من تاريخ الكفاح العمالي بمنجم بوازار، فصل من كتاب المناضل مجدي حميد
تقديم
في سياق الكفاح الجاري بمنجم جبل بوازار، حيث ينفذ الشغيلة إضرابا مفتوحا، من أجل حقوق أولية مهضومة، يجدر التذكير أن الاستغلال والإجهاز على الحقوق والمكتسبات العمالية ليس شأنا جديدا، بل سياسة ثابتة لدى مستغلي شغيلة المناجم. وأن النضال أيضا ليس طارئا بل مقاومة دائمة، قد تخبو لكن لتعود طالما القهر الطبقي قائم. هذه المقاومة مفعمة بدروس ثمينة، وهي إحدى أسلحة النضالات الجارية والمستقبلية. لذلك ارتأينا نشر الفصل الخاص بنضالات شغيلة منجم بوازار، ضمن القسم السادس المتناول قطاع المناجم، في كتاب المناضل مجدي حميد الصادر سنة 2021 بعنوان : المخاض النقابي والسياسي العسير1999-2013، ورزازات تتحدث بـ”لسان حالها” عن المغرب
يمثل الجهد الذي بذله المناضل العمالي مجدي حميد لرصد تجارب النضال العمالي في وارزازات، وقسم كبير منها جرى في القطاع المنجمي، مكسبا يتعين الاستفادة منها، بتعميمه بين شغيلة المناجم وكافة مناضلي طبقتنا ومناضلاتها. ومن الواجب في هذا الصدد التعبير عن التقدير العالي لهذا الجهد.
كتاب فريد :
يمثل هذا الكتاب الأول من نوعه في تاريخ الحركة العمالية المغربية. أن يقوم مناضل مسؤول نقابي وسياسي بتدوين تجارب نضال متنوعة، عاينها عن كثب، ووضعها في كتاب رهن إشارة المناضلين والمناضلات والرأي العام، أمر لم يأتيه أحد من قبل. وليس الصدى الضعيف الذي لقيه الكتاب في الوسط اليساري سوى علامة نوعية على حالة التدهور التي توجد بها الحركة العمالية المغربية اليوم. الكتاب لبنة كبيرة على درب إرساء تقاليد عمالية حقيقية، تقاليد حفظ ذاكرة النضالات ودروسها. طبعا كل رواية تظل مطبوعة بمنظورات الراوي، فتعدد الآراء ووجهات النظر نعمة، لكن مجرد تخصيص جهد بهذا الحجم والعمق لنضالات شغيلة وارزازات هو بحد ذاته موجب للثناء. فور صدور هذا الكتاب اتصل كاتب هذه السطور بمعنيين ببعض من تلك الكفاحات العمالية تحفيزا للإدلاء بسردية تغني تقييم التجارب وبوجهة نظر في تفسير ما جرى وتقييمه، لكن مع الأسف لا تجاوب.
لم يدخر الكتاب جهدا لتوضيح جوانب وأبعاد متنوعة في التجارب النضالية، سواء ما يتعلق بالسلطات، أو الأجهزة النقابية، أو نبض القاعدة العمالية. وكون الكتاب لا ينطق عن الهوى، بل عن ترسانة من الحقائق والمعطيات المضبوطة، هو بلا شك ما جعل أطرافا يضعها الكتاب في قفص الاتهام، لتحملها مسؤولية انتكاسة التجربة النقابية في ورزازات،تتغاضى وتلزم الصمت. الكتاب شهادة هدية للطبقة العاملة المغربية ولمناضليها ومناضلاتها الذين واظبوا على الصمود في هذا الزمن النقابي الرديء. ندعو الشغيلة لدراسته والسير على هدى هذا التقليد العمالي الإيجابي، أي تدوين التجارب وتعميم دروسها.
إ.م
فيما يلي ما يخص بوازار في الكتاب ويشغل الصفحات من 305 الى 339، يجد القارئ/ة طيه الكتاب للتحميل
الفصل الثاني
منجم بوازار
أولا: الشركة الأم المالكة للمنجم
يقع منجم بوازار على بعد حوالي 120 كلم جنوب ورزازات (25 كلم تقريبا عن بلدية تزناخت). تستخرج منه معادن ثمينة أهمها الكوبالت. تستغله شركة “مناجم MANAGEM” التابعة لهولدينغ العائلة الملكية: أومنيوم شمال إفريقيا (ONA) – الشركة الوطنية للاستثمار SNI–المدى القابضة AL MADA.
قام “بيير ديسبوجول” Pierre Despujols، رئيس مصلحة المعادن و الجيولوجيا بالمغرب على عهد الحماية، بتوجيه العالم الجيولوجي لويس نيتلر Louis Neltner و جاك بوندون Jacques Bondon إلى منطقة الأطلس الكبير. و كان غرضه يقضي بإنشاء شبكة طرق اعتمادا على أبحاث جيولوجية، و دراسة المعضلات المتعلقة باستخراج المعادن التي كانت تحتاجها فرنسا بقوة.
لويس ليون شارل نيلتنرLouis Léon Charles Neltner (1903- 1985)، ينتمي إلى الجيل الأول من الجيولوجيين الفرنسيين الذين رسموا أواخر العشرينيات و بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، الخرائط الجيولوجية و وضعوا اللمسات الأولى لجغرافية التربة و طبقات الأرض في المغرب، و وصفوا التشكلات البلورية بين سوس و واد درعة. و هو أول من اكتشف وجود عصر ما قبل الكمبري في المغرب و ألقى الضوء على المراحل التكتونية في المنطقة، و أول مستكشف لوجود كمي كبير من الكوبالت و النيكل cobalt-nickel بالطريق بين تزناخت و أكدز سنة 1930. أشرف على حمايته هو و مساعديه في بحوثه الميدانية، العقيد شاردون Le colonel Chardonقائد جهةورزازات العسكري، و كان يحيطهم بالمدرعات و خمسين من عساكر الاستعمار الفرنسي و جنود الطليعة و حراس الخاصرة، ويمنع عنهم إشعال النار ليلا في البراري حتى لا يتم ترصدهم من قبل المقاومة المسلحة التي كانت نشيطة.
خلال هذه السنة (1930)،عمل رجل الأعمال الفرنسي جون إيبنات (Jean Epinat) علىاستغلال منجم بوازار بمساعدة القائد التهامي الكلاوي، و أسس لذلك “الشركة المعدنية لبوازار و كرارة (SMAG) Société Minière de Bou-Azzer et de Guerara” و هي متفرعة عن المجموعة المعدنية “تفنوت تيغانمينCompagnie de TifnoutTiranimine (C.T.T.)“.
جون إيبنات – صاحب “الشركة العامة للنقل و السياحة”La Compagnie générale de transport et de tourisme(CGTT) ، و المقرب منالمقيم العام الماريشال اليوطي Maréchal Lyautey، و مؤسسشركة النقل المغربية ستيام CTM – هو الذي حاز في 22 نونبر 1919، على مناقصة إنشاء شبكة للنقل الطرقي، التي أطلقتها سلطات الحماية بقصد التوغل في جميع أنحاء المغرب و تسهيل اختراقها و بسط الهيمنة عليها و استغلال ثرواتها.
في 5 يناير 1934 أقدم على تأسيس الشركة الأم “أومنيوم شمال إفريقيا” OMNIUM NORD AFRICAIN-ONA-، حيث تولى الحسن الثاني – ولي العهد أنداك- منصب مدير الشركة الإداري في حين أن التهامي الكلاوي- الذي ساعد إيبنات على استغلال المناجم المغربية بالجنوب الشرقي – هو رئيس الشركة. و نظرا لأهمية كميات المعدن المستخرجة، و قيمتها العالية، و صعوبة المسالك بجبال الأطلس، و بعد أماكن الاستغلال عن ميناء الدار البيضاء، عمل الفرنسيون على نقل المعدنعبر التلفريك Téléphérique على مسافة تسعة و عشرين كيلومتر و علو ألفين (2000) متر، بالإضافة طبعا إلى نقله عبر شاحنات إلى مدينة مراكش ثم عبر القطار إلى ميناء الدار البيضاء(9).
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، تعرض رجل الأعمال الفرنسي إيبنات لعدة مشاكل ناتجة عن تطبيعه العلاقة مع ألمانيا، و تزويده إياها بمعدن الكوبالت من منجم بوازار أثناء حكومة فيشي Vichy. وضعت السلطات الفرنسية ممتلكاته و ممتلكات أونا و الشركة المعدنية لبوازار تحت الحراسة القضائية و فرضت عليه الإقامة الجبرية بمدينة أزرو(10). و في سنة 1953، تم فك الارتباط نهائيا بين إيبنات و شركة “أونا”، لفائدة “بنك باريس و البلاد المنخفضة”la banque Paribas.
عند استقلال المغرب، استحودت العائلة الملكية على أسهم شركة أونا و معها أهم المناجم بالجنوب الشرقي للبلاد. كان الأمير علي، ابن عم الملك، هو الرئيس المنتدب للهولدينغ الملكي و عهد بالتسيير الإداري للشركة إلى روبير أسراف كمدير عام و دافيد عمار مدير منتدب. أما منصب رئيس المجلس الإداري، فقد أوكله الملك الحسن الثاني إلى كاتبه الخاص عبد الفتاح بلفريج.
خلال سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، عرف الهولدينغ توسعا تجاريا كبيرا. ضاعفت شركة أونا بين سنتي 1981 و 1985، رقم معاملاتها سبع مرات و أصبحت تستثمر في كل شيء و تراقب جل الأعمال، الصناعية و التجارية و المالية الكبرى و تهيمن عليها، و لا يمكن بل لا يجب حتى التفكير في منافستها.لا أحد من المستثمرين في المغرب يمكنه أن ينمي قدراته المالية و التجارية دون المرور إما بشكل مباشر أو غير مباشر عبر أونا. بمعنى أو بآخر، دون رضا الملك. انتقل رقم معاملاتها من 2,6 مليار درهم سنة 1982 إلى 9 مليارات درهم سنة 1988. وفي سنة واحدة فقط، ضاعفت المجموعة أرباحها من 222,6 مليون درهم سنة 1987 إلى 447,7 مليون درهم سنة 1988.
خلال سنة 1990 أصبحت المجموعة تستحوذ على ما لا يقل عن 43 شركة في المغرب و تراقب أو تتحكم بشكل غير مباشر في 86 شركة أخرى. و هي شركات كبرى تحتل استراتيجيا موقع الصدارة: 10 شركات في المواد الغذائية، 3 مصانع للحليب و الألبان، 3 مصانع للسكر، 3 مصانع للنفط، 6 شركات للتعدين، شركتان للنقل، ثلاث شركات للسيارات، 3 شركات للنسيج، أثنين للكيمياء، شركة للصيد البحري…الخ. و حصلت خلال هذه السنة فقط (1990) على قيمة مضافة بمقدار 2 مليار درهم(11).
تهيمن مجموعة أونا أيضا على القطاع المالي/البنكي في المغرب، من خلال ملكيتها لبنك “التجاري وفا بنك” و “أكسا” التي تنشط في قطاع التأمينات و “أكما- لحلو التازي” التي تستغل قطاع الوساطة. و تمتلك عددا من شركات التوزيع مثل: “سوبريام” الممثل المعتمد لسيارات بوجو و ستروين بالمغرب، و “أوبتورك” التي تشتغل في مجال تسويق المنتوجات البحرية، و شركتا “أسيما” و “مرجان” المتخصصتان في بيع و توزيع جميع المواد الاستهلاكية تقريبا في عدد مهم من المدن المغربية، و “مارونا” أكبر شركة تستغل أعالي البحار في مجال الصيد البحري، و “سيجر” التي حصلتسنة 2000 على 80 في المائة من “رونو المغرب”. كما عملت المجموعة على توسيع نشاطاتها في عدد من دول إفريقيا جنوب الصحراء مثل الكونغو، الكاميرون، جمهورية إفريقيا الوسطى، التشاد، غينيا الاستوائية، ساحل العاج…إلخ.
