النساء الأكتوبريات: [فصل من كتاب مآزق لينين]
بقلم؛ طارق علي
تقديم جريدة المناضل-ة
أمعلوم أن أول امرأة وزيرة في العالم كانت بلشفية؟ يوم 23 يناير 1917، جَرَّ اضرابٌ عفوي لعاملات النسيج شغيلةَ التعدين والأحزاب الثورية، المتحفظة في البداية، إلى الانتفاضة، وأفضى في بضعة ايام إلى تخلي القيصر عن العرش وتشكيل أول سوفييت. فجأة ارتقت النساء الى وظائف قيادية.
وسواء كن مفوضات في الجيش، منظرات، محرضات، صحافيات، مسؤولات حزبية…ترافق بروز هاته النساء مع تغيير تشريعي واجتماعي جذري، من حق التصويت والترشح الى حق الاجهاض (منذ1920)، وكلها أوجه تقدم نحو المساواة، تعرضت مثل الكثير من المكاسب، للدوس من طرف البيروقراطية الستالينية.
صفحات من كفاح النساء عرضة للطمس يتعين كشفها للجيل الشاب من النسويات لتكون مرتكزا على طريق التحرر النسوي.
نعرض لقراء المناضل-ة وقارئاتها فصلا من كتاب مآزق لينين لطارق علي، على أمل مواصلة عمل التنوير هذا بالتعريف برائدات النضال النسوي الاشتراكي.
المناضل-ة
لعبت النساء دورًا رئيسيًا في ثورتي عام ١٩١٧، وذلك بقدر أعظم كثيرا من دورهن عام ١٩٠٥؛ في الواقع اندلعت انتفاضة فبراير بسبب إضراب النساء في مصانع النسيج لدورهن المزدوَج كعاملات، وفي حالات كثيرة كزوجات للجنود على الجبهة أَرسَلن مناشدات إلى لعاملات المعادن للانضمام إليهن، وفي نهاية اليوم، سارت ٥٠ ألف عاملة في شوارع العاصمة، وانضمت إليهن ربات بيوت في مسيرة إلى مجلس الدوما للمطالبة بالخبز. كان ذلك في يوم النساء العالمي (مارس وفقا للتقويم الجريجوري)، والذي قدمته الناشطة البلشفية كونكورديا سامويلوفا للروس عام ١٩١٣، ليجري الاحتفال به ويُذكر ويُلاحظ بداية من ذلك العام. عادة ما كان حدثًا عاما صغيرا يجري في عدة مدن، أما الاحتفال به من خلال إضراب جماهيري للعاملات النساء فكان فعلا غيرَ مسبوق. كانت هناك مفارقة خاصة: كان الرأسماليون الروس يفترضون أنه لأن النساء أكثر المجموعات المقموعة والمطيعة والرجعية اجتماعيًا (بمعنى أنهن على خلاف النساء الإرهابيات في العقود السابقة، كانت الغالبية العظمى منهن أميات)، هذا سيجعلهم وفقا للمنطق الرأسمالي أكثر أعضاء قوة العمل خضوعا وخُلوًّا من المشاكل. كان هذا خطأ في التقدير، ومع استمرار الحرب العالمية الأولى، زادت الحاجة لعمال أكثر، تضاعفت نسبة النساء في المصانع مرتين وثلاثا. كان مصنع بوتيلوف للسلاح ينتج أيضًا جل العمال المقاتلين والمنظمين الشيوعيين، إناثًا وذكورًا.
في موسكو أيضًا تحولت العاملات إلى الراديكالية. إحداهن كانت أنا ليتفيكو، التي كانت في الثامنة عشر من عمرها عام ١٩١٧، ووصفت بعد ذلك عملية التحول في مذكرات مختصرة؛ هي وصديقتان لها كن يعملن في مصنع إلكترولامبا في حزام موسكو الصناعي. تذكرت عودة أبيها لبيته عام ١٩٠٥ بعد رفع آخر متراس في المدينة “مضروب في كل جزء من جسده، وملابسه ممزقة وجيوبه ممتلئة بالخرطوش”، هذه المرة كان الأمر مختلفا؛ كان العديد من الجنود والقوزاق في صفهم. في أكتوبر توجب اختيار أي جانب تقف في صفه: المناشفة أم البلاشفة؟ أُعجبت آنا بمنظمين بلشفيين اثنين عملا معها. في هذا المصنع أَرسل المناشفةُ المثقفينَ ليخطبوا فيهم من الخارج، “ولكن ساعتها قيل لي إن عادة ما كان العكس صحيحا – كان المناشفة هم العمال والبلاشفة هم المثقفون كيف أحل هذا الإشكال؟”.
في أحد الأيام انتظرت أحد البلاشفة وسألته: “ما الفرق بين البلاشفة والمناشفة؟” فرد قائلا:
“كما ترين طُرد القيصر، ولكن ظل البرجوازيون وقبضوا على زمام السلطة. البلاشفة هم الذين يريدون قتال البرجوازيين إلى النهاية. المناشفة ليسوا هذا الشيء أو ذاك”.
قررت آنا أنه إذا كانوا سيقاتلون إلى النهاية فسوف أنضم إلى البلاشفة”. انضمت صديقتاها لها[1].
لا أحد من المشاركين أو زعماء الأحزاب السياسية الموجودة في العاصمة كان لديه أي فكرة أنه سيكون اليوم الأول للثورة، باستثناء الموظفتين اللتين سمعهما سوخانوف خلسة بعدما وصل إلى المكتب ذلك الصباح. خرجت النساء في اليوم التالي أيضا، وفي هذه المرة خرج الرجال أيضا. صارت أحزاب اليسار الآن متيقظة تماما، تكتب المنشورات وتطبعها وتوزعها، تشابهت اللهجة في معظمها، باستثناء منشورات البلاشفة، التي طالبت أيضا بالسلام والإنهاء الفوري للحرب الإمبريالية. بحلول نهاية الأسبوع تحول النسيم الهادئ إلى عاصفة. سوخانوف، الموجود الآن في الشوارع ليدون ملاحظات ويستوعب الموقف، اختلس السمع لشخصين غير متعاطفين؛ قال الرفيق ذو الوجه المحبط: “ما الذي يريدونه؟”، فجاء الرد من قرينه: “يريدون الخبز والسلام مع الألمان، والمساواة لليهود”. رأى مؤرخ المستقبل أن الرجل أصاب كبد الحقيقة، وعبر عن بهجته من “هذه الصيغة النابهة لبرنامج الثورة العظيمة”.
كانت هناك امرأتان فقط في عضوية اللجنة المركزية البلشفية عام ۱۹۱۷: ألكساندرا كولونتاي[2] وإيلينا ستاسوفا[3]. انضمت فارفارا ياكوفليفا بعد مرور عام وصارت وزيرة التعليم عام ۱۹۲۲، وبعدها صارت وزيرة المالية. لم يكن المناشفة أفضل حالا؛ الفارق الرقمي مع إرادة الشعب الإرهابية كان مذهلًا للغاية، ولكن حتى الوضع مع خلَفِها “حزب الاشتراكيين الثوريين” أظهر كم الأشياء التي تغيرت في القرن الجديد. نسبة النساء في كياناتهم البارزة أيضًا سجلت انهيارًا شديد الحدة، على الرغم من أن ذلك كان أقل بهامش ضئيل في جناحهم الإرهابي، تنظيم القتال[4].
