استمرار إضراب شغيلة شركة المناولة “طوب فوراج” (Top Forage) بمنجم بوازار بجماعة وسلسات، إقليم ورزازات، منذ يوم الاثنين 15 يوليوز 2024
بقلم : محمد أمين الجباري
هذا ثالث تقرير عن معركة عمال شركة المناولة “طوب فوراج” (Top Forage) بمنجم بوازار المتواصلة للأسبوع الخامس على التوالي؛ سنركز فيه أساسا على ما استجد فيها خلال الأسبوعين الرابع والخامس، من الاثنين 05 غشت 2024 إلى الأحد 18 غشت 2024.
أمابخصوص الأسابيع الثلاثة الأولى لها، فيمكن الرجوع إلى التقريرين الأول والثاني عنها.
للاطلاع على التقرير الأول: https://www.almounadila.info/archives/18461
وللاطلاع على التقرير الثاني https://www.almounadila.info/archives/23944
–——————————————
أولا: عمال شركة المناولة “طوب فوراج” (Top Forage) بمنجم بوازار: صيف نضال من أجل أجورهم ومكتسباتهم وانتزاع مطالبهم…
——————————————
إلى غاية يوم الأحد 18 غشت 2024، وللأسبوع الخامس على التوالي، ورغم الظروف المناخية القاسية، حيث موجة حر شبه متصلة بالمنطقة، خلال هذه الفترة، يواصل عمال شركة المناولة “طوب فوراج” (Top Forage) بمنجم بوازار (قرب تازناخت) بجماعة وسلسات، إقليم ورزازات، نضالهم الذي انطلق منذ يوم الاثنين 15 يوليوز 2024 بسلسلة إضرابات متتالية، طيلة الأسبوع الأول، مصحوبة بوقفات احتجاجية واعتصامات أمام إدارة شركة “تيفنوتتيغانيمين” (CTT) بالمنجم، وكذا مسيرات أمام ساحتها يوميَّاً، ثم الدخول في إضراب مفتوح منذ يوم الاثنين 22 يوليوز 2024 لتجاهل احتجاجاتهم، وعدم الاستجابة لمطالبهم.
للتذكير، شركة “طوب فوراج” (Top Forage) هي شركة مناولة لدى الشركة الأصلية “تيفنوتتيغانيمين” (CTT) المستغلة لمنجم بوازار لاستخراج الكوبالت أساسا، ومعادن أخرى، كالنحاس، والزرنيخ، والفضة، والذهب؛ وهذه الأخيرة بدورها تابعة لشركة مجموعة “مناجم” (MANAGEM).
دخل العمال، البالغ عددهم 254 عاملا، في الإضراب عن العمل، ابتداءً من يوم الاثنين 15 يوليوز 2024، لعدم أداء أجورهم لشهر يونيو 2024، المفترض تحويلها لهم نهاية الشهر، وتوقف حق استفادتهم، هم وأسرهم، من التغطية الصحية؛ كما سبق ذلك حرمان أبنائهم، على غير العادة، من ألعاب عاشوراء، ومن المخيم الصيفي (وقد كان ذلك مكسبا لهم لعدة سنوات)، دون باقي أبناء العمال بالمنجم لدى شركات المناولة الأخرى (حوالي 6 شركات) ولدى الشركة الأصلية (CTT) أيضاً، علما أن الشركة الأصلية (CTT) هي من توفر هذه الألعاب والمخيم.
فهل يتعلق الأمر بخطة مدروسة مسبقا، اختير لها وقت تنفيذها، لتعويضهم بعمال آخرين (وتسريحهم) بما يخدم مصالح المشغِّلين معا (شركة المناولة والشركة الأصلية) على حساب عَرق العمال ولقمة عيشهم وعيش أسرهم؟ إذ صار معلوما اليوم إقدام الشركة الأصلية “تيفنوتتيغانيمين” (CTT) على فسخ العقدة التي تربطها مع شركةالمناولة “طوب فوراج” (Top Forage) ابتداء من يوم الاثنين 29 يوليوز 2024، و”مدة الإخبار المسبق هي شهر”.