و أصبحت العائلة الملكية إلى حدود سنة 2006، تتحكم فيما يناهز 60 في المائة من سوق البورصة وفي أكبر مؤسسة بنكية وأكبر مؤسسة اقتصادية في القطاع الخاص بالمغرب(12).
بعد تولي الملك محمد السادس رئاسة الدولة، أعاد تشكيل و تنظيم الهولدينغ الملكي، و ضاعف جهوده للاستثمار و التوسع و الاستفادة من أنشطة مالية و تجارية متعددة و جد مربحة:
قطاع الاتصالات: شراؤه سنة 2005، ل Maroc Connect التي ستصبح فيما بعد WanaCorporate ثم Inwi لاحقا.
قطاع الطاقة: تأسيسه سنة 2005 ل Nareva Holding
قطاع السياحة: هيمنته على أسهم رأسمال شركةAtlas Hospitality سنة 2009
قطاع التجارة و التوزيع: سلع البناء و مواد استهلاكية أخرى من خلال Sonasid و Lafarge Maroc و بالأخص محلات و أسواق السوبر ماركت التي غزت عددا من مدن المغرب (سلسلة أسواق مرجان و غيرها).
قطاع المال و الأبناك: المؤسسات المالية كالتجاري وافا بنك Attijariwafabank
قطاع المناجم: استخراج و استغلال المعادن و المواد الأولية في العديد من مناطق المغرب، و بالجنوب على الخصوص.
خلال سنة 2011، و بعد إدماج أونا (ONA) في سني (SNI)، حصلت هذه الأخيرة على 75,8 في المائة من لوسيور و 63,5 في المائة من كوزيمار و 80 في المائة من مناجم و 63,4 في المائة من سنطرال لتيير و 48,3 في المائة من التجاري وافا بنك…(13). و اتجهت إلى الاستثمار خارج المغرب، خصوصا دول إفريقيا جنوب الصحراء. و مكنت الزيارات المتتالية للملك محمد السادس لهذه الدول، و تواصله مع قادتها من تسهيل ولوج الهولدينغ إلى أسواقها و اقتصادياتها. استغلت سنة 2014 على سبيل المثال شركة “مناجم” المتخصصة في مجال التعدين، احتياطي مهم من المواد الأولية بجمهورية الكونكو الديمقراطية (1.802.000 طن على الأقل من النحاس، حسب تصريحات الشركة).
و حسب ما نشرته الشركة الوطنية للاستثمار SNI رسميا عن سنة 2016، فإن الهولدينغ سجل أرقاما مهمة، بلغت 4.42 مليار درهم في عام واحد، مقابل 3.31 مليار درهم كعائدات سجلتها في العام 2015(14).
سنة 2010، غيرت المجموعة الملكية اسمها من أومنيوم شمال إفريقيا (ONA) إلى الشركة الوطنية للاستثمار (SNI) بعد قرار الاندماج بين “ONA” و “SNI” في شركة قابضة واحدة. و بتاريخ 27 مارس 2018، قررت الشركة الوطنية للاستثمار (SNI) تغيير اسمها إلى “المدى AL MADA“.
تداول على رئاسة الهولدينغ الملكي كل من:
فؤاد الفلالي (1986 – 20 أبريل 1999) – مراد الشريف، على عهد الملك محمد السادس (1999 – 2002) – باسيم حوكيمي (2002 – 2005) – سعد بنديدي (فبراير 2005 – 15 أبريل 2008) – معتصم بلغازي (11 أبريل 2008 – 15 مارس 2011).
ثانيا: شركة “مناجم”MANAGEM
مناجم MANAGEM، المالكة لمنجم بوازار الذي يعنينا بالأساس هنا: شركة منجمية ملكية قابضة، ضمت سنة 1996 مجموع “المؤسسات” المنجمية التابعة لأونا. تعد من الشركات العملاقة في المغرب (ثاني مجموعة معدنية بعد المكتب الشريف للفوسفاط). تنشط في مجال الإنتاج المعدني: الكوبالت، الرصاص، النحاس، الفضة، الذهب.. الخ، و في الصناعات الهيدرومعدنية. يعود تاريخ انطلاقها الفعلي إلى 17 نونبر 1930، تاريخ تأسيس شركة تفنوت تيغانيمين Compagnie de TifnoutTighanimine (CTT). تستخرج و تستغل إلى اليوم عددا من المعادن الثمينة في أزيد من 16 موقعا منجميا على الأقل،و في أماكن متعددة من جنوب المغرب على الخصوص: بوازار، أولوز، تانكرفا، تيويين، بوسكور، الحمام، البليدة، حجار، أقا، كماسة، درعة سفار، جبل العسل، إميضر، أومرجان…الخ. و تعمل على التوسع و الاستثمار خارج المغرب أيضا، خصوصا في إفريقيا جنوب الصحراء: حيث استثمرت في كل من غينيا الاستوائية و النيجر و بوركينافاسو و السودان والغابون والكونغو الديمقراطية و برازافيل .. لاستخراج و استغلال مادة الذهب أساسا.وهي من المساهمين الرئيسيين في رأسمال الشركة المنجمية الكندية “صيمافو” (بنسبة 34 في المائة)(15).
بحسب موقع الشركة الإلكتروني، فقد حققت خلال سنة 2014 فقط، رقم معاملاتيصل إلى: 3,84 مليار درهم. يعني 389 مليون دولار.
يسير الشركة، مجلس إداري مكون من:
– عبد العزيز أبارو رئيسا للمجلس (تم تعويضه بعماد التويمي في فبراير 2016)
– حسن أورياغلي و بسيم حوكيمي عضوا مجلس الإدارة
– أيمن طود عضو مجلس إدارة و يمثل الشركة الوطنية للاستثمار
– أمينة بن خضرة عضو مجلس إدارة و تمثل المكتب الوطني للهيدروكاربورات و المعادن
ثالثا: النقابة في بوازار
- تنصيب العامل “صالح بن يطو” على إقليم ورزازات
انتهت معركة الطاكسيات (أنظر الفصل الذي خصصناه للموضوع) و لم تنجح المؤامرة التي كانت ترمي إلى القضاء على الاتحاد المحلي بصفة نهائية، و لو أن المحاكمات بصددها ضدنا لم تنته بعد. استمر الحكم – طبعا – و كعادته، في التضييق علينا و قمعنا، و كأن هذا هو شغله الأساسي. في هذه الأثناء و بتاريخ 11 ماي 2012، تم تنصيب رسميا على رأس هرم السلطة بورزازات، عامل إقليم من طينة مخزنية خاصة و خالصة. مُدّع و حربائي و متملق بشكل غير عادي، و للوصول إلى هدفه يمكنه القيام بأي شيء. يتعلق الأمر بصالح بن يطو، الذي عين بورزازات بعد أن غادرها عبد السلام بيكرات منذ ثمانية أشهر. و قد تم في نفس اليوم، تعيين هذا الأخير على عمالة سلا.. !
عرف عن هذا السيد لدى اليساريين، أنه صاحب المهمات “القذرة”. فهو متخصص في “القضاء” على بؤر النضال الديمقراطي و السلمي بأي طريقة و مهما كان الثمن. بعد نجاح مهمته في بوعرفة التي عرفت انتفاضة شعبية منظمة، جاء ليتكفل بورزازات و مناضليها. كان يخطط و يشرف شخصيا على مواجهة نضالاتنا النقابية و السياسية. أول الأشياء التي بادر بها عمله بشكل ممنهج و فج و بجهد زائد عن عمال الإقليم السابقين، هي محاولاته الحثيثة شراء ذمتي.. ! بمعنى رشوتي – و كان سخيا جدا – لأجل التخلي عن مواقفي و نضالي، خصوصا و أنني أعمل بمقر عمالة ورزازات و سبل الاتصال كانت متاحة له و سهلة جدا. و قد علمت من مقربيه أن عدم قدرته على احتوائي و رشوتي، أزعجه إلى حد كبير و شكل له ذلك “عقدة مرضية” ملازمة. و لما لم يتمكن مني و من مناضلي أعضاء الاتحاد المحلي، قام بتعبئة أرباب العمل ضد النقابيين في كل القطاعات، و كان يهدد أولئك الذين يرفضون الانصياع إليه. و منهم من أبلغنا بذلك صراحة و انزعج منه. كما حذر المتعاملين معنا من أجل فض نزاعات الشغل، من مغبة تسهيل مأموريتنا على حساب أرباب العمل، كما هو الشأن بالنسبة لمندوب التشغيل و المدير الإقليمي للطاقة و المعادن و مندوب السياحة و رئيس و مدير المجلس الإقليمي للسياحة. و في فترة متقدمة، منع عنهم كليا التعاطي معنا بأي شكل من الأشكال !
تجدر الإشارة إلى أن السلطات العليا للبلاد قد أقالت هذا العامل نفسه من منصبه بورزازات سنة 2017، و أحالته على المجلس التأديبي، على خلفية نتائج التفتيش الذي قامت به وزارة الداخلية.
تأسست نقابة العمال الكونفدراليين بمنجم بوازار في عهد العامل السابق عبد السلام بيكرات. و كانت علاقتها و علاقتنا مع إدارة المنجم المحلية و الوطنية متوترة دائما، و لكن عرفت تطورا “دراميا” أكثر على عهد عامل الإقليم الموالي صالح بن يطو، الذي عمل على استئصالها من المنجم بالقوة و بتواطؤ مع المكتب التنفيذي لمركزيتنا النقابية.
- مخاض التأسيس و التثبيت
ورد في تقرير شركة “مناجم” السنوي 2014، أن هذه الأخيرة تعمل على دعم الفن الوطني، و تحترم المعايير الدولية المرتبطة بالبيئة،و تساهم في تقوية و دعم حقوق الإنسان في المغرب، و تحل مشاكلها مع العمال بالحوار الاجتماعي.. !
إنه أمر مضحك و مبكي و بائس في الوقت نفسه، لأن واقع الحال يعبر عنخلاف ذلك تماما. فتاريخ هذه الشركة و طبيعتها – كما سيظهر بعد حين – و طريقة تدبيرها لشؤون العمال و المنجم و البيئة، أبعد ما يكون عن النزاهة و عن المسؤولية.
“مناجم”، شركة “هجينة” تدمج بين الحداثة و التقليد.لا يمكن التنبؤ بإنتاجها الحقيقي و بنوعية المعادن التي تستخرجها و لا بقنوات التسويق، لأنها “مغلقة”، و لا تخضع لأي رقابة، و تفعل ما تريد دون حسيب و تعلن عما تريد. تعود في معاملاتها مع المنجميين إلى ما كانت عليه الأمور خلال العصور الوسطى. تحاول أن تخفي المآسي التي تسببها يوميا للعمال و الساكنة و البيئة، من خلال آلة إعلامية و مالية هائلة، و إشارات علاماتية تشير إلى كونها مواطنة و تحافظ على البيئة و تقوم بأعمال و إنجازات اجتماعية، فنية و ثقافية.. الخ. و لكن بحث بسيط على الأرض و في الميدان، يبين بوضوح أن هذه الشركة العملاقة، هي في الحقيقة “مشكلة كبيرة” لكل هذه المجالات السالفة الذكر.