تنوعت أسباب ذلك؛ جُندت النساء العاملات بأعداد هائلة في التجمعات الصناعية؛ المقارنة السياسية كاشفة بالقدر نفسه؛ هؤلاء الرجال والنساء القادمين من الجماعات القديمة، والذين أرادوا الحفاظ على ولائهم في زمن مختلف، ربما انضموا للاشتراكيين الثوريين، ومعظمهم ظهروا الآن في المجال العام بدون قناع الإرهاب”[5].
لم تكن ألكسندرا كولونتاي المرأة الوحيدة التي لعبت دورا هاما في بدايات الاتحاد السوفييتي، ولكن بلا شك كانت الأكثر موهبة، وكان لديها عقل وروح مستقلين كلية. يمكن أن نرى في أعمالها مركب النسوية الثورية (الاشتراكية لا الراديكالية)، فهمت أكثر من معظم من حوْلَها الاحتياجات الاجتماعية والسياسية والجنسية لتحرير المرأة، أحيانا ما كانت تقسو في تقديرها للنساء من الخلفيات الطبقية المختلفة، ولكت تلك الآراء لم يشاركها فيها العديد من رفاقها الذكور أو الإناث. كان يُساء تفسيرُها وتصويرُها عن قصد لتظهر كمدافعة عن التحرر الدائم؛ اعتاد الملاك الصغار في الريف أن يستخدموا اسمها لتحذير الفلاحين الفقراء من أنهم لو واصلوا خطة الزراعة الجمعية سيكون عليهم أن يتقاسموا نساء عائلاتهم الشابات مع جميع الرجال الآخرين، في حين سيلقى بالنساء العجائز.
كانت كولونتاي واعية للغاية بالطبيعة العبثية لجل مظاهر البروباجندا، وانزعجت بشكل خاص حين اتهمت بتفضيل الجنس عن الحب. في مقالها السيري القصير “سيرة امرأة شيوعية متحررة جنسيا”، شرحت أن الحب لعبَ على الدوام دورًا كبيرًا في حياتها، ولكنه كان تجربة عابرة، والأكثر أهمية هو الحاجة لفهم أن الحب ليس الهدف الأساسي لحياتنا، وأن نعرف كيف نضع العمل في مركزها. كان بإمكانها أن تضيف “…كما يفعل الرجال”. أرادت أن ينسجم الحب مع العمل، ولكن مرارا وتكرارا تسير الأمور في اتجاه مختلف، لأن الرجل حاول على الدوام فرض أناه علينا، وأن يستغلنا كلية من أجل تحقيق أغراضه يكون الخيار بين قبول هذا الموقف أو معارضته وإنهائه. شرحتْ أنه “لأن الحبَّ صار قيدا”، فالطريق الوحيد لكسره هو “التمرد الداخلي المحتم… نشعر أننا مستعبدات، ونحاول أن نفك رباط الحب”. لم تزعم بغياب التناقضات في هذا الاندفاع “نحو الحرية”، إنما على العكس: “نحن وحدنا مجددًا، تعيسات، وحيدات، ولكن أحرار – أحرار لنسعى لتحقيق عملنا المثالي المختار المحبوب”. كانت هذه واحدة من المقولات الأساسية المبكرة بداخل القيم النسوية الحديثة، والتي تراجع عنها القرن الواحد والعشرين على الرغم من التبجيل المستمر الذي يحتفي بـ “زواج المثليين”.
كتب لينين عام ۱۹۱٨ أنه من “منطلق تجربة كل الحركات التحررية يمكن الإشارة إلى أن نجاح أي ثورة يمكن أن يُقاس بقدر مشاركة النساء فيها”. كل الثوريين الروس تقريبا، بغض النظر عن فصيلهم أو حزبهم اتفقوا مع هذا الرأي على الدوام. كما ناقشتُ في الفصل ۱۲، بداية من الستينيات من القرن التاسع عشر، لعبت النساء الروسيات دوراً نموذجيا، أكثر تقدما من شقيقاتهن في بقية أنحاء أوروبا والقارات الأخرى.
كانت النقاشات عن دور الأسرة النووية في المدينة والريف، وعن وظيفة الزواج متقدمة وواقعية في روسيا عن كل الأماكن الأخرى في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين. أدت ثورتا عام ۱۹۱۷ إلى تسريع من هذه العملية، لأن هذه القضايا لم تعد الآن أفكارا مجردة. أصر ماركس وإنجلز وبيبل على أن الرأسمالية تنفي الاستخدامات والاحتياجات التقليدية للأسرة. في المجتمعات القروية تعمل الأسرة كوحدة إنتاج جمعية؛ يعمل الجميع، على الرغم من أن النساء تكد بشكل أكبر. استخدمت كلارا زتكين، إحدى زعماء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، أعمال المفكرين الثلاثة الكبار كنقطة انطلاق، وحللت الاختلافات بين الفلاح والعائلة البروليتارية، وذهبت إلى أن الأخيرة وحدة استهلاك لا إنتاج. استخدم المفكرون السوفييت هذا التحليل بشكل أكبر بعد الثورة؛ لدى نيكولاي بوخارين، وضع تطورُ الرأسمالية كل البذور الضرورية لتفسخ الأسرة: وحدة الإنتاج تغيرت وصارت المصنع، والعمل المأجور للنساء والرجال، وبالطبع طبيعة الحياة والعمل المدينيين التي تتطلب المشي المستمر. اتفقت كولونتاي على أن الأسرة على حافة الفناء، وما كان يهم الحكومة البلشفية هو جعل هذا الانتقال لأشكال جديدة يسيرًا بقدر الإمكان، بتقديم الدولة حضانات ومدارس ومرافق غذائية مجتمعية عالية المستوى، إلى جانب المساعدة في الأعمال المنزلية. ناصر لينين بقوة هذه الرؤية، انتقاداته للأسرة كانت لاذعة بشكل خاص، استنكر “فساد وتعفن وقذارة الزواج البرجوازي، وصعوبة إنهائه، وامتيازاته للزوج وتقييده للزوجة، وأخلاقياته وعلاقاته الجنسية الزائفة المقرفة”.
ظل العدو على الدوام هو الشريك الذكر، الذي يتجنب تماما العمل المنزلي ورعاية الأطفال. قال لينين غاضبًا عام ۱۹۱۹: “العمل المنزلي التافه يسحقها ويخنقها ويحط منها ويقلل من شأنها؛ يقيدها بالمطبخ ورعاية الأطفال، وتضيع قدرتها على العمل في أداء غير مثمر بشكل وحشي، وتافه ومثير للأعصاب ومنحط وساحق”. حلوله كانت مطابقة لحلول الزعماء الثوريين الآخرين في هذا العصر: المطابخ والمغاسل ومحلات التصليح والحضانات ودُور الرعاية الجمعية، إلخ. ولكن لدى لينين لم يعن إلغاء العبودية المنزلية اختفاء المنازل المستقلة أو الأسر.
