ما يهم المجتمع الإسرائيلي هو إطلاق سراح أكبر عدد من الرهائن
مقابلة مع ميشال فارشافسكي [+]
انتيكابيتاليست: هل يمكنك وصف القوى الموجودة في السلطة في اسرائيل؟
فارشافسكي: هناك حاليا، حكومة طوارئ بسبب الوضع في غزة. اصطفت المعارضة مؤقتا على جانب الحكومة. لكن الحكومة الاسرائيلية كماهي الآن تتشكل من اليمين المتطرف، الذي يمثله نتنياهو واليمين المتطرف الفاشي بقيادة إيتمار بن غفير.
الليكود ، حزب نتنياهو، هو حزب اليمين التقليدي. أسسه منياحيم بغين لكنه أصبح يمينيا بشدة . كان يشكل معارضة يمينية خلال الفترة التي كان في حزب العمال في السلطة. إن اليمين المتطرف الراديكالي، الذي يتزعمه بن جفير، أساسا هو حزب أطلقه المستوطنون الأشد تطرفا، وقد حقق نجاحا حقيقيا، لاسيما على صعيد انتخابي.
الانتيكابيتاليست : كثيراً ما نقول إن هذه الحكومة تمثل اليمين المتطرف، أو حتى أنهم فاشيون أو نازيون. ما رأيك في هذا التوصيف؟ هل يبدو صائبا بنظرك ؟
فارشافسكي: لا. لا أعتقد ذلك. الفاشية في التراث الماركسي هي مفهوم جد محدد : حركة جماهيرية تتحرك بوجه أزمة مؤسسية عميقة، تحشد نفس هذه الجماهير ، المهمشة أو الفقيرة غالباً، من أجل تغيير النظام. إذا ما استعملنا تعبير فاشي للقول إن هذا سيء وبأنه شنيع، موافق.. لكن هذا ليس تعريفًا علميًا كافيًا في نظري. نحن لسنا على الإطلاق في سياق الفاشية في مواجهة حركة عمالية تتقوى، لأن هذا ليس هو الحال إطلاقاً اليوم. ثم، نحن في إطار استعماري أكثر منه في إطار رأسمالي “طبيعي”.
الانتيكابيتاليست: وبالتالي النتيجة هي أنه لا تزال هناك حقوق ديمقراطية تسمح بالتعبير عن الاختلافات؟
نعم، هناك تشديد جلي جداً للقمع تحت مبرر دعم الإرهاب، ويمكننا أن نضع أي شيء وراء هذا التعبير. لقد أصبح النظام، في الأسابيع الأخيرة، قاسياً للغاية. لقد كانت هناك دائمًا حرية تعبير جد قوية في إسرائيل، لكن هذا الأمر تقلص بكثير اليوم. الكثير من الأصدقاء توقفوا عن الكتابة على صفحاتهم على الفياسبوك نتيجة الخوف، مثلاً.
الانتيكابيتاليست: في رأيك، ما الذي يفسر أشكال التجذر نحو اليمين المتطرف هاته، من وجهة نظر الجماهير، و أيضا الطبقة المسيطرة؟
فارشافسكي: بدايةً، إنه خيار سياسوي. كان نتنياهو بحاجة، كي يبقى في السلطة، لأغلبية. وكان كل شيءا يعتبر مباحا لبلوغ الغاية، بما فيها مشاركة أشخاص كانوا يُعتبرون، من طرف حزب نتنياهو، بلطجية يجب تفاديهم. لكنه كان في حاجة إليهم من أجل الحصول على الأغلبية والبقاء في السلطة.
الانتيكابيتاليست : هل يتماشى هذا مع طموح الطبقة الحاكمة؟ هل هي مرتبطة جدا بالإمبريالية الخارجية، أم أنها تتمتع باستقلالية الحركة؟
فارشافسكي: إنها تتمتع باستقلالية جد كبيرة في الحركة لكنها تابعة بشكل كبير للولايات المتحدة الأمريكية. أجد هنا استعارة ذات معنى: اسرائيل هي الذنب والأمريكان هم الكلب ولكن يبدو هنا أن الذنب يمكن أن يحرك الكلب.
انتيكابيتاليست : اختارت هذه الطبقة الحاكمة اليمين المتطرف، أم أن التوليفات السياسوية هي أصل الوضع؟
إنها توليفات سياسوية أكثر من غيرها. إذا أخذنا ما يصطلح عليه بقلب الطبقة الحاكمة في إسرائيل، التكنولوجيا العالية، فإن هذا المحيط ليس في نفس الخيار بتاتاً. إنه معولم أكثر بكثير، ومستقل كثيراً، بل إنه، أحياناً، معادي لليمين البلطجي والمستوطنين.
