عُزَّلٌ أمام طاحونة رأس المال، ورغم الحصار، والتعتيم، شغيلة طوب فوراج في منجم بوازار يواصلون الاضراب المفتوح

بقلم محمد أمين الجباري

 

عُزَّلٌ أمام طاحونة رأس المال، ورغم الحصار، والتعتيم، واللامبالاة…

– عمال شركة المناولةطوب فوراج (top forage) بمنجم بوازار بجماعة وسلسات، إقليم ورزازات، مستمرون في نضالهم منذ يوم الأحد14 يوليوز 2024، ودخلوا اضرابا مفتوحا منذ يوم الأحد 21 يوليوز 2024، تشبثا بحقوقهم ومطالبهم العادلة والمشروعة…

——————————————

منذ يوم الأحد 14 يوليوز 2024،وفي ظل ظروف مناخية قاسية، حيث موجة حر شبه متصلة بالمنطقة، خلال شهر يوليوز 2024، عمال شركة طوب فوراج (top forage) بمنجم بوازار بجماعة وسلسات (قرب تازناخت)، إقليم ورزازات، يواصلون خوض نضالهم، وقد دخلوا إضرابا مفتوحا، مصحوباً باعتصامات ووقفات احتجاجية يومية أمام مقر إدارةشركة “CTT” بالمنجم (تابعة لشركة “مناجم” (MANAGEM))،ومسيرات يومية، احتجاجا على عدم أدائهم أجورهم، وهضم حقوقهم، والتراجع على بعض مكاسبهم، ومحاولةاستبدالهم بعمال آخرين (تسريحهم)، والاستخفاف بمطالبهم…

——————————————

ماهي مطالب العمال؟من أجل حقوقهم المهضومة…

——————————————

مطالب العمال هي تلك الحقوق الأولية والبسيطة للعاملات والعمال المنصوص عليها في تشريعات الشغل (مدونة الشغل، مراسيم، قانون السلامة بالمناجم…)، ومفترض أن لا يضطر العمال للنضال من أجل نيلها، لكن على قلتها وعلاتها، ورغم  تسبية كلفتها وتأثيرها على أرباحهم، المشغِّلون يرفضون تمتيع العمال بها، وأهمها:

– تسوية أجورهم: لم يتلق العمال أجرة شهر يونيو 2024، ما جعلهم اليوم بدون أجور منذ شهرين، ما تسبب في تأزيم أوضاعهم وأوضاع أسرهم  المادية والاجتماعية، لا سيما خلال هذه الفترة لتزامنها مع فترة عيد الأضحى، والعطلة الصيفية…

– تسوية مستحقات منحة الأقدمية؛

– تسوية منحة عاشوراء؛

– ضد حرمان الأبناء في المخيم الصيفي: تم إلغاء التخييم لأبنائهم وعدم الاستفادة منه، بعد أن كان مكسبا.

– تمتيع العمال بالتغطية الصحية؛

– تسوية باقي الملفات العالقة؛

تحسين ظروف العمل، وبمقدمتها توفير شروط الصحة والسلامة المهنية بما يضمن السلامة من مخاطر الشغل والأمراض المهنية…

——————————————

من هو المشغل؟شركة “CTT” فرع لقطب “مناجم” (MANAGEM) ضمن الهولدينغ “مدى”

——————————————

يشتغل العمال لدى شركة “طوب فوراج” (top forage)،وهي شركة مناولة لدىشركة “CTT” المستغلة للمنجم منذ أربعة عقود، وتستخرج منه أساسا الكوبالت، مستعينة بمقاولات أخرى من باطن.

وشركة “CTT” هي أحد مكونات شركة “مناجم” (MANAGEM)، ضمن الشركة القابضة “مدى”.