انعكست تلك الآراء في العمارة البنائية، عبرت مباني مويسي جينزبرج السكنية الكبيرة منها والصغيرة عن العهد الجديد، وحققت المغاسل الجماعية وغرف الطعام نجاحًا كبيرًا. كانت ملاعب الأطفال ظاهرة من كل مطابخ الشقق، وكان يمكن تغيير مساحتها بتحريك البوابات الخشبية الهائلة الموضوعة على عجلات. كانت رؤية جينزبرج، كما شرح في عمله الأبرز “العهد والأسلوب”، مستلهَمة بشكل كبير من فترة السنوات الخمس التي قضاها في القرم، فعلى الرغم من الحرب الأهلية، كان لديه الوقت ليزور المساجد القديمة والمباني الأخرى حيث تعلم أكثر مما تعلم في الأكاديمية الكلاسيكية في ميلان. وصف العمارة المندفعة العفوية لدى الشعب التتاري وهو “يمضي مع المسار الطبيعي، مُتَّبعا تشوهاته وغرائبه، واضعا الموتيف فوق الآخر بعفوية رائعة تخفي نظامًا خلاقًا مميزا”. ساهم مبنى البرافدا في لينينجراد، الذي بني عام ١٩٢٤، وعمل فيه مسرورا مع معماريين اثنين آخرين، في تكريس سمعته كأحد أفضل الممثلين للثقافة الحديثة[6]. تم تجاوز أعماله سريعًا من قبل انتهازيي عهد ستالين، ولكن بشكل رحيم ترُك لشأنه، وتوفى بهدوء على سريره عام ١٩٤٦.
كان البلاشفة فخورين للغاية بقراراتهم الأولى، التي صاغ لينين معظمها. في عام ۱۹۱۸، واحتفالا بالذكرى السنوية الأولى الثورة أكتوبر، أقرت اللجنة التنفيذية المركزية للسوفييت بالإجماع القانون الجديد للزواج والعائلة والوصاية، صاغه القانوني الراديكالي ألكسندر جويخ بارج، الذي كان في الرابعة والثلاثين من عمره في ذلك الوقت، والذي شرح أن هدفه هو التعجيل ب ـ”أقول” العائلة التقليدية. في زمن شاعت فيه هذه الآمال كتب: “السلطة البروليتارية تبني قوانينها وأعرافها ديالكتيكيا، وهكذا في كل يوم من وجودها تخلخل الحاجة لوجودها. كان الهدف وضع قانون يجعل القانون زائدا عن الحاجة”. بنى جويخبارج المنشفي السابق، أفكاره على الفلسفة السياسية المتضمنة في كتاب لينين “الدولة والثورة”، أشار عدد من المؤرخين أنه خلال السنة الأولى من الثورة، بدا وكأن كميونة باريس تعاد إلى الحياة.
لم يكن قانون العائلة الجديد من دون سابقة في التاريخ[7]، كان الإطار المحيط بالقوانين القيصرية للأسرة هو احتياجات الكنيسة الأرثوذوكسية والأديان الأخرى عند الضرورة. من المفيد عقد مقارنة بينها وبين أوامر السعودية والوهابية المعاصرة؛ كانت الأبوية الوحشية نافذة بتصديق من الكنيسة بنفس القدر من القسوة، احتاجت النساء لإذن الرجال من أجل كل شيء تقريبا، ومن ضمن ذلك جواز السفر، كانت الطاعة الكاملة جبرية ولم تتمتع النساء بحقوق باستثناء حقوق الملكية. قوانين الأسرة الأوروبية الغربية الذي يعود أصلها إلى النظام الإقطاعي أسست للملكية “المشتركة”، التي كانت تعني في النهاية الملكية والسيطرة الذكورية. سمحت الكنيسة الروسية بحقوق ملكية منفصلة فيما يتعلق بالدوطات والميراث والهدايا والأراضي. هذا هو الوضع نفسه في السعودية، أُنكر على النساء الحقوق والمساواة السياسية، ولكنهن يستطعن التملك؛ سيدات الأعمال يعشن جيدا جدا.
بعد مرور عدة أشهر من أكتوبر عام ۱۹۱۷، ألغى أحد القرارات كل القوانين المتعلقة بالأسرة وبتجريم السدومية. لم تعد النساء تابعات قانونا، صار لديهن حقوق متساوية مع الرجال؛ صار الزواج الديني باطلا ولم يعترف القانون سوى بالزيجات المدنية. صار الطلاق يمنح عند طلب أي من الشريكين، ولم يعد من الضروري النظر في أي أساس للطلب. وكذلك النفقة: أتيحت الضمانات نفسها للشريكين. ألغيت قوانين المِلكية التي تعود إلى قرون طويلة، منهية الامتيازات الذكورية ونزع لطخة البنوة غير الشرعية. حصل كل الأطفال على الحقوق نفسها، بغض النظر عن زواج الأبوين الرسمي من عدمه. شكل هذا إعادة بناء راديكالية للقانون الأوروبي من خلال فك القيود الأسرية من عقد أو شهادة الزواج. المثير للاهتمام، أنه لم يُسمح بالتبني المستقل على أساس أن الدولة الجديدة ستكون أبا أفضل من الأسر المستقلة. وبسبب أكثرية الفلاحين، تولد خوف من أن هذا سيُيسِّر استخدام عمالة الأطفال في الريف. ذهب تربويون يوتوبيو إلىن أن إلغاء التبني المستقل خطوة انتقالية نحو دولة توفر الرعاية لجميع الأطفال.
استنكر نقاد القانون الجديد معاييره باعتبارها إذعانا للأعراف البرجوازية. كتب جويخبارج: “صرخوا فينا (تسجيل الزواج والزواج الرسمي)، أي نوع من الاشتراكية هذه)”. وكانت ن. أ. روسلافيتس، المندوبة الأوكرانية للجنة التنفيذية المركزية للسوفييت عام ١٩١٨ حيث نوقش القانون الجديد، غاضبة من تدخل الدولة بأي طريقة في مسألة الزواج، إنه قرار فردي ولا بد أن يظل كذلك. استنكرت القانون واعتبرته “إحياء برجوازيا”: “تدَخُّل الدولة في مسألة الزواج، حتى في شكل التسجيل الذي يقترحه القانون، أمر غير مفهوم على الإطلاق، ليس فقط في النظام الاشتراكي، ولكن في الفترة الانتقالية، واختتمت كلامها غاضبة: “لا أفهم كيف يؤسس القانون لزواج أحادي إجباري”. ردا على ذلك طلب جويخبارج منها ومن الآخرين أن يفهموا أن السبب الرئيسي لصياغة قانون علماني هو تقديم بديل للكنيسة للناس الذين يرغبون في تسجيل الزواج، إذا لم تقم الدولة بهذا، فالعديد من الناس، خاصة في الريف، سيعقدون زيجات سرية في الكنيسة. انتصرت حجته، ولكن بعد جدال طويل[8].
