السودان: عام من الحرب العبثية والعنف الشديد ضد السكان في السودان
صدفة* 22 مايو 2024
اندلعت الحرب في السودان يوم 15 أبريل/نيسان من العام الماضي ولا تزال تعصف بالبلاد حتى يومنا هذا. في هذه «الذكرى السنوية» الحزينة، نلقي نظرة على العام الماضي. رغم الصدمات والأهوال التي يواجهها الشعب السوداني بشكل يومي، إلا أنه يواصل التعبئة مطالبا بإنهاء القتال والعودة إلى انتقال ديمقراطي.
***
عودة إلى أبريل 2023: وضع هشّ
في أعقاب انقلاب الجنرال البرهان في أكتوبر 2021 على المكون المدني في الحكومة الانتقالية، والذي كان يهدف إلى السماح بإدخال الديمقراطية التي نادى بها الشعب السوداني خلال الثورة، واصل الشعب السوداني التظاهر رفضًا للانقلاب بواسطة المظاهرات والإضرابات والاحتجاجات. في أبريل 2023، وتحت الضغط والعزلة المتزايدة، أعاد الفريق أول البرهان (قائد الجيش السوداني) فتح النقاشات حول الانتقال المدني.
وكان الهدف هو التوصل إلى اتفاق لكسر الجمود. لكن هذه المناقشات–التي ركزت بشكل خاص على إصلاح المؤسسة العسكرية والجدول الزمني لهذا الإصلاح–أشعلت التوترات بين البرهان وحليفه محمد حمدان دقلو (المعروف باسم ”حميدتي“)، قائد ميليشيا ”قوات الدعم السريع“. دعا الثوار المدنيون إلى حل جميع الميليشيات وتشكيل جيش واحد موحد منفصل عن السلطة السياسية. لكن قوات الدعم السريع–التي كانت قد أصبحت قوية مثل الجيش نفسه–لم يكن لديها مصلحة في أن يجري حلها ودمجها في الجيش.
ازداد التوتر بين البرهان وحميدتي بشكل حاد. وبالتوازي مع قيامه بزيارة استراتيجية إلى الإمارات العربية المتحدة، التي تدعمه، بدأ حميدتي في نشر جنوده في مواقع استراتيجية مختلفة، بما في ذلك مروي، حيث يقع المطار العسكري للجيش السوداني.
15 أبريل، اليوم الذي تداعى فيه كل شيء
كان من المفترض أن يكون يوم احتفال بالعيد. ولكن في ذلك الصباح، استيقظ سكان الخرطوم على أصوات إطلاق النار والانفجارات. كانت الحرب قد اندلعت للتو بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. من أطلق الطلقة الأولى؟ ما زلنا لا نعرف. لأول مرة في تاريخ السودان تندلع الحرب في العاصمة، بالقرب من القصر الرئاسي. ذُهل الناس. ظنًا منهم أن القتال لن يدوم سوى ساعات قليلة، غادر العديد من الناس منازلهم، متخيلين أنهم سيعودون في مساء اليوم نفسه. لكنهم لم يعودوا أبدًا.
استمرت الصدمة في الأيام التالية. وتركز اهتمام المجتمع الدولي (الولايات المتحدة والدول الأوروبية ودول الخليج) بشكل رئيسي على إجلاء رعاياها. واعتبر السكان السودانيون مغادرة الأجانب من هذه الدول بمثابة تخلي المجتمع الدولي عنهم. تُرك السودانيون والأجانب من الجنسيات الأخرى الذين لم يتم إجلاؤهم (خاصة الأفارقة) ليدافعوا عن أنفسهم في خضم القتال.
بين المجازر المتكررة ومحاولات التفاوض: ملخص عام من الحرب
لأكثر من ثلاثة أسابيع، تعرضت العاصمة وعدة بلدات في دارفور (نيالا والفاشر) وكردفان (الأبيض) لقتال متواصل بين قصف الجيش ونيران قوات الدعم السريع. وقد سارع السكان إلى الإبلاغ على شبكات التواصل الاجتماعي عن عمليات السطو والسرقة والاغتصاب التي قام بها جنود قوات الدعم السريع والجيش. استمر السودانيون في مغادرة منازلهم بشكل جماعي متجهين من العاصمة إلى الأقاليم (واد مدني والجزيرة وبورتسودان)، وكذلك إلى مصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان.
