بيان للمنظمات الماركسية الثورية، في المنطقة العربية والمغاربية، حول أحداث اليمن
منتصف ليل السادس والعشرين – السابع والعشرين من شهر آذار/مارس2015، بدأت الطائرات الحربية لعشر دول عربية، وإسلامية (باكستان)، بقيادة المملكة السعودية، غاراتها على اليمن، بحجة التصدي لميليشيا مذهبية يمنية، مرتبطة بدولة أجنبية هي جمهورية إيران الإسلامية، تحاول السيطرة على كامل البلد المذكور، والانقلاب على السلطة الشرعية فيه المتمثلة برئيس الجمهورية، عبد ربه منصور هادي، وذلك استجابة لالتماس الرئيس المشار إليه.
وسرعان ما لقيت هذه الحملة العسكرية تجاوباً واسعاً من الحكومات الإمبريالية الغربية، أولاً، وثانياً، وبوجه خاص، أقصى التضامن من جانب معظم الحكومات العربية، التي التأم شملها، هذه المرة، في مؤتمر قمة انعقد، في شرم الشيخ، بالسرعة القياسية، بعد أقل من يومين من بدء الأعمال الحربية، وحضرته الغالبية الساحقة من تلك الحكومات. وقد اتخذ هذا المؤتمر- عدا القرار بتأييد استمرارالهجمة على اليمن، إلى حين تحقيق أهدافها الاساسية المتمثلة بالقضاء على تمرد الحوثيين، ونزع سلاحهم، لصالح عودة السلطة الشرعية، بقيادة الرئيس هادي – قراراً لافتاً للغاية يتمثل بتشكيل قوة عسكرية مشتركة لمواجهة ما تعتبره تلك الحكومات خطراً على الأمة ككل، وضمان حمايتها منه، فيما المقصود قبل كل شيء حماية الانظمة، على اختلافها، ولا سيما بعد ما تكشَّف، في السنوات الاخيرة، من استعداد مستجد، على امتداد المنطقة العربية- المغاربية، للانتفاض الشعبي على تلك الأنظمة، والعمل على إسقاطها.
وليست هذه هي المرة الاولى، التي تتدخل فيها المملكة السعودية، بوجه اخص، في شؤون اليمن، وذلك منذ هرعها في ستينيات القرن الماضي للدفاع، بكل إمكاناتها، بما فيها العسكرية منها، عن نظام الإمامة، في وجه الثورة اليمنية، التي كانت تحظى آنذاك بالدعم العسكري، والمادي، المصري، في ظل السلطة الناصرية. وبالطبع من دون نسيان الدور الذي لعبته، في تاريخ قريب، لإحباط انتفاضة الشعب اليمني السلمية، عن طريق الضغوط التي مارستها، هي وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، لاجل فرض التسوية، بالضبط، التي أدت إلى الاكتفاء برحيل علي عبد الله صالح عن رئاسة الجمهورية، أعلى موقعٍ في السلطة، مع الإبقاء على نظامه، من دون تغيير جدي. وهو الامر الذي أفسح في المجال أمام نجاح هذا الأخير في تمكين جماعة الحوثيين، بعد صراع طويل معهم – وقد باتوا حلفاءه المستجدين، المعتمدين، بوجه أخص، على الدعم الإيراني، والذين ينفذون، بالضبط، مشروعاً لحساب سلطة الملالي وآيات الله، وطموحاتهم الإمبراطورية القومية، المتغطية بالإديولوجيا الدينية، والساعية لاستخدام العامل المذهبي التقسيمي، في خدمة المشروع المنوَّه به – من السيطرة على العاصمة صنعاء، أولاً، قبل أشهر، ومن ثم على معظم مناطق اليمن ومحافظاته، قبل التطورات المشهدية الاخيرة، بصورة مباشرة.
بيد أن الهجمة السعودية الراهنة، في اليمن، تختلف عن سابقاتها بصورة واضحة. حيث أن الرياض استفادت من تجربة الإدارة الأميركية، في طريقة خوض حملاتها الإمبريالية الجديدة، منذ حرب هذه الاخيرة على العراق، في العام 1991، بحيث أشركت في الهجمة الجوية المشار إليها، أعلاه، تسع دول أخرى، بينها واحدة، على الاقل، غير عربية (باكستان)، وعمدت على الفور لاستدعاء كامل حكومات الجامعة العربية، باستثناء سوريا، إلى اجتماع القمة المشار إليه أعلاه، وذلك، على الأرجح، لإشراك قوات من معظم جيوشها في الحرب البرية المكلفة جداً، والمعقدة للغاية، المرجح شنها، في تاريخ لاحق، داخل الاراضي اليمنية، والتي يتوقع عديدون أن تطول أشهراً، في أقل تقدير، ولا سيما في بلد تكثر فيه التضاريس الوعرة، والجبال. كما أنها قد تستجرُّ صراعاً أهلياً، مذهبياً، ليس من المستبعد أن تنتقل شراراته إلى بلدان عربية، وحتى غير عربية، أخرى. وذلك بالتلازم مع تسارع وتيرة سباق التسلح في المنطقة، في حين المستفيد الأكبر من تجارة الأسلحة يتمثَّل في الدول الامبريالية والمؤسسات الحربية التابعة لها، فضلاً عن احتمال حصول ردود فعل خطيرة، ليس معروفاً إلى أين يمكن أن تُفضي، في واقع منطقة تعوم على ثروات لا حدود لها لا تزال إلى هذا الحين تحت السيطرة الإمبريالية.
