حرب الإبادة الأخرى والتواطؤ الإقليمي
30 – يناير – 2024
بقلم: جلبير الأشقر
بينما تدور رحى حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتستأثر بقسط كبير ومستحق من الاهتمام العالمي، حتى ولو كان قسمٌ غير متناسب من هذا الاهتمام خاصاً بالدولة الصهيونية وبعلاقتها بعرّابها الأمريكي بدل أن ينصبّ في المقام الأول على مصير شعب غزة المنكوب، ثمة حرب إبادة جماعية أخرى جارية في منطقتنا في سياق حرب أهلية طاحنة يكاد لا يوجد لها أي صدى في الإعلام العالمي، بما فيه الإعلام العربي.
إنها حرب الإبادة الجديدة التي تخوضها «قوات الدعم السريع» (ميليشيا الجنجويد سابقاً) في دارفور في سياق الحرب الدائرة بين ورثة عمر البشير التي تدمّر السودان بأسره. وفيما نعمل بإلحاح على إدانة العدوان الصهيوني على غزة والمطالبة بوضع حدّ له على الفور، يتوجب علينا ألّا ننسى ما يجري في السودان وأن نذكّر به باستمرار. والحال أن حرب السودان ضربت هي أيضاً رقماً قياسياً في أن عدد المهجّرين النازحين داخل البلاد بات يناهز عشرة ملايين، بما يجعله الأكبر في العالم حسب مصادر الأمم المتحدة. وقد نزح ثلثا هذا العدد، أي ما يفوق ستة ملايين، منذ بداية الحرب الأهلية الجديدة في ربيع العام الماضي، فضلاً عن المهجرين إلى خارج الأراضي السودانية منذ ذلك التاريخ ويبلغ عددهم مليوناً ونصف المليون.
كما يبلغ عدد أهل السودان الذين هم في حاجة ماسة إلى معونة إنسانية ما يناهز 25 مليوناً، بما يشكل أزمة إنسانية فائقة يعاني منها نصف الشعب السوداني. هذا وقد مضى أكثر من شهر على إطلاق «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية» دعوة عاجلة إلى تمويل خطة إغاثة، ولم يحصل حتى الآن سوى على ثلاثة بالمئة من التمويل المنشود! ولا يني عدد الضحايا يتزايد في السودان، وقد فاق ثلاثة عشر ألفاً من القتلى وضعف هذا العدد من الجرحى منذ نشوب النزاع المسلح بين ورثة البشير، فضلاً عن حجم الفظائع الدائرة في إقليم دارفور الذي تخوض فيه «قوات الدعم السريع» بقيادة الأخوة دقلو حرب إبادة جماعية.
حول هذه الأخيرة، صدر مؤخراً تقريرٌ أعدّته لجنة من الخبراء عيّنتهم الأمم المتحدة للتحقيق في الأمر، وهو مرعب بما ينقله من وقائع مدعومة بالصور. وإذ يؤكد التقرير أن «قوات الدعم السريع» باتت تسيطر على معظم ولايات دارفور وأهم مدن الإقليم، يروي بوجه خاص ما جرى خلال تقدّم تلك القوات بقيادة عبد الرحيم حمدان دقلو، شقيق محمد حمدان ونائبه في قيادة القوات، في ولاية غرب دارفور. فقد عادت جماعة الجنجويد إلى أصلها الهمجي وجنّدت عرب الإقليم على أساس عرقي في حرب إبادة ضد شعب المساليت، شملت الهجوم على المدنيين ومواقع تركّز النازحين وممارسة العنف الجنسي على نطاق مروّع ضد النساء والفتيات. وقد بلغت حملة الإبادة ذروتها في مدينة الجنينة حيث يقدّر التقرير أن ما بين عشرة ألاف وخمسة عشر ألفاً لقوا حتفهم على أيدي الغزاة، أي ما بين ستة في المئة وعشرة في المئة من سكان المدينة.
في ارتكابها لهذه الفظائع، تحوز «قوات الدعم السريع» على سلاح يفوق بكثير كماً ونوعاً ما كان لديها في الماضي الجنجويدي. وهذا يتناسب مع كون الأخوة دقلو باتوا أغنى بكثير أيضاً، الأمر الذي أتاح لهم شراء ولاء المزيد من القبائل وتجنيد عدد أكبر من الرجال. أما ثراؤهم فيتركّز في شبكة اقتصادية واسعة تشمل عشرات الشركات ويملكها محمد وعبد الرحيم وشقيقهما الأصغر القوني. إن مصدر هذه الثروة الأولي هو استغلال مناجم الذهب التي استولى عليها الأخوة واستثمروها بالتعاون مع قوات «فاغنر» الروسية. كما تحوز «قوات الدعم السريع» على دعم من الإمارات العربية المتحدة بالمال والسلاح، ويصلها التسليح بشحنات متواصلة من مطار أبو ظبي إلى شرقي التشاد المحاذي لدارفور (تدّعي الإمارات أنها شحنات من المعونات الإنسانية لا غير) ينضاف إليها السلاح الآتي من ليبيا عن طريق قوات خليفة حفتر الموالية للإمارات هي أيضاً.
وقد صدر تقرير مدعوم بالصور في موقع متخصص في الشؤون العسكرية الأفريقية يفيد بأن «قوات الدعم السريع» تلقت شحنات من صواريخ المدفعية LAR ـ 160 إسرائيلية الصنع. وليس الأمر مفاجئاً بالطبع، كما أنه ليس مفاجئاً أن تكون الدولة العربية المتورطة في دعم حرب الإبادة الجارية في السودان هي تلك التي تربطها أوثق الأواصر بالدولة الصهيونية التي تخوض حرب الإبادة الراهنة في غزة.
عن القدس العربي
اقرأ أيضا