في هذه الأثناء، عام ۱۹۱۹، أنشأت الحكومةُ الثورية الجينوتديل (هيئة العمل وسط العاملات والفلاحات)، وكان هدفها تحرير النساء. تكونت قياداتها من نساء كن ناشطات في هذا المجال في السنوات ما قبل الثورية الحاسمة- إينيسا أرماند، والكسندرا كولونتاي، وصوفيا سميدوفيتش وكونكورديا سامويلوفنا، وكلافديا نيكولايفا – وفهمن الاحتياجات الخاصة بالنساء. لم يكن التحرر النسائي هدف معظم النساء. اعتبر الاشتراكيون الديمقراطيون وفيرا زاسوليتش وروزا لوكسمبورج ذلك انحرافا في زمن تواجه فيه الإنسانية كلها مهاماً هائلة. لم تر نساءُ الجينوتديل أنفسهن كيوتوبيات. آمن ببساطة أن تحرر النساء واحدة من المهام التي تواجه الثورة، لم تعتقد أي منهن أنه بالإمكان تحقيق ذلك سريعًا أو حتى خلال حياتهن، ولكن لا بد من البدء الآن وإلا ستتلاشى القضية ببساطة وتتراجع إلى الخلفية. كان لا بد من اتخاذ فعل مباشر متعلق بانتقال الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال إلى مؤسسات الدولة؛ لم يكنَّ يعنينَ بذلك “فالانستيرات” هائلة، كما تخيلها فورييه، وتشرنشفسكي وبوخارين. أرادت النساء أن تتيح الإدارات المدينية مؤسسات محلية متخصصة في أشياء مثل مراكز الرعاية المجانية، وغُرف طعام، ومغاسل عامة. خضع هذا لنقاش ساخن. ألقى لينين خطابا في مؤتمر للنساء في سبتمبر من ذلك العام، ذهب إلى أن احتياجات الجينوتديل وعملها “لا يمكن أن تظهر منه نتائج سريعة…. ولن تؤدي إلى تأثير كبير”. تبنى تروتسكي الرأي نفسه في عدة مقالات صحفية، واستعان بالعديد من الأمثلة من حياة الطبقة العاملة أشارت إلى أن الحذر ضروري، في حين دافع عن فكرة أن البروباجندا المجردة ليست كافية لتغيير العلاقات الجندرية؛ لا بد من القيام ببعض الأفعال، وبعض التجارب لتحقيق مميزات ملموسة للجميع.
في الواقع كان البلاشفة القدامى (رجالا ونساءً) هم اليوتوبيون للأسف. لم يكن إلغاء المِلكية الخاصة كافيًا. أدى انتصار المحافَظة في الاتحاد السوفييتي بعد عام ۱۹۳۰ إلى “ثرميدور جنسي” وإعادة ترسيخ أدوار النساء “التقليدية” حتى من دون تغيير القوانين، باستثناء إعادة تجريم المثلية الجنسية عام ١٩٣٤. في المقابل نُفِّذت الأفكار العملية التي وضعتها الجينوتديل بعد نهاية الحرب الأهلية، بواسطة المعماريين الذين صمموا مبان سكنية للعمال كما شرحتُ سابقا.
على المستوى الوطني، نشطت عضوات الجينوتديل بشكل كبير للتأكيد على عدم تجاهل النساء في مسألة اللجان الثورية العسكرية، وأجهزة الحزب المحلي والنقابات، والقسم السياسي بالجيش الأحمر. مجددًا صارت مشاركة الروسيات في الحروب الحزبية والإرهاب السري نموذجية. في الماضي كثيرا ما قَتلت الفلاحاتُ الجنودَ الفرنسيين الذين انقطعوا عن جيش نابليون باستخدام المناجل والمذار ، أو بحرقهم أحياء ببساطة.
خلال الحرب الأهلية، عمل العديدُ من النساء كمفوضات سياسيات وممرضات في المستشفيات الميدانية. كانت الحياة الحزبية قاسية، ولكن النساء أحبين المساواة التي تمتعن بها مع الرجال، هذا التقليد الذي سيَبرز مجددًا في الحرب العالمية الثانية. يصف ريتشارد ستايتس كيف كان “البِيض يعاملون الممرضات المأسورات عادة بوحشية خاصة. شُنقت ثلاث ممرضات بالضمادات على دعائم مستشفاهم الميداني مع غرس دبابيس الكومسومول (الشبيبة الشيوعية) على ألسنتهن”. انضمت آلاف النساء للجيش الأحمر وقاتلن في كل الجبهات وبكل الأسلحة، حملن البنادق، وقدن قطارات مسلحة وحملن المدافع[9]. وصرن أيضًا جاسوسات؛ أُعجب لينين كثيرًا بالتقارير القادمة من أوديسا وباكو والتي ذكرت أن النساء الأعلى تعليما في الجيش الأحمر واجهن بكفاءة الجنود الفرنسيين والبريطانيين الذين حاربوا إلى جانب البيض، وجادلن الجنود بلغتهن ضد التدخل الأجنبي. أمر بإنشاء مدرسة خاصة للجاسوسية وإحداث الاضطرابات صار مقرها في منزل كبير بموسكو تحت قيادة الثوري الجورجي الأسطوري كامو، الذي كانت مآثره هائلة بداخل العالم السفلي المضاد للقيصرية. شكل من التحقوا بالمدرسة (والعديد منهم كن نساء، ومن ضمنهن الموهوبة لاريسا ريسنر) أول كتيبة مقاتلة للعمليات الخاصة[10].
لاقت النساء البلشفيات مقاومة حقيقية في الجبهات التحررية الأخرى، صادفن مشكلات هائلة حين أقمن مقرات متواضعة في القوقاز وآسيا الوسطى، وكذلك أوكرانيا. كانت النساء المحليات خائفات وخجولات. هدد الرجال النسويات بالعنف حتى لو اقتصر الأمر على أن تتعلم نساءهم القراءة فقط في إحدى “كبائن القراءة” التابعة للجينوتديل.
بعد رحلة إلى القوقاز عام ۱۹۲۰، نقلت كلارا زتكين لمقر الجينوتديل ما أخبرته لها النساء بعدما قضت عدة أسابيع تقنعهن فيها بالحديث:
“نحن عبيدات صامتات علينا أن نحتمي بغرفنا وخوفنا تجاه أزواجنا، إنهم أسيادنا”.
“باعنا أباؤنا في عمر العاشرة كنا حتى أصغر من ذلك. سيضربنا زوجنا بالعصا ويسوطنا إذا رغب في ذلك، إذا أراد أن يجمدنا سنُجمَّد. باع بناتنا، مصدر بهجتنا واللواتي كن يساعدننا في المنزل، باعهن مثلما باعنا آباؤنا”.
