الرأسمالية تقتل: الأمراض المهنية وجداولها

بقلم، محمد أمين الجباري

 

تتخذ ظاهرة الامراض المهنية، اي التي تسببها ظروف العمل، حجما مهولا لكنه مطموس. إنها وجه من اوجه جرائم ارباب العمل، والدولة كذلك  بتغاضيها وبإهمال ظروف عمل اجرائها. عمال المناجم والمقالع في أجواء الغبار، عاملات الزراعة المُسمَّمات بالمبيدات، شغيلة قطاع الصحة المهددين بعدوى الامراض بالمؤسسات الصحية، المدرسون والمدرسات والآفات النفسية والانهاك بالعمل… اللوحة سوداء وعرضة للإخفاء.  وتطورات تكنولوجية وفي تنظيم العمل، متسارعة تزيد أماكن العمل خطرا على صحة الشغيلة؛ حيث تشديد وتائر العمل وتقنيات الضغط لرفع المردودية (الاستغلال). لا يرى راس المال في الشغيلة غير الات لرفع الارباح إلى أقصى حد ممكن.  الضجيج من اجل التضليل يتصاعد حول الحق في الصحة، بينما الصحة في اماكن العمل حيث  يقضي البشر معظم يومه لا تحظى باي اهتمام جدي، ابرز تجليات ذلك حالة طب الشغل، والصمت  التام عن الأمراض المهنية. نعرض فيما يلي جانبا من مسألة الأمراض المهنية، تليه في اعداد قادمة جوانب أخرى وتناول مفصل.

——————————————–

أولا: ما المقصود بالأمراض المهنية؟

——————————————-

يمكن تعريف الأمراض المهنية بأنهاالأمراض التي يُصاب بها العاملات والعمال نتيجة لعملهم(هن) أو مهنتهم(هن)؛سواء كانت تلك الأمراض منصوص عليها في جداول الأمراض المهنية المعتمدة قانونيا من طرف الدولة، أو غير منصوص عليها بعد.

أمراض تصيب عادة بعض العاملات والعمال بالصناعة، والمناجم، والزراعة، والمستشفيات، والعاملين في مجال العناية بالحيوانات، كتربية الأبقار والأغنام، والكيماويات، والمطابع التقليدية، والصناعات البترولية، ودباغة الجلود، والصناعات البلاستيكية، والصناعات الدوائية، وأيضاً العاملين في أماكن الضوضاء الشديدة، والمُغَبَّرة وغيرها…

وخلافا لحادثة شغل التي تكون عادةً ناتجة عن وقوع الحادثة مرة واحدة، وبشكل غير متوقع؛ المرض المهني عادة ما يكون ناتجا عن تعرض دائم ومتكرر، أثناء العمل أو بسببه، لمسبب الضرر على امتداد فترة زمنية معينة.

ويمكن أن تكون الإصابة ناتجة عن التعرض لعوامل ضارة مختلفة، مثل:

– العوامل الكيميائية كالسموم والمذيبات،

– العوامل الفيزيائية كالإشعاع والاهتزازات،

– العوامل البيولوجية كالعدوى والفطريات،

– العوامل المسرطنة كالمواد الكيميائية السامة،

وأعراض الأمراض المهنية تتضمن اساساً: الصداع، والتعب، والتهاب الجلد، والألم، والتشوش البصري، والتهاب العين، والتهاب الجهاز التنفسي، والتهاب الجلد، والتسمم…

وأما تشخيصها فيتم من طرف أطباء مختصين لتحديد موعد ظهور الإصابة بها، ويعتمد علاجها على نوعها وشدتها، وقد يشمل الدواء، والجراحة، والوقاية…

——————————————–

الوقاية من الأمراض المهنية

——————————————–

تتطلب الوقاية من الأمراض المهنية، أقل ما تتطلب، توفير شروط الصحة والسلامة في مكان العمل، وتدابير وإجراءاتوقائية دورية ومنتظمة، وأخرى دائمة، حسب طبيعة المهنة، وشدة ومدة التعرض للمخاطر، نذكر منها:

– الفحص الطبي الابتدائي والفحص الطبي الدوري: يجب أن يخضع العاملات والعمال لفحوصات طبية دورية للكشف عن أي مشكلات صحية مبكرا.

– التغذية الجيدة: تناول الطعام الصحي والمتوازن يساهم في تقوية جهاز المناعة والحفاظ على الصحة.

