أقانوانين- إملشيل: السكان مصرون على الاعتصام والسلطة تُعد للقمع
بقلم: المراسل
لا يزال معتصم سكان قرية أقانوانين- تغيغاشت مستمرا. تشهد الأحداث تطورا مع تدخل الدولة لحماية مصالح الشركة، عبر استدعاءات الدرك الملكي لمناضلين معتصِمين. يوم 10 يوليو وبعد الإستنطاق، أحال الدرك الملكي ملفات 14 من مواطني البلدة على النيابة العامة.
الآليات القانونية: محاولة لتفكيك لحمة المعتصمين الجماعية
حسب إفادة أحد مناضلي القرية، أخبر الدرك الملكي هؤلاء المناضلين بأن الشركة اتهمتهم بعرقلة الأشغال، وجرى استفسارهم عن أسباب تواجدهم في المعتصم: “هل لديكم أرض محفَّظة؟ وما وجه الضرر الذي تُلحقُه بكم أشغال الشركة؟”.
هكذا تعول السلطة على تفكيك لحمة المعتصمين عبر آلية التركيز على المصالح الفردية، كآلية لتوجيه السكان عبر القنوات القانونية لتحصيل حقوقهم بدل اللجوء إلى النضال الجماعي والمنظَّم. لكن القانون إلى جانب الشركة ولن يكون قط إلى جانب حقوق السكان.
ينظم النشاطَ المنجمي “القانونُ رقم 33.13 المتعلق بالمناجم” الصادر بتاريخ 1 يوليوز 2015. وبنوده واضحة في ما يخص أسبقية الاستثمار ومصالح الشركات على حساب المجتمعات المحلية وأصحاب الأرض (الجماعات السلالية والملاَّك الأفراد)، كما يظهر في المادة 69:
“تأذن الإدارة لصاحب رخصة البحث أو رخصة الاستغلال في حالة عدم حصول اتفاق بينه وبين مالك الأرض في أن يحتل مؤقتا الأرض الواقعة داخل المحيط المعني وعند الاقتضاء، خارجه إذا كانت ضرورية للنشاط المنجمي”.
تنظم بنود القانون آليات حصول أصحاب الحق على تعويض من استثمار مفروض بالقانون وقوة الأمر الواقع، وحتى في حالة عدم الاتفاق على مبلغ التعويض، فإن هذا القانون يمنح للمحكمة صلاحية تحديده، و”ينفَّذ قرار المحكمة رغم كل طرق الطعن”، وبعد ذلك تسمح المادة 69 من القانون “لصاحب رخصة البحث أو رخصة استغلال المناجم، باحتلال الأرض، بمجرد إيداع مبلغ التعويض المحدد من اللجنة الإقليمية لدى كتابة الضبط بالمحكمة المختصة”.
خدعة الحوار
إلى جانب ممثلي السلطات وقوى القمع، هناك دائما مُترجِمين للشركة، اللَّذين أخبرا السكان بأن مسؤول الشركة غير متواجد وبالتالي يتعذر إجراء حوار. لكن يجب استئناف الأشغال وبأن السلطات قد جاءها الإذن بفض المعتصم.
من جهتها، طالبت السلطات بوقف المعتصم والسماح باستئناف الأشغال كشرط لإجراء أي حوار، لكن السكان عكسوا الشرط وطالبوا بحوار يفضي إلى حلول والاتفاق مع الشركة على التزامات موثَّقة، وآنذاك يمكن رفع المعتصم والسماح للشركة باستئناف أشغالها.
الدولة حريصة على دوران عجلة الإنتاج لأنها شرط تدفق الأرباح، والسكان حريصون على ضمان حقوقهم أولا، فحياتهم المرتبطة بالأرض والزراعة المعيشية المهدَّدتين بأشغال الشركة. وبين هذين الحرصين يكون النصر لمن يُعد قوة انتزاعه. لذلك تستعد الدولة بعد نفاد مفعول مناورات الحوار والآليات القانونية للتدخل لفض المعتصم بالعنف.
الإعدادُ للقمع
لا تنفَّذُ نصوص القانون من تلقاء ذاتها. فهي دائما بحاجة إلى قوة مادية: فصائل القمع من درك ملكي وقوات مساعدة وتدخل سريع. ليس هذه الفصائل “قوات عمومية” بل فصائل مسخَّرة دائما لحماية مصالح الرأسماليين وكبار المُلاَّك وقمع الشغيلة وصغار المنتجين- ات؟ لا تنحاز الدولة إلى جانب الرأسماليين وشركاتهم، فهي أداتهم في مواجهة نضالات الكادحين- ات.
إِثرَ إصرار السكان على الاعتصام. ليلة 11/ 12 يوليو قَدِم رئيس الدائرة والدرك الملكي وتعزيزات من القوات المساعدة ومُترجِمين من الشركة للنقاش مع السكان، وأخبروهم بوجود إذن بالتدخل لفض المعتصم بالقوة في حالة رفض السكان الانسحاب منه. استمر السكان في المعتصم حتى منتصف الليل وانسحبوا من جوار الآلات ليعودوا إليه في الصباح. وطيلة المعتصم كان هناك تواجد لقوى القمع (الدرك الملكي والقوات المساعدة)، جرى تعزيزها ليلة 11/ 12 يوليو.
رهان الدولة
تَعتبر الدولةُ الاستثمارَ الخاص (خاصة الأجنبي) أساس التنمية وخلق الثروة. وقد دبجت ذلك في تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد، الذي رهَن خلق الثروة تلك بقول: “يتحتم الاستغلال المكثَّف لعدة مصادر هامة أساسية لخلق الثروة، والمتمثلة في: رأسمال طبيعي هام يحتاج إلى تطوير أكبر”.
