التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم بالمغرب في مقابلة مع الرفيق بولعلام محمد
كيف تشكلت التنسيقية الموحدة، وما وزنها عبر البلد؟
تشكلت التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم بالمغرب بعد إعلان المصادقة على النظام الأساسي الجديد في المجلس الحكومي يوم الأربعاء 27 شتنبر 2023، وتبخر انتظارات الشغيلة التعليمية في نظام أساسي يستجيب لمطالبها، وانكشاف هجوم الدولة بشكل تام (نظام أساسي تراجعي عن المكتسبات وخارج الوظيفة العمومية).
انطلقت النقاشات في المؤسسات في صفوف المدرسين-ات حول النظام الاساسي، ولعبت دور تعبئة وشرح لمضامينه التراجعية. استجابت الشغيلة عفويا لدعوات نقابية يوم 05 أكتوبر 2023، حيث خاضت إضراباً عن العمل ومسيرة احتجاجية بالرباط عرفا انخراطاً واسعاً. استمر تململ قاعدة الشغيلة بعمقٍ بوقفاتٍ لمدة ساعة أو ساعتين بالمؤسسات بشكل يومي. وقد تجاوزت هذه التعبئة الواسعة الأجهزة النقابية، وحفزت اندفاعة نضالية من أسفل رافضة لدور القيادات النقابية المتواطئة مع الدولة لتمرير عدوانها، وقد يسرت وسائل التواصل الاجتماعي توسع التعبئة السريع (غُرف واتساب بدرجة أولى).
احتشدت الشغيلة بالجموع العامة بالمؤسسات، وانطلق انتداب منسقي ومنسقات المؤسسات منذ 6 أكتوبر 2023 عبر محاضر صادرة عن الجموع العامة موقعة من الأساتذة-ات. توالت اجتماعات المنسقين والمنسقات، وتمخض عنها تأسيس مكاتب، (ابتدائي واعدادي وثانوي إضافة لأطر الدعم). بالنسبة لإقليم أكادير مثلا، كان السلك الثانوي هو السباق للمبادرة، وقد سبق له أن نظم وقفة أمام المديرية الاقليمية منفرداً وتم انتداب مكتب من 11 عضو للثانوي. غير أن قوة التحرك في الأسفل ضغط في اتجاه صيغة تنظيمية تجمع الأسلاك الثلاثة، عوض تنسيقية لكل سلك تعليمي حصرا.
لعب إقليم أكادير دورا محفزا لتأسيس تنسيقية موحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم على صعيد وطني، وكانت شغيلة مدينة العيون بالصحراء وأكادير هما النواة الأولى التنسيقية الموحدة. انتدب المكتب الإقليمي ضمن تشكيلته خمسة منتدبين للمجلس الوطني التأسيسي للتنسيقية الموحدة، والذي عقد بمديونة حضرته تمثيلية 41 مديرية من أصل 82. لكن أغلب المجالس الوطنية لا يتجاوز الحضور فيها 57 مديرية، وآخر مجلس وطني عن بعد حضرت فيه 36 مديرية. وتبقى جهة الشرق غير المتواجدة بالتنسيقية ما عدا الناضور.
قوة التنسيقية الموحدة لا تتمثل في انتشارها التنظيمي جغرافيا، بل قوتها توجد في حجم الاستجابة لدعواتها إلى الإضرابات أو المسيرات. لذلك لا تشكل التنسيقية قوة تنظيمية حقيقية، بل إنها انتفاضة أو حالة نضالية من الأعماق سعت للجواب عن خيانة القيادات النقابية، والنضال خارج الأدوات النقابية القائمة.