انتيكابيتاليست: يبدو أن هناك فرقا سياسيا بين ما يقع في المستوطنات، أي حالة المستوطنين الذهنية ، وسائر المجتمع.
فارشافسكي: أقول إن هناك ثلاثة عناصر رئيسة في المجتمع. الأول هم المستوطنون، الذين ليس بالضرورة أن يكون وزنهم عددياً مهما – رغم أنه كبير جداً – ولكنه قبل كل شيء وزن سياسي كبير. ومن ناحية أخرى، هناك ما نسميه مدن التطوير، ما تسمونه عندكم الضواحي، إلا أن الضواحي هنا تبعد 50 كيلومتراً عن المدن الكبرى، وهي متخلفة مقارنة بالبقية. ثم هناك العاصمة الفكرية والثقافية الجديدة لإسرائيل، وهي برلين Berlin! المثقفون المنفتحون والتقدميون إلى حد ما يتوجهون إلى برلين، التي أصبحت بالفعل عاصمة اسرائيل الفكرية.
انتيكابيتاليست : وفي المستوطنات، هل هناك تطرف؟
فارشافسكي: نعم، من الواضح، إذا كان بالامكان تطرف أشد مما كانوا عليه. وينعكس هذا التطرف في تصاعد الأعمال العنيفة ضد القرى الفلسطينية المحيطة بهم.
انتيكابيتاليست: يشرح الرفاق الجزائريون أن هناك دينامية خاصة في مستعمرات الاستيطان، في الروابط بين السكان المستعمَرين والسكان المستعمِرين. أود أن أعرف رأيك في ذلك.
فارشافسكي: الامر مغاير عندنا، لأن المستعمرات الفرنسية لم تكن ملتصقة بفرنسا. مستوطنات اسرائيل تقع في نفس المساحة مثل بقية البلد. وحتى لو كانت هناك إسرائيل من جهة والأراضي الفلسطينية المحتلة من جهة اخرى، في الواقع، فإنهما نفس المساحة ونفس الشرطة، وبهذا المعنى، ليس نفس الشيء على الإطلاق.
انتيكابيتاليست : هل تعتقد أن الروابط ممكنة بين المستعمَرين وسكان الدولة المستعمِرة؟
فارشافسكي: كان هناك منذ أمد بعيد صراع ضد الاحتلال يتم تنفيذه في إسرائيل بالتعاون،مع الفلسطينيين/ات ونضالهم، وأقول أنه كان هناك حتى تعاون وثيق على مدى عقد كامل. اليوم، الحال أقل بكثير. والقليل الذي لا يزال قائما هو في العلاقات السياسية، رغن أنه تم تقلصت كثيرا .
انتيكابيتاليست: تم إضعاف نتنياهو، سواء على المستويات البرلمانية أو السياسية، مع حقيقة أن جزءاً كبيراً من الرأي العام يحمله مسؤولية هجمات 7 أكتوبر. هل تعتبر هذه الانتقادات تقدمية إلى حد ما أم أنها على العكس من ذلك يمكن أن تكون بدايات لتدهور جديد في الوضع في إسرائيل؟
فارشافسكي: المواقف المعبر عنها ضد نتنياهو تأتي من اليمين بقدر ما تأتي من اليسار، أو بالأحرى من يسار الوسط. يجب ألا ننسى شيئًا: نتنياهو هو قبل كل شيء رجل فاسد، وقد وُجهت إليه ثلاث تهم فساد. هو رجل تحركه مصالحه الشخصية فقط. لقد تعرض لهجوم شديد. كان ذلك قبل الأزمة الحالية، وسيحصل مباشرة بعدها. الجميع يقول إنه في اليوم الذي ستهدأ فيه الأوضاع «سنصفي الحسابات». وهناك، يمكن أن تسير الأمور بعيداً، في ائتلافه الخاص كما هو الحال مع المعارضة.
انتيكابيتاليست : هل تعتقد أن اليسار قادر على تدارك ما راهن به ؟
فارشافسكي: أي يسار؟ إن الجزء من المعارضة الذي يمكنه إسقاط نتنياهو هو يمين الوسط. وباستثناء ما يسمى بالكتلة العربية، التي يدعمها بضعة آلاف من اليهود، فإن المعارضة نفسها هي من اليمين. ولكنها ليست فاسدة، على حد علمنا، على الأقل.