في مايو 2023، عُقدت مفاوضات في جدة بوساطة الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وكان الهدف هو جمع الجنرالين إلى طاولة المفاوضات. لكن هذه المبادرة كان مصيرها الفشل: في الوقت نفسه، بدأت قوات الدعم السريع مذبحة (وُصفت بالإبادة الجماعية) في الجنينة، وهي بلدة حدودية مع تشاد في غرب دارفور[1].
مذبحة الجنينة هي استمرار لتاريخ الإبادة الجماعية في دارفور التي وقعت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدعم من جيش عمر البشير وحكومته. يشير مصعب، وهو ناشط سوداني في المنفى، بأصابع الاتهام إلى المسؤولية المزدوجة لقوات الدعم السريع والجيش في هذه المجازر:
”العسكر مسؤولون عن كل ما يحدث، حتى أثناء الإبادة الجماعية في دارفور عام 2003، كانوا شهودًا على المذبحة. يسمح وجود الميليشيات للجيش السوداني بإلقاء المسؤولية عليها. من المفترض أن يكون الجيش هو أول من يتجنب الدخول في حرب، ولكن في السودان يحدث العكس.
في ديسمبر 2023، سقطت بلدة واد مدني في أيدي قوات الدعم السريع، بعد أن تخلى الجيش مرة أخرى عن السكان المحليين. استمر الدمار والقصف والسرقة والنهب في جميع أنحاء البلاد، وانتشر تدريجياً من دارفور والعاصمة إلى الوسط والشرق.
في يناير 2024، وقع تجمع ”التقدم“–المكون من عدة أحزاب سياسية–اتفاقًا مع قوات الدعم السريع في أديس أبابا، تعهدت فيه قوات الدعم السريع بضمان الانتقال المدني والديمقراطي في حال انتصارها في الحرب. هذا الاتفاق–الذي وقعه عبد الله حمدوك (رئيس الوزراء السابق في الفترة الانتقالية)–لاقى اعتراضًا واسعًا واستهجانًا من الشعب السوداني الذي يعتبر أنه لا يمكن التوصل إلى تسوية مع قوات الدعم السريع.
وفي حين أن هذا الاتفاق جاء في وقت كانت فيه قوات الدعم السريع تتفوق على الجيش، إلا أنه كان أيضًا جزءًا من ”التطبيع الدبلوماسي“ للعلاقات مع قوات الدعم السريع. في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2024، قام حميدتي بسلسلة من الزيارات الرسمية إلى دول الجوار، حيث تم استقباله كحليف دبلوماسي. ولكن في الآونة الأخيرة، انتصر الجيش السوداني–بفضل الطائرات الإيرانية بدون طيار–في عدة معارك كبيرة مع قوات الدعم السريع. وحتى يومنا هذا، لا تزال نتيجة الحرب غير مؤكدة إلى حد كبير.
حرب يصعب فهمها
الأسباب الكامنة وراء هذه الحرب غامضة ومحل جدل بين السودانيين، كما تشير خنساء، وهي ناشطة سودانية في المنفى، إلى أن الأسباب الكامنة وراء هذه الحرب غامضة ومحل جدل بين السودانيين:
”لا يوجد تحليل واحد متعمق للوضع الحالي في السودان، وهذا ما يجعلنا في حيرة من أمرنا. هناك أناس يؤيدون الحرب، ويريدون أن يسحق الجيش قوات الدعم السريع مهما كانت الظروف، ولكن هناك أيضًا أناس يرون أن قوات الدعم السريع حليف سياسي، أو آخرين لهم مصلحة في الحرب. وهناك أناس يقولون ”لا للحرب“، ويعتقدون أنها أسوأ ما يمكن أن يحدث. ومع كل هذا الكلام، لا يمكننا أن نجد الاتجاه الصحيح أو الأدوات المناسبة لنكون أكثر فعالية. لأن هناك نقص في التحليل وليس لدينا بوصلة.
يعتقد البعض أنها حرب سلطة بين رجلين، لمجرد مصالحهما الشخصية. بالنسبة لخالد -وهو ناشط سوداني في المنفى- يمكن تحليل الحرب من وجهة نظر نسوية، على أنها ”تنافس على الفحولة بين جنرالين يأخذان الشعب السوداني رهينة“. وترى أخريات أنها ”حرب بين مجموعات اجتماعية وثقافية مختلفة في المجتمع“، مع بعد عنصري يؤدي إلى إبادة جماعية. ويرى آخرون أنها حرب ”إمبريالية“، حيث أن كلا المجموعتين المتقاتلتين مدعومتان من قبل قوى أجنبية مختلفة تطمع في السودان لموارده الطبيعية وموقعه الاستراتيجي. وترى الخنساء أن ”الحرب هي مرحلة عنيفة جداً تترجم حقيقة أن هناك تنظيمات مسلحة تحاول الاستئثار بثروات البلاد وسلطتها بقوة السلاح وبأي وسيلة كانت“.
