عناصر استراتيجية لتعبئتنا من أجل فلسطين

أنطوان لاراش

Antoine Larrache

و نيفا جلون

Neva Djelloun

الحرب في غزة مستمرة منذ عشرة أشهر. حرب إبادة جماعية ذات رهانات عديدة. تقع على عاتقنا مسؤولية مهمة في مسار المقاومة على صعيد عالمي.

ليس وراء الحديث عن إبادة جماعية دواعي سجالية، بل هو ناتج عن خصائص هذه الحرب الملموسة. إذ أنها غير متساوقة بتاتا، لا سيما من حيث الأسلحة المتاحة للقوى المتواجهة. ولكن العلاقة مع الموت بوجه خاص هي الحاسمة. فقد تم إحصاء حوالي 000 40 قتيل ضمن سكان غزة، ما يعني أن العدد الحقيقي قد يبلغ بالأقل ثلاثة أضعاف هذا العدد، وفقًا لمختلف المتخصصين في هذا النوع من الصراع. وقد خلصت دراسة حديثة إلى أن 000 185 حالة وفاة قد حدثت بالفعل أو جرى تخطيط لها، ما يمثل نسبة 8% من سكان غزة. هذا قياسا برقم 650 إلى 700 قتيل من الجنود الإسرائيليين (17% منهم قتلهم جيشهم…). هذا فضلا عن  ترحيل 1.9 مليون شخص.

ويرتبط طابع الإبادة الجماعية أيضًا بالرغبة في استئصال السكان الفلسطينيين من غزة، إذ قُتل من الأطفال في غزة، في أربعة أشهر، ما يعادل عدد الأطفال المقتولين في 4 سنوات في العالم برمته. وتطابق نسبة وفيات الأطفال والنساء منظور منع تكاثر السكان، وكذا الرهان الديموغرافي القائم دائمًا في سياق استعمار استيطاني. بينما يجعل تدمير غزة مواصلة العيش فيها مستحيلا، تسعى إسرائيل إلى منع إعادة توطين الفلسطينيين في غزة وتشجع المستوطنين على الاستقرار فيها. وتندرج هذه السياسة في هدف إسرائيل الكبرى الذي يروج له اليمين الصهيوني المتطرف الساعي إلى طرد جميع الفلسطينيين من القطاع. يترافق هذا الهجوم مع الهجمات في لبنان، ومع مطالبة إسرائيل بنزع عسكرة مساحة بعرض 10 كلم في لبنان متاخمة لإسرائيل. ويندرج مشروع  إسرائيل الكبرى والسياسات المعادية للفلسطينيين ضمن سعي الولايات المتحدة إلى السيطرة على المنطقة،في إطار إعادة تنظيم العالم.

يد الإمبريالية

يعرض ميشال فارشافسكي علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل باستعارة علاقة كلب بذيله، حيث يحرك الذيل الكلب. يتيح هذا ربط بُعدين. أولهما أن إسرائيل مجرد ملحق للولايات المتحدة، معتمد كليًا على تمويلها، فمنذ العام 1948، تم تحويل 318 مليار دولار، منها 158 مليار دولار كمساعدات عسكرية، و3.8 مليار في عام 2023. بينما باعت ألمانيا لإسرائيل أسلحة بقيمة 326 مليون يورو في العام 2023، وفرنسا 208 مليون يورو منذ العام 2013. نجحت الولايات المتحدة في السيطرة على الدول العربية في المنطقة بواسطة أنظمة مستبدة، لا سيما بعد قمع الثورات العربية، وفرضت “تطبيعًا” لعلاقاتها مع إسرائيل، أي اصطفافًا مع الإمبريالية وأداتها. وترتب عن الاصطفاف تخلي فرنسا عن سياسة إمبريالية في المنطقة بديل عن السياسة الأمريكية.

ولكن، وهذا عنصر الاستعارة الثاني، لا تجرد الهيمنة الأمريكية الدولةَ الصهيونية من بعض الاستقلال ومن مقدرة على إجبار الإمبرياليين على تحركات. إذ لا خيار فعلا لهؤلاء غير اقتفاء توجهات سلطة اليمين المتطرف، حتى فيما يعتبرونه مغاليا من وجهة نظر مصالحهم، لأنهم  يعتمدون بدورهم على أداتهم الوحيدة الموثوقة في المنطقة.

