الرأسمالية تقتل في باطن الأرض كما على سطحها: الموت متجولا في المناجم

بقلم؛ محمد أمين الجباري

حرب دائمة ضروس يخوضها رأس المال على الشغيلة، على الصعد كافة، ومنها بوجه خاص ظروف العمل المتردية. تقشفا لتكاليف إتاحة شروط استغلال آمنة، يعرض أرباب العمل الشغيلة لمخاطر متنوعة معوقة وقاتلة. ثمة قوانين للوقاية تظل، مع حاجتها إلى تطوير، حبرا على ورق بفعل غياب قوة عمالية تفرض تطبيقها. هذا كله في ظل شبه انعدام اهتمام من قبل المنظمات العمالية. شبه انعدام لا يقتصر على الاجهزة الفوقية بل يطال، ويا للأسف، حتى التنظيمات في أسفل. فقلما نجد مكتبا نقابيا بهذه المقاولة او تلك، يولى الاهتمام اللازمة بظروف العمل عبر مطالب دقيقة، واجراء تحقيقات تفضح جرائم ارباب العمل، وتنظيم دورات تكوين حول الاخطار المهنية وسبل الوقاية. فما بالك بربط هذا بطبيعة النظام الرأسمالي، ومن ثمة انماء وعي مناهض للرأسمالية، متطلع إلى بديل لنظام أكل لحوم البشر الملطف كما سماه ماركس.
يموت عمال وعاملات في المغرب يوميا في صمت، ويصاب آخرون بعاهات مستديمة، وتتضرر من جراء هذا وذاك أسر عمالية تُلقى الى مصير العيش بمعاشات بؤس، في ظروف لاإنسانية بتاتا. وهذا واقع مطموس بعناية، بجهود الة الدعاية البرجوازية، وبفعل انعدام صحافة عمالية جماهيرية تفضح جرائم الرأسماليين اليومية، وتتخذ من التشهير بها رافعة لتطوير الوعي الطبقي.
ضمن الجهود النادرة في هذا المضمار، تقوم صفحة فيسبوك مرصد حوادث الشغل والامراض المهنية بجهود محمودة لإخراج حالات الإصابات المهنية اليومية (حوادث وأمراض) من دائرة التعتيم والتجاهل بالتقاط كل معلومة متاحة ومعالجتها بمنطق عمالي وتعميمها.

نعرض فيما يلي ما قام المرصد بجمعه من حوادث في الاسابيع الاربعة الاخيرة حتى مطلع شهر اكتوبر

