تمرد العمال المنجميين بني تجيت: توقف مؤقت
بقلم، عبد الصادق بن عزوزي- بني تجيت
إذن، انتهى تمرد العمال، بشكل مؤقت على الأقل ما دامت الظروف التي أنتجته قائمة، انتهى بفضل تظافر جهود لوبي الرأسمالية المنجمية وأجهزة الدولة الخادمة لها، انتهى بعد عجزهم عن مواجهة العمال وقمعهم بالهراوات، فواجهوهم بعملية تجويع شاملة عبر توقيف سوق المعادن حتى يتمكن محتكرو الثروة وحدهم من الصمود، أما العمال المنجميون الذين يكدحون بشكل يومي من أجل قوت الأطفال فهم غير قادرين على البقاء جوعى أكثر من هذه المدة التي حافظوا فيها على تمردهم دون أي دخل، في ظل ما يقتضيه الدخول المدرسي والحياة اليومية من مصاريف… وفي ظل المطاردات والاعتقالات والمتابعات التي قادتها الأجهزة والرأسماليون سوياً.
انتهى تمرد العمال الذي كان نوعيا على عفويته، فلأول مرة يلجأ العمال المنجميون الذين شردهم الرأسمال الكبير إلى احتلال المناجم الكبرى للرأسماليين واستغلالها لصالحهم كل حسب عمله وسيد لمنتوجه، هذه المناجم التي كانت بالأمس القريب بالنسبة للعمال حفرة من حفر جهنم ذاقوا فيها كل أنواع البؤس لسنوات طوال وخرجوا منها خاويي الوفاض.
تمردٌ جعل أجهزة المخزن تقف عاجزة أمام طوفان العمال الذي جرف كل شيء أتى في طريقه، خاصة بعد انكشاف انحياز تلك الأجهزة للرأسماليين حتى عند أقل العمال وعيا، فتعامل معها العمال بكونها طرفا نقيضا لا فرق بينها وبين الرأسماليين الذين شردوهم وحرموهم من مصدر عيشهم، فواجهوا الجميع بالحجارة والمقالع والوحدة العمالية النابعة من الإحساس الجماعي بالظلم والإقصاء.
انتهى التمرد وانسحب العمال من المناجم غير مطرودين بشكل مباشر، لكن عملية التجويع كانت كفيلة بإفراغ المناجم، فابتدأت حملة الاعتقالات والاستدعاءات لإعادة الاعتبار للأجهزة التي عاشت شهورا استثنائية كان خلالها وجودها من عدمه أمران سيان.
انتهى التمرد بشكله المؤقت طبعا، لأننا لا نؤمن بأي نهاية ممكنة لتمرد العمال إلا بالتحرر النهائي والقضاء على الطبقات وصراعها التناحري، انتهى في ظل صمت وتعتيم الأغلبية ودون تسجيل أي تضامن رسمي من أي جهة. لكن هذا التمرد قبل أن ينتهي كشف الكثير وعلمنا الكثير، كشف للعمال بعض أصدقائهم والكثير من أعدائهم، كشف لهم قوتهم التي كانت مختبئة خلف تشتتهم، وكشفت لهم ضعف هذه الرأسمالية وحماتها، وعلمتهم الكثير من الدروس يتسلحون بهم في الأشواط القادمة من الصراع، والتي ستكون بدون شك حامية الوطيس
أما نحن الذين ندعي أننا حلفاء للعمال، فقد كشف لنا هذا التمرد من ضمن الكثير مما كشف، كشف ضعفنا وقلة استعدادنا على جميع المستويات، وكشف تأخرنا الفظيع على حركة العمال العفوية التي وقفنا عاجزين عن مواكبتها وتأطيرها، لقد كشفت ضعف انخراطنا وتوغلنا في صفوف العمال الذين قدموا كل شيء ولم يكن ينقصهم سوى دورنا، نحن الغائبون في الميدان والحاضرون في صفحات التواصل الاجتماعي وفي المقاهي والكراسي والنوادي… لم تنقص سوى تلك النسمة الواعية التي كان من شأن توفرها أن يدفع بالتمرد العمالي خطوات إلى الأمام
بكلمة؛ لقد كشف التمرد خيانتنا للعمال، تلك الخيانة التي لا محل لنوايانا فيها من الإعراب، وإن أولى خطوات التوبة عن تلك الخيانة والعودة لدرب الوفاء للعمال هي تشكيل لجنة للتضامن مع المعتقلين وعائلاتهم ومواكبة محاكمتهم، في أفق إعادة لملمة صفوف المنجميين والانطلاق في معركة شاملة للدفاع عن الحق في استغلال التروة المعدنية، معركة شاملة تعيد الاعتبار للعمال والصناع المنجميين والقطاع المنجمي الذي يعتبر ركيزة الاقتصاد و التنمية في هذه البلدة التي فتك بها التهميش والفساد أزيد من سبعين سنة.
اقرأ أيضا