الإمكانات السياسية للتعبئات

نحن إذن نواجه عدوًا عملاقًا، إذ لا نواجه  في الواقع نتنياهو وإسرائيل، بل ذراع الولايات المتحدة المسلح المنفلت. بيد أن لدينا مرتكزات حقيقية في هذه المعركة.

المرتكز الأول، غالبًا ما يُبخس قدره بسبب لا تساوق المعركة، متمثل في المقاومة في الميدان. فقد تم، حسب معلومات متعددة، تدمير عدة مئات من الدبابات الإسرائيلية منذ بداية التدخل. تتيح هذه المقاومة العسكرية إبطاء تقدم إسرائيل الحربي، وتسبب تكاليف باهظة. إن قضية الرهائن معقدة: نحن ضد احتجاز رهائن بالمطلق، ولكن يجب أن نفهم، في هذا السياق، أن مئات الرهائن الإسرائيليين الذين أسرهم الفلسطينيون ليسوا مشكلة سياسية أكثر من آلاف الأسرى الذين تحتجزهم إسرائيل، وأن الرهائن استخدموا كورقة مساومة للحصول على وقف إطلاق النار أو تحرير فلسطينيين.

ثاني المرتكزات هي التعبئات في البلدان العربية. فبرغم القمع، تجري المظاهرات، لا سيما في الأردن، البلد الذي يتحدر معظم سكانه من فلسطين.وقد ذكرت منظمة العفو الدولية، في 11 أبريل 2024 ، أن ” سلطات الأردن اعتقلت، منذ 7 أكتوبر 2023، ما لا يقل عن 1500 شخص، وواحتجزت نحو 500 منهم منذ مارس”. أما في البلدان العربية وشمال أفريقيا، فالتحركات التضامنية محظورة، ما يدل على قدرتها على زعزعة الاستقرار وإمكان استئناف الثورات العربية أو حراك الجزائر.

وأخيرًا، شهدنا في البلدان الإمبريالية أكبر حركة تضامن دولي منذ حرب فيتنام، حتى وإن هي آخذة في التراجع الآن. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، واجهت حكومة بايدن صعوبات جمة، ومن المؤكد أن دعمه المستمر لإسرائيل سيكون عاملاً حاسماً في هزيمته. ومع ذلك لم يحدث أي تدخل مباشر من قبل دولة غربية مع إرسال قوات، عن  تأثيرعودة الجنود الجرحى وجثث القتلى. في الربيع، أعطت الحركة الطلابية العالمية نفسا ثانيا للنضال. وبوجه عام، نشهد تسيسًا كبيرًا بصدد هذه القضية في جميع أنحاء العالم، لم يسبقه نظير منذ سنوات.

وبوجه خاص، كانت هذه التعبئة حدثًا سياسيًا لافتا للنظر في تحالف الطبقات الشعبية: ففي معظم البلدان، قام الأشخاص من المصنفين عرقيا، وخاصة الشباب والنساء، بالتعبئة بنحو غير مسبوق. ففي فرنسا، على سبيل المثال، ساعد ذلك على إعادة بناء الكبرياء والقدرة على التحرك بعد العنف البوليسي والعنصري وقمع المظاهرات المعارضة له، وبعد الهجوم المعادي للإسلام بموضوع العباءة، وفي سياق صعود اليمين المتطرف.

بعد أكثر من عشر سنوات من الركود، أعيد بناء التعبئة من أجل فلسطين، وعادت مرة أخرى رمزًا لمقاومة الإمبريالية.

هروب السلطات إلى أمام

يُبرز القمع في كل بلد في العالم  ما تنطوي عليه التعبئة من أجل فلسطين من إمكانات سياسية. ففي الولايات المتحدة، تعرض الطلاب للاعتداء من قبل الشرطة والجماعات الصهيونية. وفي فرنسا، تم حظر المظاهرات وقمعها وتثبيطها منذ فترة طويلة. وفي فرنسا وألمانيا، تُمارس ضغوط سياسية هائلة على القطاعات المساهمة في التعبئة. ولا يقتصر الضغط على الاٌقسام الأشد كفاحية فحسب، بل يطال كل صوت معارض: فالأكاديميون والنواب يتعرضون للهجوم والحظر والتنديد، تمامًا مثلهم مثل مجموعات الناشطين الشعبيين. في فرنسا، لا يزال الهجوم السياسي مستمرًا منذ 7 أكتوبر، واستمر عبر الصحافة (المكتوبة والمتلفزة على حد سواء)، مع دعوة نتنياهو الى برنامج الأخبار على قناة TF1، ودعوة بايدن في يونيو، وإقالة غيوم موريس لوصفه نتنياهو بأنه “نوع من النازي، ولكن بدون قلفة”.

