بني تجيت على صفيح ساخن: اعتقالات وحوادث شغل

بقلم؛ أوعبو المنابهي

تشهد بلدة بني تجيت تطورات خطيرة، منذ آخر شكل نضالي عرفته البلدة يوم 23 سبتمبر، والتفاوض الذي أجرته السلطة مع لجنة حوار المنجميين المعتصمين يوم 27 سبتمبر للتداول في نتائج تفاوض يوم 23 سبتمبر: توزيع المتفجرات على المنجميين، تسويق المعادن، منح تراخيص للعمال غير الأجراء (الشومور). ضُرب موعد لتفاوض آخر يوم 30 سبتمبر، لكن السلطة أصرت على حضور المستثمِرين الخواص في ذلك التفاوض، وهو ما رفضه ممثلو المنجميين.

“الحوار” مناورة السلطة للإخماد الاحتجاج

في جلسات التفاوض تقدَّم ممثلو المنجميين بتنازلات وصيغ لحل النزاع، إذ عبروا عن استعداد العمال والمنجميين لترك المناجم المحتلة مقابل الحصول على رخص قانونية بأماكن اشتغالهم بجبل بوعروس قبل تفويته للشركة، فاقترحت السلطة في الحوار الأول (27 سبتمبر) أن ينتظم العمال في تعاونيات لتأطيرهم في جبل بوعروس تحت سقف الشركة أو كاديطاف حسب المكان الذي تختاره كل تعاونية، لكن في الحوار الثاني (30 سبتمبر) تراجعت السلطة عن هذه الإمكانية نظرا لرفضها من طرف المستثمر، رغم أن السلطة ادعت أن السبب راجع للمساطر القانونية التي لا تسمح بذلك. علَّق أحد مناضلي البلدة على هذا التطور في تدوينة بتاريخ 30 سبتمبر 2024: “لقد ابتعدنا كثيرا عن الحل في الجلسة الثانية من جلسات الحوار عند التراجع عن إمكانية اشتغال العمال بشكل قانوني في أماكنهم القديمة في جبل بوعروس على شكل تعاونيات، هذا التراجع سد الباب في وجه حل كان وشيكا وأطفأ أمل العمال في الحوارات”.

وبالفعل أصدرت لجنة الحوار بلاغا يوم 30 سبتمبر، هذا نصه: “لقد ترافعت لجنة الحوار بكل أمانة حول مطالب المنجميين ببني تجيت، ودافعت عن الحلول الممكنة التي سترضي الجميع، لكن ما سجلته اللجنة خلال الحوار الثاني هو تراجع الأطراف الأخرى عن تلك الإمكانيات ومحاولة السلطة توريط اللجنة في البحث عن حلول أخرى في الوقت الذي التزم فيه المحاورون بمجرد نقل المطالب التي سطرها المنجميون .لذلك، وتبرئة للذمة مما ستؤول إليه الأوضاع تعلن لجنة الحوار عن تفكيك نفسها كلجنة وانتهاء مهمتها الحالية في الحوار وانخراطها في أي شكل نضالي تقرره الجماهير المنجمية”.

اعتمدت الدولة- وكما عادتها مع النضالات العمالية والشعبية- على الوقت واختبار طول نفس المنجميين المحتلين للمناجم. العمال والصناع يعتمدون على احتلال المناجم، والدولة تعتمد على إحكام الطوق على حركة معزولة عبر منع التسويق ومصادرة المنتوج. وفي غياب تضامن وطني وعزلة جغرافية للمعركة، بدأت الدولة حملةَ القمع.

بدء الاعتقالات

أياما بعد ذلك بدأت السلطة الاعتقالات في صفوف المنجميين. بدأ الأمر باعتقال عامل منجمي غير مأجور (شومور) وحجز دراجته النارية، وفي يوم 05 أكتوبر سجَّل مناضلو البلدة 5 متابعات في حالة اعتقال وأزيد من عشر متابعات في حالة سراح.

وتبين للجميع أن الحوارات كانت وسيلة للإلهاء في انتظار تفكك التعبئة النضالية. وسبق ذلك حملة إعلامية لتجريم نضال المنجميين واتهامهم بالتخريب والسرقة والإخلال بأمن المواطنين، وخاض أرباب المناجم إضرابا عاما، وأكثروا اللوم على السلطة لأنها لم تتدخل لقمع المنجميين ومناضلي البلدة المتضامنين معهم.

لذلك كان التدخل القمعي سريعا استجابة لمطالب أرباب المناجم. علق أحد مناضلي البلدة على المتابعات والاعتقالات قائلا: “صفوة القول: القانون ليس فوق الجميع كما يدعون، القانون وأجهزة السلطة عبارة عن هراوة في يد البورجوازية تهوي بها على خصومها متى اقتضت الحاجة ذلك حماية لمصالحها”.