Qvm, مناجم (MANAGEM) هي شركة مغربية منجمية عامة، مقرها بالدار البيضاء، تم إنشائها في17 نونبر 1930.تعمل في قطاع التعدين والمعادن، من إنتاجاتها الأساسية: الكوبالت، الزنك، الرصاص، النحاس، الذهب، ولها نشاطات في عدد من الدول بإفريقيا (ستة دول)؛ تنشط أيضا في قطاع الصناعات الهيدرومعدنية.

مدرجة في بورصة الدار البيضاء منذ يوليوز 2000؛ تملك مجموعة مدى 75% من رأس مالها.”ووفقا لأحدث تقرير لنتائج أعمال الشركة، بلغ رأس مال مناجم ما يقرب من مليار درهم حتى يونيو 2023″.

وقد خططت منذ بداية 2024 “لزيادة رأسمالها بمقدار ثلاثة مليارات درهم (300 مليون دولار) في النصف الأول من العام الحالي لتمويل خططها للتوسع في الذهب والنحاس والكوبالت”، وذلك “لمضاعفة أرباحها من تسعة مليارات درهم بحلول عام 2025”.

——————————————

العمال: حياةٌ غير لائقة، ظروف عملٍ قاسية، وأبسط الحقوق مهضومة…

——————————————

يبلغ عدد العمال حاليا لدى شركة “طوب فوراج” (top forage)  254 عاملاً، بعد أن تم تقليص عددهم السابق 360، إثر عملية طردٍ جماعي بتعويضات بخسة؛ لم يجددوا عقد العمل منذ أول عقدة عند بدء العمل، أقل اقدمية لهم تعود إلى سنة 2011، أي 13 سنة، ومنهم من بلغت أقدميته 25 سنة.

جلهم شباب ينحدرون من منطقة بوزار وأكدز [على بُعد 54 كلم]، وتزناخت [على بُعد 35 كلم].

لا توفر لهم الشركة سكنا، وتتولى نقلهم من وإلى العمل بحافلاتها، ما يدفعهم للكراء بقرى مجاورة وأقرب إلى المنجم؛ لكنها مفتقرة لمرافق الحياة اليومية، وأولها الحمام العمومي، حيث يضطر العمال للذهاب إلى تازناخت، أو أكدز.

كما لا وجود لخدمات صحية بها، ما يجبر المرضى على التنقل إلى مدينة ورزازات [على بُعد 103 كلم]، لأن الخدمات الصحية بأكدز وتازناخت نفسيهما لا تفي بالغرض.

وبوجه العموم المحيط المنجمي لا يستفيد من وجود المنجم، فلا مرافق عمومية، رياضية أو ترفيهية، أو صحية، ولا بنية تحتية؛ الشركة تأخذ ولا تعطي.

يعمل العمال 8 ساعات يوميا، عن طريق المناوبة، عبر ثلاثة أفواج، لكون العمل بالمنجم متواصل 24/24 ساعة. يشتغلون في أعمال الثقب، والحفر، وجرف المعدن، وإخراجه، ووضعه بالعربات المدفوعة [تصل سكتها إلى 800 و1000 متر]،  وكذا في أشغال البناء.

ومجمل ما يتقاضاه العامل شهريا يتراوح  بين 5000 و6000 درهم، بما فيها منح ثابتة، مثل الأعياد ومنح المردودية. فيما لا تعويض عن ساعات العمل الإضافية، ولا عن العمل الليلي.

كما لا يتقاضى العمال منحة الأقدمية ضدا على القانون؛ وحسب شهادة عدد من العمال المضربين اليوم، تقوم الشركة بالغش في ورقة الاداء بتزوير تاريخ الدخول إلى العمل.

التعويضات التي  تمنحها الشركة هي تعويضات النظافة، وعيدية الاطفال، والكراء رغم أن منحته بخسة لا توازي سومة الكراء محليا.

ورغمأن العمال مسجلون بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي(CNSS)، لكن لا يتم التصريح بكامل أيام العمل؛ والتغطية الصحية تتوقف بين فينة وأخرى لعدم أداء الشركة في بعض الأحيانالاشتراكات كاملة.