كان الابتزاز بجريرة معاداة السامية عاملًا رئيسيًا، حيث ساعد على شل النقابات العمالية  التي ارتعبت في البداية بفعل تهديد باتخاذ إجراءات قانونية ضدها بمبرر مساندة الإرهاب، ثم بفعل الاضطرار إلى مواجهة من قد يكون من أعضائها متأثرا بحجج حول الطبيعة الإرهابية لحماس أو معاداة السامية المزعومة للمظاهرات والمقاومة. وقد ترددت في أوساط اليسار حججٌ تزعم أن معاداة السامية متنامية في فرنسا و أن من شأن التعبئة من أجل فلسطين أن تشجعها. بيد ان استطلاعات الرأي التي أجرتها منظمة “إيفوب” لصالح اتحاد الطلاب اليهود بفرنسا ومنظمة SOS-Racisme من جهة، ورابطة العدالة من أجل فلسطين في باريس ومؤسسة فوندابول من جهة أخرى، تقدم معلومات معاكسة. إذ تُظهر هذه الاستطلاعات زيادة مؤقتة في الأعمال المعادية للسامية من حيث عدد الأعمال المرتكبة، لكنها تبين انخفاضًا في معاداة السامية. وفقًا للاستطلاع الأول، عند السؤال”بالنسبة لكل فئة من هذه الفئات من الأشخاص، هل تعتقد أن هناك الكثير منهم في فرنسا”، كانت الإجابة بالنسبة لليهود 13% في عام 1956، و16% في عام 2014، و8% في عام 2021. في أبريل 2024، يطرح الاستطلاع الثاني السؤال التالي: “بالنسبة لكل فئة من هذه الفئات أو المجموعات من الأشخاص، هل تشعر بتعاطف أو بكره أو لا تشعر بأي منهما؟ السؤال ليس هو نفسه، ولكن 6% من المستجيبين يعتقدون أن هناك الكثير من اليهود. لا تزال هذه النسبة كثيرة جدًا بالطبع، ولكن النسبة فيما يخص شمال أفريقيا هي 22% وللمسلمين 26% وللغجر 35%. يظهر الاستطلاع أيضًا أنه بعد 7 أكتوبر، “حجم الكلام المعادي للصهيونية أعلى بكثير من حجم الكلام المعادي للسامية”. وفي حين أن حجم الكلام المعادي للسامية عاد إلى مستواه المعتاد في غضون شهر بالكاد، فإن حجم الكلام المعادي للصهيوني ظل في مستوى مرتفع للغاية” (لا يعطي الاستطلاع أي أرقام لدراسة الفرق بين التعليقات، خاصة على الإنترنت، والعنف الجسدي أو الشتائم).

الابتزاز بتهمة معاداة السامية اعتمده أيضا اليمين المتطرف (رغم ان هذا اليمين مصدر تاريخي رئيس لمعاداة السامية في فرنسا…). وكان له تأثير ضار بشكل خاص على التعبئة.

مصاعب بوجه نتنياهو وحلفائه

بيد أن لمساندة الإبادة الجماعية كلفة مرتفعة. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “إيفوب” لصالح موقع “كريف” في أبريل 2024 أن “التعاطف مع إسرائيل” قد انخفض من 37% إلى 23% بين أكتوبر 2023 وأبريل 2024… في حين أن النظرة إلى “أعمال حماس المرتكبة في 7 أكتوبر” لم تتغير، ولم تكن أكثر تساهلاً. وردًا على سؤال “هل أنت راضٍ أم لا على مواقف الشخصيات السياسية التالية من الوضع في إسرائيل وقطاع غزة منذ هجوم حماس”، انخفضت نسبة الرضا على إيمانويل ماكرون من 49% إلى 38% في الفترة نفسها (رغم أن الاستطلاع لا يحدد سببا، لكن يمكن افتراض أن التغييرات بنسبة 10% في السؤالين مرتبطة ببعضها البعض).

حتى لو كانت التعبئة الجماهيرية قد بدأت تخبو، يبدو أن قطاعًا كبيرًا من السكان قد فهم سياسات ماكرون ويرفضها، ويبدو أن نفس  الامر قائم في بلدان أخرى. ويواجه بايدن صعوبة كبيرة بسبب التعبئة التي تقوض جزءًا كبيرًا من الدعم الذي يحظى به مع حركة “غير الملتزمين”، أولئك الأمريكيين الذين يرفضون دعم “جو مرتكب الإبادة” للانتخابات الرئاسية لعام 2024.

