منطقة عربية فريسة للضواري الامبريالية

بقلم، أبناي

كشف الوضع في فلسطين المحتلة، من طرف الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، بعد السابع من أكتوبر 2023 للأعمى بأن دولة إسرائيل، مهما تعارضت مصالحها أحيانا مع مصالح الولايات المتحدة الامريكية، ما هي إلا قطعة من أسطول هذه الاخيرة الحربي، المخصص للهيمنة على المنطقة العربية منذ متم الحرب العالمية الإمبريالية الثانية.
بمساحة كلية تبلغ 13.2 مليون كم ²وعدد سكان يصل ل 447 مليون نسمة، تحتل المنطقة العربية حيزا محوريا من حيث الموقع الجغرافي، الذي يمتد على قارتين ويشرف على عدة مضايق وممرات بحرية لا غنى عنها للتجارة العالمية، ولتنقل الأساطيل الحربية للقوة الإمبريالية العالمية الأولى. كما تحوي أراضي هذه المنطقة ثروات معدنية وطاقية حيوية لاشتغال النظام الرأسمالي العالمي. تبلغ حصة المنطقة العربية من احتياطي النفط المؤكد إلى الاحتياطي العالمي نسبة 54.3 في المائة، أما حصتها من احتياطي الغاز الطبيعي إلى الاحتياطي العالمي فتصل إلى 26.3 في المائة. هذا ما يجعل المنطقة مثار أطماع استعمارية لدول متنوعة سواء تعلق الأمر بقوى دولية رأسمالية كبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الروسي والصين والاتحاد الأوروبي أو قوى إقليمية من قبيل تركيا وإيران.
منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، خبا كل تطلع تحرري من الهيمنة الإمبريالية الأوروبية والأمريكية من قبل البورجوازية في المنطقة العربية في جميع البلدان، وهو منحى تكرس مع نهاية الثمانينات من القرن العشرين، مع انهيار الاتحاد السوفيتي، مما جعل كل بورجوازية في كل بلد من بلدان المنطقة العربية تبحث لنفسها على انخراط تحت جناح إحدى الإمبرياليات الكبرى أو القوى الاقليمية على حساب مصالح شعوب المنطقة.
أدت هذه الهيمنة الإمبريالية على المنطقة في ظل وجود أنظمة ديكتاتورية بورجوازية تابعة، إلى التمرد الشعبي الكبير في المنطقة على موجتين، موجة 2011 بتونس ومصر وسوريا واليمن والمغرب وليبيا والبحرين وموجة 2019 بالعراق والجزائر والسودان ولبنان. هذه التمرد كان بنَفَسٍ معادي للهيمنة الإمبريالية وللتبعية الاقتصادية موضوعيا لكنه دون قيادة ثورية تترجم تلك التطلعات للقطيعة مع الإمبريالية والتحرر من سيطرتها.
هكذا سقطت هذه الثورات ضحية تعاون الدول الإمبريالية والبورجوازيات العربية الحاكمة، وخاصة تلك التي في الخليج العربي، وبين القوى السياسية البورجوازية ذات المسوح الليبرالية أو الدينية [ مع صراع بين قطبي الثورة المضادة كما هو الحاصل في سوريا ومصر وليبيا] من أجل خنق الثورة ومنع تجذرها. جرى الإجهاز على الثورات من طرف قوى الثورة المضادة من خلال إشعال الحروب الأهلية أو من خلال الانقلابات العسكرية والدستورية.
الصمت المطبق من طرف البورجوازية العربية على العربدة الإمبريالية والصهيونية في المنطقة العربية، يكشف مدى زيف الشعارات التي ترفعها هذه البورجوازيات العميلة. فالأحزاب البورجوازية الدينية أبانت عن إفلاسها التاريخي، أكانت تلك المنتمية للمنطقة العربية أو تلك التي تنتمي للدول الإسلامية، فعلاقة القرابة الإيديولوجية لم تمنع حزب عدالة وتنمية تركيا من أن يستمر ركنا أساسا في حلف الناتو ويستمر في علاقته مع العدو الصهيوني، فقد اكتفى اردوغان بالولولة، بدل الانسحاب من الناتو وقطع العلاقات مع دولة الصهاينة.
أما عدالة وتنمية المغرب ففي عهد توليه حكومة الواجهة تم أوسع تطبيع مع العدو الصهيوني. بينما من ممالك الخليج هناك من له علاقة دبلوماسية وعسكرية وأمنية وثيقة بالعدو الصهيوني، ومنها من يضمن سلامة حدود العدو الصهيوني منذ عقود على غرار نظامي السيسي بمصر والهاشمي بالأردن.
