من أجل إحياء ذكرى نضال شعبي مجيد: مخيم اݣديم إزيك 2010
قبل أربعة عشرة سنة، يوم 09 أكتوبر 2010 أقدم كادحون- ات من مدن صحراوية عديدة على إنشاء مخيم قرب مدينة العيون، أُطلِق عليه اسم المنطقة التي أقيم فيها: “مخيم اݣديم إزيك”. طالب المحتجون- ات بالحق في السكن والشغل وغيرها من خدمات عمومية جرى تدميرها بفعل عقود من سياسات نيوليبرالية عنيفة.
بعد شهر من النضال والصمود، أقدمت الدولة على تفكيك المخيم بشكل عنيف يوم 8 نوفمبر 2010. تكالبت على ذاك النضال الشعبي كل صحافة النظام والأحزاب، وكل المجتمع الرسمي، الذي يصاب بالسعار كلما هبَّ الكادحون- ات لبناء حركة طبقية من أسفل، تقطع مع نهج الاستجداء المألوف في الحياة السياسية بالبلد. شهدنا هذا أيضا في حراك الريف، الذي كانت نهايته أشبه بنهاية نضال كادحي- ات الصحراء، ومصير قيادته مماثل لمصير قيادة مخيم اݣديم إزيك: الاعتقال والتعذيب وعشرات السنوات من السجن.
وُصف المحتجون- ات بالعصابات والمخربين والمجرمين وأعداء الوطن، ولُفقت لهم التهم من كل نوع. بعد التفكيك العنيف للمخيم، اتخذت الأحداث مجرى مأساويا، واعتُقل أعضاء اللجنة الممثلة للسكان المعتصمين بالمخيم، وحُوكموا أمام محكمة عسكرية، التي أصدرت حكمها في سنة 2013، ضمت تسعة أحكام بالمؤبد وثلاثة أحكام بثلاثين سنة، وخمسة أحكام بـ 25 سنة، وثلاثة أحكام بعشرين سنة.
لا يزال معتقلو مخيم اݣديم إزيك- شأنهم شأن معتقلي حراك الريف- يرزحون في سجون الاستبداد. وكما سيقع لاحقا في الريف، استُعمِل التعذيب لانتزاع الاعترافات وأيضا المحاضر الكيدية القائمة على الأباطيل. ورغم كل الإثباتات المقدَّمة من طرفة هيئة خبراء “الأمم المتحدة” المعنية، ورغم تغير مسار المحاكمة سنة 2016 حين ألغت محكمة النقض حكم المحكمة العسكرية على أساس أنه مبني على أدلة غير قاطعة، أعادت محكمة الاستئناف بالرباط سنة 2017 بالرباط النظر في القضية وأيّدت جميع الإدانات مع تخفيف الأحكام على متهمَيْن، أفرج عنهما في ما بعد، وبذلك لا يزال قادة أحد أكبر النضالات الشعبية قابعين في السجون.
لا يهتم الاستبداد بمصداقية الاتهامات ولا يتورع عن تعذيب المعتقلين وكل أشكال ما يُطلق عليه في الرطانة السياسية للليبرالية “تعسفا في استعمال السلطة” ودوس القانون بأعقابه الحديدية، ما دام كل ذلك يحقق غايته: سحق الاحتجاج العمالي والشعبي والانتقام من قادته وجعلهم عبرة لمن يتجرأ على النضال مستقبلا. ولكن أنَّى له ذلك. لن يقضي القمع على تفجر النضالات الشعبية، يستطيع فقط إطفاءها مؤقتا، خاصة إن ظلت فئوية ومعزولة ومحصورة في نطاق ترابي محدود، وإن افتقدت للتنظيم والوعي والكفاحية…
منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، شهد المغرب صعود نضالات في مراكز حضرية صغيرة ضد نتائج السياسات النيوليبرالية؛ ضد فرض التسعيرة الاستشفائية وضرب مجانية الصحة في زاكورة سنة 2000 وطاطا سنة 2005، وضد الإقصاء والتهميش بسيدي إفني من 2005 حتى 2008، وضد الغلاء وضرب القدرة الشرائية، كما يدل على ذلك كفاح بوعرفة وصفرو… وظهرت تنسيقيات مناهضة غلاء الأسعار، أولاها تأسست سبتمبر 2006، وانعقد بدعوة من تنسيقية الرباط، الملتقى الوطني لتنسيقيات ولجان ومبادرات مناهضة ارتفاع الأسعار بمقر الاتحاد المغربي للشغل بالرباط يوم 29 أكتوبر 2006 تحت شعار “جميعا ضد ضرب القدرة الشرائية للمواطنين”. تم جاءت حركة 20 فبراير 2011، وتلاها الحراك الشعبي في الحسيمة أو حراك الريف المنطلق عقب مقتل الشاب محسن فكري يوم 28 أكتوبر 2016، فحراك جرادة في يناير 2018…
جاء مخيم اكديم ازيك وسط هذا السياق من النضالات الشعبية الدورية، وعانى من نفس سماتها: العزلة والانحصار الجغرافي وضعف التضامن… وبالأخص درجة تنظيم عفوية دنيا، ومستوى وعي سياسي محدود الأفق، رغم أن كل هذه النضالات لم تخل من مستوى صمود واستماتة معتبرين. وفوق كل ذلك تفتقر النضالات الشعبية إلى تنظيمات نضال تدعمها وتنقل إليها الخبرات ودروس ماضي النضال العمالي والشعبي. إنها مفتقرة للمعبر السياسي الطبقي عنها بمثابة الموجه والقائد على أرضية مطالب وبدائل تقطع مع أصل البلاء: رأسمالية تابعة ومتخلفة، واستبداد سياسي مزمن يحظى بدعم إمبريالي.
النضالات موجودة، وتتفجر دوريا، حدوثها مهم غير أنه ليس كافيا، إذ يلزم أن تتلاقى النضالات وتتضافر جهودها في نضال على صعيد البلد يتحدى السياسات المنتهجة القاتلة للحقوق والمكتسبات، يلزمها التنظيم المحكم من أسفل والوعي بأصل البلاوي والقتالية المستميتة وطويلة النفس لإحراز انتصارات…
منذ انطلاق مخيم اݣديم إزيك وقفت جريدة المناضل- ة إلى جانب ذلك النضال ودعمته إعلاميا، وفي عز القمع والحملة الشوفينية الهوجاء التي قادها النظام وأحزابه وأبواقه الإعلامية ومؤسساته ضد الكادحين- ات الصحراويين، رفعت جريدة المناضل- ة صوتها مدافعة عن نضال كاذحي- ات الصحراء مفنِّدة الادعاءات الكاذبة المروَّجة ضد ذلك النضال.
نعيد نشر نصين نشرتهما الجريدة سنة 2010، تذكيرا بمحطات ذلك النضال واستعادة لدروسه وتخليدا لذكراه المجيدة، وتضامنا مع معتقليه الذين لا يزالون مكبَّلين في سجون الاستبداد.
النص الأول بعنوان “الصحراء: نازحو اݣديم ايزيك، بين هراوة المخزن وضجيج أبواقه… والتضامن المفقود”، صدر بالعدد 31 بتاريخ نوفمبر 2010.
للتحميل: نازحو اݣديم ايزيك، بين هراوة المخزن وضجيج أبواقه… والتضامن المفقود
النص الثاني بعنوان دفاعا عن “مخيم “اݣديم إيزيك” ونضال كادحي العيون”، صدر بالعدد 32 بتاريخ ديسمبر 20
اقرأ أيضا