نتنياهو نفسه يهتز استقراره أكثر فأكثر كل شهر: بفعل تعبئة عائلات الرهائن المطالبة بإيجاد حل، وبفعل استقالة بيني غانتس وغادي آيزنكوت من حكومة الحرب التي تم حلها في منتصف يونيو. وليس بيني غانتس أفضل حالًا من نتنياهو، إذ يقترح التفاوض على هدنة تؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن قبل إعادة إطلاق حربٍ تستمر “لسنوات”2. ويدعو كثيرون إلى تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة، وهي مرتقبة قي العام 2026. ومن المرجح أن يواجه نتنياهو، الذي كان هدفًا لفضائح الفساد لسنوات، صعوبة كبيرة في هذه الانتخابات.

ليس القصد اعتبار هذا الزعيم أو ذاك أكثر تفضيلاً للفلسطينيين من الآخرين – فالأكثر تأثيراً هم جميعاً من اليمين المتطرف – ولكن يجب النظر إلى الانقسامات داخل معسكر الإبادة الجماعية كنقاط دعم تضعف الخصم.

رهان التعبئات بالنسبة لنا

الداعي الأول واضح: إنها قضية إنسانية، حيث سقط مئات الآف القتلى بسبب الحرب، والتهديد العنصري والفاشي الذي ينطوي عليه هذا الصراع القائم على التطهير العرقي وأيديولوجية تفوق البيض. نريد أن نوقف هذه الإبادة الجماعية بأي ثمن، مستخدمين كل الوسائل المتاحة لنا. هذا يتيح النضال بنحو ملموس ضد الفاشية والعنصرية هناك، ولكن هنا أيضًا، لأن لهذه الحرب تداعيات في كل مكان، ويمثل تزايد العنصرية وكره الاسلام في فرنسا  تفسيراجزئيًا للتحول في الدبلوماسية الفرنسية فيما يتعلق بالوضع هناك.

الداعي الثاني هو قضية أكثر شمولية تتعلق بزعزعة استقرار الإمبريالية، إذ أن فلسطين عنصر أساسي في ميزان القوى في الشرق الأوسط3، وفي إمكان إعادة إطلاق الثورات العربية، والثورة ضد الأنظمة المتعاونة مع إسرائيل، وبالتالي التمرد على الإمبريالية في المنطقة برمتها، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية و الطاقية مع البلدان الغربية.

وأخيرًا، هذه التعبئة مهمة ومحفزة لنا بشكل خاص (على الرغم من خطورة الوضع بالطبع)، نظرًا للسياق السياسي الصعب للغاية بشكل عام: المقصود تعبئة الطبقات الشعبية، وضحايا العنصرية بوجه خاص، في الأحياء الشعبية. وتساعد هذه القضية على تسييس قطاع من السكان في فرنسا الذي عادة ما يتم استبعاده من المناقشات السياسية التي تؤثر عليه بعمق. ويمكن أن يعبر شعور التمرد هذا عن نفسه من خلال الظلم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني.

مهامنا في هذه الفترة في هذه الحركة

رغم تراجع التعبئة في الأسابيع الأخيرة، سيؤدي استمرار الإبادة الجماعية حتمًا إلى تعبئة جديدة، ولا يغير من مهامنا العامة. نحن نرى أن من مهامنا الأساسية بناء متحدات من أسفل، وليس فقط كارتلات أو إطارات موحدة لمنظمات. فهذه لا تتيح إشراك الأشخاص غير المنظمين، لا سيما في الطبقات الشعبية، غير المعتادين بالضرورة على تنظيم أنفسهم بشكل جماعي. نحن نبني      Urgence Palestine    كتنسيقية  لهذه المتحدات، بغض النظر عن تسميتها المحلية. تتيح المشاركة في المسيرات والتجمعات العامة والتنسيقيات فرصة كسب خبرة العمل النضالي مع آلاف الأشخاص، بعضهم يتنظم لأول مرة، ولنتعلم منهم كيفية إدارة مظاهرة أو لجنة تنظيمية أو اجتماع، وما إلى ذلك… إن المظاهرات والتحركات فرصة لنتعلم منهم ونتشارك معهم خبراتنا. وهي لحظات سياسية لا مجرد منافذ، حيث يتم رفع شعارات والاستماع إلى خطابات وإجراء مناقشات وجمع أموال أو عناوين، وما إلى ذلك.