المركزية النقابية التي كانت تشتغل بمنجم بوازار هي الاتحاد المغربي للشغل. فرعها و مسئولوها محليا على الأقل، موالون بشكل كامل لإدارة الشركة. و هي واجهة أساسية للترويج و الدعاية الكاذبة لها في المسألة الاجتماعية، و وسيلة لتحصينها من أيدخيل نقابي عمالي ديمقراطي و مستقل. سنة 2006، حاول بعض المنجميين تأسيس نقابة بديلة تابعة للاتحاد المحلي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بورزازات، غير أن الإدارة استطاعت تكسيرها بالتهديد و طردها للعمال المنخرطين و للمكتب و مساومتهم. و هو ما تمت محاولة مواجهته بمسيرة بتزناخت و وقفة أمام إدارة المنجم. غير أن أعضاء المكتب “استسلموا” في نهاية المطاف لإرهاب الشركة. و تم ابتزازهم و مساومتهم، من خلال مدهم بقدر مالي لكل واحد منهم، مقابل مغادرةالمنجم بشكل نهائي. و بقي بعض المنخرطين القلائل جدا في صفوفنا.
المحاولة الثانية تمت بتاريخ 24 أبريل 2011، و تجلت في تأسيس فرعين نقابيين،الأول بتزناخت بإشراف الاتحاد المحلي لورزازات و الثاني بأكدز تحت إشراف الاتحاد المحلي لزاكورة، نظرا لاستغلال الشركة للمعدن في مجال جغرافي تابع لإقليمين مختلفين هما: ورزازات و زاكورة. و عرفت هذه المرة، نجاحا مهما، من حيث الاستجابة الواسعة لانخراط المنجميين في التنظيم “الجديد” و المشاركة الفعلية في النضالات التي تم خوضها دفاعا عن مصالحهم و حقوقهم.
كان أعضاء المكتب التأسيسي مكونا من:
بالنسبة لتازناخت:
عبد الله قلا: كاتب عام
عبد العالي آيت حما نتودة: نائبه
عبد الرحمان المسعودي: أمين المال
محمد سحت: نائبه
ابراهيم ايت حدو، عصام إد عبد الله، يوسف أوضار، امبارك أمازيغ، محمد جابر: مستشارون
بالنسبة لأكدز :
جمال بنحميد: كاتب عام
لحسن ودار: نائبه
عبد الله المودن: أمين المال
محند أيت احمد: نائبه
عبد الرحمان اسماعيلي، حسن السوسي، عبد العزيز أخزام، لحسن كبوض، يوسف الشجيع: مستشارون
سيرا على عادتها، فإن الشركة القابضة “مناجم” بعد فشلها الذريع و اليائس، في إرشاء المسؤولين الكونفدراليين و شراء ذممهم، لجأت إلى تهديد المنجميين و الضغط عليهم و على أسرهم بكل السبل. و أقدمت إدارتا طوب فوراج و أكزومي و هما مقاولتان مناولتان لدى شركة تفنوت تيغانيمين (CTT) التابعة للهولدينغ الملكي، على التنقيل التعسفي ل 60 عاملا نقابيا في الإطار الجديد و من ضمنهم جميع أعضاء المكتبين. و قامتا بإغلاق ثلاث وحدات إنتاجية لطرد مزيد من العمال و اختلاق الأزمة. إثر ذلك، و بعد قيام مكتب الاتحاد المحلي للكدش بورزازات، بالاتصالات اللازمة مع الإدارة و السلطات و مفتش الشغل بمديرية الطاقة و المعادن، و هي اتصالات لم تسفر عن شيء، تقرر مجابهة الوضع، بخوض إضراب إنذاري للفرعين النقابيين لمدة 24 ساعة بتاريخ 15 ماي 2011، و تم تمديده لمدة 48 ساعة أخرى (يومي 16 و 17 ماي 2011) نظرا لتعنت الإدارة و رفضها التام للوجود النقابي الكونفدرالي بالمنجم. عملت الشركة أيضا على طرد أعضاء المكتبين و بعض العمال، و تقرر من جانب النقابة التصعيد من خلال تنفيذ إضراب لمدة 72 ساعة، ابتداء من الساعة السابعة من صباح يوم الجمعة 20 ماي 2011 إلى غاية السابعة من صباح يوم الاثنين 23 ماي 2011، مصحوبا بوقفات احتجاجية أمام إدارة الشركة و وقفات و مسيرات موازية بورزازات و تزناخت و أكدز. تلاه إضراب لمدة 96 ساعة ابتداء من الساعة السابعة من صباح يوم الجمعة 27 ماي 2011 إلى غاية الساعة السابعة من صباح يوم الثلاثاء 31 ماي 2011.
كانت الإضرابات ناجحة، مما دفع الإدارة إلى جلبتقنيينمن أقسام أخرى و غرباء عن المنجم ليحلوا محل العمال المضربين، و تم ذلك بحماية من الدرك الملكي و القوات المساعدة و السلطات المحلية. و لكن المنجميين الكونفدراليين تصدوا لهم و منعوهم من الدخول، رغم الصعوبات و الحصار و الضرب و القمع الذي تعرضوا له. فقررت نقابتنا منذ ذلك الحين، أن يخوض المنجميون إضراباتهم بأماكن عملهم، و تكون مصحوبة باعتصام المطرودين أمام إدارة الشركة. و لأن هذه الأخيرة استمرت في محاربتها للعمل النقابي و طردها للعمال، قرر الفرعان النقابيان بإشراف مكتب الاتحاد المحلي لورزازات، خوض إضراب آخر لمدة 96 ساعة أخرى، ابتداء من الساعة السابعة من صباح يوم السبت 04 يونيو 2011 إلى غايةالساعة السابعة من صباحيوم الأربعاء 08 يونيو 2011، مصحوبا باعتصام بالمنجم طيلة أيام الإضراب. الإضرابات التي يخوضها العمال، توقف الإنتاج بشكل كلي، لأن المنجميين المضربين، هم الذين كانوا يعملون بباطن الأرض و يكدحون و ينقبون و يستخرجون المعادن. يعني أنهم من يمد الشركة بالمادة الخام التي تحتاجها من قعر الأرض.
استمر الاتحاد المحلي في القيام بالاتصالات اللازمة، و أخطر بشكل مباشر و كتابة، جميع الجهات المعنية بالتجاوزات المرتبطة بمحاربة العمل النقابي و عدم تطبيق قانون المناجم: مفتشية الشغل، السلطات الإقليمية ، النيابة العامة.. كما تقدم بعدة شكاياتإلى وزيرة الطاقة و المعادن “أمينة بنخضرة”، ضد المدير الإقليمي لقطاع الطاقة و المعادن و مفتش الشغل”محمد بنشرع”،الذي كان منحازا كليا لإدارة الشركة، و رفض القيام بمهام التفتيش و المراقبة المنوطة به. أخبرنا عامل الإقليم آنذاك عبد السلام بيكرات، بأن إدارة الشركة ترفض التفاوض مع مكتب الاتحاد المحلي لورزازات و تريد التعامل فقط، مع المكتب الوطني للطاقة و المعادن و المكتب التنفيذي للكدش! و كان ردنا و قرارنا واضحا منذ البداية: تطبيق قانون المناجم و الشغل، قبل الحديث عن أي حوار أو غيره، معنا أو مع غيرنا. و كنا نحمل مسؤولية انتهاك حقوق المنجميين، التي تقوم بها شركة “مناجم”، لعامل الإقليم الذي يمثل الدولة، و للنيابة العامة، و للمؤسسات الموكول إليها السهر على تطبيق مقتضات الشغل الجارية.
كنا نعي جيدا كيف أريد انتزاع ملف نقابيي بوازار من مكتب الاتحاد المحلي بورزازات، و نقله للمكتب الوطني للطاقة و المعادن و المكتب التنفيذي للكدش ! و نعرف، أن القرار فيما يتعلق بمنجم بوازار، ليس بيد عامل الإقليم، و إنما بيد المخزن الاقتصادي و السلطات العليا للبلاد.و كنا نعلم، بمتابعة لصيقة له من طرف مختلف أجهزة السلطات المركزية السرية و العلانية، خصوصا و أن السنة كانت حافلة بنضالات 20 فبراير، و المتتبع للشأن الإقليمي المغاربي،يدرك أن بدايات شرارة انتفاضة التونسيين و الإطاحة بالرئيس بنعلي في 14 يناير 2011، كانت نابعة من نضالات و إضراب نقابيي الحوض المنجمي في قفصة بالجنوب الغربي لتونس.
بتاريخ 24 يونيو 2011، خاض عمال المنجم إضرابا لمدة 72 ساعة، ابتداء من الساعة السابعة من صباح يوم الجمعة 24 يونيو 2011، مصحوبا باعتصام المنجميين كل بمكان عمله. بعد الإضراب مباشرة، توصلت نقابتنا بدعوة من العامل، لعقد لقاء بمقر دائرة أمرزكان يوم الأربعاء 6 يوليوز 2011، بين مكتب الاتحاد المحلي و الفرعين النقابيين من جهة و مشغلي الشركة من جهة أخرى. و هو اللقاء الذي انسحب منه أعضاء النقابة، بسبب رفض الشركة صراحة تطبيق قانون المناجم و إرجاع العمال المطرودين، و بسبب الهجوم الذي طالهم من قبل محمد بن الشرع المدير العام لمديرية وزارة الطاقة و المعادن بورزازات و الذي هو نفسه مفتش الشغل، حيث وصف نقابيينا بالفوضويين و المخربين، و بأنهم تسببوا بالكساد الاقتصادي للمنطقة و الإضرار بالشركة. كان هذا المسؤول الإداري لا يخفي انحيازه لإدارة المنجم، و يقول و يفعل أي شيء ليُظهر لهم ولاءه المطلق. كنا نعرف أن الأمر يتعلق ب”حوار” شكلي، جاء بسبب ضغوطنا على عامل الإقليم، ذلك أن جل لقاءاتنا المتعلقة بالقطاعات الأخرى تكون بمقر العمالة، و يشرف عليها هو في الغالب أو من ينوب عنه. على كل، فإن اللقاء لم يفض إلى نتيجة، و قررت النقابة بالتالي بتاريخ 12 يوليوز 2011 و في جمع عام، خوض إضراب لمدة ستة أيام، ابتداء من الساعة السابعة من صباح يوم الاثنين 18 يوليوز 2011 إلى غاية الساعة السابعة من صباح يوم الأحد 24 يوليوز 2011، قابل للتمديد، و مصحوب باعتصام المنجميين في مقرات عملهم بالمنجم. و بتاريخ 25 يوليوز 2011، تقرر الاستمرار في التصعيد و خوض إضراب لمدة 72 ساعة أخرى، ابتداء من السابعة من صباح يوم الأربعاء 27/07/2011 إلى غاية الساعة السابعة من صباح يوم السبت 30/07/2011. و لكن تم تعليقه بعد أن تلقينا اتصالا مباشرا من عامل إقليم ورزازات، يخبرنا بأن جميع العمال المطرودين سيتم إرجاعهم إلى أماكن عملهم، و سيسهر شخصيا على تنفيذ قانون الشغل بالمنجم.