إضافة إلى هضم حقوقهم هاته، والتراجع على بعض مكاسبهم، التي كانت سبباً مباشراً في دخول العمال في هذا الإضراب، فإنهم طيلة سنوات عملهم السابقة، أقلها 12 سنة، فيما تبلغ لدى آخرين حوالي 20 سنة، لا يتم تمتيع العمال بحقوقهم المنصوص عليها في تشريعات الشغل (مدونة الشغل، مراسيم، نظام مستخدمي المناجم…)، على قلتها وعلاتها، ورغم عدم كلفتها وتأثيرها على الأرباح؛ لكن يرفض أرباب العمل تمتيع العمال بها، سعيا وراء تضخيم أرباحهم إلى أقصى حد، ونذكر منها أساسا، الحرمان من الحق في الأقدمية، وفرض ظروف عمل قاسية والتعرض للعديد من مخاطر الشغل والأمراض المهنية، حيث عدم توفير شروط الصحة والسلامة المهنية.
–——————————————
ثانيا: [أنهت المعركة أسبوعها الخامس، ودخلت أسبوعها السادس: رغم الحرمان من الأجور…؛ صمود العمال…؛ تضامن باهت ضعيف….؛ المشغلون (شركة المناولة والشركة الأم) يسعون إلى فرض الأمر الواقع بتسريح العمال بأسهل الطرق، وأجهزة الدولة تشحم المقصلة...]
–——————————————
إلى اليوم، لم يتلقَّ العمال الـ 254، إلى جانب مطالبهم ومستحقاتهم المادية الأخرى، أجورهم لشهر يونيو 2024، والشهور التي تلته، والتي تقدر بما مجموعه: “حوالي 3 ملايين درهم” (300 مليون سنتيم)، ما جعلهم اليوم بدون أجور طيلة ثلاثة أشهر متتالية، مما تسبب في تأزيم أوضاعهم وأوضاع أسرهم المادية والاجتماعية، لا سيما خلال هذه الفترة لتزامنها مع فترة عيد الأضحى، والعطلة الصيفية، إذ لا يعملون في أي مكان آخر، ولا دخل آخر أو مورد لهم؛ وها هو الدخول المدرسي على الأبواب، لم يبق له سوى أسبوعين، وهؤلاء العمال أغلبهم شباب، متزوجون، ولهم أطفال متمدرسون، فكيف لهم تأمين حاجيات أطفالهم بمناسبة الدخول المدرسي؟ ومحرومون أيضا، هم وأسرهم، من التغطية الصحية…
ورغم ذلك، يواصل العمال صمودهم ووَحْدَتهم وتضامنهم من أجل نيل حقوقهم البسيطة ومطالبهم العادلة والمشروعة، وقد تعلموا من تجاربهم النضالية السابقة وحسهم الطبقي، أنه ما من طريق لنيلها غير النضال متحدين مهما كانت الصعوبات…
صمود ونضال مكنهم من انتزاع “تسبيق” (متأخر جدّاً) مبلغه 1200 درهم لكل عامل من المشغل بالمناولة، تم استلامها نقدا بالمنجم يوم 07 غشت 2024، كان قد تم الوعد به خلال “اجتماع محلي ثان للصلح”، صباح يوم 02 غشت 2024، “برئاسة قائد قيادة وسلسات”.
ومقابل اليد الممدودة من العمال من خلال مكتبهم النقابي، وثقتهم بإدارتي الشركتين (بالمناولة “طوب فوراج” والأصلية “س ت ت”) وبالسلطات في تمتيع العمال بحقوقهم تلك البسيطة والأولية، يتبين خلال كل هذه المدة أنه لا حساب للمشغلين أعلى من حساب مصالحهم الخاصة.
فمنذ انطلاق الإضراب، عُقِدت ثلاثة “اجتماعات محلية للصلح” “برئاسة قائد قيادة وسلسات”، الأول يوم 24 يوليوز 2024، لم يفض إلى شيء يذكر لعدم حضور المشغل بالمناولة، الثاني يوم 02 غشت 2024، كانت نتائجه هزيلة، دون مستوى انتظارات العمال، والثالث يوم 12 غشت 2024، لا جديد فيه، غير برمجة اجتماع رابع، ليوم 19 غشت 2024، وتم تأجيله لغاية يوم 22 غشت 2024.
اجتماعات لم تفض إلى حلول من طرف المشغِّلين، بل كان الغرض منها ربح الوقت، وجَرْجَرَة العمال من اجتماع لآخر، وإبقاء معركتهم معزولة حبيسة الموقع المنجمي المعزول هناك في جبال الأطلس الصغير، وإلهائهم بمطالب ومكاسب أولية بسيطة، وخوضهم النضال خلال فترة من العام غير ملائمة (ويبدو أن المشغلين اختاروا أيضا توقيت الهجوم)، لغاية إنهاكهم، وفرض الأمر الواقع بتسريحهم بأسهل الطرق، وأقلها تكلفة (ليس المالية فقط، بل هزم العمال أيضا، حتى يقبل الباقي بواقع القهر والاستغلال المكثف)، دون الحاجة إلى إجراءات قمعية مفضوحة، كما في معارك سنوات 2009، 2010، 2011، 2012 السابقة بذات المنجم.