ولكن بالنسبة للكثيرين، هي قبل كل شيء حرب ”مضادة للثورة“. فقد قضت على آمال الثورة المدنية والديمقراطية من خلال وضع البلاد في حالة من النار والدم. ودفعت العديد من نشطاء الثورة الملتزمين إلى المنفى. وبزعزعة استقرار البلاد بالكامل، سمحت هذه الحرب لقادة النظام السابق بالبقاء في السلطة دون محاكمة على الجرائم التي ارتكبوها على مدى عقود (خلال الديكتاتورية العسكرية ثم الانقلاب).
التعبئة والمقاومة
على الرغم من الألم والغضب الهائلين، لم يقل السودانيون كلمتهم الأخيرة ولا تزال شعلة المقاومة مشتعلة. ولا تزال التعبئة نشطة في البلاد (انظر مقالنا السابق). كثف المجتمع المدني جهوده للدعوة إلى إنهاء الحرب. في نوفمبر 2023، نشرت لجان المقاومة (منظمات المجتمع المدني التي تدار ذاتيًا في الأحياء والتي تقود حركة الاحتجاج منذ عام 2018) بيانًا يتضمن مقترحات ملموسة لإنهاء الحرب[2]، وإصلاح القوات المسلحة السودانية، وتشكيل حكومة مدنية وتحقيق العدالة لجميع ضحايا الحرب. وتعمل العديد من المبادرات المحلية على بناء التضامن في مختلف الأحياء، على الرغم من الوضع الإنساني الكارثي.
كما تتواصل المقاومة أيضاً في الشتات السوداني في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أن الحرب لها تأثير كبير على السودانيين في الخارج (انظر مقالنا السابق). تشير رشيدة–وهي ناشطة سودانية في المنفى–إلى وجود فرق بين فترة ما بعد الثورة والوضع اليوم:
”خرج الناس بشكل جماعي بعد الانقلاب، لأنه كان هناك أمل. لكن الآن لا يوجد الكثير منا في المظاهرات. إنها الحرب، ولا يوجد أمل، نحن ضائعون. المظاهرات محزنة، لأنه لا يوجد أحد لم يتأثر بشكل مباشر بهذه الحرب.
ومع ذلك، فهي تواصل التعبئة إيمانًا منها بأن ”هذا أقل ما يمكنني فعله“ لدعم بلدها من فرنسا، وأنه ”يجب ألا نستسلم“.
في باريس، تظاهر ناشطون في ساحة الجمهورية ضد الحرب، وأسمع آخرون أصواتهم من خلال تعطيل ”المؤتمر حول الأزمة الإنسانية في السودان“ الذي نظمته القوى الدولية التي اتهمها العديد من الناشطين السودانيين بالسعي إلى تطبيع العلاقات الدولية مع قوات الدعم السريع والسير ضد إرادة الشعب السوداني. خرجت مظاهرات أمس في باريس ولندن وبوسطن ونيويورك وأوسلو وواسينغتون وفوينيو وكارديف في إطار ”المسيرة العالمية من أجل السودان“، للمطالبة بوقف الحرب فوراً.
*صدفة هي مدونة فرنسية سودانية أنشأها مجموعة من الأصدقاء والناشطين الفرنسيين والسودانيين. هدفها مشاركة أو ترجمة المقالات التي كتبها سودانيون، أو شارك في كتابتها سودانيون وفرنسيون، حول الأخبار السياسية والاجتماعية والثقافية وتاريخ السودان والجالية السودانية في فرنسا. وهي المدونة https://blogs.mediapart.fr/sudfa، التي أُخذ منها هذا المقال
احالات:[1] يحاول الصحفيون السودانيون وهيئات التحقيق اليوم فهم ما حدث في الجنينة خلال الأشهر القليلة الماضية وتقدير عدد القتلى: بعض الدراسات تقدر عدد القتلى في البلدة وحدها بما يتراوح بين 10,000 و15,000 قتيل، وهو ما يساوي العدد الإجمالي للقتلى في البلاد ككل، وفقاً للأمم المتحدة.[2] سيتم ترجمة بيان لجان المقاومة بعد قليل على موقع صدفة.
اقرأ أيضا