أي دلالة يكتسي «التعديل الحكومي»؟
جرت، يوم 23 أكتوبر 2024، ترتيبات في حكومة الواجهة باستعاضة عن وزراء بآخرين، خرج ثمانية ودخل أربعة عشر، منتمون لنفس الأحزاب، خارج أي سياق سياسي ضاغط. هذا مع أن دواعي تغيير وزراء بإقالتهم، بعد تفجر فضائح أو التسبب في مصائب، دواعٍ تُعَدُّ ولا تحصى. حتى هذا الإجراء العادي في الديمقراطيات الشكلية غير وارد في الديمقراطية الحسنية الجارية بلا انقطاع بالمغرب منذ استقرارها قبل أكثر من نصف قرن.
هذا التعديل الحكومي مجرد إجراء إداري أريد به التظاهر بالعمل بضبطٍ وتقويمٍ لتأمين حسن سير «العمل الحكومي»، وبكون رئيس الحكومة ماسكا فعليا بزمام شؤون الدولة. والحال أن لهذه رئيسُها وحكومةٌ أخرى فعلية لا يجري الكلام عنها حتى، ثابتةٌ على تعاقب حكومات الواجهة.
تُمسِك الحكومة الفعلية المتوارية سلطةَ تسيير البلد بمنطق مصلحة رأس المال المحلي الكبير وحليفه الاستعماري الجديد، يجمعهما استغلال قوة عمل الشعب ونهب موارد البلد وتخريب بيئته.
لحكومة الواجهة وظائف، منها تمويه الاستبداد، وإيهام الشعب المقهور أن له تأثير فعلي يمارسه بانتخاب مؤسسات تنبثق عنها حكومة. وقد أتى هذا أكله على الدوام، وكان ذي فائدة عظمى للنظام في منعطفين بارزين في تاريخ المغرب الحديث:
أولا؛ لحظة إشراف حكم الحسن الثاني على نهايته، وانتقال العرش، حيث جرت خدعة ما سمي «حكومة التناوب»، ثم في العام 2011 لما استبد الخوف بالنظام، بإسقاط السيرورة الثورية الإقليمية رؤوسا عدة، فأُفسِح في المجال لما سمي «حكومة الاسلاميين».
ثانيا؛ وظيفة الدرع الواقي للملكية من سخط ضحايا الاستغلال والاضطهاد والاستبداد، حيث تتناوب فرق من أحزاب متباينة ظاهريا لتحميلها وزر النتائج الاجتماعية لسياسات نيوليبرالية مدمرة وقامعة.
وأخيرا؛ تنهض حكومة الواجهة بوظيفة إرضاء الملكية للبرجوازية سياسيا بتمكينها من مشاركة سياسية لتأمين ولائها، الأمر المناسب لبرجوازية جبانة لا قدرة لها على مواجهة الاستبداد وانتزاع ديمقراطية.
لن يطال واقع الأغلبية الشعبية أدنى تغيير حتى بإبدال الحكومة بكاملها، وحتى بعودة أحزاب توجد حاليا فيما يسمى، كذبا وتضليلا، «المعارضة». فكل القوى السياسية المندرجة في الآلية السياسية للاستبداد، حتى المنتسبة إلى اليسار، لا تجادل فيما هو جوهري، أي في الأمر الذي يحكم على الطبقة العاملة وسائر الفئات الكادحة بالفقر والمرض والجهل والخوف الدائم من المستقبل، ألا وهو النظام الاقتصادي والاجتماعي القائم على التملك الخاص لوسائل الإنتاج واستغلال قوة العمل: الرأسمالية.
أرقى ما بلغت المعارضةُ التاريخية هو سعيٌ إلى تقاسم السلطة مع الملكية من موقع ثانوي، بتوسيع ما يسمى الهامش الديمقراطي، دون منازعة في الطبيعة الرأسمالية للنظام الاقتصادي، مقتصرة على تطلعٍ إلى تعزيز البعد الاجتماعي، أي تلطيف العواقب، وتركيز على ظواهر ملازمة للنظام الرأسمالي، حتى المتزود بنظام ديمقراطي، كالريع والفساد.
حدود هذه المعارضة، «اليسارية» منها والإسلامية سواء بسواء، نابعة من طبيعتها البرجوازية. والمعارضة الحقيقية لم تقم لها قائمة بعد: المعارضة العمالية والشعبية. وإذ لا يتسع المقام لإبراز الجذور التاريخية لهذه الخاصية الأساسية للحياة السياسية بالمغرب، يكفي التأكيد على أن مؤهلات قيام معارضة حقيقية برزت ولا تزال، متجلية في الكفاحات العمالية والشعبية المتنوعة، من انتفاضات عفوية، وعصيانات، وإضرابات، ومسيرات وشتى صنوف الاحتجاج والتعبير عن السخط، تبلغ مستوى حرق الذات. هذا الكمون النضالي الطافي إلى السطح بنحو متواتر، بوثبات مفاجئة أحيانا، بحاجة إلى تنظيم ووعي مكتمل. منطلق عمل التوعية والتنظيم هذا هو النضالات الجارية، بمستواها الدفاعي الابتدائي، وهي نضالات لمعالجة الأضرار وتحسين الأوضاع، يتعين التدخل فيها بمطالب جوهرية واضحة، تجد لها تأليفا في برنامج تغيير شامل وعميق، وبطرائق ديمقراطية لتنظيم النضال وأدواتٍه تحقق وحدة المعسكر العمالي-الشعبي. سيرورة بناء هذه المعارضة، وبالقلب منها حزب الشغيلة الاشتراكي، ليست عفوية بأي وجه، بل مشروطة بنشاط الأقلية الثورية المسلحة بدروس كفاح طبقتنا، محليا وعالميا.دروس عشرات العقود من السعي إلى الاستعاضة بنظام الرأسمالية، القائم على الإكراه والسيطرة والتملك الطفيلي، بنظام قائم على الاستعمال الأمثل للموارد لغايات إنسانية عقلانية وبيئية.
ضمن هذا المنظور التحرري الكفيل بإخراج المغرب من مهازل حكومات الواجهة المتتالية صوب حكومة عمالية-شعبية، تُنفذ برنامج تغيير حقيقي، تندرج جهود أنصار جريدة المناضل-ة ونصيراتها، برؤية طبقية وحدوية تروم تلاقيا مع كل قوى النضال العمالي والشعبي بكل صنوفها وتنوع تجاربها وأصولها.
اقرأ أيضا