انتيكابيتاليست : من مكاننا، نرى مرور نصوص كثيرة، لكنها بالتأكيد مرآة مشوهة، يكتبها ناشطون/ات إسرائيليون/ات منتقدون/ات للصهيونية، والذين يتقدمون بموقف دولة موحدة علمانية وغير عنصرية. فهل يقتصر الأمر فعلاً على قلة من المثقفين/ات، أم أن هناك تيارات مناضلة تجد نفسها في هذه المواقف؟
فارشافسكي: إنها جد هامشية بين السكان اليهود. وبصراحة، من عادات الفرنسيين الخاصة الانشغال بموضوع ليس مدرجًا على جدول الأعمال مطلقاً، وهو موضوع الحل. دولة واحدة، او دولتان، أو فيدرالية، ماذا نعرف عنها؟ إننا لسنا في مرحلة البحث عن حلول على الإطلاق، إننا في خضم مشكلة. وهذا سيتشكل عندما تتغير موازين القوى، وأعتقد أن الحل حينها سيفرض نفسه مهما كان.
انتيكابيتاليست: إذن ما الذي في جدول الأعمال ؟
فارشافسكي : اليوم، الأمر الملح هو التعبير : أولا، لأن هناك قبضة حديد بعد المذبحة التي تعرض لها الإسرائيليون/ات والتي وقعت فيما نسميه غلاف غزة. فالمجتمع لا يجرؤ على التعبير عن نفسه، حتى من جانب جزئه التقدمي أو المنفتح. واليوم، نقف وجهاً لوجه، يهيمن خطاب أننا مهددون، وأن حماس هي أعظم الشرور، وأنهم قتلة. وعليه، فهناك تعبيرات جد قليلة عن التضامن مع الفلسطينيين اليوم. على الرغم من أن ذلك يمكن أن يتغير بسرعة.
الانتيكابيتاليست : هناك اتفاق على هدنة محدودة وتبادل للأسرى. هل يمكن أن يفتح هذا مجالا لليسار في إسرائيل؟
فارشافسكي : لا، نحن لسنا في فترة انفراج للمعارضة، سواء من يسار الوسط أو اليسار، وبالتأكيد ليست راديكالية.
الشيء الوحيد الذي يهم المجتمع الإسرائيلي هو إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من “الرهائن”. هناك حركة للعائلات، ليست واسعة ولكنها حقيقية، تطالب بأن تكون هذه أولوية: دفع الثمن اللازم، وقبول الشروط التي تقترحها قطر للإفراج عن أكبر عدد ممكن من المعتقلين/ات. هناك حركة رأي يتم التعبير عنها بوضوح تام.
انتيكابيتاليست : و برأيكن من بالاحرى أكثر تقدمية؟
فارشافسكي : لا. أي حركة تطلب تفاوضا وتسويةً أفضل ممن يقولون يجب أن نضرب وندمر كل شيء، أما القول بأن هذا تقدمي فهذا مبالغة.
اانتيكابيتاليست : هناك احتجاجات صغيرة في إسرائيل. هل هذا له أي وزن؟
فارشافسكي : لا، إن هذا هامشي جدا. يعبر الأشخاص المعتدلون في إسرائيل عن أنفسهم بشكل قليل جدًا، وهم خائفون. هناك عقيدة فاشية صارمة، وقد تعرض عدد هائل من الأشخاص للهجوم ــ حتى لو لم تكن هناك محاكمة بعد ــ من قِبَل السلطات والشرطة بسبب تعبيرهم على فيسبوك.
انتيكابيتاليست : ماذا هو توقعك لما يمكن أن يحدث في دول أخرى لمحاولة فك الحصار؟
فارشافسكي : الحل بالنسبة لي هو حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS : الضغط والمطالبة والحصول على عقوبات على إسرائيل. أنتظر أيضا أن تنظر المحكمة الجنائية الدولية في جرائم ضد الإنسانية. هذا النوع من الضغوطات يمكن أن يكون له تأثير. لهذا السبب، بالنسبة لي، تظل حملة BDS وثيقة الصلة بالقضية ومهمة للغاية.
إحالة :
[+]:ميشال فارشافسكي ، صحفي ومناضل في اليسار الجذري المناهض للصهيونية ومرتبط بالأممية الرابعة في اسرائيل، مؤلف كتاب ” Un autre Israël est possible” (1) مع دومينيك فيدال Dominique Vidal و ” Israël : chronique d’une catastrophe annoncée… et peut-être évitable ” (2). يحكي لنا وجهة نظره من اسرائيل وصعوبات الوضع البالغة.
مجلة انتيكابيتاليست عدد 151 دجنبر 2023
ترجمة :المناضل-ة
اقرأ أيضا