أتَت الأعمال التي قامت بها الصفوف الدنيا من نساء الجينوتديل في أنحاء البلاد ثمارها دون شك، وضعت الأساس لفرض نظام صارم للمساواة الجندرية حتى في أكثر المناطق الرجعية اجتماعيا في الاتحاد السوفييتي الشاب[11]. “تلك النساء الشجاعات والواثقات من أنفسهن واجهن الرجال مباشرة من دون أسلحة أو حراسة. قتل “بلطجية” ثلاثة نساء من كوادر الجينوتديل. وفي قلب إحدى المدن المسلمة، عُرض تصوير فيلمي لبطلة مسلمة رفضت أن تتزوج من رجل شيخ كان قد اشتراها. في باكو، هاجم رجال ومعهم كلاب مسعورة (لم يكن هناك فارق بين الاثنين) نساء خرجن من أحد نوادي الجينوتديل وشوهوهن بمياه مغلية. ذهبت امرأة مسلمة في العشرين من عمرها، فخورة لأنها حررت نفسها، للسباحة بملابس بحر، فقطعها أبوها وأخوتها إربا لأنها “لطخت شرفهم”. جرت ٣٠٠ جريمة قتل مشابهة (اعتبرتها الدولة مظاهر هجوم من الثورة المضادة) على مدار ثلاثة أشهر في عام ۱۹۲۹ وحده. ولكن على الرغم من الإرهاب الأبوي، انتصرت النساء في النهاية. بدأت مئات النساء المسلمات وغير المسلمات في تلك المناطق التطوع كمترجمات وموظفات في مكاتب الجينوتديل. واحتوت تقارير مؤثرة للغاية على قصص لآلاف النساء اللواتي خلعن أحجبتهن طوعًا وبجرأة في كل عيد عمال وكل عيد للمرأة. لم ينظرن أبدا إلى الوراء، كان التحرر الذاتي هو النموذج الذي اقترحته الجينوتديل، ولم تفرضه الدولة، وتحقق بالفعل.
عارض عدد من البلاشفة البارزين الجينوتديل، طالب ريكوف، المنغمس بشدة في النقابات الذكورية المهيمنة، بحل الجينوتديل لأنها تثير القلاقل. عارض زينوفييف حتى عقد مؤتمر للنساء عام ۱۹۱۹. أراد آخرون أن يستخدموا الجينوتديل كطريقة لتهميش النساء وترك الحزب “الحقيقي” للرجال، وبشكل ما كان هذا هو الواقع. عُزلت إيلينا ستاسوفا، سكرتيرة الحزب في أكتوبر عام ۱۹۱۷، من منصبها حين انتقلت العاصمة إلى موسكو. شعرت بالغضب (على الرغم من أن خليفتها في المنصب جاكوب سفردلوف، كان أكثر المنظِّمين الموهوبين الموجودين) ورفضت أن تُبعَد إلى الجينوتديل، وصارت واحدة من الأمناء السياسيين في مكتب لينين. لينين نفسه دافع بقوة عن الجينوتديل ضد كل أشكال الرجعية، وفي حواره الأخير تقريبا عن الموضوع (في لقاء مع كلارا زتكين)، رد غاضبا حين عرف منها أن “الرفاق الجيدين” عادوا أي فكرة تقتضي من الحزب أن ينشئ كيانات خاصة من أجل “العمل المنظم بين النساء”، كان رأيهم أنه لا بد من تحرير الجميع وليس النساء فحسب، وأن لينين خضع لفكرة انتهاز الفرص في هذه المسألة. كتبت زتكين:
“قال لينين: هذا ليس أمرًا جديدًا ولا يعتبر دليلا. لا ينبغي أن يضللكِ ذلك. لِم ليس لدينا عدد نساء بقدر الرجال في الحزب – لِم لَم يحدث هذا في أي وقت في روسيا السوفييتية؟ لِم عدد النساء المنتظمات في النقابات صغير جدا؟ الحقائق تقدم الغذاء للفكر… هذا هو سبب أنه من الأحرى بنا أن نضع المطالب التي تعمل لصالح النساء… مطالبنا هي نتائج عملية لما استمددناه من الحاجات الملحة؛ الإهانة المذلة للنساء في المجتمع البرجوازي، النساء الضعيفات واللواتي لا يحظين بحقوق… ندرج هذه الاحتياجات وننهي إذلال النساء وامتيازات الرجال. هذا ما نكرهه، نعم، نكره كل شيء، وسوف نلغي كل شيء يعذب المرأة العاملة ويقمعها، وكذلك ربة المنزل، والفلاحة وزوجة العامل الصغير، نعم، وفي العديد من الأحيان النساء المنتميات للطبقات المالكة”[12].
كانت الجنسانية معركة أخرى، ولكنها لم تمثل جدالا جديدا. منذ الستينيات من القرن التاسع عشر، ظهرت خلافات حادة في الرأي بين الليبراليين والشعبويين والإرهابيين والاشتراكيين. كشف تشرنشفسكي، المعروف بكميوناته المجردة واليوتوبية المتخيلة عن جانب أكثر عملية؛ عندما عرف وهو في السجن أن زوجته جربت الخوض في علاقات مع عدة عشاق في غيابه، دافع عنها بشدة على أساس أنه لو كان باستطاعته لفعل ذلك، فلم لا تفعل هي؟ اتجه تولستوي لتعريف الجنس غير الإنجابي على أنه “شهوة”، وبشر بفضائل التبتل، خاصة في “سوناتا كريتسر”. بداخل الاشتراكية الديمقراطية الروسية كانت كولونتاي واحدة من الأنصار الرئيسيين لتحرر النساء الاجتماعي والسياسي والجنسي، صارت رمزا لـ”الحب الحر”، ولهذا السبب شُوهت بالداخل والخارج، تعرضت لأقسى الإهانات، وفي الأغلب كان أسوأ المهاجمين هم الأكاديميون الغربيون، فغيرهم كانوا متحفظين إلى حد كبير.اتهمها بيتريم سوروكين، الذي راقب البلاد بعد عام ۱۹۱۷، بـ”السادية الجنسية”، وكتب في يومياته أن “حماسها الثوري لا يمثل شيئًا سوى كونه إشباعا لإفراطها الجنسي”. لدى روبرت دانييلز كانت “محظية شليابنيكوف (من ضمن آخرين، لأنها كانت تمارس ما تبشر به)”. وجد إ. ه. كار صعوبة في إخفاء عداوته، وذكر للقراء أنها “بشرت بالإشباع غير المتحفظ للغريزة الجنسية، يدعمها افتراض أن تحمل مسؤولية ذلك يكون من شأن الدولة”[13].