خلال إضرابات العمال و اعتصامهم بمقرات العمل و من أجل الإمعان في القهر و الضغط و الحصار، فإن إدارة الشركة كانت تمنعهم من إدخال مؤونة الأكل و الشرب الضرورية. و تعرض المنجميون غير ما مرة لقمع شرس من الدرك الملكي بتزناخت و السلطات المحلية، و قامت هذه الأجهزة مجتمعة، بفبركة مؤامرات و تلفيق تهم جاهزة و متابعة المناضلين قضائيا، طورا في حالة اعتقال و طورا في حالة سراح..
النضالات و الإضرابات العمالية بالمنجم، تكون في الغالب مرفوقة، بوقفات احتجاجية و تضامنية مع المنجميين أمام مقر عمالة الإقليم و مديرية الطاقة و المعادن و المديرية الجهوية للدرك الملكي و المحكمة،و مسيرات تجوب شوارع ورزازات. و كان يخوضها جميعا، كونفدراليو جميع القطاعات العمومية و الخاصة المنخرطة بالاتحاد المحلي للكدش.
استمر التصعيد و بلغ أشده لأزيد من ثلاثة أشهر – إلى حدود شهر يوليوز تقريبا كما أشرنا – اضطرت معه الشركة و السلطات بداية شهر غشت 2011، إلى إرجاع جميع العمال المطرودين إلى أماكن عملهم. و بدأ بالتالي نضال آخر من أجل الكرامة و تطبيققوانين الشغل و توفير شروط الصحة و السلامة. كانت الشركةتراهن على أن إرجاع العمال كاف و كفيل لوحده بلجم النقابة و توقفها عن الاستمرار في الكفاح. و لكن الذي حدث هو، مواصلة الاتحاد و الفرعين النقابيين بالمنجم، بالمطالبة و التأكيد على تطبيق القانون المنجمي. و خضنا لهذا الغرض نضالات شديدة أيضا. و للأسف كان الاتحاد المحلي للكدش بورزازات كما دائما، في نضالاته الطويلة و المريرة، معزولا و محصورا بين “جبال تشكا” دون دعم نقابي أو سياسي أو إعلامي.
- ظروف العمل في منجم بوازارو خطر التلوث البيئي
أقل ما يمكن أن يقال عن وضعية المنجميين في بوازار، أنها استعبادية و مذلة للغاية. إدارة الشركة تضع نفسها فوق القانون، و تستعمل لتنفيذ مشاريعها التحكمية، إدارات الدولة و مؤسساتها. بمجرد ما تعرض ملف منجم بوازارعلى أي مسؤول: “منتخب” أو في السلطة أو في إدارة الطاقة و المعادن أو في مفتشية الشغل أو في الدرك الملكي أو في القضاء..، ينعقد لسانه، و يبلغك في إطار غير رسمي طبعا، أنه لا يستطيع له شيئا، و أنه يتجاوزه، و أي تدخل قانوني بصدده، سيعرض من قام به للخطر. لا يتم الفصل لدى جميع المسؤولين، بين الشركة و بين الملك.
- ظروف عمل صعبة جدا و مميتة:
كان لغياب الشروط الضرورية للصحة و السلامة و الوقاية من حوادث الشغل بمنجم بوازار، أثر كارثي على حياة المنجميين. فالشركة على أهميتها و بالرغم من إمكانياتها، لا تتخذ الإجراءات الكفيلة بضمان عمل سليم يحمي العمال في الأماكنالتي تسحق أجسادهم. و السلطة المختصة لا تشرف على جوانب السلامة و الصحة كما يتوجب عليها قانونا، و لا تقوم بالمراقبة اللازمة. و قد أدى هذا الوضع إلى أمراض مزمنة و حوادث شغل خطيرة و مميتة خلفت مآسي كبيرة للعمال و عائلاتهم. لا أتوفر على أسماء كل الضحايا، و على قدر ما استطعت تجميعه من معطيات مؤكدة، فقد أودت حوادث الشغل المميتة فقط، بين سنتي 2005 و 2013 على سبيل المثال، بحياة سبع عشرة منجمي على الأقل:
محمد أبرام (سنة 2005) – محمد كورتي (سنة 2008) – عزيز (سنة 2009) – ابراهيم آيت تلحاجت (سنة 2010)- محمد محبوب (سنة 2010) – علي أيت عمار (01/01/2011 و المفروض أنه يوم عطلة) – مصطفى كزي (16/09/2011) – محمد أيت اشطو (19/03/2011) – الحسن آيت عدي (19/03/2011) – أيت الحاج (سنة 2011) – لحسن السعيدي (01/07/2012) – الحسين باحمو (28/11/2012) – احمد البويهي (18/11/2013 المفروض أنه يوم عطلة) – عبد العزيز السويدي (18/11/2013 المفروض أنه يوم عطلة) – هلاك عامل منجمي في حادث شغل بمنجم بوازار يوم الثلاثاء 13 نونبر 2012(16) – هلاك عاملين في يوم واحد، إثر سقوط طبقة من المعدن و الصخور تزن عشرات الأطنان عليهما في شهر أبريل 2012(17). هلاك المنجمي، ابراهيم مادي بتاريخ 08 أبريل 2017.
العمال المنجميون ببوازار يشتغلون تحت سطح الأرض بمئات الأمتار، في ظروف قاسية و غير آمنة:
- تستعمل شركة “مناجم” أعمدة خشبية مختلفة كركائز، لدعم سقوف و جدران أنفاق و أروقة المنجم و منعها من السقوط و الانهيار، و هي طريقة تقليدية و تشكل خطورة حقيقية على حياة العمال. لا تستخدم الشماعات المعدنية المنصوح بها، و التي تقي من خطر انهيار التربة.
- تستخدم الشركة مسامير ملولبة رديئة، لشد الخشب بالجدران و دعم القناطر و الأسيجة السلكية و منع التربة و الحجارة من الانهيار على العمال، عوض مسمار سويليكس boulon Swellex، المعروف بجودته العالية.
- تستعمل الشركة أسيجة رديئة و رخيصة في الثمن. عدد منها لا يتزود بالعدد الكافي من المسامير (سومة المسمار الواحد المستعمل ببوازار هو 100 درهم فقط).
- لا يتم تثبيت الأسيجة بشكل جيد، لمنع التربة و المعدن و الحجارة من الانهيار على العمال.
- مجال التحرك لتثبيت المسامير ضيق جدا بأروقة المنجم، و سقوف الأنفاق ليست عالية بما يكفي.
- تقوم الشركة بغرض الربح السريع و الزيادة في الإنتاج بأي ثمن، بحفر آبار أو قنوات جديدة، لاستخراج المعدن، دون دراسة وافية للموقع و التربة، و مدى قدرة جدران المنجم على الصمود.
- تخاطر الشركة بحياة العمال، بحفرها لآبار و قنوات متقارب بعضها مع بعض. ما أدى بالفعل إلى انهيار كتل من المعدن و الحجارة و التربة أودت بحياة عدد منهم.
- الشركة تستغل عددا من الآبار التي يلجها العمال، رغم خطورتها عليهم لأسباب متعددة منها: عدم ثبات أرضيتهاInstabilités des terrains و صعوبة تثبيت الدعامات.. كما هو الشأن بالنسبة ل”ورش أخبر chantier d’Aghbar“على سبيل المثال لا الحصر الموجود على بعد 10 كلم، من المركز الإداري لبوازار.
- مخططات و تصاميم الدعم و التثبيت Schéma de soutènement، التي يتم وضعها لا تتناسب مع الطبيعة الجيولوجية لأرضية المنجم. مما يتعذر معه تنفيذها، و بالتالي تشكل خطورة على حياة المنجميين الذين تعرضوا في العديد من أوراش المنجم لحوادث و انهيارات المعدن المميتة(18).
- أمراض مهنية و تلوث بيئي
لا تحترم الشركة شروط الصحة و السلامة عند التنقيب عن المعادن أو استخراجها أو سحقها أو طحنها أو تركيزها أو غسلها أو إعدادها.. يصاب العمال، بأمراض مهنية مروعة، ناتجة عن التلوث الذي تحدثه مواد الاشتغال و الأغبرة و الغازات و المعادن السامة و الانبعاثات المختلفة.. من ضمن الأمراض السائدة لدى كل المنجميين تقريبا، تغبرات الرئة الناتجة عن التركيب الكيمياوي للأغبرة التي تحتوي على السيليكا، و التسمم الناتج عن استنشاق المواد السامة المؤرجة في الغبار من قبيل الرصاص و الزئبق و الزرنيخ و الكاديوم و غيرها، الذي يسبب تركيزها أضرارا و عاهات مختلفة و مستديمة. و الغريب في الأمر، أنه لا يوجد طبيب خاص و مداوم بالمنجم رغم أهمية الشركة، و لا يتم فحص المنجميين بصفة دورية للتشخيص المبكر و الوقاية من أن تصبح حالتهم الصحية متردية. و تختار الشركة الاستغناء عن العمال الذين تطور مرض السيليكوز لديهم و وصل مراحل متقدمة، و تتركهم لمصيرهم مع الفاقة و المرض. فهؤلاء، لم يعودوا مفيدين لها بأي شكل، و إنما يشكلون مصدر إزعاج لا غير. و تزداد معاناة العمال، بسبب انعدام التأمين الصحي و عدم التصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
ليس المنجميون فقط من يتعرضون لبيئة مريضة تسبب لهم عاهات مزمنة و مميتة، و لكن أيضا عائلاتهم و ساكنة القرى المجاورة، خصوصا تلك التي توجد على ضفاف واد أوحميدي: بوازار، زاوية سيدي بلال، أمزار، آيت عيسى،آيت مرابط، تلات، تاستيفت و غيرها. لقددمر المنجم محيطهم البيئي، و حول حياتهم إلى جحيم. يعانون بشدة، و تعاني مواشيهم و فلاحتهم و أشجارهم و الطيور و النحل و الغطاء النباتي و الماء و الهواء، من النفايات السائلة و الصلبة، السامة و الملوثة التي تطرحها الشركة، و من المواد الكيماوية المسمومة التي تستعمل في استخراج المواد الأولية و معالجتها، و منالأغبرة المتناثرة..الخ.
و أشير فيما يلي، إلى بعض التأثيراتالسلبية للمنجم على الساكنة المجاورة،بناء على ما أتوفر عليه من معلومات، و حسب شهادات السكان، و الزيارة الميدانية للمواقع المتضررة، و اعتمادا أيضا على خبرات عدد من الباحثين و الأساتذة:
– استنزاف و نضوب قوي للفرشة المائية التي تستعملها الساكنة للشرب و للاستعمال المنزلي و لأغراض الفلاحة و الزراعة، موردهم الوحيد للعيش.
– تلويت المياه الجوفية و السطحية و تسميمها بفعل المواد الكيماوية التي تستعمل لمعالجة و استخراج المعادن و كذلك بسبب مطارح النفايات.
– تضرر كبير للتربة والمزروعات الفلاحية و الأشجار و الغطاء النباتي و الحيوانات.. الخ. أصبحت المنطقة قاحلة رغم طابعها الفلاحي و القروي.
– ينتج المنجم كميات كبيرة من الأتربة و النفايات الصخرية و نفايات التعدين و التي يكون لها جميعا تاثير سلبي على صحة الساكنة و سلامتها.
– تلويث الهواء من انبعاثات الغبار الناجم من الأسطح الجافة لنفايات التربة و التعدين و المطروحات المنجمية.
– المطروحات المنجمية توفر بيئة حاضنة و منتجة للعديد من الحشرات و الطفيليات المضرة بصحة الإنسان و الحيوان و النبات و المجال البيئي.