حوادث شغل مميتة

توفي أحد المنجميين (شاب في ربيعه الثالث من دوار اسبايك) يوم 26 سبتمبر 2024، بعد تعرضه لحادثة شغل بمنجم جبل بوظهر، ودُفن يوم 29 سبتمبر.

وفي 07 أكتوبر سُجلت حادثة شغل أخرى بنفس المنجم (جبل بوظهر)، حيث استُشهد المنجمي محمد السعيدي، بسبب المتفجرات. وأصرت السلطة على إجراء تشريح طبي، رغم رفض أسرة الفقيد ذلك، و رغم إقرار رب المنجم والسلطة والطبيب المعالج، بأن سبب الوفاة هو المتفجرات كما هو مبيَّن في شهادة الوفاة المسلَّمة لعائلته، كما عاينت السلطة ببني تجيت وبالراشدية آثار البارود على جسده وأقرت شهادة الموت، لذلك طالبت العائلة بعدم إجراء تشريح لجثة الشهيد وتسليمها لأهله دون تعقيد. ستقام جنازة الفقيد يوم 08 أكتوبر 2024.

خدمات عمومية رديئة

يتشكى سكان البلدة من رداءة الخدمات الصحية المقدَّمة في مستوصف البلدة. فرغم أن المناجم معروفة دوما بحوادث الشغل، إلا أن المستوصف لا يتوفر على أدنى تجهيزات الإسعافات الأولية، وأهمها الأوكسجين.

سجلَّت البلدة نشوب حريق في أحد المنازل (ليلة 05 أكتوبر) خلَّف إصابات عديدة. كتب أحد مناضلي البلد عن الحادث: “سيارة الإسعاف لا تكفي لنقل الضحايا فكان لزاما انتظار سيارات إسعاف من تالسنت ونواحيها، حتى الأوكسجين جرى انتظار وصوله من تالسنت… طاقم طبي قليل جدا وخدمات ضعيفة والأجهزة منعدمة… كان علينا نقل ضحايا الحريق وهم في حالة حرجة تستدعي التدخل الطبي العاجل نحو وجدة التي تبعد 500 كيلومتر عن بني تجيت، فكيف ستصمد طفلة صغيرة لم تتعدَّ عقدا من عمرها كل هذه المسافة وهي بحاجة إلى دخول مركز الإنعاش بأسرع وقت؟ لماذا لم تُنقل للراشدية مثلا والتي تبعد بـ 200 كيلومتر؟ لأننا إداريا تابعون للشرق!!! فكيف نجعل أرواح الناس رهينة للتقسيمات الإدارية الظالمة؟ لماذا لم تُنقل الطفلة نحو المستشفى الإقليمي ببوعرفة؛ لأنه يفتقر للتجهيزات الطبية التي ترى الدولة أن أهل هذا الإقليم لا يستحقونها. كل هذا في بلدة بني تجيت الغنية بالمعادن الثقيلة التي تستفيد منها الدولة منذ الاستعمار حتى يومنا”.

بالنسبة للتعليم جسد آباء وأمهات تلاميذ الثانوية الإعدادية بومريم وقفة احتجاجية يوم 30 سبتمبر 2024، واستنكروا وبشدة الوضع الكارثي الذي يعيشه أبناؤهم في داخلية المؤسسة من ناحية المطعمة، حيث أن سوء التسيير المادي والمالي والمحسباتي بنفس الإعدادية أدى إلى إرتفاع نسبة الهدر المدرسي ومغادرة حجرات الدراسة خلال السنوات الماضية.

وفي 27 سبتمبر احتج سكان حي الصنم بسبب حرمان أبنائهم من النقل المدرسي، حيث اعتصموا داخل الجماعة لأزيد من ساعتين دون أن يتفاعل معهم أي مسؤول، ثم حولوا احتجاجهم لقيادة بني تجيت لأزيد أزيد من ساعة دون أن يكترث أحد لاحتجاجاتهم، ظلت لجنة الحوار تنتظر حضور المسؤول.

وفي 25 سبتمبر اعتصم سكان قصر موكر وجسدوا مبيات ليليا مطالبين بصرف التعويضات الخاصة  بالأملاك السطحية في نزع ملكية السكان الذين سيتم ترحيلهم من منازلهم وأراضيهم لإنجاز سد خنك اكرو. وسكان قصر موكر مشردون بسبب الفيضانات الأخيرة ويبيتون في العراء.

