الإضرابات الجارية بقطاع الصحة: فرصة أخرى لتقويم النضال النقابي بالقطاع

بقلم، ع. أ. طنجة01 يونيو 2024

السياق العام للإضرابات

كان للحراك التعليمي دور أساسي في انطلاق النقاش في قواعد الشغيلة الصحية حول مصيرهم في ظل الترسانة القانونية الجديدة التي تعمل من خلالها الوزارة على إدخال تغيير جذري على المنظومة الصحية وعلى رأسها القانون الإطار  06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية و القانون 09.22 المتعلق بالوظيفة الصحية.

يعاني شغيلة القطاع الصحي من فرط الاستغلال وتدهور شروط العمل وتدهور الأجور، وانتشار العمل بالعقدة في القطاع و شركات المناولة التي تقدم الخدمات غير العلاجية، وهي شركات تمثل مرتعا خصبا لكل أنواع الاستغلال والهشاشة في العمل وبؤس الأجور والتغطية الصحية. علما أن شغيلة الصحة أُخرِجوا من تحت غطاء النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية منذ ماي 2021.

حفز الحراك التعليمي الكبير نقاشا داخل شغيلة الصحة،حيث انتبهوا إلى المكيدة التي تعرضوا لها من قِبل أطراف السلم الاجتماعي في القطاع، المتمثلة في إخراجهم الكلي من الوظيفة العمومية، حيث تعاظم السخط في صفوف الشغيلة الرافضين لذلك، وأسسوا تنسيقيات وطنية. في هذا السياق جاءت دعوات نقابية لضرورة تحسين الأوضاع المادية قبل تنزيل القوانين الجديدة، (مراسلة 10 دجنبر 2023 للوزارة الصادرة عن النقابة الوطنية للصحة/كدش، ومراسلة النقابة المستقلة للممرضين 11 دجنبر 2023…).

هكذا انطلق حوار قطاعي في شهر دجنبر تُوج بالتوقيع على اتفاق عام أولي يوم 29 دجنبر 2023. رُفعت محاضر الاتفاق إلى رئاسة الحكومة وانتظار موافقتها، لكن رد هاته الاخيرة، الذي جاء بعد نهاية معركة الشغيلة التعليمية،  كان مخيبا للآمال  أواخر يناير 2024 . لقد اتضح للجميع أن هدف هذه المفاوضات بالنسبة للحكومة كان هو ربح الوقت والعمل على تفادي أي تلاقٍبين نضالات الشغيلة التعليمية والصحية مما قد يفجر نضالا شاملا وسط شغيلة الوظيفة العمومية. هكذا بقيت وعود 29 دجنبر حبرا على ورق.

إضرابات من أجل فرض مطالب الشغيلة

كان جواب الحكومة على المطالب ذات الكلفة المالية المباشرة يوم 16 يناير 2024 هزيلا، وهو جواب رفضه الشغيلة، والنقابات ليُعلَن عن إضراب وطني يوم 24 يناير 2024 سارعت الوزارة باحتوائه بتوقيع محضر اجتماع مع القيادات النقابية يوم 23 يناير 2024، نتج عن ذلك تعليق كل الأشكال النضالية.

غير أن  الحكومة تنصلت من تنفيذ بنود اتفاق 23 يناير 2024 الهزيل أصلا، هذا ما دفع النقابات في شهر فبراير للإعلان عن برامج نضالية كل نقابة على حدة. نُفِّذإضراب يوم 29 فبراير2024، دون أن تبد الحكومة رغبة في تقديم أي تنازل، وأظهرت عزمها على المضي قدما في تفكيك ما بقي من مكاسب شغيلة الصحة والمضي قدما في إخضاع المستشفيات العمومية لعملية بيع مموهة بغطاء التمويلات البديلة وهي خطوة متقدمة لخوصصتها.

وضع تعنت الحكومة وانكشاف مناوراتها القيادات النقابية وعموم الشغيلة على المحك، هكذا جاءت الدعوة للإضراب لمدة يومين، 6 و7 مارس 2024، بكل المؤسسات الصحية الاستشفائية الوقائية والإدارية باستثناء المستعجلات والإنعاش، مصحوبة بوقفات احتجاجية إقليمية أو جهوية.

أمام مناورات الحكومة وتجاهلها، وجد شغيلة الصحة أنفسهم أمام خيار وحيد هو التوجه للنضال،فنُفذتإضرابات بالقطاع يومي 20 و21 وأيام 26 و27 و28 مارس 2024. كما عرف مطلع شهر أبريل إضرابا يومي 3 و4 منه.