كما يؤكد العمال أنه تم التراجع عن حق التأمين عن حوادث الشغل والأمراض المهنية لفائدة العمال، إلى جانب التراجع عن مكاسب أخرى، ولا علم لهم باسم شركة التأمين.

وأما بالنسبة للمصلحة الطبية في المنجم، فرغم وجودها بمقر العمل، وبها طبيب مداوم، لكنها بدون تجهيزات.

——————————————

مخاطر وأمراض مهنية دائمة التربص بالعمال، لغياب شروط الصحة السلامة المهنية…

——————————————

يؤكد العمال أن شروط الصحة والسلامة المهنية شبه منعدمة بأماكن العمل، فالمهندسون الذين من المفترض قيامهم بدور مفتش الشغل، كما ينص على ذلك قانون العمل المناجم (ظهير 24 دجنبر 1960)، لاسيما مراقبة شروط الصحة والسلامة في أماكن العمل، فإنهم يراعون مصالح الشركة فقط، ولا اهتمام لهم بالمخاطر المحدقة بالعمال؛ وأما مندوبو السلامة المنتخبون الذين يعطيهم قانون مستخدمي المناجم صلاحية مراقبة استيفاء شروط السلامة المهنية في المناجم، فلا وجود لهم.

وبخصوص تدريب العمال على الوقاية من المخاطر وتقنيات السلامة، وإعلامهم بمخاطر مهنتهم، كما تنص على ذلك مقتضيات الشغل،  أشار العمال إلى عدم اطلاعهم على أي قانون منجمي (قانون المستخدمين في المناجم، أي ظهير 24 دجنبر 1960، لمعرفة المكاسب التي جاءت بها نضالات عمال المناجم بالمغرب منذ عقود) أو غيره؛ وأنه بالرغم من وجود مندوبي العمال، لا توفر الإدارة لهم مستلزمات للقيام بمهامهم (مقر، ساعات تفرغ، سبورة، سجل شكايات العمال…).

بل الأكثر من ذلك، ما يزيد الوضع سوءً، تتم محاربة العمل النقابي بصفوف العمال، حيث اتخاذ إجراءات زجرية وتضييق الخناق على العمال بأشكال رهيبة وزرع الخوف في صفوفهم…

واقع العمل هذا، يجعل العمال معرضين للعديد من المخاطر والأمراض المهنية، بالدرجة الأولى السيليكوز، وأمراض الجهاز التنفسي، والتسمم بالمعادن، مثل الكوبالت، الارسونيك،لاميانت، النيكل، الرصاص، الزرنيخ…، فهناك استنشاق دائم للغبار بشتى أشكاله، وأدخنة الآلات والمتفجرات، مع ارتفاعٍ لدرجة الحرارة وتهوية شبه منعدمة…

وكذلك مهددون بفقدان السمع بسبب ضجيج الآلات والمعدات الصاخب والمرتفع وفرقعات المتفجرات ودويها وهزيمها الذي لا يتوقف، وغياب أجهزة واقية منه؛ وإصابة العيون بسبب تهيجها بالغبار والأدخنة، إضافة إلى عدم توفير مستويات إضاءة منسجمة مع طبيعة الأشغال بمختلف أماكن العمل؛ وآلام الظهر وعرق النسا (سياتيك)، بسبب طبيعة العمل وحمل الأثقال…

وأما تعامل الطبيب فيكون تحت أوامر الإدارة، ويتم التلاعب بحقائق الملفات للتهرب من الاعتراف بالأمراض المهنية التي تفتك بالعمال، وتضيع حقوقهم…

وبخصوص حوادث الشغل، العمال تحت تهديد خطر دائم، متمثل في  الانهيارات الجبلية والأتربة، والسقوط بآبار أثناء العمل،أو دهس وسحق من الآلات والمعدات…

ويؤكد العمال أنه سبق أن  تعرض عدد كبير منهم لحوادث شغل متفاوتة الخطورة، فيها ما أدى إلى الموت وعاهات مستديمة وكسور…؛ وهناك حوادث تلحق العمال، ولا يبلغونعنها لدى إدارة الشركة بداعي الخوف والزجر.