– التوعية الصحية بالمخاطر: يجب توعية العاملات والعمال بمخاطر العمل، وكيفية التعامل معها.

– ارتداء الملابس الواقية: يجب ارتداء الملابس والمعدات الواقية المناسبة للوقاية من التعرض للمواد الكيميائية والإشعاع والإصابات…

– الاسعافات الأولية: يجب تدريب العاملات والعمال على تقديم الإسعافات الأولية في حالة الحوادث أو الإصابات.

——————————————–

ملحوظه: الوقاية خير من العلاج

——————————————–

لنتذكر دائما أن الوقاية أفضل من العلاج، وأن لا أحد غيرنا سيهتم بحياتنا وصحتنا وسلامتنا، وأكثر منَّا، لذا يجب الحرص على توفر شروط الصحة والسلامة بمكان عملنا، والمطالبة بتطبيق هذه الإجراءات وغيرها…

———————————————

ثانيا: ما المقصود بجداول الأمراض المهنية؟

———————————————

جداول الأمراض المهنية طريقة تتخذها الدولة (وتتخذها اليوم أكثر الدول) لتقديم قائمة بالأمراض المهنية التي تم الإقرار بها قانونيا، “لأغراضالوقايةوالتسجيلوالإخطار،وعندالاقتضاء،التعويض”.

آخر جداول الأمراض المهنية بالمغرب المعمول بها صدرت، منذ 10 سنوات، بالجريدة الرسمية عدد 6303، بتاريخ 02 محرم 1436 (27 أكتوبر 2014)، وتتضمن 111 جدولاً بالأمراض المهنية.

ويتكون كل جدول من ثلاثة أعمدة، كمثال كما تبين الصورة أسفله: جدول رقم 1-1-14؛ الأمراض المهنية الناتجة عن الكادميوم ومركباته.

يتضمن العمود الأول، من اليمين إلى اليسار، بيان الأمراض التي يمكن أن يصاب بها العامل.

ويتضمن العمود الثاني أجل التكفل بالعلاج، أجل تختلف مدته من مرض لآخر.

إذا لم تظهر أعراض المرض على المصاب إلا بعد توقفه عن العمل مدة تفوق هذا الاجل فإنه لا يمكن اعتبار المرض مهنيا معوضا عنه.

ويأتي إقرار هذا الحق في القانون تماشياً مع حقيقة أن أعراض الأمراض المهنية لا تظهر غالباً بشكل مباشر أو سريع على العامل، وإنما قد يستغرق ظهورها فترة زمنية من مزاولة العامل لمهنته، وفي كثير من الأحيان يعاني العاملات والعمال بعد انتهاء عملهم لدى مشغل ما من أعراض لأمراض مهنية سبّبتها المهن والأعمال التي كانوا يزاولونها.

لكن المشكلة إذا لم تظهر أعراض المرض على المصاب إلا بعد توقفه عن العمل مدة تفوق المدة المسماة في الجدول “مدة التكفل بالعلاج” فانه لا يمكن اعتبار المرض مهنيا معوضا عنه.

فيما يتضمن العمود الثالث قائمة بيانية، أو حصرية (حسب كل جدول)، لأهم الأعمال التي قد تسبب هذه الأمراض.

——————————————

مشكل إثبات العامل إصابته بمرض مهني وضياع حقوقه…

——————————————

فعليًّاَ، كثيرة هي حالات الإصابة بالأمراض المهنية؛ ولكن الحالات التي تم الإقرار بها واستحق ضحاياها رواتب اعتلال أو وفاة ناشئة عنها، هي قليلة جداً، لا بل نادرة، ولا تكاد تُذكَر (ولا توجد جهة تقدم بشكل منتظم معلومات وإحصائيات عنها…)، على الرغم من أن عدد حالات الإصابة والوفاة بالمرض المهني، كشكلٍ من أشكال إصابات العمل، يفوق بكثير عدد حالات الإصابة والوفاة بسبب حوادث الشغل.

وذلك لعدة أسباب، نذكر منها:

– شروط شبه تعجيزية في وجه العاملات والعمال لإثبات الإصابة بمرض مهني، وطول المساطر وتعقدها، وتهرب الأطباء من إقرار الإصابة بالمرض المهني لفائدة المصاب، بسبب ضغط أرباب العمل وشركات التأمين…

– نقص، وربما انعدام، وعي العاملات والعمال بالموضوع، وعدم الاهتمام بتشخيص الحالة المرضية. قد يشكو العامل من أعراض مرضيّة ناتجة عن مهنته وبسببها دون أن يعلم وحتى دون أن تُشخّص حالته المرضيّة على أنّها مرض مهني.