انطلقت دينامية في المؤسسات بتأسيس لجان وانتخاب/تزكية منتدبين- ات وعقد جموعات عامة للمضربين-ات هل حفزت هيكلة التنسيقية إقليميا ووطنيا المبادرات الديمقراطية من أسفل أم خنقها؟ كيف ذلك؟
تمثلت قوة التنسيقية الموحدة في المشاركة الجماعية والاستجابة الواسعة للدعوات الصادرة عنها، لكن تلك المشاركة الجماعية تدريجيا اكتفت بتنفيذ البرامج الصادرة عن المكاتب الإقليمية أو المجلس الوطني، ولم تتطور إلى مشاركة نشطة في اتخاذ القرارات المتعلقة بسير المعركة وآفاقها. لقد سيطرت أقلية على القرار، ومتوجسة من المبادرات التي تنبعث من أسفل. بعض المؤسسات عملت على إعداد لافتاتها وشعاراتها في البداية وسعت للمساهمة في شعارات الاحتجاجات… لكنها تعرضت لانتقادات حادة وأغلقت الأبواب بوجهها بمبرر وجود لجان خاصة بذلك (اعلام-إحصاء-تنظيم-مالية)، والنقاشات التي تُخاض بالمؤسسات والساعية لبناء التنسيقية على أسس ديمقراطية تعرضت للقمع… وإذا كانت التنسيقية قد أثارت آمالا بممارسة بديلة عن القائم من أشكال تبقرط، فإنها مع الوقت أنتجت أشد أنواع الممارسات الكابتة لحرية التعبير والقامعة للآراء المخالفة: طرد المنسقين- ات المعبرين- ات عن آراء نقدية، حصر المعلومة والتقارير بيد الأجهزة عوض أن تتوصل بها الشغيلة في المؤسسات، حذف الأصوات المنتقدة من غرف الواتساب، رفض إحاطة الشغيلة بتقارير تنظيمية أو تقارير المالية…
باختصار، للأسف لم تحفز هيكلة التنسيقية على صعيد إقليم اكادير اداوتنان مبادرات الشغيلة في الأسفل، بل عملت على خنقها. لقد جرى استبدال الجمع العام باستبيانات تقنية كمية متلاعب بها في أحيان كثيرة. وهو الشيء الذي كبح بشكل مقصود اندفاع الشغيلة. أضحت الشغيلة تصوت على استبيانات نهاية كل أسبوع، فيما تخاض النقاشات بالأجهزة الفوقية. تصويت الشغيلة على تلك الاستبيانات كان يتم في ضوء غياب التقارير والمعطيات المحتكرة بمبرر «السرية». وعوض أن يكون الجهاز أداة تيسير مبادرات ونقاشات الشغيلة بالجموع العامة بالمؤسسات، كبح وخنق النفس النضالي القادم من الأعماق. هذا فضلا عن رفض واع للتناوب على المهام، لقد سيطرت أقلية على الانتداب لكل المهام: الانتداب للمجلس الوطني استأثرت به خمسة عناصر طيلة ثلاثة أشهر، وهي نفس العناصر المتواجدة بلجن وطنية كالإعلام والبيانات والحوار. ولم تصل قط تقارير المالية للمؤسسات، مع العلم ان قوة مالية التنسيقية نابعة من المؤسسات حيث يستخلص منسق كل مؤسسة مساهمات بشكل دوري.
أصبح الجهاز الفوقي تدريجيا منفصلا عن الجموع العامة الدورية المفترض أن تكون أداة تسيير المعركة، فقد حدث أن تم الإجهاز كليا على هذه الطريقة الديمقراطية التي لجأ إليها الشغيلة وتعويضها باستبيانات تتعامل مع الشغيلة فردا فردا، أي مشتتين لا يبلورون جماعيا بتفاعلات الأخذ والرد.
