نضالات شغيلة التعليم: إلى أمام حتى النصر وبناء الشرط اللازم لصد الهجوم الشامل: عمل نقابي ديمقراطي مكافح وموحد.
يعيش بلدنا على وقع دينامية نضالية هامة بعد ركود نسبي، تتمثل في التحرك النضالي الواسع والعميق لشغيلة التعليم ضد النظام الأساسي المدمر الجديد. وفي سياق هاته الدينامية النضالية، هناك واقع اجتماعي عنوانه الأساسي التضخمُ الطيار الذي يلتهم أجور الطبقة العاملة البائسة أصلا، وبرنامجٌ معلن للطبقات السائدة يستهدف أوسع تعميم ممكن لتسليع الخدمات العمومية والإجهاز على مكتسبات تقاعد عموم الأجراء ومزيد من تقييد الحريات النقابية خاصة عبر إصدار قانون الإضراب والوصول بمحطة الإجهاز على صندوق دعم مواد الاستهلاك الجماهيري إلى محطته الاخيرة أي حذفه النهائي. وضمن ذلك البرنامج كذلك نقطة القضاء على الوظيفة العمومية بشكل كلي، وتعويضها بأشكال توظيف هجينة تتراوح بين ما يسمى وظائف عمومية جهوية وبين تعميم أشكال للعمل الهش ضمن منظور تفويض تدبير المرافق مباشرة للقطاع الخاص أو تفويتها كليا. وهذا لا يعني قطاع التعليم فقط، بل يشمل جميع قطاعات الوظيفة العمومية (صحة وجماعات ترابية… الخ).
يقع الغلاء والتضخم في قلب الدينامية النضالية الأخيرة في قطاع التعليم. فقد قضم الغلاء أجور شغيلة القطاع- شأنه شأن باقي القطاعات- وكانوا ينتظرون زيادات في الأجور وترقيات تقيهم- هن شر الغلاء والتضخم، وهو وَهْمٌ زكته القيادات النقابية المشاركة في إخراج النظام الأساسي الجديد. كانت خيبة الأمل من هذا الوهم أحد أهم محفزات الهبة النضالية الأخيرة.
كما يأتي التحرك النضالي لشغيلة التعليم بعد مسلسل طويل من النضالات المتفرقة لعدد كبير من التنسيقيات في القطاع من أجل مطالب فئوية، وبعد سنين من سلم اجتماعي تام من طرف واحد التزمت به معظم القيادات النقابية التعليمية بمبرر دخولها في مسلسل “بناء مشترك” مع وزارة التعليم لنظام أساسي جديد لشغيلة القطاع. ورغم تحذيرات عدد من المناضلين- ات النقابيين- ات، ومن آلاف من الشغيلة، بأن مآل هاته السيرورة لن تكون إلا دمارا للمكتسبات، استمرت القيادات النقابية في مسلسل شراكتها مع الدولة إلى اليوم الأخير الذي انكشفت فيه الثمار المرة، كما الأمر دائما، لسياسة الشراكة الاجتماعية المفلسة. لقد أصرت قيادات الرباعي الموقعة على محضر 14 يناير على مواصلة نفس مسلسل الشراكة، بينما فضلت قيادة الجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي، بعد سنة من مشاركة في اللجنة التقنية، عدم التوقيع، وحرمت من الاستمرار في المشاركة في جولات “الحوار”، فعملت على الإسهام في بناء تنسيق نضالي بعد صدور النظام الأساسي الجديد، مع استمرار سعيها للعودة إلى طاولة “الحوار القطاعي”.
ما كان من الشغيلة إلا الانتفاض خارج معظم التنظيمات النقابية محاوِلة بناء وحدة نضالية من تحت، إما عبر تنسيق عمل رافضي النظام الأساسي، أو عبر محاولة بناء تنسيقات وحدوية.
لا يسع كل مناضل- ة عمالي- ة إلا دعم كل سيرورة نضالية منطلقة من القاعدة، ومكرسة لفكرة مشاركة الجميع في التقرير والتنفيذ، وتزيد الوعي بمحدودية تأثير المناوشات الفئوية والحاجة لتوحيد النضالات. لقد مرت سنون طويلة من اغتصاب حق الشغيلة في حياة نقابية نشطة وسليمة من قبل أجهزة نقابية متضخمة انفصلت تدريجيا عن انشغالات قاعدتها المفترضة وأضحت عاجزة عن قيادة نضالاتها، وبعد سنين طويلة من مراوحة المعارضة النقابية لخط التعاون الطبقي المكان في سعيها لإعادة بناء الحركة النقابية على أسس الوحدة والديموقراطية والكفاح.