انبثاق التنسيق النقابي: عود على بدء

بعد تأكد الجميع من التجاهل الحكومي واستمرار الوزارة في خطواتها المعادية للشغيلة انبثق تنسيق نقابي بقطاع الصحة، الهدف منه هو توحيد جهود الشغيلة لفرض مطالبهم، هكذا أعلن التنسيق النقابي في شهر أبريل عن برنامج نضالي موحد وبملف مطلبي موحد.

يتكون التنسيق النقابي من ثماني نقابات وهي النقابة الوطنية للصحة / كدش والجامعة الوطنية للصحة/ امش والنقابة الوطنية للصحة العمومية / فدش والجامعة الوطنية للصحة / اعشم والجامعة الوطنية لقطاع الصحة/ اوشم والنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام والمنظمة الديمقراطية للصحة والنقابة المستقلة للممرضين. ينقسم الملف المطلبي إلى محورين:

  • يتعلق المحور الأول بالوضعية القانونية لشغيلة قطاع الصحة، ويشمل على المطالب التالية:
  • الحفاظ على صفة الموظف العمومي؛
  • تدبير المناصب المالية وأداء الأجور للموظفين من الخزينة العامة؛
  • الحفاظ على النظام التأديبي المعمول به في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
  • بينما يتعلق المحور الثاني بالمطالب المتعلقة بالأجور ويشمل على المطالب التالية:
  • إقرار زيادة عامة في الأجور في الأجر الثابت قيمتها 1500 درهم صافية لفائدة هيئة الممرضين وتقنيي الصحة والممرضين المساعدين والإعداديين؛
  • إقرار زيادة صافية قدرها 1200 درهم صافية لفائدة المساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين وتقنيي الإسعاف والمتصرفين والمهندسين؛
  • تحسين شروط الترقي وإحداث الدرجة الجديدة للجميع.

برنامج نضالي وحدوي: عمل طويل وشاق ينتظر التنسيق النقابيإذاكانت وجهته الدفاع عن علة وجود النقابة

انطلق البرنامج النضالي بإضراب ليومين 24 و25 أبريل 2024 بعد ذلك إضراب يومي 7 و8 ماي مصحوبا بوقفات احتجاجية إقليمية وجهوية يوم 9 ماي. في ظل تجاهل حكومي وتنصل من الوعود، خيضإضراب وطني بالقطاع يومي 22 و23 ماي 2024 مصحوبا بوقفة وطنية أمام البرلمان بالرباط في اليوم الثاني من الإضراب.انطلقت الوقفة الوطنية على الساعة الحادية عشرة صباحا عرفت مشاركة قرابة 4000 مشارك ومشاركة من مختلف المناطق ومن كافة المكونات الشغيلة الصحية، علما أن عدد المشتغلين بالقطاع يقدر بحوالي 70000.

كان الحضور دون المتوقع ولكن هو في الحقيقة نتيجة ضعف الإعداد، في غالب الأحيان اقتصر التواصل مع الشغيلة على وسائل التواصل الالكتروني. كما كان هناك غياب للتنسيق النقابي على مستوى عدد من الأقاليم ، وبالمؤسسات الصحية. إن أحد شروط قوة التنسيق الوطني يكمن في بنائه من أسفل، من المؤسسات الصحية إدارية واستشفائية، وهو أمر غير موجود لحد الان،إن ذلك البناءسيجعله أكثر تجذرا وسيضمن مشاركة أغلب شغيلة القطاع في بناء البرامج النضالية وتنفيذها.وتشكل الجموع العامة بالمدارس، طيلة حراك نهاية سنة 2023، والتي انتهت بتأسيس التنسيقية الموحدة بقطاع التعليم نموذجا لما يجب القيام به في قطاع الصحة، مع الحرص على تفادي ما انتهت إليه تلك التنسيقية من إعادة إنتاج نفس أساليب التحكم في القرار وإعدام النقاش الديمقراطي؟

في غياب ذلك، فقد تتأثر برامج النضال وتظهر بمظهر ضعيف. فالوقفة الممركزة، على سبيل المثال، لم تكن موحدة وطغت عليها المجموعات المتفرقة والشعارات غير الموحدة، وقد أسهم العديد من  المناضلين- ات من خلال تناثرهم- هن علىالجنبات في اتخاذها طابعا غير حماسي . لكن هذا أمر قابل للتدارك في القادم من النضالات، إذا ما جرى الاسترشاد بتجارب البناء الوحدوي من أسفل.