نحن نساند شعب فلسطين والمقاومة دون قيد أو شرط. و لا تعني تأييدنا للمقاومة في مواجهة المجازر التي يتعرض لها الفلسطينيون أننا  ندافع عن مشروع حركة حماس السياسي. ولكننا نعتبر أن الفلسطينيين هم من سيختار قيادتهم، ويمنحوا أنفسهم وسائل تغييرها، و دعمنا غير المشروط أفضل وسيلة لمساعدتهم على ذلك. لذلك نحن ندعم المقاومة، بما في ذلك المقاومة المسلحة، كما فعلنا في الجزائر وفيتنام. بيد أننا نطور منظورا نؤمن به، فشعار وقف إطلاق النار لا يكفي إذ لا يسعى الفلسطينيون إلى العودة إلى وضع قائم، بل يريدون إنهاء الاستعمار وإمكانية العودة إلى أرضهم. لذلك نحن ندافع عن تفكيك دولة إسرائيل، وهي دولة قامت على أسس عنصرية، وندافع عن إمكان قيام دولة علمانية وديمقراطية، من البحر إلى النهر، تقوم على أساس حركة شعبية جماهيرية وإقليمية.  لا نريد طبعا “إلقاء اليهود في البحر”، وتتمثل رؤيتنا، كما في الماضي، في إتاحة عيش مختلف مكونات الشعب الفلسطيني، أيا يكن دينها أو أصلها، معًا دون تمييز وعلى قدم المساواة السياسية والاجتماعية.

المساعدة في بناء قيادة فلسطينية

تتمثل مسؤوليتنا في هذا النضال في تشجيع ودعنم بناء قيادة فلسطينية بديلة لقيادة حماس وفتح، هذه الغارقة في السلطة الفلسطينية المتعاونة مع إسرائيل. من وجهة النظر هذه، نعمل في فرنسا مع مجموعة Boussole Palestine ، وهي مجموعة من الفلسطينيين في مركز ” Urgence Palestine “، من بينهم عمر السومي ورامي شعث وصلاح حموري، الذين يشاركوننا هذا المشروع4.

مع هؤلاء الرفاق، نشترك أيضًا في وجهة نظرنا حول الربط بين قضية فلسطين والمسائل الأخرى، لا سيما العنصرية. إن نضالنا مناهض للعنصرية والفاشية والاستعمار والإمبريالية في منطلقاته الأساسية ذاتها. لكن هذا لا يعني أن هذه الرؤية واعية عند للأشخاص المستعدين للتعبئة: فالكثير منهم يتصرفون ضد الرعب، ضد الإبادة الجماعية، لأن عشرات الاف الأطفال يُقتلون. قد يؤمن البعض منهم بخرافة الحاجة إلى دولة يهودية (وبالتالي يكونون صهاينة عملياً، دون أن يعرفوا ذلك)، وقد يكون لدى البعض الآخر أوهام كثيرة حول دور فرنسا في العالم، أو حول المنظمات اليسارية، ولا بأس بذلك. نحن نريد حركة عريضة. وهذا يعني وضع المطالب من أجل فلسطين في المركز. ولا يمنعنا  هذا من المشاركة في نشاطات أخرى مناهضة للعنصرية والاستعمار والنشاطات ضد  حزب التجمع الوطني، الخ، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار خطر، وهو خطر تشتتنا وعزلتنا، وهو خطر شديد في الوضع الحالي.

خوض معارك سياسية

يستوجب بناء هكذا حركة، ضد تيار الأيديولوجية المهيمنة ووسائل الإعلام، خوض معارك كثيرة، بعضها صعب للغاية. فالنقابات العمالية الفرنسية، على سبيل المثال، ضعيفة التعبئة. ومع ذلك، من الممكن اتخاذ إجراءات ملموسة وبسيطة، سواء من خلال حركات التضامن مع النقابات العمالية الفلسطينية، أو مسألة التسلح، أو المقاطعة. وفي العديد من البلدان، تم اتخاذ إجراءات في الموانئ ومصانع الأسلحة، مع بعض النجاح السياسي. ومن بين الإجراءات الأخرى السهلة نسبيًا المقاطعة بعد تجاوز الحجج الأخلاقية حول الحوار بين الشعوب، وذلك بفضل المثال التاريخي لجنوب أفريقيا وفعالية الضغط على Puma أو النتائج المالية لشركة كارفور. وتتيح حملة المقاطعة جميع الأدوات والأولويات اللازمة، وتتمتع بالشرعية اللازمة لتنظيم إجراءات تتراوح بين أبسطها (توزيع أو لصق الملصقات) وأكثرها هجومية.