هذا وقد بات واضحاً أن الضحايا الأساسيين في هذه الهجمة هم إلى الآن، وسيكونون، لاحقاً، بين السكان المدنيين، الذين لا علاقة لهم، بالضرورة، بأيٍّ من أطراف الصراع، وستؤدي، عدا الخسائر البشرية، إلى إنزال قدر هائل من الخراب في معالم العمران، والبنى التحتية، فضلاً عن قدرات الشعب اليمني العسكرية. وذلك في بلَد يُعَدُّ بين الأفقر، في المنطقة العربية، كما في العالم بأسره.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أنه لم يكن بين مقررات مؤتمر الحكام العرب الاخير، بخصوص الشعب الفلسطيني – في فترةٍ تلت آخر الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي خلَّفت خسائر بشرية وعمرانية خطيرة، وفي وقت لم تكن نسبة عالية من سكان القطاع المذكور قد أعادت فيه بناء ما تهدَّم من مساكنها، في حروب عدوانية سابقة، وذلك بالإضافة إلى واقع أن العدو الصهيوني يواصل سياسته الاستيطانية المتسارعة، في الضفة الغربية والقدس، مع ما يصاحبها من هدم منازل ومبانٍ، وجرف بساتين واراضٍ فلسطينية، واسعة هناك، فضلاً عن تنكيله المتواصل بالفلسطينيين، قتلاً وسجناً وتهجيراً – لم يكن بين تلك المقررات، نقول، بندٌ يرد على تلك السياسة، ولو بأبسط مواقف التنديد والشجب، إذا لم يكن بالتهديد باستخدام شتى الإجراءات التي يقرها القانون الدولي، على صعيد الردع، وتشجيع أعمال المقاومة، وتوفير وسائل القيام بها للشعب الواقع تحت احتلالٍ لم يعد يعرف نهاية له، بسبب سياسة الخيانة والتخاذل، التي يعتمدها الحكام المشار إليهم، وبؤس ما أنتجته ظروف هذا الشعب إلى الان من قيادة ذاتية. فبمقابل إعلان الحرب على بلد عربي بائس هو اليمن، واتخاذ القرار بتشكيل قوة عسكرية عربية موحدة قادرة على الخوض في حروب متنوعة من الواضح أنه ليس بينها قتال الدولة الصهيونية، أو رد اعتداءاتها، وأنها ستكون موجهة ضد حالات تمرد شعبية محتملة، ضمن الارض العربية، اقتصرت الخطوات العملية للتضامن مع الشعب الفلسطيني على دفع الأقساط المتوجبة لسلطة اتفاق أوسلو في الضفة الغربية!!!!
إن المنظمات الماركسية الثورية، الموقعة لهذا البيان، إذ تدين بشدةٍ شتى الأعمال العدوانية التي اندفعت للقيام بها الجماعة الحوثية، في اليمن، بالتحالف مع الجهاز العسكري الذي لا يزال يسيطر عليه طاغية اليمن السابق، علي عبد الله صالح، وبدعمٍ كثيف من جانب جمهورية الملالي الإسلامية الإيرانية، تشجب كذلك بأقسى عبارات الإدانة الهجمة الأخيرة المتواصلة للمملكة السعودية، وحلفائها في هذه العملية الوحشية الإجرامية، وتدعو إلى وقف الاعمال القتالية، من شتى الاطراف المتورطة فيها، أو المبادرة إليها، والانسحاب إلى أماكن انطلاقها الاصلية. على ان تتكفل الدول الخارجية، على اختلافها، وسواء منها إيران، أو حكومات الخليج المختلفة، وفي مقدمتها المملكة السعودية، بتقديم تعويضات مالية ضخمة تتناسب مع الخسائر الجسيمة للغاية التي مني بها الشعب المذكور، في السنوات الاخيرة، بسبب التدخلات العدوانية، المستوجبة أقصى الإدانة، من جانب تلك الحكومات، في شؤون بلده. على أن يُترك لهذا الاخير كامل الحرية في تقرير مصيره بنفسه، وشكل السلطة التي يختارها بإرادته الحرة، ومن دون ادنى تدخل خارجي، او إكراه.
لا للتدخل الرجعي الأجنبي، في اليمن، سواء من جانب إيران، أو من جانب السعودية وحلفائها
لا لجوقة الخونة والفاسدين، المتَّحدين، الذين اجتمعوا في شرم الشيخ
لا للدعم الإمبريالي للهجمة الرجعية العسكرية الجديدة
لا للحرب الأهلية… نعم لحق شعب اليمن في تقرير مصيره بنفسه
نعم لكل أشكال المساعدة في انبعاث السيرورة الثورية للجماهير اليمنية
نعم لوحدة جماهير المنطقة العربية، الكادحة، من كل القوميات والمذاهب.
—
المنظمات الموقعة:
الاشتراكيون الثوريون (مصر) – تيار اليسار الثوري (سوريا) – اتحاد الشيوعيين في العراق – تيار المناضل-ة (المغرب) – المنتدى الاشتراكي (لبنان) – رابطة اليسار العمالي (تونس)
اقرأ أيضا