ونشير أنه، من خلال بحث بسيط على الأنترنيت، سجلنا أن عددا من الجرائد وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي نشرت أخبار حوادث شغل مميتة، أو خطيرة، وقعت بالمنجم خلال العشرين سنة الأخيرة.

——————————————

المعركة تدخل أسبوعها الثالث: الإدارة بتجاهلها تتعنت، والدولة بتفرجها تتواطئ؛ وضمير التضامن العمالي والشعبي ينادي كأدنى واجب...

——————————————

منذ يوم الأحد 14 يوليوز 2024، وتحت إشراف مكتبهمالنقابي، الذي تأسس بالشركة منذ 2007 في إطار الاتحاد المغربي للشغل (لا وجود لمكاتب نقابية أخرى بالشركة) يخوض العمال سلسلة نضالات وصلت إلى قرار إضراب مفتوح، يوم الأحد 21 يوليوز 2024، يقومون خلالها بتسيير نضالاتهم بواسطة لجان تم تشكيلها خلال الإضراب (لجنة تنظيم، لجنة شعارات، لجنة مراسلات…)، ويضعون برنامج نضالي يومي:

– من يوم الأحد 14 يوليوز 2024 إلى يوم الاثنين 15 يوليوز 2024، إضراب لمدة 48 ساعة، مصحوب بوقفة احتجاجية أمام الإدارة بالمنجم. وبعد نجاح المحطة الأولى، وتجاهل الإدارة، تمديد الإضراب 48 ساعة، إلى يوم الأربعاء 17 يوليوز 2024، وبعده إضراب 96 ساعة، إلى غاية يوم السبت 20 يوليوز 2024.

– ويوم الأحد 21 يوليوز 2024، قرر العمال الدخول في إضراب مفتوح، تشبثا بمطالبهم، وردا على استمرار تجاهل الإدارة، واستخفافها بمطالبهم…

إلى الآن، المعركة مستمرة، وقد دخلت أسبوعها الثالث،أبان فيها العمال مرة أخرى كما العادة استعدادا وتضامنا من أجل نيل حقوقهم البسيطة والعادلة، فيما الإدارة بتجاهلها وعدم اكتراثها، تخفي تعنتها، وتراهن على هزم العمال، ببقائهم معزولين، وخوضهم النضال خلال فترة من العام غير ملائمة، دون حاجتها إلى إجراءات قمعية مفضوحة…

وأما الدولة، فرغم ما يبدو منها كحياد إلى الآن، ووقوفها موقف المتفرج، فإنها فعليا تقف إلى جانب الإدارة، وتشجعها على الاستمرار في التعنت. لو صحت مزاعم حيادها، وخدمتها ما يسمى “الصالح العام”، لدخلت  دون حاجة العمال إلى خوض أي إضراب، لتفرض على الشركة المشغلة والشركة الأم تمتيع العمال بحقوقهم المنصوص عليها في قوانين الشغل؟ وأن تحمي حياة العمال وصحتهم وسلامتهم من كل التجاوزات التي يقوم بها المشغل لما في ذلك من انتهاك للقوانين…

وأما التضامن العمالي والشعبي مع العمال فلايزال ضعيفا  بحاجة إلى تطوير.

لذا، تحتاج المعركة إلى كل أشكال الدعم والمساندة، وفك الحصار الإعلامي، من قبل النقابات العمالية، كل النقابات، وخاصة نقابات عمال المناجم، ومن الإطارات الحقوقية المناضلة، ومن كافة أنصار الطبقة العاملة…

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا