رفض قانون الإضراب: المناورة والتضليل
تجتاز عملية تفاهم الدولة مع القيادات النقابية بشأن قانون الإضراب لحظة توتر. تجلت في إصدار قيادة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل يوم 16 أكتوبر الجاري بلاغا يتهم الحكومة باللامسؤولية في الملف الاجتماعي، وبخاصة «سعيها إلى تمرير مشروع قانون الإضراب خارج منهجية التوافق». ويختم البلاغ بـ»دعوة كل القوى الحية السياسية والنقابية والمدنية إلى توحيد الجهود في هذه اللحظة الدقيقة، وتشكيل جبهة واسعة لمواجهة مشروع القانون المكبل للحق في الإضراب». تليه الجملة الجوفاء التقليدية لدرجة الابتذال حول التعبئة. ومن جانبها نشرت قيادة الاتحاد المغربي للشغل بلاغا يوم 18 أكتوبر، اعتبر إحالة الوزير مشروع قانون الإضراب للمناقشة التفصيلية بالبرلمان «منحى خطيرا في المقاربة التشاركية»، ليختم بطلب إرجاعه إلى «طاولة الحوار الاجتماعي»، مع إبداء «استعداده التصدي بكل حزم… لهذا المشروع في صيغته الحالية»، ثم دعوة الطبقة العاملة الى التعبئة الشاملة والتأهب…»، لينتهي بنفس الجملة الواردة في بلاغ قيادة الكنفدرالية بعبارات أخرى: «يهيب بكل القوى الحية من أحزاب سياسية وحركة نقابية وجمعيات حقوقية ومجتمع مدني إلى التعبئة وتوحيد المواقف والتكتل من أجل وقف محاولة الإجهاز على حق الإضراب».
يوم 21 اكتوبر، راسل الكاتب العام لك.د.ش رئيس مجلس النواب مطالبا إياه، بعد عرض مسهب لدواعي رفض النقابة لمشروع قانون الإضراب، بمطالبة الحكومة بـ»اعادته لطاولة الحوار من أجل التوافق». وفي حركة مسرحية انسحب أعضاء مجلس المستشارين المنتمين للاتحاد المغربي للشغل من جلسة لهذا المجلس، بعد اتهام شخص الوزير بـ»الانحراف عن التوافق القائم مع رئاسة الحكومة». ما يعيد إلى الأذهان حركت شبيهة بلا أثر نضالي، مثَّلها انسحاب الك.د.ش من جلسة التصويت على إصلاح التقاعد.
القيادات النقابية لم تعارض تقنين الإضراب بقبولها إخراجه الى حيز الوجود في اتفاقها مع الدولة وأرباب العمل في أبريل 2022 فقط، بل على امتداد أكثر من 20 سنة ظهرت فيها مشاريع لقانون الإضراب عديدة، مشاريع لم تتصدَّ لها الهياكل النقابية حتى بحملة توضيح بالمناشير والجموع العامة والتجمعات والندوات، فما بالك بفعل نضالي، بوقفات احتجاج، ومسيرات وإضرابات وإضراب عام وعصيان مدني…
تعمل القيادات يدا في يد مع دولة البرجوازية لتمرير سياسة نيوليبرالية يلازمها القمع، مسايرةً الهجمات على حقوق الشغيلة وعامة المقهورين بنحو يزداد عمقا لدرجة إثارة أكبر حراك في تاريخ قطاع التعليم.
لهذا ليس التوتر البادي غير حركة ضمن العملية الإجمالية لتمرير قانون الإضراب، إذا لا يمكن للقيادات أن تساعد الدولة بالمباركة والتصفيق، بل بإظهار اعتراض كلامي، وتعطيل الرد العمالي بالامتناع عن أي برنامج نضالي لرد العدوان، وهذا ما فعلت مرات من أَمرِّها ملف التقاعد، عملا بمنطق «الشراكة الاجتماعية». ستعود القيادة لمساعدة الدولة على تمرير قانون نزع سلاح الشغيلة عند أول إشارة من «الحكومة».