لم تكن الجنسانية موضوعًا محظورًا، ولكن ماركس وإنجلز وبيبل افترضوا أن التحرر الحقيقي من هذه الجهة سيتحقق مع إنشاء مجتمع شيوعي. كثَّف انتصار الثورة الذي حققه الماركسيون العمليةَ من وجهة نظر البعض وبدأ الانتقال إلى التحرر الجنسي الغيري. كتبت كولونتاي مقالات وقصصا في عامي ۱۹۲۲ -۱۹۲۳، أكدت فيها على النقلة الأخلاقية الجديدة؛ سيتم تنظيم الحميمية الجنسية فقط وفقا للاحتياجات الفردية، هذه ليست مسألة تخص الدولة ولا تخص أي سلطة. تعرضت للانتقاد لدفاعها عن نسوية يوتوبية يستحيل الوصول إليها، وبالنسبة للبعض كانت خاطئة تماما. مع أخذ الظروف الفوضوية في البلاد بعين الاعتبار، سيذهب قادة الحزب متوسطو العمر (من بين آخرين) إلى أنه من واجب الحكومة أن تنظم أو تغير مسار الطاقات الشابة لمنع استغلال النساء الشابات. بعدما فزعت من شدة الهجمات، تراجعت كولونتاي وقبلت منصب سفيرة السوفييت في النرويج، لتصير أول امرأة يُعهد لها بمنصب دبلوماسي كبير. تراجعت الجينوتديل أيضا من ضغط الهجوم ووافقت على التركيز على الشؤون الأكثر عملية وسياسية، تاركة التنظيم جانبًا في ذلك الوقت. على الرغم منذلك رفضن قبول آراء بوخارين عن القدرات الانتقالية لمؤسسات الدولة الجديدة المركزية. بالنسبة لهن كان النشاط الذاتي والتحرر الذاتي من خلال الجدل الديمقراطي والفعل الجمعي هو طريق التقدم في عام ۱۹۲۷، وقبل ثلاثة أعوام مِن حل ستالين للمنظمة، أوضح نص لصوفيا سميدوفيتش (شاركت بنفسها في الثورة)، كُتب لإحياء الذكرى العاشرة لثورة أكتوبر، أساسيات أهداف الجينوتديل في فقرة واحدة:
“إشباع كل الاحتياجات؛ إمكانية أن يطور كل الناس ميولهم للمشاركة في هذا المجال أو ذاك، وأذواقَهم وميولَهم المصاحبة لذلك؛ التحرر الكامل من جميع أنواع القمع الذي يفرضه الإنسان على الإنسان، وفتح جديد لجميع الإمكانات الجديدة في النضال مع قوى الطبيعة، والانتصارات الجديدة عليها وتطوير إمكانات متعددة في الشخصية الإنسانية – تقريبا هذه هي الملامح الأساسية للمستقبل المشرق والحقيقي، وإن ظل مستقبلا بعيدة… هل هذا ممكن في ظروف قمع النساء؟”[14].
لم تكن هذه حقيقة الوضع وفقا لرأي البعض في البوليتبورو، فتجارب الكومسومول والطلبة في مسألة “الحب الحر” انحطت إلى زنا مُهتاج ومتاح للجميع ويسيطر عليه الذكور[15]، على الرغم أن مدى توازن هذا الرأي يظل محل شك. شعر ثالوث الزعماء ستالين وزينوفييف وكامينيف بالذهول من عدد الخلايا الشيوعية في الجامعات التي مررت قرارات تتفق مع نقد تروتسكي في البرافدا بصدد البيروقراطية المتزايدة في الحزب والدولة. بدأ البوليتبورو الإشارة إلى الميول البرجوازية الصغيرة، التي أخذ تروتسكي يرد عليها حتى أشاروا إلى “مقياس الشباب” الهام كمرشد ضروري للحكم على مدى تقدم الثورة. من الصعب معرفة مدى تأثير ذلك على مسألة الجنسانية أيضا.
ما لا يمكن إنكاره هو أن نساءٌ، لَسْنَ بالقليلات، لم يُعجبن بالموقف المفرط في استهانته بالجنس، والذي وصل إلى الجامعات عن طريق الجنود المسرحين مع نهاية الحرب الأهلية. هذا الاتجاه كان موجودًا أيضا وسط الفاسقين البوهيميين، وأعضاء البروليتكولت وجماعة ماياكوفسكي الذين تبنوا سمت الشاعر بمعاطفه الجلدية السوداء، وهيئته المنتصبة، وعناده الشيطاني الذي جعله هو وشِعره رائجين وسط الشباب. لم يحب لينين شعر ماياكوفسكي على الإطلاق، وكان يفضل بوشكين، ولكن ماياكوفسكي لم يكن يأبه لذلك. كان يتساءل علنا، وبحق، كيف تظل الأشكال الأدبية والفنية بدون تغيير وسط الثورات. ولم يكن هذا التعبير الوحيد عن عدم الاتساق لدى لينين.
لم يُفد هذا الكثير من النساء الشابات على أي مستوى؛ كانت وسائل منع الحمل غير متاحة أو بدائية. اقترحت إحدى النساء أن يكون الشعار الذكوري هو “الحرية والمساواة والأمومة”. أسيء تفسير “الإيروس المجنح” لدى كولونتاي وفقًا للأهواء. كانت قد دافعت عن العلاقات الحرة المبنية على الحب، ولكن أحد قادة الكومسومول صَوَّر في قصة قصيرة لاحقة ما بدا أنه يستعيد ذكريات هذه الحقبة بشكل أكبر: “يسقط الطغيان الرأسمالي للآباء قبلوا وعانقوا!… الحب الحر متاح”. أو هل كان هو المتاح؟
كتبت المؤرخة شيلا فيتزباتريك بشكل مُقنِع أنه لم يوجد نمط ثابت للجنسانية في الحياة الواقعية واليومية في العشرينيات، على الرغم من أن الناس شعروا بأنهم أكثر حرية وأقل شعورًا بالقيود. العديد من الطلاب الذين دخلوا الجامعات، خاصة من الخلفيات البروليتارية والجيش الأحمر، كانوا في الأغلب أكبر سنا ومتزوجين. كان الزنا هو سبب الطلاق في معظم الحالات. كشفت استبيانات جرت في موسكو وأومسك وأوديسا العديد من “مظاهر الخيانة”، وبينما اعترف الرجال بذلك أكثر من النساء، ففي بعض الأحيان تحدثت النساء بصراحة تامة. اعترفت امرأة شابة و”مخلصة عمليا” في أوديسا بأنه “بجانب وجود زوج لي، انجذبت لرجال آخرين يروقونني”. اقتصر نشاطها الجنسي على التقبيل، لأن “الفعل الجنسي لا يمثل أهمية خاصة بالنسبة لي، ولم تتأثر علاقاتي الأسرية بذلك”. وماذا عن زوجها؟
“لا أضمن زوجي في هذه المسألة، لأن الجميع إيمانهم عظيم بالمِلكية الخاصة (أي الزوجات/ الشريكات باعتبارهن ممتلكات)، حتى الشيوعيين، ولن يفكروا أبدًا بمنطقية. لا يريدون أن يفهموا ويتفقوا. الرجال أنفسهم يمكن أن تتعدد علاقاتهم، ولكن الزوجات، معاذ الله، لا يستطعن. أنا أجيب من منطلق أنني أتصرف كما يتصرف الرجال”[16].
لم يتطرق النقاش مطلقًا للحب المِثلي. بَطُلت القوانين القيصرية، وترك المثليون وحيدين، وإن استفاد من الجدل العام العديد من الناس الذي كانوا يرون في توجههم مَرضًا، ومنهم جيورجي تشيشرين، مفوض الشؤون الخارجية، والمرجع في الموسيقى الكلاسيكية، والذي كان يتحدث جميع اللغات الأوروبية الرئيسية بطلاقة، وأحد أكثر أعضاء القيادة البلشفية ثقافة. قضى هذا الرجل الذكي ساعات طويلة مع الأطباء الألمان، خلال سنوات المنفى قبل الثورة، من أجل أن “يعالج” مثليته، وفي النهاية توقفيائسا. ذكرت صديقته المقربة كولونتاي أنه كان يمارس إعلاء لرغباته من خلال العمل لساعات طويلة وشاقة وبلا شك ممزقة في وزارة الخارجية ثمفي الكومنترن.
