفعمة بالفوضى والدناءة بقدر ما كانت الأولى. ولكن الآن سيكون مساندوه الرئيسيون على صعيد الأفكار أكثر وضوحًا بشأن ما يريدونه منها. مشروع 2025 هو مشروع قانون للولايات المتحدة المستبدة؛ يتضمن مقترحات لفصل آلاف موظفي الحكومة ووضع بقية بيروقراطية الحكومة الأمريكية تحت سيطرة الرئيس المركزية. ويتوقع إلغاء وزارة التعليم لإتاحة التحكم في البرامج على صعيد الولايات. ويستتبع تقليص الرعاية الصحية للمتحولين جنسيا وحقوقهم الاجتماعية، ما يجعل وجود المتحولين جنسيًا أمرًا غير محتمل تقريبًا في بعض الولايات. ويعني إلغاء الحماية الفيدرالية للمساواة بين الجنسين والتوجه الجنسي والحقوق الإنجابية. ومن شبه المؤكد أنه سيمنع إرسال حبوب الإجهاض بالبريد، وهي الوسيلة الأساسية التي يحصل بها الناس على الإجهاض في الولايات المتحدة. سنشهد انتشار «المحادثات» حول حرمان النساء من حقوقهن. كما يتضمن أيضًا خفض تمويل أبحاث الطاقة المتجددة وتطويرها، وزيادة إنتاج الطاقة، والتخلي عن أهداف الحد من انبعاثات الكربون.
لا ندري ما إذا كان وعد ترامب بأن يصبح ديكتاتورًا منذ اليوم الأول ويستخدم الجيش ضد خصومه السياسيين مجرد أمنيات أم لا. ولكن واقع أنه أدار هكذا حملة رجعية، وفاز بهذا القدر الحاسم من الأصوات إنما يكشف شيئًا ما عن نمو الأفكار الشعبوية اليمينية المتطرفة. نعلم أنه ونائبه جيه دي فانس قد أيدا مؤخرًا كتابًا بعنوان «غير البشر»، وهو بيان لقتل جماعي للناشطين اليساريين على غرار بينوشيه في تشيلي. وهذا يكشف الجوهر الفاشي للسياسة النيوليبرالية التي استكملت دورة.
وتعزى هذه الهزيمة، أيضا، إلى حد كبير لبؤس سياسة الديمقراطيين واستراتيجيتهم الفاشلة. إذ بات واضحًا أن الديمقراطيين ليسوا حتى درعًا واقيًا ضد تنامي اليمين المتطرف، بل إنهم يغذون المشكلة بنشاط. كانوا يتصرفون كالمعتاد في فترة يسودها القلق والانقسام… لقد خاضوا حملة انتخابية ضد شخص شعبوي يخاطب «الناس العاديين» بالتركيز بالأحرى على فضيلة المؤسسة – حيث كانوا يكررون باستمرار أن ترامب مجرم كما لو لم يكن بالولايات المتحدة ملايين المجرمين في نظام قضائي فاسد وظالم قد يعتبرون ترامب شهيدًا مضطهَدًا. لقد فشل تركيز الديمقراطيين على المحاكم لتقويضه قبل الانتخابات فشلًا ذريعًا، وأضافوا إلى مرجعياته الشعبوية. لقد فضلوا حملة انتخابية من المركز، وركزوا على دعم المشاهير، وكسبوا تأييد جمهوريي الوسط، وساروا مع ليز تشيني. لقد استندوا إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة بلد تكافؤ فرص وتجاوز للعنصرية، بينما الواقع غير ذلك بجلاء.
كانت رؤية ترامب وأنصاره واضحة. فهم يعلمون أنها كذبة. ويفضلون الموقف الذكوري والاستبدادي، وقانون الأقوى، وغياب العواقب. وقد ركز الديمقراطيون في الأسابيع الأخيرة على وصف ترامب بالفاشي – وكان رد فعل مؤيديه إما عدم اكتراث أو قبول واقع أنه أغضب الليبراليين كثيرًا. يمثل ترامب رمزا لكل وجهات النظر الأشد أنانية ورجعية في المجتمع الأمريكي، لكن الديمقراطيين لم يمثلوا بديلًا. بلورت حركته رؤية للولايات المتحدة ترفض المساواة وتتبنى السيطرة. لم تكن حركته غريبة عن سياسة الجسد الأمريكي، بل هي متجذرة فيها.