مجلس جماعي في كوكب آخر

رغم حدة النزاع وخطورة تطوراته (خصوصا حوادث الشغل والمتابعات والاعتقالات وتشريد سكان قصر كرو بسبب الفيضانات)، ظل المجلس الجماعي المنتخَب، والمفترَض أنه يمثل السكان الذين انتخبوه، ظل متفرجا كأنه في كوكب آخر.

عقد المجلس الجماعي لبني تجيت الدورة العادية الثالثة بموسم 2024 يوم 07 أكتوبر، وكانت هذه هي نقاط جدول أعمال الدورة: الدراسة والمصادقة على مشروع ميزانية 2025؛ الدراسة والمصادقة على اتفاقية شراكة وجمعية الأمل للقصور الكلوي ببني تجيت؛ الدراسة والمصادقة على دعم الجمعيات برسم ميزانية 2024؛ تسليم نقط الماء المتعلقة بالماء الشروب وماء السقي بدوار أي أوزك.

دورة عادية خارج الانشغالات الأساسية التي تدفع السكان للاحتجاج؛ وعلى رأسها حرمان المنجميين من مصادر رزقهم واعتقالهم على خلفية نضالهم.

مرة أخرى: أين اليسار؟

تقع بني تجيت في محور يعرف غليانا نضاليا منذ أكثر من سنة. فسكان فجيج لا يزالون مستمرين في الاحتجاج ضد تفويت مياه الواحة إلى الشركة الجهوية للخدمات، وسكان تندرارة يناضلون (حي الخيام) المقصيين من حق السكن، وبني تجيت على صفيح ساخن بعد الاعتقالات وحوادث الشغل المميتة.

رغم ركود سطح الحياة السياسية إلا أن قاع المجتمع يغلي. ويظل اليسار والحركة النقابية خارج هذا الغليان. يستدعي الوضع في بني تجيت (وكل الجهة الشرقية) تعبئة نضالية فوق المعهود من إصدار البيانات التضامنية.

سكان بني تجيت جزء من كادحي وكادحات البلد: عمال وصناع منجميون تقليديون ومعطلون وسكان محرومون من الحدود الدنيا من الخدمات العمومية والاجتماعية. لم يستكن سكان البلدة أو يستسلموا منذ سنوات، إنهم حاملو مشعل النضال بعد القمع الشرس لحراكي الريف وجرادة. واجبنا (وواجب كل اليسار والحركة النقابية) هو النضال من أجل فك العزلة عن نضالهم.

غياب اليسار كارثي أخذا بعين الاعتبار الخطوة النوعية التي خاضها العمال والصناع المنجميون ببني تجيت. يُعتَبر احتلال المناجم خطوة نوعية مقارنة بالاحتجاجات العادية والإضرابات. فالاحتلال يضع في الكفة سلطة مالك مكان العمل، أكثر من أي إضراب عادٍ… لكن خطوة الاحتلال تفقد قوتها عندما تكون معزولة وغير مسنودة بباقي حلقات السلسلة. فالدرك الملكي يُحكم الخناق على المنتوج، ويمنع تسويقه ويقوم بمصادرته. لذلك ستصل المعركة في وقت ما إلى نقطة فاصلة، حيث سيتساءل المنجميون: ما فائدة العمل والتنقيب ومراكمة منتوج لن نستطيع تسويقه؟ خصوصا أن الدولة تتلكأ في هذه النقطة بالذات، منتظرة يأس المنجميين.

نقط الضعف الرئيسية لنضالات بني تجيت حاليا هي: عزلتها الجغرافية (موجودة فقط ببني تجيت في حين تعج المنطقة بالنضالات خصوصا فكيك)، ثم عزلتها الفئوية (ففي بني تجيت ذاتها هناك فئات شعبية تحتج ولكن كل فئة على حدة).

لذلك مهما بلغ صمود المنجميين ومهما بلغ تصعيدهم من حدة، إن لم تستطع المعركة الخروج من شرنقة العزلة الجغرافية والفئوية، فإنها ستختنق وتتفكك، كما وقع لغيرها من الاعتصامات العمالية في ربوع البلد. وما يزيد الطين بلة، أن الجسم النقابي المحلي يعادي المعركة، والجسم النقابي الوطني في عالم آخر. علينا أن نكون مدركين أن توسع الاحتجاج ليشمل إقليم فكيك كله (فبالأحرى تافيلالت) وشموله لفئات أخرى تناضل داخل بني تجيت ونواحيها، هو ما سيفرض على الدولة الإسراع للاستجابة لبعض المطالب الآنية، قطعا للطريق أمام تشكل حركة احتجاج واسعة، على غرار ما جرى في الريف وجرادة سنتي 2016- 2017…

هذه هي مهام يسار يستحق تسميته

شارك المقالة

اقرأ أيضا