تخضع سوريا لاحتلال عسكري من طرف قوى متعددة أمريكية وروسية وإيرانية وتركية بينما تعيث المليشيا التابعة لإيران أو المتعاونة معها على أسس طائفية فسادا في العراق وفي لبنان وفي اليمن وهو ما يجعل شعوب هذه الدول تدفع ثمنا باهظا لطموحات البورجوازية الإيرانية الساعية لتوسيع دورها بالمنطقة في تحالف مع الإمبريالية الروسية والصينية. أما السودان فأُغرق في حرب أهلية جراء الصراع على موارده الفلاحية والمائية والمعدنية بين البورجوازية الخليجية وحلفائها الغربيين وتركيا وروسيا وحلفائها. بينما تحكم تركيا قبضتها على جزء من ليبيا بواسطة أتباعها هناك وتتدخل دول أروبية وروسيا في نفس البلد من خلال أذرعها وحلفائها.
زاد التدخل الإمبريالي من الأزمة الاجتماعية في المنطقة العربية، حيث يقع أكثر من ثلث سكان المنطقة تحت خط الفقر الوطني. بينما تشير إحصاءات برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة إلى ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 20 في المائة خلال الفترة 2019-2022 ليصل لأكثر من 41 مليون شخص في عام 2022. بينما بلغ متوسط معدل البطالة في الدول العربية عام 2022 بحوالي 10.7 في المائة، ما يعني أن عدد العاطلين عن العمل حوالي 15.2 مليون عاطلٍ. وهي أرقام لا تعبر عن الحقيقة الفعلية لواقع البطالة الجهنمي.
في حين عرف معدل التضخم ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة، لا سيما في البلدان التي شهدت تراجعا في قيمة العملة. وزاد تضخم أسعار المواد الغذائية على أساس سنوي في جميع بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقريبا. بينما زاد عدد اللاجئين داخل المنطقة وداخل نفس الدولة وإلى باقي دول العالم جراء البؤس والحروب الأهلية والتدخلات الأجنبية.
هذا ما يعني أن الطبقة العاملة في المنطقة العربية تعاني الأمرين، في ظل بطالة واسعة، وتفاقم أزمة القطاع الزراعي الناتجة عن الجفاف والنموذج الفلاحي التصديري. بلغت نسبة القوى العاملة من إجمالي السكان في المنطقة العربية 33 في المائة سنة 2021. علما أن نسبة القوة العاملة من مجموع السكان الأكثر من 15 سنة انتقلت من 47.8 في المائة سنة 2010 إلى 45.6 في المائة سنة 2021. تراجعت نسبة القوة العاملة في الفلاحة والصناعة. هكذا انتقلت النسبة المئوية للعمالة في الزراعة من 22.3 في المائة سنة 2010 إلى 17.7 في المائة سنة 2021. فيما يتعلق بالنسبة المئوية للعمالة في القطاع الصناعي فقد انتقلت من 24.9 إلى 24.5 في المائة بين عامي 2010 و2021 وامتص قطاع الخدمات النسبة المئوية الأكبر والتي بلغت 52.9 في المائة سنة 2010 وبلغت 57.8 في المائة عام 2021. مركزية الطبقة العاملة في الإنتاج بالمنطقة لا تنعكس في دور سياسي يناسب حجمها.
هكذا تظل الطبقة العاملة ضعيفة من خلال تنظيماتها النقابية والسياسية، فأغلب المنظمات النقابية في المنطقة ضعيفة التأثير وجزء منها مندمج كليا أو جزئيا في بنية الدولة البورجوازية التابعة، بينما تعاني العديد من بلدان المنطقة من حظر للعمل النقابي والسياسي للطبقة العاملة. ويعاني العمال المهاجرون في المنطقة العربية القادمون من خارجها بين بلدانها من استغلال بشع وقمع واضطهاد.
هذا الضعف التنظيمي والسياسي الطبقي المعادي للرأسمال والامبريالية هو ما يحكم على شعوب المنطقة بالعيش تحت نير العربدة الإمبريالية والصهيونية. وهو ما يفسر تعاون برجوازيات المنطقة في أغلبها مع الإمبريالية الأمريكية والدولة الصهيونية، ضد تطلعات الشعب الفلسطيني التحررية. الطبقة العاملة في المنطقة العربية هي المؤهلة موضوعيا للنضال من أجل تحرر المنطقة، متى نهضت للتحرر من نير الاستغلال الرأسمالي وضد ديكتاتورية وقمع الطبقة البورجوازية بالمنطقة.
***
ملاحظة: الأرقام والنسب الواردة في النص مأخوذة من «التقرير الاقتصادي العربي الموحد لسنة 2023 «

شارك المقالة

اقرأ أيضا