جرَّم بطرس الأكبر المثليةَ في روسيا، إذ كان يقلد الحداثة الأوروبية على كل المستويات. قيل له إن تأديب “الثورتين العسكرية والبحرية” في بريطانيا العظمى تطلب تجريم السدومية، سار على هذا الدرب. ضغطت الكنيسة على نيكولاي الأول لينفذ القانون على كل السكان الذكور ولا يقتصر الحظر على القوات المسلحة، فنفذ ما طلبته الكنيسة. بشكل طبيعي لم يكن لهذا أي تأثير حقيقي على النشاطات المثلية في البحرية أو الجيش أو الكنيسة أو المجتمع كله. وُجدت العديد من الأماكن المخصصة لتلك الملذات في معظم المدن، وكانت العربات التي تجرها أحصنة أكثر الوسائل تفضيلا للرجال والنساء من هذه الجهة.
ماذا ستفعل الثورة حيال ذلك؟ بخلاف إيقاف التجريم (هذا الذي لم يتحقق في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية حتى الستينيات في القرن العشرين)، لم تفعل الكثير. دارت الجدالات، رأى بعض الأطباء النفسيين أنه بينما تعتبر المثلية “حالة باثولوجية”، فلا حاجة لوصمها بقسوة كما كان يحدث من قبل، إنها خطأ ولكنها ليست انحرافًا، وعلى أي حال، سيحل التقدم الطبي كل شيء، وكان هذا فحسب أحد الآراء. نُفذ أمر التوقف عن التجريم بداية من عام ۱۹۱۸. ولكن بعد ثلاثة أعوام من إغلاق الجينوتديل، صارت المثلية الجنسية مجددًا انحرافًا مُجَرَّمًا. استغل الخطاب السوفييتي المعادي للمثلية حقيقة وجود المثلية في الحزب النازي الألماني، واشتمل هذا الخطاب على لآلئ مثل الإشارة إلى أن المثليين عرضة لأن يصبحوا جواسيس للأجانب، متجاهلين أن الأرجح أن التجريم سيجعل هؤلاء الناس عرضة أكثر للابتزاز. ولكن الطوائف العليا في الحزب النازي لم تكن تضم مثليين كما زعم مروجو البروباجندا السوفييت. كتيبة العاصفة فقط هي التي ضمت عددا كبيرا من المثليين في المواقع القيادية، ويعزى ذلك جزئيا إلى الثقافة الرجولية القوية mannerbund وتعود تاريخيا إلى الحرب وترجع جزئيًا إلى ترقية روم مؤسس كتيبة العاصفة لرفاقه الذين يشاركون أفكاره. في عام ١٩٣٤، غذى “الكتاب البني” المحتفى به عن المحاكمة التي تلت حريق الرايخستاج أسطورة النازيين المثليين (وُصف فان در لوبي كذبا بأنه مثلي وهكذا ارتبط اسمه بالنازيين)، وللمفارقة الساخرة، غذته أيضاً ليلة السكاكين الطويلة المعادية صراحة للمثلية. على الرغم من مساهمة ذلك في تبرير الخطاب السوفييتي المعادي للمثلية، فالتأكيد الجديد لنظام ستالين على الثقافة الذكورية “الجندية” (التي اشتملت على سبيل المثال على إلغاء التعليم المشترك)، كانت مسؤولة بالقدر نفسه عن توليد هذه التبريرات.
وصلت معاداة المثلية الرسمية إلى ذروتها الفاسدة بالتصريح التالي لمفوض العدل ن. ف. كريلنكو، والذي أدلى به في مارس عام ١٩٣٦ أمام اللجنة التنفيذية المركزية:
“في بيئتنا، بيئةُ العمال الذين يعتنقون وجهة نظر العلاقات الطبيعية بين الجنسين، من يَبنون مجتمعهم على مبادئ صحية، لا نريد سادة صغار gospodchiki من هذا النوع. من هم المنغمسون في تلك الشؤون على الأغلب؟ العمال؟ لا! إنما حثالة الناس (ابتسامات في القاعة ثم ضحك). حثالة الناس، إما من الطوائف الحقيرة في المجتمع أو من بقايا الطبقات المستغِلة (تصفيق) لا يعرفون أي طريق عليهم السير فيه. (ضحك) بالتالي يسيرون في طريق … الشذوذ”. (ضحك)[17].
في عام ١٩٣٦، حظرت الدولة السوفييتية الإجهاضَ من أجل الترويج لـ”المسؤولية الأسرية”. قُدمت مكافآت تشجع على الإنجاب، وصار الطلاق أكثر صعوبة، وحسنت من إتاحة أذون للأمهات العاملات. بُنيت مراكزٌ لرعاية الأطفال، وأُقيمت محاكمات كمحاكمات المجرمين للرجال الذين رفضوا دفع النفقة. إحدى النكات الرائجة في موسكو في تلك الحقبة تحدثت عن قاض يصر أن يدفع المتهم نفقة إضافية:
قال القاضي: (لا بد أن تنفق “ثلثا” ثانيًا)
أجاب الرجل: (لا أستطيع فأنا أنفقه بالفعل)
(إذن فعليك أن تنفق “ثلثا” ثالثا)
(لا أستطيع فأنا أنفقه بالفعل)
سأله القاضي: (ما الذي تعنيه، أتنفق لزوجاتك السابقات كل أجرك، إذنمن أين تعيش؟)
أجاب الرجل:(أعيش على النفقة التي تحصل عليها زوجتي من خمسة رجال آخرین”).
كانت نكتة ستالينية، تعكس الحقيقة التي لا يمكن إنكارها وهي تحول الدفة تمامًا. بدت السنوات الأولى للثورة يوتوبية بالنسبة للعديد من نقادها، الذين بدأوا في الحنين للتشكك والجدالات، لتلك الأيام التي كان رسامو الكاريكاتير يصورون العذراء مريم وهي حبلى وتنوء بحملها وتنتظر الطابور بتلهف من أجل الحصول على إجهاض سوفييتي، تلك الأيام انتهت تماما.
التيار المستمر المتسم برهاب المثلية في الثقافة الروسية (سواء كان “إنكارا” فرويديًا للممارسات المثلية المنتشرة وسط الروس أم لم يكن كذلك) موجود حتى يومنا هذا. أتاح بعث الأرثوذوكسية في العصر ما بعد السوفييتي صوتًا سياسيا لهذا الرُّهاب. مرر الدوما والمجالس الإقليمية إجراءات عديدة معادية للمثلية، ولكن بوتين رفض مطالبات حظر المثلية، وصرح علنا في العديد من المناسبات أنه ليس لديه مشكلة مع المثليين، وعلى الرغم من المضايقات، هناك حياة مثلية مزدهرة في المدن الروسية الكبرى.
انتهى
[1]– Anna Litveiko, ‘In 1917’, in Sheila Fitzpatrick and Yuri Slezkine, eds, In the Shadow of Revolution: Life Stories of Russian Women, tr. Yuri Slezkine, Princeton, 2000, pp. 49-53.
كتاب “في ظل الثورة: قصص حياة نساء روسيات”، لشيلا فيتزباتريك ويوري سليزكين، هذا الكتاب الفاتن يضم مذكرات لنساء الاشتراكيين الثوريين ومن اتخذن صف البيض في الحرب الأهلية.
[2]– ألكساندرا كولونتاي: بلشفية مخضرمة، النصيرة الوحيدة لأطروحات أبريل. المرأة الأولى التي عُينت سفيرة إلى النرويج.