– مرض ساكنة القرى المجاورة بالربو و أمراض الجهاز التنفسي و أمراض العيون و أمراض المسالك البولية و أمراض الكلي و الأمراض الجلدية و أنواع مختلفة من الإصابة بالسرطان..الخ.
– هجرة قسرية للساكنة المجاورة، بفعل التلوث البيئي و تلوث التربة و المياه و الغبار و استحالة العيش بالقرب من المنجم.
– استنزاف كبير لخيرات المنطقة من المواد الأولية دون أن تستفيد و لو من جزء ضئيل منها.
– رقابة شديدة لمحيط المنجم من قبل الشركة و السلطات العمومية و الشيوخ و المقدمين، أحال المنطقة إلى مكان معزول عن العالم الخارجي، و كأنه سجن قاحل عامر بالأمراض و الأشغال الشاقة.
– الانتقام من كل مدافع عن حقوق السكان أو العمال و كل من يعلن عن حقيقة ما يجري، من خلال المؤامرات “الصامتة” ضده و اتهامات باطلة بسرقة المعدن أو محتويات المنجم.. الخ. و بطبيعة الحال و نتيجة للنفوذ المالي و السياسي و الرمزي الذي تتوفر عليه الشركة، فإن استعمال إدارات الدولة و قضاؤها و دركها و سلطاتها، ميسر جدا.
يقول المدني موكي و هو مستشار جماعي، عامل سابق بالمنجم، و أحد سكان دوار بوازار(19):
“هناك تعتيم كبير على منجم بوازار، علما أن الأمر يتعلق بأكبر منجم في المغرب، يفوق في مردوديته باقي المناجم التابعة للمجموعة، حتى أن الفرص الوحيدة التي يظهر فيها اسم المنجم في بعض وسائل الإعلام – غير الرسمية طبعا- تكون بمناسبة فض اعتصامات العمال بالقوة، إذ ترفض الشركة أي وجود لعمل نقابي حقيقي داخله، أو حينما تتناقل الأخبار مآسي وفيات عمال بسبب ظروف العمل القاسية، كما حدث قبل بضعة أسابيع فقط حين فارق اثنان من العمال الحياة بسبب سقوط صخرة عليهما في يوم عطلة رسمية صادفت الاحتفالات بعيد الاستقلال”. و يضيف:
“مخلفات المنجم تسبب الكثير من الأعراض المرضية لسكان الدواوير المحيطة به، وشهر رمضان الماضي أصيب ابني، الذي يبلغ من العمر ست سنوات بمرض جلدي، وعرضته على أطباء أجانب زاروا المنطقة ضمن جمعية طبية، وحين فحصوه أكدوا لي أن مرضه على علاقة بالمياه التي نستعمل، وهذا ما تأكد حين عوضنا المياه التي يشربها بماء معدني، والآن اضطررت إلى أن أٌبعده إلى ورزازات حتى لا تتفاقم حالته الصحية. وللأسف، فضيق ذات اليد تمنع سكان الدواوير من زيارة المختصين، والكشف عن علاقة الأمر بما يطرحه المنجم من سموم.. هناك تلويث كبير للمياه الجوفية من طرف المنجم، بدليل أنه صدرت أوامر بمنعنا من استعمال الآبار للشرب، وتم تعويضها بمياه خزان تم إنشاؤه في منطقة تالوست بتزناخت البعيدة نسبيا عن الدواوير التي تصلها مخلفات المنجم، لكن الغريب أن أطر الشركة لا يشربون من هذه المياه ويستعيضون عنها بقناني المياه المعدنية، وهذا يجعلنا نطرح التساؤلات حتى عن مدى جودة المياه البديلة التي يزودوننا بها”.
ما يشير إليه المستشار الجماعي، يؤكده أيضا حسن أيت الحاج، رئيس “جمعية المرابطين بزاوية سيدي بلال”(20)، إذ يقول:
“إن تقريرا صدر من وزارة البيئة سنة 1996، يوصي أهالي الدواوير المحيطة بالمنجم، خاصة سكان الزاوية، بعدم استعمال مياه الآبار، وأتذكر أن القائد أخبرنا بفحوى هذا القرار، وحين طلبت منه وثيقة في الموضوع، رفض مدي بها”.
و يضيف أيت الحاج:
“الحديث عن وجود علاقة بين مخلفات المنجم والأمراض الشائعة هنا أمر محسوم فيه، والوضعية تفاقمت خلال السنوات الأخيرة مع افتتاح معامل جديدة وتزايد كميات المخلفات التي يتم طرحها والتي تحتوي على كميات من المعادن الثقيلة شديدة السمية تفوق الحدود المقبولة خاصة الزرنيخ (Arsenic)، وهذا يؤثر أيضا على جميع أشكال الحياة الطبيعية ويسبب تلف الأشجار والنخيل. وحتى لو استعملنا الأسمدة فالأمر لا ينفع أبدا، مع التأكيد أن الأمر لا يتعلق أبدا بالأمراض المعروفة التي تصيبها، خاصة مرض البيوض.. ورغم أن سكان هذه الدواوير أسسوا جمعيات عديدة، لكن عملها بقي محدودا بسبب ضعف التأطير وعدم انخراط السكان، وهو ما لم يساعد في التعاطي مع الملف كما يجب، إذ كان بالإمكان أن نطلب خبرة تحدد نسبة التلوث سواء في المياه أو التربة، وحينها ستكون أمامنا إمكانية مقاضاة الشركة، لأننا مقتنعون أن الحوار معها لن يفضي إلى أي شيء”.
حسن أيت الحاج رئيس جمعية المرابطين، اتصلت به الشركة و طلبت منه مرافقة أستاذ جامعي كلفته بإجراء تحاليل مخبرية على عينة من مياه الآبار. و يقول بهذا الصدد:
” استقبلته بطلب من الإدارة ورافقته إلى « تغبالوت أوفلا» بزاوية سيدي بلال، وحين أجرى تحليلا للمياه بواسطة جهاز قياس، قال لي:”إنها تحتوي نسبة عالية من الزرنيخ(Arsenic)تصل إلى 2.0 مليغرام في اللتر، مضيفا أنها قد تصل إلى ما بين 4 و5 مليغرام في اللتر لو تم تحريك المياه الراكدة في البئر..”. وحين طلبت منه أن يمدني بوثيقة تفيد هذه المعطيات قال لي: “لا أريد أن أفقد وظيفتي وأواجه المتاعب لأني مرتبط مع الشركة بعقد عمل”.
و في نفس السياق يقول أيضا:
“سنة 2011، حل أساتذة من كلية العلوم بابن زهر بأكادير ترافقهم مسؤولة من وزارة البيئة، وأجروا اختبارات على جودة المياه ببعض الآبار، كما أخذوا عينات من التربة وبعض النباتات، لكنهم رفضوا مدنا بأية نتيجة، والطريف أنني حين قدمت إليهم بعضا من التمور التي تنتجها ضيعتي، تبادلوا النظرات في ما بينهم ورفضوا أن يتناولوا ولو حبة واحدة منها، فماذا يمكن أن نفهم من مثل هذاالتصرف وأنا الذي أردت فقط أن أكرم وفادتهم؟ هناك تفسير وحيد هو أننا نعيش في بيئة خطرة وكثيرة هي الجهات التي ترفض أن تعترف بالحقيقة”.
و يقول أحمد أيت بلال رئيس فدرالية جمعيات أحميدي التي تنشط في محيط منجم بوازار:
“في سنة 1998 اضطرت وزارة البيئة إلى إيفاد لجنة مختصة لتقييم المحيط البيئي للمنجم، بعدما توالت شكاياتنا إلى أكثر من جهة، وهي اللجنة التي اقترحت توصيات يتعين على الشركة تنفيذها لتفادي جميع أشكال التلوث، وتم تسطير مخطط لتنفيذ هذه التوصيات، لكن الغريب أننا لم نطلع أبدا على الخلاصات مثلما لم يتم إشراكنا كمجتمع مدني في بلورة التوصيات رغم أننا شريك أساسي في هذا الملف. والأنكى من ذلك كله، أن التوصيات التي التزمت بها الشركة ظلت إلى اليوم حبرا على ورق ولم يتم تنفيذها، خاصة ما يتعلق بمسألة تعويض السكان المتضررين، إذ توقفت العملية بشكل مفاجئ ودون تقديم أي مبررات”.
و يضيف:
“نحن نعتقد أن الشركة المستغلة للمنجم تلعب على عامل الوقت، لتتنصل من التزاماتها ومن مسؤوليتها تجاه ما تسببه من ضرر بيئي خطير، وربما سيأتي يوم تنتهي فيه احتياطات المنجم لتهجره تاركة المنطقة على حالها دون تنمية ودون إيجاد حلول للمشاكل التي كانت سببا فيها، سواء للصحة العامة، أو للزراعات التي تشكل مورد العيش الأساسي للسكان.”(21)
أجرى صحفيو التحقيق بجريدة المساء(22) في بادرة شجاعة و متميزة، محاطون بعدد من الأساتذة و الخبراء المستقلين، اختبارا علميا على عينات من مخلفات المنجم و المياه و التربة، للنظر في مدى تأثيرها على صحة و سلامة الساكنة المجاورة. و هو عمل محمود جدا أمام السرية الملازمة للموضوع و نكوص الدولة عن هذه المهام التي تعتبر في صلب اختصاصها.
قام المحققون بأخذ “عينات من مياه الخطارات والآبار التي يستعملها سكان الدواوير للشرب وسقي زراعاتهم، وأيضا عينات من تربة بعض الضيعات التي يقول أصحابها إن زراعاتهم تضررت بفعل مخلفات المنجم، فضلا عن عينات من هذه المخلفات”، و تم إرسالها بعداتخاذهم لكافة الاحتياطات الضرورية المعتمدة لدى ذوي الاختصاص، إلى “المركز الوطني للبحث العلمي والتقني بالرباط”.اقتصرت التجارب على تحليل ستة أنواع من أشد المعادن سمية من أصل ثلاثين أخرى، و يتعلق الأمر ب:
الزرنيخ (As) و الكادميوم (Cd) و الكوبالت (Co) و الكروم (Cr) و الرصاص (Pb) و الزئبق (Hg)
شمل البحث بالنسبة لمنجم بوازار “ثلاث عينات سائلة، الأولى أخذت من بئر دوار بوازار، ويبعد بقرابة 500 متر عن المنجم، وأخذت العينة الثانية من وادي أوحميدي، بالقرب من السد الذي يمنع مخلفات المنجم من التقدم في اتجاه سافلة الوادي على سفح جبل «ألوس»، وتم بناؤه في السنوات الأولى للاستغلال، وهو موقع يبعد بقرابة 3 كيلومترات عن المنجم و يقع على مجرى الوادي، ثم أخيرا عينة من بئر زاوية سيدي بلال ويبعد بقرابة 4 كيلومترات عبر مجرى الوادي أيضا.
النتائج التي كشفت عنها تحاليل العينات السائلة (أنظر الجدول 1)، أكدت وجود تركيزات عالية من بعض المعادن السامة، تفوق بكثير المعايير التي تحددها منظمة الصحة العالمية. إذ سجلت عينة مياه بئر بوازار نتيجة 5.19 جزء من المليون من عنصر الكروم، وهي نسبة تفوق بأزيد من 100 مرة، الحد الأقصى الذي تحدده منظمة الصحة العالمية، أي 0.05 جزء من المليون. كما تم تسجيل نسب متفاوتة في ما يخص مستويات الزرنيخ، تفوق المعيار المعتمد لدى منظمة الصحة العالمية وهو 0.1 جزء من المليون. و سجلت عينة مياه وادي أوحميدي، نتيجة 11 جزء من المليون، بمعنى 110 أضعاف النسبة العالمية، و عينة بئر زاوية سيدي بلال نسبة 5.04 جزء من المليون، ما يعني 50 مرة ضعف المعيار المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية.