يلاحظ أن الباعث الأكبر على النضال تمثل في النظام الأساسي الجديد ورفع الأجور، مع غياب قضايا مهمة من قبيل إصلاح أنظمة التقاعد وقانون الإضراب. هل تتيح التنسيقية نقاشات جماعية حول القضايا التي تهم الشغيلة؟
الجموع العامة في بدايتها كانت تشهد نقاشات تتناول هذه القضايا، فككل معركة حين تفتح الشغيلة أعينها وتكتشف قوتها الجماعية، تبدي استعدادا لنقاش كل القضايا: قانون المالية، النظام الأساسي للوظيفة العمومية، الهجمات القادمة، كمشروع قانوني الإضراب والنقابات، أو العدوان القادم على صناديق التقاعد.. لكن طريقة تنظيم التنسيقية التي تضخم فيها الجهاز الفوقي تدريجيا جعل تلك النقاشات تتراجع مع الوقت، وجرى الاكتفاء بما له صلة بالتدبير اليومي للمعركة: عدد أيام الاضراب والتحضير للمسيرات، أو نقاش مضامين جولات التفاوض مع الدولة.
كان من شأن سريان المعلومة وعدم احتكارها أن يسهم بشكل الجماعي في نقاش كل جوانب المعركة. كما أن خنق حرية التعبير عن الرأي وإسكات النقاشات بتهم التشويش جعل القاعدة الواسعة تكتفي بتنفيذ البرامج دون اهتمام بتفاصيل المعركة فما بالك بقضايا كبرى.
ما وزن أعضاء النقابات في التنسيقية، وهل منهم بيروقراطيون؟
تخلف القيادات النقابية المخزي عن خوض المعركة جعل جزء هاما من قاعدتها وأعضاء مكاتبها المحلية تنخرط في التنسيقية، وقد كان عدد من أعضاء المكاتب الإقليمية للتنسيقية ومنتدبي الأقاليم إلى المجلس الوطني عناصر نقابية بعدة نقابات، وهناك عناصر عدة بعدة أقاليم لهم ماض عريق في خدمة بيروقراطياتهم، ولم يصدر منهم أي نقد جدي لمسارهم أو أي نقد لقيادات نقاباتهم التي عاونت الدولة طيلة مسار المعركة.
برز حضور قوي للنساء في مسيرات التنسيقية هل له ما يعادله في الجموعات العامة واللجان والانتداب؟ هل مطالب النساء حاضرة في الملف المطلبي؟ هل هناك إجراءات محددة لتشجيع مشاركة أكبر للنساء في كل جوانب عمل التنسيقية؟
بالفعل، شكلت النساء عمليا نصف الحراك، كان لهن حضور كمي وازن ونشط في الجموع العامة وفي تنفيذ الإضرابات أو في المشاركة في المسيرات. ذلك واضح أكثر في المسيرات الوطنية حيث كانت مشاركة المدرسات قوية جدا. لكن للأسف، لم تتطور تلك المشاركة الكمية لتكون نوعية في التنسيقية. لقد حافظت التنسيقية على نفس مكانة النساء في المجتمع، مكانة الهامش، مع استثناءات قليلة. لم تعكس لجان وهياكل التنسيقية ذلك الوزن الكمي، فنجد الذكور هم الأغلبية الساحقة، في المكتب الإقليمي لأكادير اداوتنان مثلا لا وجود لأستاذة واحدة. كانت هناك ممارسات لعدد من قادة التنسيقية دالة على منظور ذكوري رجعي (رفض تمييز إيجابي لإتاحة مكانة للنساء في اللجان الوظيفية مثلا).
أما مطالب المُدرسات بوصفهن نساء، تنطلق من أوضاعهن الخاصة، فقد كانت نادرة، باستثناء بعض الجموع العامة بالمؤسسات. وقد غاب في الملف المطلبي أي إشارة لمطالب المُدرسات. للأسف فغياب حركة نسائية مناضلة جعل تناول موضوع النظام الأساسي، وشروط عمل النساء بالقطاع، ومطالبهن الخاصة، خارج أي اهتمام. لم يسع الجهاز القائد للتنسيقية في الأقاليم ولا على صعيد وطني لطرح الموضوع ولا لتشكيل لجنة للمدرسات لتنظيم نقاش حول مطالبهن الخاصة.