وفاة عامل منجمي إثر حادثة شغل بجبل بوظهر ببني تدجيت التابع للمنطقة المنجمية المعروفة اختصارا بـ»كاديطاف « (CADETAF)، يوم الأحد 06 أكتوبر 2024:
يوم الأحد 06 أكتوبر 2024، فارق الحياة العامل منجمي محمد السعيدي بمستشفى مولاي علي الشريف بالرشيدية بعد نقله إليه إثر حادثة شغل وقعت له أثناء العمل بجبل بوظهر قبالة قصر السبائك ببني تدجيت، التابع لـ»المؤسسة المركزية للشراء والتنمية بالمنطقة المنجمية لتافيلالت وفݣيݣ»، المعروفة اختصارا بـ»كاديطاف» (CADETAF). الوفاة كانت نتيجة مضاعفات إصاباته بسبب المتفجرات.
هذا، وقد وأصرت السلطة على إجراء تشريح طبي، رغم رفض أسرة الضحية ذلك، ورغم إقرار رب المنجم والسلطة والطبيب المعالج، بأن سبب الوفاة هو المتفجرات كما هو مبيَّن في شهادة الوفاة المسلَّمة لعائلته، كما عاينت السلطة ببني تجيت وبالراشدية آثار البارود على جسده وأقرت شهادة الموت، لذلك طالبت العائلة بعدم إجراء تشريح لجثة الهالك وتسليمها لأهله دون تعقيد. وتمت إقامة جنازة الفقيد يوم الثلاثاء 08 أكتوبر 2024.
ويوم السبت 28 شتنبر 2024، سُجلت حادثة شغل أخرى بنفس المنجم، حيث فارق الحياة عامل منجمي (صانع منجمي) بمستشفى بني تدجيت بعد نقله إليه إثر تعرضه لإصابات خطيرة أثناء العمل.الهالك شاب في ربيعه الثالث، متزوج، وابنه لم يتجاوز ربيعه الثالث بعد، يتحدر من دوار اسبايك. ودُفن يوم الأحد 29 شتنبر 2024.
وقبل هذه الفاجعة بأيام، شهدت مدينة جرادة وفاة شابين في ظرف 48 ساعة، إثر اختناقهما أثناء عملهما في مناجم الفحم الحجري، المعروفة محلياً بـ»الساندريات». كما يلي:
يوم الثلاثاء 24 شتنبر 2024، صباحاً، توفي الشاب مصطفى الذهبي (38 عاماً) اختناقا أثناء العمل بمنجم للفحم الحجري بجرادة.
وقبله بيومين فقط، السبت 21 شتنبر 2024، في نفس الظروف ولنفس الأسباب، توفي الشاب عبد القادر الديوري.
ويوم الاثنين 09 شتنبر 2024، مساءً، فارق الحياة عامل منجمي بالمنجم الواقع بإغرام أوسار، قرب بلدة امريرت، واحد من مجموعة المناجم المسماة: مناجم جبل عوام (نسبة إلى المنطقة التي تتواجد بها)، والتابعة لـ»الشركة المنجمية تويست» (CMT)، بجماعة الحمام، إقليم خنيفرة، وذلك أثناء مزاولته لعمله بقلب بئر منجمي إثر انهيار مفاجئ للتربة.
لم يرد اسم الضحية، بل فقط حرفين «أ ح»، يبلغ من العمر حوالي 49 سنة (من مواليد 1975)، متزوج وأب لأربعة أطفال.
يوم الأحد 08 شتنبر 2024، أربعة أطر من جنسية كندية يعملون بمنجم «بومدين» المعروف محليا بمنجم «بولمعادن» بجماعة تنجداد يعود استغلاله لشركة كندية، وأثناء عودتهم من العمل حوالي الخامسة صباحاً، على متن سيارة رباعية الدفع خاصة بهم، جرفتهم مياه وادي إزلف، ما أودى بحياة إطارين، فيما نجا اثنان منهما من الغرق لتمكنهما من الخروج من الواد سباحة.
ليست هذه المآسي سوى قسط ضئيل من حجم المصائب (حوادث وأمراض) التي ينزلها اراب المناجم على شغيلتها، ووصلت إلى الإعلام نظرا لمأساويتها (موت مفاجئ)، أما القسم الأعظم من حجم هذه المصائب: الحوادث حيث يسقط معطوبون، أو حالات الإصابة بأمراض مهنية، فلا معطيات عنه، ويتم حجبه قصدا عن أعين العمال العاملات والمجتمع…
مصائبٌ سببها العمل في ظروف تنعدم فيها شروط الصحة والسلامة المهنية، وكثرة المخاطر المحدقة أثناء العمل، ما جعل شبح الموت يكاد لا يفارق المناجم، وأضحت أماكن رعب تحصد الأرواح، بدل أن تكون أماكن عمل آمنة لائقة ليتحصل العمال بها لقمة عيش لهم ولأسرهم…
فظروف العمل بالمناجم خطيرة للغاية، حيث يجري تشغيل العمال بعقود عمل محددة المدة من طرف مقاولات مناولة، في غياب تام لأبسط الحقوق حتى التي تنص عليها تشريعات الشغل بالمناجم، وكذا مدونة الشغل، ومعرضين للطرد في أي وقت، وهذا ما يدفعهم لقبول العمل بأجور هزيلة، وفي غياب شروط الصحة والسلامة المهنية، مما يعرض صحتهم وسلامتهم وحياتهم لمخاطر حقيقية (حوادث وامراض) في كل وقت وحين…
في ظروف العمل الصعبة اللَّاإنسانية، المتردية والمنهكة هاته، تمدُّ جذورها مصائب حوادث الشغل والأمراض المهنية التي تصيب عمال المناجم.
ظروف تفرضها الشركات بشكل مخطط له من أجل تحقيق أعلى الأرباح؛ فيما الدولة تقف «موقف المتفرج المحايد» ظاهريا، صامتة، مكتوفة الأيدي، إذا كانت عجلة الإنتاج تدور، رغم الخروقات وهذا القتل والمآسي المتوالية؛ ولكن إذا هبَّ العمال محتجين مطالبين بتطبيق مواد القانون التي في صالحهم، رغم علَّاتها، تتجنَّد كل أجهزتها لترهيبهم وقمعهم واعتقالهم…تتحرك مركبات الدرك وقوات القمع الاخرى أكثر مما تتحرك سيارات الاسعاف والفرق الطبية.
لوقف هذه المصائب يجب أن يصبح الدفاع عن الصحة والسلامة في أماكن العمل هدفاً استراتيجياً للمنظمات النقابية، وأن يتبوأ رأس المطالب الأساسية التي ينبغي للعمال الكفاح من أجلها، بل أفضل أداة لتنظيم العمال وتعزيز النقابات وتحسين ظروف العمل.
من أجل تعظيم أرباحها، الرأسمالية تقتل؛ وللبقاء على قيد الحياة، وكسب لقمة عيش من عملنا، لا الموت بسببه ونحن نسعى لكسبها، يتعين علينا أن نضع حدا في أسرع وقت ممكن لما يشكل مبدأها الأساسي: تعظيم الأرباح بأي ثمن.

شارك المقالة

اقرأ أيضا