وعلى صعيد عينات التربة، فقد شملت التحاليل الخاصة بمحيط منجم بوازار عينتين، الأولى من إحدى الضيعات على ضفة وادي أوحميدي تبعد عن المنجم بحوالي 3 كيلومترات، في حين أخذت الثانية من ضيعة بزاوية سيدي بلال، أي بمسافة 4 كيلومترات عن المنجم. وفي استقراء لهذه النتائج (أنظر الجدول 2)، نجد نسبا مرتفعة من المعادن السامة تفوق بكثير المعايير المعتمدة دوليا.
ففي ما يخص معدن الرصاص تم تسجيل نسبة 112.48 جزء من المليون في ضيعة سيدي بلال، و102.72 جزء من المليون في ضيعة وادي أوحميدي (المعيار العالمي محدد في 100 جزء من المليون كحد أقصى).
وتم تسجيل نسب مرتفعة من الكوبالت تفوق بكثير الحد التي تضعه منظمة الصحة العالمية و الذي هو ما بين 1 و 40 جزء من المليون: توجد تركيزات تصل إلى 18681.11 جزء من المليون في عينة ضيعة سيدي بلال، و4947.41 في عينة ضيعة وادي أوحميدي.
كما سجل معدن الكادميوم أيضا نسبا عالية: 6.82 جزء من المليون لعينة ضيعة سيدي بلال، و7.94 جزء من المليون لعينة ضيعة وادي أوحميدي. مما يفوق بكثير المعيار الذي حددته منظمة الصحة العالمية و هو 2 جزء من المليون.
و سجل عنصر الزرنيخ نسبا متفاوتة و مرتفعة في العينتين: 191.22 جزء من المليون بالنسبة لضيعة سيدي بلال، و 30.42 جزء من المليون بضيعة وادي أوحميدي. في حين أن المعيار المعتمد لدى منظمة الصحة العالمية هو 1 جزء من المليون (يصبح خطيرا حين يصل إلى 6 جزء من المليون).
وعلى العموم فأهم ملاحظة يمكن استنتاجها، هي وجود تركيز عال لبعض المعادن السامة في العينات السائلة، فاقت المعدلات و المعايير التي حددتها المنظمة الدولية. و تأثرت لذلك بشكل كبير الفرشة المائية التي يعتمد عليها السكان في استعمالاتهم اليومية للشرب و السقي، و أصيبوا بعدد من الأمراض و الأعراض المختلفة. وهي أعراض تختلف باختلاف نوعية المعادن و السموم.. على أن الأمر ازداد خطورة مع تعرض التربة أيضا لمستويات عالية من تركيز هذه المعادن. ومعروف أن التربة تمتص وتخزن كميات أعلى من السموم، سواء تلك التي تأتي عن طريق السقي أو عن طريق الغبار الذي يتساقط عليها، مما أدى في النهاية إلى تلويث المحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة، مع تسجيل اختلافات في درجة تأثر كل صنف من هذه الزراعات من هذه المعادن، تبعا لمدة التعرض لها والكميات التي تمتصها..
و بقصد تعميق البحث و فهم طبيعة الخطرالذي يتهدد الصحة العامة و المجال البيئي في المنطقة، أجرى صحفيو التحقيق في جريدة المساء تحاليل أيضا لمطروحات و مخلفات منجم بوازار الصلبة (الرامبلي: يعاد استعماله في سلسلة استخراج بعض المعادن). أخذت عينة من دوار تاغوني الذي يبعد بأقل من كيلومتر واحد عن المنجم، و بتحليل نتائجها تم استخلاص مستويات مرتفعة من المعادن السامة التي تحتويها(أنظر الجدول 3).
سجلت التحليلات المختبرية في عينة المخلفات الصلبة لمنجم بوازار (رامبلي تاغوني ببوازار) النسب التالية:
- الرصاص سجل نسبة مرتفعة تقدر ب 111.16 جزء من المليون، في حين أنالمعيار لدى منظمة الصحة العالمية لا يجب يتجاوز 100 جزء من المليون.
- الكوبالت سجل نسبة مرتفعةتقدر ب 24902.69 جزء من المليون، في حين أن المعدل لدى منظمة الصحة العالمية لا يجب أن يتعدى نسبة تتراوح ما بين 1 و40 جزء من المليون.
- الكادميوم سجل نسبة 8.05 جزء من المليون، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بمعايير منظمة الصحة العالميةالذي لا يتجاوز جزأين من المليون.
- وبالنسبة للزرنيخ، أشد المعادن الثقيلة سمية، فقد تم تسجيل نسبة 2459.69 جزء من المليون. وهو رقميفوق أقصى نسبة مسموح بها ( أي 6 أجزاء من المليون) بأزيد من 400 ضعف.
بعض أعراض التسمم بالمعادن الثقيلة:
الزرنيخ
سرطانات الجلد والمثانة وسرطانات الجهاز التنفسي – تغير في صبغة وسمك الجلد وظهور بقع صلبة على راحتي اليدين و أخمص القدمين – تساقط الشعر – توقف الأظافر عن النمو.
الكوبالت
الربو والتهاب الجهاز التنفسي – الغثيان والقيء – يؤثر على القلب – خلل في الغدة الدرقية – حساسية جلدية (إكزيما) – تساقط الشعر – نقص الخصوبة عند الرجل.
الزئبق
يؤثر على الجلد في حالة الجروح- أمراض الجهاز التنفسي – أمراض الجهاز الهضمي- آلام في الأسنان – اختلالات عصبية – قصور كلوي – خلل وتأخر عقلي- عيوب لدى المواليد- ضعف الرؤية والسمع والكلام.
الرصاص
أمراض الكبد والكلي- التهاب المفاصل – اختلالات عصبية- ارتفاع ضغط الدم والغثيان – زيادة ضربات القلب – تشنجات عصبية وتأخر في النمو- عياء وفقدان التركيز- الإجهاض- تغيير لون اللثة – سرطانات الجهاز الهضمي – التهابات الجهاز التنفسي – نقص الخصوبة.
الكادميوم
مياه في الرئتين- غثيان وقيء- قصور الكلي- انتفاخ في الرئتين (هواء)- هشاشة العظام- آلام في المفاصل- خلل في الغدد (البويضات لدى المرأة)- فقر الدم – اصفرار الأسنان- سيلان الأنف وخلل في حاسة الشم – سرطان المثانة.
الكروم
قصور كلوي- حساسية جلدية (إكزيما) – التهابات وتعفنات جلدية – تساقط الأظافر- التهاب في الأمعاء – سيلان مزمن في الأنف- سرطان الجهاز التنفسي- نزيف في القناة الهضمية – اضطراب في وظائف الكبد.
في التحقيق الذي أجرته جريدة المساء، يؤكد رئيس شعبة الجيولوجيا بكلية العلوم بن امسيك في الدار البيضاء نجيب صابر، أن عددا من هذه المعادن “تسبب الإصابة بأمراض مختلفة قد تصيب الجهاز التنفسي أو الجلد بالتهابات وحكة شديدة وأخطرها الزرنيخ الذي يعتبر أشد هذه المعادن سمية، فضلا عن أن التعرض لهذه المعادن السامة لفترات طويلة قد يؤدي إلى الإصابة ببعض أنواع السرطانات، سواء في الجهاز التنفسي أو الجهاز الهضمي، وهي الإصابات التي تحدث جراء شرب مياه ملوثة بهذه المعادن، أو استنشاق غبار يضم هذه المركبات، لكن الخطورة تزداد حينما يتناول الإنسان أغذية تحتوي على تركيزات أعلى، ومعروف أن التربة تمتص هذه المعادن، ولهذا نجد نسبها مرتفعة مقارنة مع العينات السائلة التي تخف درجات التركيز بها كلما ابتعدنا عن مصدر التلويث، فضلا عن أن تعرض المزروعات لهذه المعادن قد يسبب اختلالات في نموها أو ضعفا في المحاصيل يختلف حسب درجة تفاعل كل نوع مع هذه المعادن ومدة التعرض لها”
و في نفس السياق تشير الأخصائية في الأمراض الجلدية الدكتورة كوثر زهير إلى أنه “من الثابت طبيا وجود صلة بين التعرض الطويل لهذه المعادن وبين ظهور حالات مرضية تصيب أعضاء كثيرة من الجسم، وقد تؤدي إلى الإصابة ببعض أنواع السرطانات، وهي الأعراض التي تختلف باختلاف كل عنصر ومدة التعرض له، وعموما فالتعرض للزرنيخ أو الرصاص أو الكروم أو الكادميوم أو الزئبق، فضلا عن أنواع أخرى من المعادن السامة، يسبب أمراضا واختلالات تختلف من تسممات حادة إلى مزمنة، ومن الطبيعي أن تخف حدتها أو تختفي بعض أعراضها حين يغير المصابون مكان عيشهم أو يقل مستوى تعرضهم لهذه العناصر (الماء أو الهواء) أو حين يستعملون بعض المضادات التي توصف من طرف المختصين للحد من تأثير هذه المعادن”.
نتائج التحليلات المختبرية(23)
الجدول 1
نتائج اختبارات العينات السائلة “جزء من المليون”
|
الجدول 2
نتائج اختبارات عينات التربة (جزء من المليون)
|
الجدول 3
نتائج اختبارات عينات المخلفات “جزء من المليون”
|
- قانون المناجم لا يطبق في بوازار
لا يمكن أن نتحدث في منجم بوازار عن علاقة شغل طبيعية و قانونية. إدارة الشركة تدير شؤون العمال بناء على علاقة سلطوية و استعبادية. و أول شيء يعاني منه العامل هنا هو الحط من كرامته. إذلال و سب و شتم و “ضرب” في بعض الأحيان. البيئة الاجتماعية التي يأتي منها العامل المنجمي جبلية في الغالب و نائية و فقيرة، و هو في حاجة ماسة إلى الشغل ليتمكن من العيش هو و بقية أهله. الشركة لا رقيب لها و لا حسيب،و تستغل هذا الوضع لفعل ما تريد ب”مواردها البشرية”. هاجس الخوف من فقدان منصب الشغل ومن “جبروت” مدراء الشركة، لا يفارق مخيلة المنجميين أبدا.
و فيما يلي – بالإضافة إلى ما سلف ذكره – بعض الملاحظات التي وقف عليها الاتحاد المحلي و المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق المنجميين و عدم تطبيق قانون الشغل ببوازار:
- محاربة العمل النقابي، و رفض الشركة لنقابة مستقلة يختارها العمال بأنفسهم للدفاع عن مصالحهم.
- شروط الصحة و السلامة غير متوفرة في المنجم و ظروف الاشتغال صعبة للغاية. لا توجد مراقبة طبية و لا طبيب شغل بالمنجم. جل المنجميين يعانون من أمراض في الجهاز التنفسي، و السيليكوز ينخر صدورهم. و الشركة تتنصل من العمال الذين يفتك بهم المرض.
- عدم استقصاء الأماكن الخطيرة التي من شأنها أن تهدد حياة المنجميين.
- لا تخضع الشركة على الإطلاق لمراقبة مفتشية الشغل بل تستعين بها للتخلص من العمال، و لا تحترم قوانين و مواثيق الشغل الوطنية و الدولية.