[3]– إيلينا ستاسوفا (١٨٧٣-١٩٦٦) بلشفية مخضرمة أخرى ومقربة للغاية من لينين، كانت سكرتيرة الحزب في بتروجراد عام ۱۹۱۷، وبعد ذلك مسؤولة بالكومنترن.
[4]– حل الجناح عام ۱۹۰۳ ، عندما تكشف أن قائدها كان يعمل مع الأوكرانا، البوليس السري القيصري.
[5]– صار اثنان من الاشتراكيين الثوريين، الكسندر كيرنسكي وفكتور تشرنوف، عضوين بارزين في الحكومة المؤقتة. كان كيرنسكي على الدوام وسطيًا ومؤيدا للحرب؛ حضر تشرنوف مؤتمر زيمرفالد وكان مولعا بإخبار الفلاحين أنه عندما تحل الثورة، لا بد من التخلص المادي من كل مالك وورثته من أجل نجاح أي إصلاح وكوزير غير كفء للزراعة في حكومة كيرنسكي، كانت السياسات التي حاول تنفيذها مختلفة قليلا. اشتراكية ثورية أخرى، وهي فاني كابلان، حاولت اغتيال لينين في أغسطس عام ۱۹۱۸ وكادت أن تنجح.
[6]– “في عام ۱۹۸٦، في واحدة من زياراتي الأخيرة إلى موسكو القديمة ما قبل الأوليجارشية، سألني المضيفون في اتحاد الكتاب كان مقره ساعتها منزلاً لأحد النبلاء القدامي، وكانوا أصدقاء مقربين لعائلة تولستوي، واستلهم منهم عائلة ناتاشا في روايته (الحرب والسلام) عما أريد فعله في اليوم الحر من الالتزامات. طلبت منهم أن أزور موسكو البنائية إن أمكن. وافق معماري تتاري على أن يكون مرشدي وكانت بالفعل رحلة لا تنسى. كانت المباني في مكانها، ولكنها غالبا لا ترى إلا حين يُشار إليها؛ قضيت وقتا طويلا في كل مبنى فيها، بصحبة مرشدي العليم، وهو يشير إلى كل سماتها الخاصة كانت هذه المرة الأولى التي سمعت فيها اسم جينز برج. كان أبرز مصدر للبهجة موجودًا على بعد أميال قليلة من مركز المدينة، فيما كان سابقا أول منطقة صناعية جديدة بعد الثورة. اختفت المصانع منذ وقت طويل، ولكن ظل هناك تجمع سكني متوسط الحجم لأسر الطبقة العاملة، كان في غاية الروعة. كانت المغسلة الجماعية تعمل، ورأيت إحدى الشقق النموذجية؛ كل المطابخ بها نوافذ ترى منها بوضوح ملاعب الأطفال. تغيّر الجدران الخشبية الموضوعة على عجلات المساحة وفقا للحاجة. لم أستطع منع نفسي من مقارنة “أورشليم” الموجودة أمامي بمساحاتها الخضراء، بالتجمعات السكنية الموحشة في بريطانيا ما بعد الحرب. كانت المخيلة المحدودة في بريطانيا صادمة، سواء من جهة العهد أو الأسلوب المعماري”.
[7]– لنقاش أكثر تفصيلا عن هذا الموضوع والقضايا المتعلقة به أرشح بقوة العمل الكلاسيكي The Women’s Liberation Movement in Russia: Feminism, Nihilism and Bolshevism, 1860-1930, Princeton, 1978.. والدراستين الحديثين المفيدتين بالقدر نفسه Wendy Z. Goldman, Women, the State and Revolution, Cambridge, 1993, and Jane McDermid and Anna Hillyar, Midwives of the Revolution, London, 1999..
[8]– 14 Goldman, Women, the State and Revolution, pp. 55-6.
[9]– Stites, The Women’s Liberation Movement in Russia, p. 318.
[10]– Cathy Porter, Larissa Reisner: A Biography, London, 1988. كاتي بورتر كتبت أيضا سيرة ذاتية فاتنة للنسوية الثورية السوفييتية ألكسندرا كولونتاي: Alexandra Kollontai, London, 2013.
[11]– كانت النساء المسلمات في الجمهوريات السوفييتية القديمة من ضمن الأفضل تعليما في العالما لإسلامي كله، واندمجن كلية وصرن طبيبات وأستاذات ومدرسات وقائدات طائرات، إلخ. قابلت اثنتين منهن في مؤتمر عن الإسلام منذ عدة سنوات، حيث كانا يدافعان بحماسة عن الحداثة ضد بعض المؤمنين بالنسبية الأخلاقية. سألتهما عن بلادهما فقالت واحدة منهما: “نحن امرأتان من الاتحاد السوفييتي القديم”.
[12]– Clara Zetkin, Reminiscenses of Lenin, London, 1929, pp. 64-5.
[13]– نفاق كار مثير للدهشة. ليس سرا كبيرا أن العجوز المتصابي وجد صعوبة في التحكم في “غرائزه الجنسية”، ولأن الدولة البريطانية لم تستطع اكتشاف أي مخالفة للقانون من جانبه، لم يمر بمشكلات كبيرة متعلقة بنتائج أفعاله.
[14]– مقتبس من Barbara Evans Clements, ‘The Utopianism of the Zhenotdel’, Slavic Review 51: 3, Autumn 1992, p. 493.
[15]– وليس الشباب فحسب. استغل العجوز أناتول لوناتشارسكي منصبه في وزارة الثقافة ليفترس ما أمكنه من راقصات الباليه، وهو تقليد قيصري قديم استمر حتى نهاية سنوات بريجنيف وربما ما زال موجودا.
[16]– Sheila Fitzpatrick, ‘Sex and Revolution: Soviet Students in the 1920s’, Journal of Modern History 50, June 1978, pp. 252-78.
[17]– مقتبس من دان هيلي الرغبة المثلية الجنسية في روسيا الثورية Dan Healey, Homosexual Desire in Revolutionary Russia, Chicago and London, 2001, p. 196.
وهو تاريخ شديد القيمة وموثق جيدا وشامل عن الموضوع، وبالتأكيد عرفتُ منه الكثير. خلال حقبة برجينيف في نهايات الاتحاد السوفييتي، ارتحل القانون المتسم برهاب المثلية إلى كوبا، حيث لم يتوقف تجريها إلا مؤخرا، شعر الجميع بالغضب حين عرفوا أن أكثر شهيد محبوب بالبلد، خوزي مارتي، كان مثليا. أما بالنسبة لكريلينكو، فكان مضطربا قليلا ومتطلبا على الدوام، على سبيل المثال اقترح خطة خُمسية ليُعلم البروليتاريا الشطرنج حتى لا يهزمهم العدو الطبقي. على الرغم من إخلاصه الأعمى لستالين، ُبض عليه في نهاية عام 1938، واعترف بكونه عميلا أجنبي وأُعدم. في وقت أبكر، كانت شقيقته قد غادرت البلد وتزوجت من ماكس إيستمان، المقرب من تروتسكي ومترجِمه للإنجليزية. هل هذا هو السبب الحقيقي لاتهام كريلينكو بالتجسس لصالح قوى أجنبية؟ لن نعرف ذلك.
اقرأ أيضا