بعد وقفة الرباط أعلن التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة يوم 26 ماي 2024، عن برنامج نضالي يمتد على خمسة أسابيع يتضمن ثلاث أيام من الإضراب موزعة على الشكل التالي 28 و29 و30 ماي وأيام 4 و5 و6  و11 و12 و13  و25 و26 و27 يونيو 2024. أيام الإضراب هذه ستكون مصحوبة بوقفات احتجاجية  إقليمية أو جهوية. زد على ذلك ستُبرمَج مسيرة بالرباط بعد عيد الأضحى، ودعا بيان التنسيق النقابي لمقاطعة تقارير البرامج الصحية والحملات والاجتماعات مع الإدارة إلا ذات الطابع الاستعجالي خلال مدة البرنامج النضالي.

تحديات تواجه إنجاح الإضراب وجعله أكثر تأثيرا بقطاع الصحة

  • في المستشفيات أغلب المصالح تشتغل بنظام الحراسة وبالتالي فهي غير معنية بالإضراب، ونفس الأمر بالنسبة لأقسام المستعجلات والإنعاش والولادة.
  • يؤدي الإضراب في المراكز الصحية إلى تراكم العمل ولا يخلق حدثا وتأثيره محدود على الوزارة بمحدودية مدته.
  • يُضعف وجود المتعاقدين وعملهم يوم الإضرابالمضربين والمضربات، يُعزى هذا بالأساس لعدم وجود مطالب خاصة بهم. يؤدي هذا الأمر في العديد من المؤسسات الصحية لتكسير الاضراب خاصة في مصلحة تدبير الدخول والفوترة.
  • غياب مطالب تخص الشغيلة التي تشتغل مع المقاولات من الباطن والتي تقدم الخدمات غير العلاجية، مما يجعلهم بعيدين عن الإضراب ويتم استعمالهم ككاسرين له.
  • عدم وضع النضال ضد بيع المؤسسات الصحية العمومية في مقدمة المطالب على اعتبار ذلك مقدمة للتخلص من شغيلة القطاع لفائدة القطاع الخاص من خلال الشراكة قطاع عام قطاع خاص. وهو ما يفقد الإضراب عمقه الشعبي المدافع عن صحة عمومية مجانية وجيدة.
  • عدم إدراج الهجوم على أنظمة التقاعد والحريات النقابية وقانون الشغل في مطالب الإضراب، وهو ما يفقد الشغيلة فرصة نضالية هامة لعرض المطالب والدعاوة للنضال ضد التراجعات.
  • عدم رفع مطالب خاصة بالنساء العاملات في القطاع.

هذه النقط  وغيرها كانت مثار نقاشبين العديد من الموظفات والموظفين وفي العديد من الحلقات التي عرفتها الوقفة الوطنية بالرباط، فالنقاش والتداول في معيقات النضال والاستفادة من التجارب النضالية الناجحة والفاشلة وطنيا وفي بلدان أخرى لا غنى عنه لمواجهة التحديات التي تفرضها سياسة صحية مملاة من طرف المؤسسات المالية الدولية وموجهة لخدمة أرباب العمل وكبار المقاولات الرأسمالية المحلية والأجنبية.

من أجل تقويم العمل النقابي بقطاع الصحة: لا لسياسات الشراكة الاجتماعية

ما جرى في قطاع الصحة وفي قطاع التعليم، يسائل السياسة المتبعة من طرف القيادات النقابية: سياسة الشراكة الاجتماعية القائمة أساسا على وضع كل ممكنات النضال في خدمة استمرار الشراكة بين النقابة والدولة. لقد أثمرت تلك الشراكة التي ترجمت في الصحة في مسلسل “حوار” طويل على أرضية الاتفاق على جوهر هجوم الدولة: الوظيفة الصحية، والجهوية، والسعي لنيل مكاسب أجرية بالمقابل. إنه نفس سيناريو اللجنة التقنية لإعداد النظام الأساسي لشغيلة التعليم الذي أثمر علقما سماه الشغيلة عن حق “نظام المآسي” وانتفضت ضده وضد المشاركين في وضعه ونقاشه.

إن سير الدولة نحو تفتيت وتفكيك القطاع الصحي واضح، وكل نضال من أجل تحسين فعلي لوضع الشغيلة لابد ان يكون نضالا ضد سياسات التفكيك تلك، وهو الأمر الذي يستدعي إعادة توجيه عملنا النقابي وجهة أخرى: وجهة استجماع القوة النضالية وتحريرها من أوهام الشراكة الاجتماعية، والذهاب نحو بناء عناصر المواجهة التي تفضي للنصر: حياة نقابية داخلية نشطة، استعادة الشغيلة أمر نقاش وتقرير خطوات النضال وتنفيذها، وتوحيد من تحت للنضال على أرضية مطلبية واضحة: تدمج مطالب الزيادة في الأجور مع مطالب الوظيفة العمومية القارة والحريات النقابية والحماية الاجتماعية والتقاعد.

شارك المقالة

اقرأ أيضا