- استعمال المتفجرات في أنفاق المنجم و دهاليزه من طرف مستخدمين غير مؤهلين لذلك، و غير مكونين، و لا يتوفرون على التراخيص و البطائق المخصصة لهذا العمل، مما يعرضهم و يعرض حياة العمال للخطر.
- حوادث الشغل و الأمراض المهنية مرتفعة جدا بالمنجم، و لا يتم الإبلاغ عنها كلها، و لا تجمع و لا تنشر و لا تحصى، و لا يوجد تحقيق نزيه و مستقل في الحوادث المميتة، حيث تحاول الشركة التنكر للسبب الحقيقي للوفاة لكي تتنصل من مسؤولياتها القانونية و الأدبية.
- غالبية العمال سواء في القعر أو في السطح، لا يرسمون مهما كانت المدة التي يقضونها بالمنجم. و لا يتقاضون أجورهم القانونية و لا يتم التصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و إذا ما تم ذلك فلا يصرح بعدد الأيام الفعلية للشغل.
- عدم استقرار الشغل لدى عمال الدواوير الذين تشغلهم الشركة و تطردهم بمجرد استنفاذها للمعدن المستخرج من آبارها.
- تجديد عقود الشغل كل ثلاثة أشهر، طيلة أيام العمل بالمنجم، مما يحرم المنجميين و عائلاتهم من كل حقوقهم (العطلة السنوية، الضمان الاجتماعي، التغطية الصحية، الترسيم، الاستقرار في العمل، الترقية، التعويض عن الأقدمية، التعويض عن السكن، التعويضات العائلية، التقاعد،…الخ)
- عدم احترام المشغل لعدد ساعات العمل القانونية و عدم تعويض المنجميين عن الساعات الإضافية.
- عدم استفادة العمال من العطلة الأسبوعية و السنوية و العطل الدينية و الوطنية.
- الشركة لا تزود العمال ببطائق الشغل و لا بورقة الأداء وفق القوانين الجارية.
- عدد من عمال المنجم الذين أنهوا الخدمة بحكم السن، وجدوا أنفسهم بلا تقاعد، و عدد آخر لا يتجاوز راتبهم 800 درهم في الشهر.
- السكن الذي خصصته الشركة لبعض عمال منجم بوازار لا يختلف في شيء عن إسطبلات الأنعام و البهائم. و قد احتج الاتحاد المحلي للكدش بورزازات على هذا الإذلال، و قام بمسيرة اقتحم فيها مكان سكن المنجميين، رغم أن إدارة الشركة قامت بإغلاق جميع المنافذ المؤدية إليه. و خوفا من الفضيحة التي يمكن أن يسببها نشر صور ل “سكناهم” في وسائل الإعلام، عملت الإدارة على إغلاق المكان، و وفرت بعض الحافلات التي تنقل العمال المنجميين يوميا جيئة و ذهابا، بين مكان العمل بالمنجم و بلدية تزناخت البعيدة بحوالي 25 كيلومتر.
- صالح بن يطو يقود المعركة ضد الاتحاد المحلي و عمال المناجم ببوازار
بعد إرجاع العمال المطرودين إلى عملهم بالمنجم شهر غشت 2011، غاب عن المشهد بورزازات كليا، عامل الإقليم عبد السلام بيكرات، الذي كان الوسيط الوحيد بين الاتحاد المحلي و الشركة في هذه الفترة. كما سبقت الإشارة لم نعلم سبب رحيله و بقاء المنصب شاغرا إلى غاية شهر ماي 2012. بعد غيابه، أصبح التواصل منحصرا على الكاتب العام للعمالة عبد الحكيم النجار، الذي لا يقدم و لا يؤخر شيئا، و لا يتوفر على جرأة اتخاذ أي قرار مهما كان بسيطا. ربما كان ذلك هو مقصد السلطات وطنيا من ترحيل عبد السلام بيكرات، لأنه بعدها سنتلقى الضربات الموجعة تباعا. بعد الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، سيحيك المخزن مباشرة “مؤامرة الطاكسيات”، التي أخذت منا وقتا و جهدا كبيرين للتصدي لها.
استمرت الشركة في مناوراتها و رفضها تطبيق قانون المناجم، و واصلت محاربتها للعمل النقابي، و إن بقي العمال في مناصبهم. فتقرر استئناف البرنامج النضالي.
قررت النقابة خوض إضراب إنذاري بالمنجم مصحوب باعتصام المنجميين كل في مكان اشتغاله، لمدة 48 ساعة يومي الثلاثاء و الأربعاء 27 و 28 مارس 2012. و تم تعليق إضراب كان مزمعا خوضه يومي 3 و 4 أبريل 2012، حيث أبلغتنا السلطات أنها ستسهر على تطبيق قانون الشغل و ستجمع نقابة الكدش و إدارة الشركة في سلسلة من الحوارات. و لكن لا شيء من ذلك حدث، و اللقاءات التي تمت كانت كلها مغشوشة و هدرا للوقت.
بتاريخ 12 ماي 2012، عين صالح بن يطو رسميا عاملا على إقليم ورزازات، بعد أن أنهى مهامه بإقليم فكيك.
استمر المنجميون في الاحتجاج و خاضوا إضرابا لمدة 48 ساعة بتاريخ 18 و 19 ماي 2012. و في هذه الأثناء، أغلقت الشركة أبوابها في وجه جميع العمال و منعتهم من الالتحاق بأماكن عملهم في المنجم لمدة عشرين يوما. تم ذلك دون إشعار سابق و دون إخبار مندوبي الأجراء و الممثلين النقابيين، و دون سلك المساطر القانونية المرتبطة بفصل العمال أو إغلاق المقاولة. و في نفس الوقت، أشرفت على نقل الأطر الموالية لها من إداريين و مهندسين و عمال تابعين للاتحاد المغربي للشغل و بعض المواطنين الذين لا صلة لهم بالمنجم، بواسطة عشرين حافلة إلى أمام مقر عمالة إقليم ورزازات للقيام باعتصام “فولكلوري” غريب و عجيب، استنكارا للنضالات التي يقودها الاتحاد المحلي بورزازات، و احتجاجا على عدم اتخاذ السلطات و القضاء إجراءات زجرية ضده. كانت الشركة توفر للمعتصمين كل أسباب الراحة، من أكل و شرب و تمدهم بجميع المتطلبات. إنها سابقة من نوعها أن تغلق المقاولة أبوابها و تضرب احتجاجا على العمال !
كان الغرض – فيما أعتقد – من هذه الخطوة “الغرائبية” لإدارة المنجم، هو تحويل الأنظار عن انتهاكاتها الجسيمة للحقوق و القوانين، و تأليب الساكنة و الأعيان و المنتخبين و السلطة على الاتحاد المحلي للكدش بورزازات، و تبرير الهجوم عليه، و الزيادة في التحريض ضده. فقد ضاق مُدراء الشركة ذرعا حد الجنون من وحدة العمال و صمودهم و إضراباتهم التي تكبدها خسائر تعد بملايين الدراهم: ما بين ثلاثة و أربعة ملايين درهم عن كل يوم إضراب، حسب التصريح الذي أدلى به”محمد الشراط” مدير الموارد البشرية و التواصل بشركة “مناجم”، لجريدة لكونوميست التي تصدر بالفرنسية في 8 نونبر 2012(24).
بتاريخ 29 ماي 2012، دُعينا لاجتماع بمقر عمالة الإقليم، ترأسه الكاتب العام للعمالة، و حضره رئيس قسم الشؤون الداخلية عمر امغيميمة، و رئيس دائرة أمرزكان امحمد برحاني، و المدير الإقليمي للطاقة و المعادن محمد بن الشرع، و مدير منجم بوازار مصطفى البيدي، و صاحب شركتي أكزومي و طوب فوراج محمد أكزومي. كان النقاش محتدما بين أعضاء مكتب الاتحاد و مدير منجم بوازار الذي بدا عليه توتر شديد و عدم رضا منذ البداية. ألح على تقليص عدد العمال و إلغاء بعض مكتسباتهم و رفض تأدية أجور المنجميين أثناء فترة الإغلاق..
و بالنسبة لنا، فقد رفضنا طبعا أي مساس بمناصب الشغل و بالمكتسبات، و طالبنا إدارة الشركة ب:
- إعادة فتح المنجم فورا، لأن الإغلاق تم بشكل غير قانوني.
- إعادة جميع العمال إلى مناصب شغلهم السابقة.
- أداء أجور العمال المنجميين عن جميع أيام الإغلاق، لأنهم لا يتحملون فيه أية مسؤولية.
- احترام كرامة العمال، و الكف عن التمييز بينهم، و توفير الشروط الصحية اللازمةو حمايتهم من حوادث الشغل المميتة.
- تطبيق قانون الشغل بجميع بنوده.
كما ألححنا على السلطات و إدارة الطاقة و المعادن بالقيام بواجباتها و السهر على تطبيق القانون، لأن ذلك يدخل في جوهر اختصاصهما. و بعد أخذ و رد تم الاتفاق على مواصلة الحوار و التداول في شأن النقط الخلافية لاحقا، على أساس التنفيذ الآني لما تم التوافق بشأنه، و يتعلق الأمر:
بإعادة فتح المنجم، و إرجاع جميع المنجميين إلى مناصبهم السابقة، و احترام قانون المناجم، والبدء بإصلاح تواريخ دخول العمال المنجميين إلى الشركة، و تعويضهم عن الأقدمية، و تزويدهم ببطائق الشغل انطلاقا من يوم الاثنين 4 يونيو 2012، و تسوية وضعية العمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.. و يتم تنفيذ هذه النقط جميعها في غضون شهر على أكثر تقدير.
فتح المنجم أبوابه، و لكن إدارة الشركة و كعادتها دائما، لم تعمل على احترام بنود الاتفاق و استمرت في استغلالها للعمالو الانتقام منهم و خرقها لقوانين الشغل، و طردت عددا منهم.
قررت النقابة خوض إضراب لمدة 48 ساعة، يومي الاثنين و الثلاثاء 16 و 17 يوليوز 2012، مصحوب باعتصام بأماكن العمل احتجاجا على: طرد 19 عامل منجمي، و توقيف الاشتغال ببعض الوحدات الإنتاجية، و عدم تنفيذ بنود الاتفاق الأخير، و عدم تطبيق قانون الشغل، و تنصيب إدارة الشركة ل”تنسيقية” مكونة من بعض العمال و الأطر “المختارين”، وضعت لها مهمة التحاور معها باسم جميع المنجميين، كبديل للحوار الذي يجب أن يجري مع نقابتنا!
غير أن هذا الإضراب تم تعليقه بطلب من المكتب التنفيذي للكدش بالدار البيضاء الذي توصل بمراسلة صادرة عن إدارة “مناجم”. و أبلغنا حينذاك بأن حوارا سيعقد بين المكتب التنفيذي و المكتب الوطني للطاقة و المعادن من جهة و إدارة المنجم بالدار البيضاء من جهة أخرى، دون حضور أعضاء مكتب الاتحاد المحلي!