كلام بيانات القيادة حول التعبئة والكفاح قناع لتعاون حثيث لإخراج قانون الإضراب، تعاون لا تخبر به القيادات القواعد، بل شركاء القيادات أنفسهم من يُطلع الشغيلة. ففي تقديمه لمشروع قانون الإضراب في البرلمان يوم 16 يوليو 2024، كشف الوزير السكوري عن لقاءات تشاورية في موضوع هذا القانون «تعدت 20 شهرا من النقاش ضمن الحوار الاجتماعي همت 30 لقاء مع الشركاء الاجتماعيين»، مضيفا «إنها لا تزال مستمرة»، وكاشفا أنها أفضت إلى خلاصات أولية عرضها في 9 نقط، ومشددا على أنه جرى «قطع أشواط مهمة في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الاجتماعيين». هذا كله لم يصدر بشأنه ولا بلاغ واحد عن القيادات النقابية. لا بل تقدمت القيادات في التفاوض مع الدولة على صيغة جديدة من مشروع القانون لا علم للرأي العام بها حتى كشف عن وجودها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في وثيقة رأيه.
هل باتت «الحكومة» واثقة في نجاحها ومتسرعة لاستكماله دون حاجة إلى إضاعة الوقت مع قيادات فقدت الكثير جدا من مقدرتها على تحريك «قواها»؟ هل تضغط القيادات لتفادي قانون للإضراب سيعصف كليا بحق الإضراب ومعه ثقة القواعد إن بقي منها شيء؟ عنصران قد ينطويا على تفسير للتوتر القائم بين «الشركاء الاجتماعيين». لكن لن ينخدع بمناورات القيادات البيروقراطية غير المتغاضي عن دروس هجمات عديدة حطمت مكاسب وحقوق كثيرة. كذلك لن يذهب ضحية التضليل بشأن «الجبهة الواسعة» (بلاغ كدش) و»التكتل» (بلاغ إ.م.ش) غير المتجاهل لمسار القيادات طيلة عقود التفريط في الحقوق والمكاسب.
قانون الإضراب شأن سياسي بامتياز، ويندرج إصدراه في تعزيز الاستبداد، وليس فقط ما في سماه الوزير «تحسين مؤشرات المناخ الاجتماعي ومناخ الأعمال وتقوية جاذبية الاقتصاد الوطني في مجال الاستثمار…»، أي خدمة رأس المال. والقيادات النقابية لها سياستها القائمة على منطق السلم الاجتماعي، مع ما يستتبع من الاضطلاع بدور مكمل للدولة في تدبير التوترات الاجتماعية على الساحة العمالية، لتأمين استقرار نظام الاستغلال الرأسمالي في ظل تبعية متنامية. لذلك فهي لن تنهض، مهما ادعت لإسقاط قانون الإضراب، وكلامها عن «الجبهة» وعن «التكتل» سيتبخر لحظة تلقي دعوة إلى «طاولة الحوار». وفي صلة بهذا، أين «الجبهة الاجنماعية»؟ لماذا أصلا رفضتها قيادة إ.م.ش؟ ولما تعطلت؟
بجميع الأحوال مناضلو/ات الطبقة العاملة اليقظون/ات إزاء تلاعبات البيروقراطية النقابية سيساندون أي خطوة عملية ضد قانون الإضراب، وكل ما يقوي الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد، مع السعي لتطوير عمل وحدوي إجمالي ضد كل ما يستهدف طبقتهم- هن، وسيعملون لتنويرها بالطبيعة السياسية لمساعي نزع سلاح الإضراب، وسيواصلون جهود التضامن مع النضالات الجارية، مهما كانت نواقصها، وحفز التنظيم، وكل ما يرفع الوعي إلى مستواه السياسي، مستوى إدارك الحاجة إلى الاستعاضة عن التنظيم الرأسمالي الراهن للمجتمع، مع ما يلازمه من استبداد واضطهاد، بمجتمع المساواة والديمقراطية، والعلاقة السليمة بالبيئة، مجتمع الاشتراكية الإيكولوجية.
اقرأ أيضا