الموجة العالمية المضادة للثورة هي إلى حد كبير رد فعل على مكاسب حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي أحرزتها النساء والسود ومجتمع الميم-عين LGBTQIA+ وغيرهم. وقد أغوى ترامب بوجه خاص الرجال البيض والشباب، واليمين القومي المسيحي المتطرف، وأنصار إيلون ماسك في مجال التكنولوجيا. كما فاز بأصوات الجالية العربية الأمريكية التي هاجمت الديمقراطيين لتمويلهم الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة (على مع أن ترامب سيواصل السياسة ذاتها). لكنه حظي أيضًا بدعم عدد كبير من السود (أي الملونين) والنساء، رافضي المؤسسة الليبرالية الساعين حل تناقضات المجتمع الأمريكي بتبني قيمها التفوقية. كما يساند قسم من الأمريكيين السود عمليات الترحيل الجماعي للمهاجرين القادمين حديثًا إذا كان ذلك سيؤدي إلى خفض الأسعار ورفع الأجور (كما يدعي ترامب). إنه هدف الشعبوية: تجمع التناقضات وتخاطب مختلف الناس بطرق مختلفة، مع ادعاء إتيان إجابات بسيطة لمسائل معقدة مع رفض أي تغيير دال.
سيتضمن برنامجه الشعبوي تناقضات عديدة. فقد وعد ترامب بزيادة غير متوقعة في الوقود الأحفوري لخفض تكاليف الطاقة ومكافحة التضخم، ولكنه يريد أيضًا فرض رسوم جمركية على الواردات لتعزيز الصناعة الأمريكية، ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار. ويبدو غير مرجح أن يفلح في تحسين مستويات المعيشة وخلق فرص عمل للمواطنين الأمريكيين، خاصة مع الاقتطاعات الهائلة في القطاع العام. ولكن يجب أيضا الحذر من فكرة أن الناس يصوتون في المقام الأول لأسباب اقتصادية: فالمشهد السياسي الحديث أكثر تعقيدًا بكثير وتمزقه انقسامات الأيديولوجية وليس مجرد حسابات مالية بسيطة.
ومن شبه المؤكد أن عزمه على سحب دعمه لأوكرانيا «إنهاء الحرب هناك» يعني السماح بالضم الروسي الإمبريالي. ويبقى أن نرى ما يعنيه ذلك للمنطقة برمتها، بينما يواصل بوتين مشروعه التوسعي. ومن المؤكد أن ظهور عالم متعدد الأقطاب بنحو أكبر سيقربنا من حرب عالمية ثالثة في لحظة ما. ويعنى الأمر بالنسبة للفلسطينيين مزيدا من المجازر والهزائم. وقد أوضح ترامب لنتنياهو أن بإمكان قادة اليمين المتطرف في إسرائيل «القيام بكل ما يتوجب عليهم» للانتصار.
لا يمكن إنكار الحاجة إلى مواصلة المقاومة. فالكثير من الناس يشعرون باليأس في اللحظة الراهنة، وهذا بالضبط ما يريده اليمين المتطرف والفاشيون. إنهم يشعرون بمتعة سادية في إلحاق الهزائم بـ «الناهضين» وباليسار. لكن السياسة تتحدد بالصراع على السلطة والسلطة المضادة، وببناء تحالفات جماهيرية للمقاومة، وبرصد نقاط ضعف معسكر العدو وحشد القوى لكسر قوته.
تتضامن منظمة المقاومة المناهضة للرأسمالية ACR تضامنًا تامًا مع أولئك الذين يرفضون هذا التحول الاستبدادي في الولايات المتحدة ويسعون إلى النضال من أجل عالم أفضل. نعلم أن السنوات القليلة القادمة ستكون صعبة، ولكن حركتنا مرت بأوقات عصيبة من قبل. نعلم أن الأمور ستزداد سوءًا قبل أن تتحسن. ولكننا ندرك أيضًا أن ندافع عن عالم ما بعد الرأسمالية والإمبريالية والنزعة العسكرية، قائم على مجتمع يلبي حاجات الجميع ويحقق الاستدامة البيئية. لقد بات الاحتباس الحراري المنفلت أمرا واقعا، وكذلك التوطد العالمي لليمين المتطرف؛ فالاثنان مرتبطان. والسياسة لا تتوقف عند صناديق الاقتراع – وهذه كذبة أخرى اعتمد عليها الحزب الديمقراطي. فالقوة تأتي من تنظيمنا ومقاومتنا. نحن نناضل من أجل تغيير ثوري. إن دورنا هو أن نكون جزءًا من الرد العالمي لتغيير العالم، وإعادة الظفر بالمستقبل وبناء مجتمع أفضل للجميع!
اقرأ أيضا