مرت أزيد من شهرين من المواربة و لم نتلق أي جديد بخصوص اللقاء المزعوم، لا من المكتب التنفيذي للكدش و لا من الشركة و لا من السلطات. فقرر المكتبان النقابيان بإشراف مكتب الاتحاد المحلي بورزازات، في اجتماع 2 أكتوبر 2012، استئناف التصعيد و خوض إضراب لمدة 48 ساعة يومي 10 و 11 أكتوبر 2012 مصحوب باعتصام العمال، كل بمكان عمله في المنجم. خلال الإضراب و أثناء اعتصامهم بأماكن اشتغالهم بباطن الأرض الذي يصل أحيانا إلى 1000 متر تحت السطح، فوجئ المنجميونبقطع التيار الكهربائي و تفجير الديناميت لإرغامهم على الخروج، مما عرضهم لخطر محقق بالهلاك، و سبب حالة من الذعر و الهلع في صفوفهم و حالات من الإغماء و القيء و الاختناق، و كاد أن يؤدي ذلك لكارثة حقيقية !
بمجرد علمنا بالخبر قمنا بإخبار عامل الإقليم و وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية و الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف. طالبناهم بإنقاذ أرواح العمال المنجميين و حمايتهم،و حملناهم جميعا مسؤولية ما سيترتب عن هذه الجريمة النكراء من تبعات.غير أن ردهم كان “مفاجئا” و متشابها هذه المرة إلى حد كبير، حيث حملونا نحن، مسؤولية ما آلت إليه الأمور، و أبلغونا بنبرة تهديدية بأننا تجاوزنا الخطوط الحمراء بكثير، و يجب أن نتحمل العواقب. و في نفس اليوم تمت عسكرة المنجم و المناطق المحيطة به بمختلف القوات العمومية.
و بأمر من عامل الإقليم صالح بن يطو و تحت إشرافه المباشر، تم اقتحام المنجم في اليوم الأول من الإضراب، من قبل الدرك الملكي و قوات التدخل السريع و القوات المساعدة (11 شاحنة)، و عملوا على إخراج جميع المنجميين المضربين بالقوة و العنف المفرط، مما تسببفي العديد من الجروح في صفوف العمال متفاوتة الخطورة(25). و قامت أجهزة الدرك في نفس اليوم باعتقال أربعة منهم، يتعلق الأمر ب: هشام أمرماش، عبد العزيز الأزهري، محمد شيكر و محمد موجان. تم التحقيق معهم لدى الدرك الملكي بتازناخت،و امتنعوا عن توقيع المحاضرلما تضمنته من مغالطات و تناقضات و أكاذيب. و في اليوم الموالي (الخميس 11 أكتوبر 2012)، نقلوا إلى ورزازاتو أحيلوا على النيابة العامة بمحكمة الاستئناف، ودون الاستماع إليهم تم اقتيادهم إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية. أمر هذا الأخير بإعادتهم إلى تزناخت، حيث تم حجزهم بمخفر الدرك. في صباح يوم الجمعة 12/10/2012، تم اقتيادهم مرة أخرى على مثن سيارة الدرك الملكي إلى ورزازات. و قبل وصولهم أرجعوهم إلى تزناخت، و بعدها بساعتين هناك أعادوهم إلى المحكمة الابتدائية بورزازات، و دون حتى الاستماع إليهم أرجعوهممن جديد إلى مخفر الدرك بتزناخت.. ارتباك واضح و معيب!
و في نفس اليوم، أي الجمعة 12 أكتوبر 2012، تم اعتقال أربعة منجميين آخرين من داخل المنجم. يتعلق الأمر ب: سعيد أيت صالح، عبد الرحمان أشلحي، عبد العزيز أمكراز و مبارك أمازيغ. و صبيحة يوم السبت 13 أكتوبر 2012، تم تقديم المعتقلين الثمانية إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بورزازات، فقررت متابعتهم وهم في حالة اعتقال، بتهمة عرقلة حرية العمل بناء على الفصل 288 من القانون الجنائي. و تم إيداعهم بالسجن المدني، في انتظار عرضهم على المحكمة يوم الاثنين 15 أكتوبر 2012. و قد صادفت اعتقالات عمال منجم بوازار، محاكمة أعضاء مكتب الاتحاد المحلي عمر اوبوهو و بوسلهام نصري و حميد مجدي، بخصوص ملف الطاكسيات، بتاريخ 11 أكتوبر 2012.
(اقتحام منجم بوازار من قبل قوات التدخل السريع، من أجل إخراج المنجميين المضربين بالقوة)
تعبأت كل الإمكانيات النضالية لإطلاق سراح عمال بوازار المعتقلين، و تم تسطير برنامج مكثف و تصعيدي. خاض الاتحاد وقفات يومي 11 و 12 أكتوبر 2012 أمام المحكمة، و أطر مسيرتين حاشدتين جابتا شوارع المدينة. كما خاض المكتب الوطني للطاقة و المعادن إضرابا لمدة ساعتينفي مواقع الإنتاج مصحوبا بوقفات احتجاجية يوم 11 أكتوبر 2012. خيمت أجواء قاتمة على العمال و العائلات و المتعاطفين و بعض من الطاقم القضائي نفسه، الذين استهجنوا طريقة التعاطي المرتبك للنيابة العامة و الدرك الملكي و السلطات الإقليمية مع هذا الملف. حيث شكلت التعليمات و الاتصالات الهاتفية المسند الوحيد للتعامل معه و الفصل فيه !
و في اجتماع طارئ للمجلس الكونفدرالي المحلي، تقرر خوض إضراب عام محلي موازاة مع محاكمة المنجميين بتاريخ 15 أكتوبر 2012،لمدة 24 ساعة قابلة للتمديد ما لم يتم إطلاق سراح المعتقلين.
|
لم يتم إطلاق سراح المعتقلين، و تم تأجيل المحاكمة إلى غاية 22 أكتوبر 2012، فقرر الاتحاد المحلي الكونفدرالي من جانبه مواصلة الاحتجاج و التصعيد و تمديد الإضراب بمنجم بوازار لمدة 24 ساعة. و في نهاية جلسةهذه المحاكمة التي دامت لأزيد من ست ساعات، حكمت المحكمة الابتدائية على ثلاثة عمال ب 150 يوما سجنا نافذا و غرامة قدرها 5000 درهم و تبرئة خمسة آخرين مما نسب إليهم. تم استئناف الحكم الابتدائي، مع تصعيد النضال و المواجهة ، و في جلستها بالغرفة الاستئنافية بابتدائية ورزازات بتاريخ 29 أكتوبر 2012، قضت المحكمة بإطلاق سراح المعتقلين الثلاثة و متابعتهم في حالة سراحو تأجيل الجلسة إلى يوم الاثنين 12 نونبر 2012.
واصلت الشركة محاولاتها الدؤوبة رشوة المناضلين و الضغط على العمال الكونفدراليين و ترهيب عائلاتهم بشكل غير مسبوق، فقررت النقابتان المنجميتان بإشراف مكتب الاتحاد بورزازات، خوض إضراب عن العمل مصحوب باعتصام للمطرودين أمام الإدارة المحلية لمنجم بوازار، لمدة 24 ساعة قابلة للتمديد، بالموازاة مع تاريخ المحاكمة يوم الاثنين 12 نونبر 2012.
يوم الإضراب تعرض منجميو بوازار لهجوم شرس أيضا من طرف السلطات المحلية و الدرك الملكي والقوات المساعدة و قوات التدخل السريع، أسفر عن إصابات خطيرة جدا (إغماءات بسبب الضرب المبرح – كسور – جروح ..) و في اجتماع طارئ لمكتب الاتحاد المحلي و نقابتا بوازار الكونفدراليتان ، تقرر تمديد الإضراب لمدة 48 ساعة أخرى.
بعد ثلاثة أيام من إضراب منجميي بوازار، ستكون هناك محاولة حثيثة لاستدراجي إلى مدينة الصخيرات و التخلص مني بشكل من الأشكال، و لما لم تنجح الخطة، تم اعتقالي بمراكش بتاريخ 16 نونبر 2012، و متابعتي بتهمة حيازة مخدرات الكوكايين و الشيرا و المتاجرة فيهما !
تواصلت المحاكمة ضد المتابعين و استمرت الشركة في قمعها و طردها للعمال. وصل عدد المطرودين 85 عامل. و استمر المنجميون و الاتحاد المحلي في الصمود و النضال، و تقرر بتاريخ 27 نونبر 2012، خوض إضراب لمدة 24 ساعة يوم السبت 01 دجنبر 2012.
الكونفدرالية الديمقراطية للشغل
بـــــلاغ أمام استمرار إدارة منجم بوازار و الشركتين المناولتين بالمنجم : طوب فوراج و أكزومي، في نهج سياسة التماطل و التهرب من تنفيذ الاتفاقات الموقعة بينها و بين مكتب الاتحاد المحلي للكدش بورزازات و المكتبين المحليين للنقابة الوطنية للطاقة و المعادن كدش فرعا تازناخت و أكدز. و في مواجهة تواصل هجوم الإدارة على العمال و من خلال استمرار حملة الطرد لأسباب نقابية والتنقيلات التعسفية و نشر جو من الإرهاب بالمنجم. و ضدا على التواطؤ المكشوف للسلطات مع الشركات المذكورة أعلاه في خرقها السافر للقوانين، بل ومساهمتها الفعلية في محاربة العمل النقابي الكونفدرالي من خلال العمل على تكسير الإضراب و قمع العمال (قائد وسلسات الذي تسبب في إغماء عامل كونفدرالي بالضرب المبرح نقل على وجه الاستعجال إلى المستشفى) و اعتقالهم دون وجه حق، و الاستمرار في تلفيق التهم للمناضلين الكونفدراليين، كان آخرها المؤامرة الدنيئة التي تعرض لها الرفيق حميد مجدي نائب الكاتب العام لمكتب الاتحاد المحلي للكدش بورزازات، للنيل من مصداقية وسمعة مناضلي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بورزازات. و استحضارا للحوادث الشغلية المتكررة بالمنجم و التي أودت بحياة عاملين في أقل من شهر، لانعدام شروط الصحة و السلامة، حيث أضحى المنجم مقبرة للعمال و بؤرة لإنتاج الأيتام والأرامل.. و تأكيدا منا على تشبثنا بإطارنا العتيد: النقابة الوطنية للطاقة و المعادن كدش و إصرارنا على مواصلة النضال حتى تحقيق مطالبنا المشروعة، نعلن للرأي العام ما يلي: ü إدانتنا الشديدة للمؤامرة الخسيسة التي تعرض لها الرفيق حميد مجدي و تحميل الدولة المغربية مسؤولية الكشف عن مدبري هذا العمل المشين و متابعتهم قضائيا. ü مطالبتنا بفتح تحقيق في الحوادث الشغلية المميتة بالمنجم. ü مطالبتنا بالتنفيذ العاجل لجميع الالتزامات و الاتفاقات بحضور عامل الاقليم. ü تحميل إدارة الشركة و السلطات المعنية المسؤولية الكاملة فيما ستؤول إليه الأوضاع، و استنكارنالنهج سياسة صم الآذان و اعتماد المقاربة القمعية في التعامل مع الملفات الشغلية. ü تقريرنا خوض إضراب عن العمل لمدة 24 ساعة يوم السبت 01/12/2012 قابل للتمديد مصحوب باعتصام بمقرات العمل. يهيب الاتحاد المحلي و المكتبان، بكافة العمال الكونفدراليين بالمنجم، للتعبئة الشاملة لإنجاح المحطة النضالية والالتفاف إلى منظمتهم العتيدة حتى تحقيق كافة المطالب المشروعة.
عاشت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل مناضلة مكافحة
الكاتب العام لنقابة منجمبوازار _ فرع تازناخت الكاتب العام لنقابة منجم بوازار – فرع أكدز مكتب الاتحاد المحلي |
لتحميل الكتاب على شكل نسخة الكترونية
اقرأ أيضا