وأما أجهزة الدولة، فتتابع “نزاع الشغل” هذا منذ البداية، وتم عقد ثلاثة “اجتماعاتِ صلحٍ” محلية تحت إشرافها، ورغم ما تكشَّف للجميع من خروقات لقوانين وتشريعات الشغل من طرف المشغلين، والمماطلة في تسوية هذا “النزاع” بمبررات واهية، ومدى الظلم البَيِّن الذي ينيخ بكَلْكَلِه على العمال لعقود، فقد وقفت ظاهريا موقف المتفرج المتابع، واكتفت بدعوة “الأطراف المعنية” إلى تلك”الاجتماعات المحلية للصلح”، ولكنها في الحقيقة بسلوكها هذا تقف إلى جانب المشغِّلين، وتساعدهم على كسب المعركة لصالحهم على حساب قوت العمال وانتهاك حقوقهم…
وأما التضامن العمالي لفك العزلة، والحصار الإعلامي عن المعركة، والذي كان قد انطلق ضعيفا خلال الأسابيع الثلاثة الأولى، حيث لم تسارع خلالها سوى إطارات مناضلة قليلة إلى تنظيم زيارات رمزية، وتنفيذ خطوات تضامنية رمزية (حالة تضامن عمال الشركة الأصلية (CTT))، فعوض أن يتطور ويتوسع، عرف جمودا خلال الأسبوعين الرابع والخامس (من 05 غشت 2024 إلى 18 غشت 2024)، حيث تمت خلالهما زيارة تضامنية رمزية يتيمة للعمال بالمنجم، يوم 09 غشت 2024، باسم أطاك المغرب- مجموعة أكدز، وفرع نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بأكدز، والعصبة المغربية لحقوق الانسان بأكدز؛ إضافة إلى بيان تضامن من النهج الديموقراطي العمالي بالراشدية والنواحي، يوم 06 غشت 2024.
بالإجمال، ما يزال التضامن أوليا، حيث الزيارات وعدد المشاركين فيها قليل، ولم يرقَ بعد إلى تنظيم قوافل تضامنية من طرف الإطارات النقابية والحقوقية من مختلف المدن، مع تنظيم حملات إعلامية واسعة لفك الحصار حول المعركة، وكذا السعي لحشد تضامن شعبي من أسر العمال.
وما تزال كل الظروف مواتية لأرباب العمل لفرض ما يرونه مناسبا لهم، ظروف تصبح مواتية أكثر فأكثر، أسبوعا بعد أسبوع، بسبب الانهاك والضغوطات على العمال وإحساسهم بالعزلة، وأوهامهم (أي ثقتهم) إزاء أرباب العمل وأجهزة الدولة، وعدم تطور تضامن عمالي وشعبي مع العمال إلى المستوى المطلوب.
لكن ما تزال قائمةً إمكانيةُ الخروج من هذه الحلقة المفرغة لتفادي السير نحو هزيمة على بياض، إذا ما قطع العمال مع أوهامهم إزاء أرباب العمل، ومع أوهام التعويل على أجهزة الدولة في الوقوف إلى جانبهم، أو على أية جهة أخرى، غير تضامن العاملات والعمال والإطارات المناضلة قولاً وفعلاً، معنوياً ومادياً ونضالياً؛ أوهام تضعف نضالهم وتعيق تطويره لانتزاع حقوقهم ومكاسبهم.
لذا، تحتاج المعركة إلى كل أشكال الدعم والمساندة، وفك الحصار الإعلامي، من قبل النقابات العمالية، كل النقابات، وخاصة نقابات عمال المناجم، ومن الإطارات الحقوقية المناضلة، ومن كافة أنصار الطبقة العاملة.
ويحتاج العمال إلى نفض أوهام التعويل على غير أنفسهم وتضامنهم وتضامن العاملات والعمال معهم لمواجهة ما قد ينتظرهم من أيام قاسية.
فكلُّ انتصارٍ هنا للعمال في معركة مهما كان صغيراً، انتصار لكل العمال في كل مكان
———انتهى—–
اقرأ أيضا