ولتشجيع الاستثمار الأجنبي على القدوم فإن الدولة تلوِّح بصورة البلد الذي يعيش “استقرارا سياسيا” و”سلما اجتماعيا”، استقرار أشاد به رئيس المحكمة العليا الشعبية بجمهورية الصين الشعبية السيد ZHOU Qiang في زيارة للمغرب سنة 2018 1. وهذان المفهومان لا يعنيان سوى قدرة الدولة على كبح النضال وقمعه إذا انطلق، من أجل توفير ما تُطلِق عليه “مناخا ملائما الاستثمار”، وهو مفادُ ما صرَّح به رئيس مجلس المستشارين (حكيم بنشماس)، أثناء زيارة عمل قام بها إلى الصين سنة 2017، بقول: “المغرب يتمتع بالاستقرار في محيط مضطرب… والفرص المغرية والإمكانيات المتاحة أمام المقاولات الصينية العملاقة للاستثمار ببلادنا في كافة القطاعات، في ظل مناخ اقتصادي ايجابي بامتياز” 2. والاستقرار المقصود هنا هو قدرة الدولة (لحدود الساعة) على قمع النضالات التي تعيق تدفق الأرباح إلى حسابات الشركات الأجنبية والمحلية.
يشكل معتصم ونضال سكان أقانوانين- تغيغاشت ضربا لتلك الصورة المطمئِنة للشركات التي تروجها الدولة وبالتالي تحديا مباشرا لها، لذلك لن تألُ هذه الأخيرة جهدا لتفكيك التعبئة الجارية حاليا في القريتين، من أجل ضمان “الاستغلال المكثَّف لرأسمالها الطبيعي”؛ أي الأرض وما تحتويه من خيرات.
التضامن الواجب
المعتصم مستمِر 3، لكن حسب معطيات من عين المكان، فظرفية صموده غير ملائمة، إذ يتزامن مع وقت الحصاد وجمع المحصول السنوي، وهناك نقاش لرفعه لمدة ثلاثة أيام، وهو ما قد يساعد مناورات الدولة لتفكيكه. لذلك يبادر السكان إلى تنظيم أشكال احتجاجية، وضمنها مسيرة تقدمتها نساء تغيغاشت يوم 11 يوليو صوب مركز إملشيل. ويحتاج الأمر إلى تنظيم تضامن يتعدى النطاق المحلي والإقليمي لإسناد نضال سكان القريتين (أقانوانين وتغيغاشت)، على غرار ما كان مع معتصم إيميضر.
ولتفادي تكرار ما جرى لمعتصم إيميضر المديد، علينا تفادي نقاط ضعفه: اعتصام في الخلاء مع محدودية القدرة على الاستمرار في سياق انشغال السكان بأعمال الأرض (الحصاد والإعداد لموسم الحرث).
ستُقدِّم الدولة- على جري عادتها- وعودا بالتنمية المحلية (تشييد الطرق وغيرها من البنيات التحتية الأساسية) وإعانات للسكان، وحفز الشركة على الاهتمام بـ”المسؤولية الاجتماعية”، أي تخصيص فتات من أرباحها لمساعدة قسم ضئيل من السكان الأفقر حالا، لكنه فتات لن يعوض تخريب المجال الذي شكَّل مورد عيش مستمر ومستدَام للسكان طيلة قرون… وعندما تغادر الشركة ستترك الأرض يبابا.
لا مخرج الا بحركة تضامن ممتدة جغرافيا وتخترق مناطق منجمية عدة. هذه مسؤولية ومهمة تتعدى قدرة سكان القريتين. إنها مسؤولية ومهام قوى النضال من يسار وجمعيات حقوقية ونقابات.
لنهب إلى نصرة نضال أقانوانين- تغيغاشت، ولتكن البداية بكسر الطوق الإعلامي الذي يخنقها حاليا.
……..
1- https://dev.chambredesconseillers.xyz/ar/بلاغ-حول-استقبال-رئيس-المحكمة-العليا-الشعبية-بجمهورية-الصين-الشعبية.
2- https://dev.chambredesconseillers.xyz/ar/
3 رئيس-مجلس-المستشارين-يلتقي-رئيس-اللجنة-الوطنية-للمؤتمر-الاستشاري-السياسي-للشعب-الصيني.
– كُتب المقال قبل ورود مستجدات بتعليق السكان للمعتصم، بعد قدوم مفوض قضائي عينه السكان لمعاينة الأضرار الحالية والمحتمَلة. وبعد نقاش ووعد ممثلي الشركة على أساس عقد حوار يوم الاثنين المقبل، على أساس استئناف المعتصم في حالة غياب أي حلول واستجابة لمطالبهم. يفرض هذا المستجد صياغة بلاغ بتعليق المعتصم، يتضمن وعود الشركة… وفي نفس الوقت يجب ألا تتوقف التعبئة في صفوف السكان، وأيضا الاتصال بالداوير الأخرىلتعبئتها، فاستئناف المعتصم- وهو امر حتمي إذ لن تلتزم الشركة بشيء- يستدعي الإعداد له في أيام “الهدنة”، التي يجب ايضا استغلالها للاتصال بالجمعيات الحقوقية والاطارات الأخرى لوضعها في الصورة، وحفزها للانخراط في النضال والتضامن. اسوء ما يمكن أن يقع حاليا هو الاطمئنان إلى أن المشكل متجه نحو الحل، بل قد تلجأ السلطة لاستغلال فترة الهدنة لتوسيع لائحة المشمولين بالاستدعاءات والتحقيق.
اقرأ أيضا