كيف تتعامل التنسيقية الموحدة مع سائر الفاعلين في الحراك؟ على صعيد توحيد الخطوات النضالية والمطالب وسائر شؤون الحراك؟
بعد عقد من النضال الفئوي اهتدت الشغيلة إلى أنها تشكل كيانا جماعيا، وأن فئة واحدة لا يمكن أن تواجه هجوما شاملا للدولة، لكن للأسف، حافظت هذه المعركة على صفوف مشتتة، حيث كانت بثلاث رؤوس عمليا، وقليلة هي المحطات التي كان فيها التقاء ميداني واع، باستثناء لحظة التراجع، حيث عملت كل تنسيقية للاستقواء بالأخرى بعد فوات الأوان.
لقد كانت النقاشات في الجموع العامة صارمة في مسألة توحيد النضال، توحيدا ميدانيا. لكن قيادات التنسيقية كانت لها حساباتها الخاصة. لقد سايرت قيادة التنسيقية الموحدة دعوات القاعدة للوحدة بتكرارها اللفظي في البيانات والكلمات، لكن مع وضع عراقيل عملية أمامها. إن القيادة الحازمة ليست هي التي تتدرع بالعراقيل أمام الوحدة، بل هي التي تدلل الصعوبات وتبحث عن أجوبة وحلول لبناء وحدة ميدانية. أن تكون هناك تنسيقيات عدة في الميدان هذا معطى موضوعي، لكن ليس عقبة أمام توحيد النضال، إلا للباحثين عن تبريرات تخدم غايتهم.
كيف تتوقع مستقبل التنسيقية تنظيميا بعد الحراك، هل تلتحق بنقابة ما أم تحل نفسها أو تشكل نقابة جديدة وما أفضل مستقبل بنظرك؟
التنسيقية الموحدة ليست تنظيما حقيقيا، إنها حالة نضالية أو انتفاضة من الأعماق نتيجة تراكمات بالقطاع، ونتيجة أوضاع معيشية للمدرسين والمدرسات لم تعد محتملة، ونتيجة أيضا للانقلاب الذي تشهده شروط العمل بفعل هجوم الدولة. كان التقليد بالقطاع هو الانزواء الفئوي، لكن الطابع الشامل للهجوم حفز اندفاع الشغيلة في اتجاه تنسيقية توحد كل الأسلاك واطر الدعم. وضع التنسيقية اليوم، هو وضع تفكك، بعد تراجع الشغيلة ظل الجهاز مشلولا: استقالات المنسقين الجماعية، شلل للمكاتب الإقليمية، ومجلس وطني مشلول. للأسف ان فرض حالة الصمت بعد تسييد جو اللا نقاش حوَّل التنسيقية لتنظيم بدون حياة داخلية حقيقية. لذلك لم يكن ممكنا، في ظل الأجواء المفروضة من القيادات، إثارة نقاشات مآلات التنسيقية أو نقاش الوضع النقابي بالقطاع الذي وصل إلى انسداد حقيقي بفعل اندماج كلي للقيادات النقابية في استراتيجية الدولة: الشراكة والتعاون ومسايرة الهجوم لا النضال ضده مقابل الفتات.
في نظري، التنسيقية تفككت، بما هي حالة نضالية، لكن المعركة لم تنتهِ إلى هزيمة ساحقة. الشغيلة انتزعت مكاسب حقيقية، وتنتظر الإعلان عن صيغة النظام الأساسي. المطلوب حاليا إطلاق نقاش حقيقي في صفوف الشغيلة، نقاش تقييمي حقيقي لمجمل مسار التنسيقية لاستخلاص دروسها. وفي قلب هذا النقاش ما الصيغ التنظيمية الملائمة لمواصلة النضال ضد هجوم شامل قادم.
اقرأ أيضا