وستطرح في شهر سبتمبر/أيلول مسألة الشباب الحاسمة. فقد انخرط بعضهم في الاحتجاجات، وقد تدفع مذابح الصيف أخيرًا قسما كبيرًا منهم إلى التحرك. بالارتكاز على الأنشطة المنظمة في الجامعات، وأعمال المحاصرة القليلة للمدارس الثانوية، وقبل كل شيء القلق القائم في أحياء الطبقات الشعبية، وخاصة بين الشابات، تنفتح إمكانية كبيرة للتعبئة.

أخيرًا، ليس مخجلا طرح مسألة بناء منظمتنا في هذه المعركة. ليس على غرار بعض المنظمات التي لا تجعل المصالح العامة للحركة  وللفلسطينيين محددا لتوجهاتها ولأعمالها، بل المكاسبُ التي تأمل تحقيقها. حيث نخضع التوجهات لخدمة البناء، وليس العكس، حيث يكون التنظيم في خدمة الأفكار والأهداف السياسية والنضالية. قد نرتكب أخطاء، ولكننا نرتكبها مع الأشخاص المنخرطين في التعبئة، لمصلحة الحركة، وليس من أجل مصالح عصبوية.  المنظمة بنظرنا تجسيد لروابط سياسية حول أفكار؛ وغاية التنظيم  جعل الدفاع عن الأفكار أشد فعالية. في الأساس، في حركة تواجه صعوبات كبرى، وتواجه أجهزة الدولة، ومعزولة إلى حد ما، من الإجرامي أن ننقسم، فالأولوية هي أن نضع تنظيمنا في خدمة الحركة: نتشارك تحليلاتنا، وشبكاتنا الدولية، وقدراتنا النضالية والتنظيمية (معدات صوتية، وخبرة في الحركات، وقدرة على طباعة منشور، وتنظيم اجتماع، إلخ) للبناء. بصدق، دون إخفاء توجهاتنا. من وجهة النظر هذه، لا يزال العمل مطلوبًا لربط بناء الحركة، بما في ذلك بعدها الثوري الإقليمي والدولي، برؤيتنا من حيث الطبقات الاجتماعية. لا تقتصر إستراتيجيتنا الأممية على التضامن والنضال، بل تشمل أيضًا التعاون بين الشعوب، بهدف تدمير الدول في نهاية المطاف. ولكن بالنظر إلى الوضع الحالي لموازين القوى، فإن هذا في الأساس تفكير نظري ومجرد.

– 1.” Confflit Israël-Hamas: 17% من الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في قطاع غزة على يد جيشهم الخاص”، فرانس إنفو، 1 يناير 2024.

– 2.” En Israël, Benyamin Nétanyahou dissout le Cabinement de guerre”, Louis Imbert, 18 يونيو 2024, Le Monde.

– 3 ينبغي استخدام مصطلح “الشرق الأوسط” عن دراية وبعين ناقدة: اخترعت المملكة المتحدة هذا المفهوم في القرن التاسع عشر كاستمرار لنزعتها الاستعمارية والإمبريالية في الشرق الأدنى، الأقرب إلى المملكة المتحدة، في مقابل الشرق الأوسط، الأبعد قليلاً، والشرق الأقصى. لم تكن هذه المصطلحات تشير دائمًا إلى نفس المناطق بالضبط. فاليوم، يشير الشرق الأدنى عمومًا إلى تركيا وسوريا ولبنان وفلسطين وإسرائيل ومصر، والشرق الأوسط إلى الأردن والعراق وإيران وأفغانستان والمملكة العربية السعودية واليمن وعمان والإمارات العربية المتحدة. في اللغة الإنجليزية، يشار إلى هذه المنطقة بأكملها باسم الشرق الأوسط. وهو الذي اعتمدناه

– 4 انظر: “À Gaza, au Caire, à Paris, construire une direction palestinienne”، مقابلة مع رامي شعث، Inprecor، حزيران/يونيو 2024.

شارك المقالة

اقرأ أيضا