يتعلق الأمر إذن بدينامية مفتوحة على احتمالات عدة، كما كل النضالات، الحاسم فيها هو تطوير ميزان القوى لصالح الشغيلة المناضلة، وهو ما يفرض الحرص على تدبير سليم لسيرورة النضال، بدءً بالمطالب المرفوعة وأشكال التنظيم الملائمة وحلقات البرنامج النضالي والسعي لتوسيع دائرة الحلفاء والبحث الحثيث عن خرط أوسع ما يمكن من الشغيلة المهددة، كما شغيلة التعليم، بالإجراءات الليبرالية الكارثية. مثلما يمثل رفع مستوى الوعي بالمخاطر المحدقة، والسعي لبناء وإعادة بناء عناصر قوة الشغيلة، مسألة حيوية للسير بالنضالات الحالية نحو النصر، وللقدرة على مواجهة باقي حلقات الهجوم الشامل.
بات قسم يتعاظم من شغيلة التعليم يعي بأن الأمر لا يتعلق فقط بمطالب زيادة في الأجور، على أهميتها الكبرى، بل أن الأمر يتعلق بمخطط يستهدف تعميق استغلالهم- هن. كما باتوا يعرفون أن أهم حليف لهم هم جماهير الأمهات والآباء، أي أقسام مهمة من الطبقة العاملة وصغار المنتجين- ات، المستائين- ات من أحوال المدرسة العمومية التي تنضاف لمعاناتهم- هن مع الغلاء والبطالة وانعدام الحق في خدمات صحية وسكن لائق، وهم- هن ينظرون بعين الرضى للتحركات الاحتجاجية للأمهات والآباء الموجهة في أغلبها، لحد الآن، ضد الدولة، فإن ذلك يفرض على الحركة النضالية في التعليم استدماج مطالب تبني فعلا وحدة نضالية معهم، وإبداع مبادرات لبناء تحالف متين، وعدم تركهم- هن فريسة لدعاية الدولة التي تسعى كل مرة إلى استمالتهم- هن.
كما بات قسم من الشغيلة يعلم أن أمر بناء ميزان قوى لصالح الأجراء- ات، متعلق بشكل كبير بأحوال النضال الشعبي العام، وهم- هن يتذكرون أن أهم مكاسبهم- هن في تسقيف الترقية والزيادة في الأجور والوعد بالدرجة الجديدة، قد جاء في سياق نضالات سنة 2011. إن الشرط الأساسي لتعميق هذا الوعي هو التخلص من النزعات الفئوية المدمرة للنضال، وهي نزعات لا تزال مستمرة في الدينامية الحالية، ثم التخلص من فكرة معاداة النقابات بينما المطلوب تخليصها من الخط السائد فيها: خط الشراكة مع الدولة ومرافقة إجراءاتها، وتعويضه بخط مكافح ديموقراطي وتوحيدي.
لطالما آمن أنصار ونصيرات جريدة المناضل-ة بأن الشغيلة لن تبقى مستكينة أمام الهجمات ضد مكتسباتها، كما يؤمنون بقدرتها على اجتراح طريق النصر عبر النضال، وببناء أدواته، مسترشدين- ات في ذلك بدروس أكثر من قرن ونصف من تجارب كفاح الأجراء عبر العالم، وهم- هن إذ يشاركون الشغيلة التعليمية نضالاتهم- هن الحالية، ويتعلمون منها، يحاولون أن يكونوا مفيدين- ات لها بنقل ما خلفته النضالات السابقة من دروس، ويسعون لكشف كل الانزلاقات الممكنة محاولين- ات وضع أيديهم- هم على أوجه القصور، إن وجدت، لتقويمها كما على صفحات النجاح لتعزيزها. وهم- هن إذ يشاركون الشغيلة التعليمية نضالاتهم- هن فإنهم- هن يعملون على تلاقي كل ديناميات النضال، ضد الغلاء وضد تفكيك الوظيفة العمومية، وضد كل محاور حرب رأس المال ودولته المستعرة ضد الأجراء- ات، كما ضد العدوان الإمبريالي الصهيوني على الشعب الفلسطيني، باعتباره قضية أساسية من قضايا النضال في منطقتنا الذي لطالما كانت الشغيلة التعليمية في طليعته.
جريدة المناضل-ة
اقرأ أيضا