———————————————

الرأسمالية تعترف مرغمة أنها تتسبب بالأمراض وتقتل…

———————————————

وضع جداول للأمراض المهنية، واكتسابها طابع نصوص قانونية إلى جانب تشريعات أخرى تنظم الصحة والسلامة المهنية ضمن ” تشريعات الشغل”، وإدراج أمراض فيها دون أمراض أخرى، لم تقم بها الدولة وأرباب العمل من تلقاء أنفسهم، بل جاءت نتيجة نضالات مريرة خاضها العاملات والعمال على امتداد عقود…

واليوم، إذا كانت قد أصبحت كمكتسبات ضمن”تشريعات الشغل”، وقيام الدولة بإحداث مؤسسات وتكوين أطباء في هذا المجال، فإنه أولا اعتراف بأن الكدح في أماكن العمل يتسبب للعاملات والعمال، وحتى لأسرهم واشخاصا آخرين، بالأمراض، إنه اعتراف من الرأسماليين أنفسهم ودولتهم أن الرأسمالية تتسبب بالأمراض وتقتل…

وثانيا، هي مكتسبات ينبغي الحرص على التمتع بها، وتطويرها باستمرار.

لأن أرباب العمل، سعيا منهم إلى تحقيق أعلى الأرباح، يحرصون “على إبقاء العمال بلا تأمين من الامراض المهنية، لعدم إجبارية هذا التأمين. حيت تجندت منظمات أرباب العمل لإلغاء تلك الإجبارية التي نص عليها ظهير 23 يوليوز2002.

جاء في مادته الثانية أن على المشغلين الخاضعين لظهير الضمان الاجتماعي ” أن يبرموا عقدا للتأمين يضمن التعويضات التي ينص عليها ظهيرنا الشريف هذا [ظهير التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية]”.

لكن الحملة التي قام بها أرباب العمل أدت الى صدور ظهير 19 يونيو 2003 حيث طارت منه الأمراض المهنية، واقتصرت إجبارية التامين على حوادث الشغل.

جاء في الفصل الثاني من هذا الظهير انه يجب على المشغلين الخاضعين لظهير الضمان الاجتماعي “أن يبرموا عقدا للتأمين يضمن التعويضات المتعلقة بحوادث الشغل التي ينص عليها ظهيرنا الشريف هذا”.

النضال من أجل إجبارية التأمين عن الأمراض المهنية، وقيام مفتشي الشغل ومفتشي الضمان الاجتماعي ومراقبيه بإلزام أرباب العمل بتطبيق القانون، واجب من واجبات حركة نقابية جديرة بهذا الاسم”. [مأخوذ من مقال: “فاس: صحة عمال المطاحن بين المرض المهني وانعدام التأمين”؛ محرض عمالي؛ الثلاثاء 12 كانون الأول/ديسمبر 2006؛ جريدة المناضل-ة؛ عدد: 14].

والمطالبة، إضافة إلى ذلك، بما يلي:

-مراجعة قائمة الأمراض المهنية بشكل دوري، وكلما أقتضى الأمر ذلك، بما يتناسب مع المستجدات والمتغيرات. فالأمراض المهنية تتغير مع تغير واقع العمل، وتطور التكنولوجيا، إذ تظهر أمراض جديدة، مثل مرض كورونا، وأخرى لم يتم بعد إدراجها في تلك القائمة…

-إنشاء مؤسسات لإجراء مزيد من الدراسات المتخصصة في مجالات حوادث الشغل والأمراض المهنية.

– إسناد التأمين عن الأمراض المهنية، مع التنصيص على إجباريته، وكذا التأمين عن حوادث الشغل، للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كما حال الـتأمين الاجباري عن المرض (AMO)، إسوة بعديد دول العالم، إضافة إلى أنها توصية من توصيات منظمة العمل الدولية، والمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، بدل تركهبيد شركات تأمين خاصة تراكم الاموال على حساب الضحايا وذوي حقوقهم، ويزج بالضحايا وذويهم في تعقيدات مساطر التعويض، وحرمانهم من حقوقهم…

شارك المقالة

اقرأ أيضا