راهن النضال لأجل الحُقوق الأمازيغية وما العمل لفرضها؟
وجهت 45 جمعية أمازيغية، منها مستقرة خارج البلد، رسالة إلى الملك مستعطفةً إياه لاعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية مؤدى عنها. يعري هذا التوسل حالة التردي التي هوت إليه الحركة الأمازيغية كما تشكلت منذ نهاية ستينيات القرن الماضي.
بعد عقود من انطلاق الحركة المدافعة عن حقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، وعشرين سنة من إعلانها الرسمي جزءا من هوية البلد، وعشر سنوات من ترسيمها في دستور 2011، لا زالت قضية الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية بعيدة عن المبتغى.
هذا ما تُجمع عليه الجمعيات الأمازيغية رغم صخب الدعاية الرسمية، أوجز تقرير صادر عن الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة (أزطا/ 2022)، على سبيل المثال، واقع المسألة بقول “لا تزال الأمازيغية في وضعية “قرار مع وقف التنفيذ”، حيث لا زالت تراوح مكانها في التشريع والواقع”. فرغم تصنيفها لغة رسمية منذ سنة 2011 إلا أن %9 فقط من التلاميذ يدرسون الأمازيغية، ولا تتجاوز حصتها في المؤسسات الإعلامية العمومية نسبة %6… إلخ.
يعزى هذا الواقع إلى ما آل إليه نضال الحركة الأمازيغية بكل تفرعاتها الجمعوية والشبيبية والحزبية. منذ انطلقت الحركة الجمعوية المعروفة باسم “الحركة الثقافية الأمازيغية”، ارتكز مطلبها الرئيس على “مأسسة الأمازيغية”. أي إدماجها في مؤسسات البلد القائمة مع سعي إلى “دمقرطتها” وفق الصيغة المألوفة التي أرستها المعارضة الاتحادية بما طبعها من نزعة ديمقراطية ناقصة.
أدمج النظام منذ مطلع سنوات 2000 معظم هذه الحركة الجمعوية في مؤسساته، وعلى رأسها المعهد الملكي الأمازيغي، وجرى إفساده بفتح باب التمويل على مصراعيه. وفي عز الانتفاضة الإقليمية سنة 2011، شاركت هذه الجمعيات في خطة النظام المتعلقة بالتشاور حول “دستور جديد”، مثمنة ما قام به من دسترة اللغة الأمازيغية واضعة آمالها على صدور القوانين التنظيمية لتفعيل تلك الدسترة. وتقتصر انتقاداتها على تناقض واقع التفعيل مع النص الدستوري المعتبَر إنجازا تشريعيا.
وبعد أكثر من 10 سنوات تشتكي هذه الجمعيات من نتيجة تلك الخطة، أي استمرار تهميش الأمازيغية في المنظومة التشريعية. تقلص جسم تلك الحركة الجمعوية وتحولت إلى ما يشبه مراكز لرصد الخروقات وتنبيه الدولة إليها، مع المطالبة بإشراك فعلي لها لتقويم تلك الاعوجاجات.
أما القسم الشبيبي من الحركة، أي الموجود داخل الجامعة، فمحكوم بطرح شوفيني مغرق في يمينيته ونزوعات مناطقية، قاصرا خطابه على البعد الهوياتي/ الثقافي المحض وشعارات بالغة السطحية، وتورط في اقتتال مع فصائل طلابية أخرى فابتلى بأسوء أمراض الوسط الطلابي التي ظل بمنأى عنها في بداية برزوه، ما بدَّد قوى شبيبية مهمة.
أدى التركيز على الجانب الثقافي/ اللغوي وحصر المطلب في المأسسة، إلى التغافل عن التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالقرى المغربية طيلة العقود السابقة. أدى تغلغل علاقات الاقتصاد الرأسمالي الى تدمير صغار المنتجين والتمليك الخاص للأراضي الجماعية والتحفيظ الغابوي، وتوالي سنوات الجفاف البنيوي… هكذا، نزح سكان القرى نحو المدن وهوامشها بالدرجة الأولى، وتعمق تهميش تلك المناطق، وبذلك أصبحت الأمازيغية (ثقافة ولغة) في حكم المهدد بالاندثار.
تفجرت حراكات شعبية في مناطق أغلب سكانها ناطقين بالأمازيغية، ولكن غياب الاهتمام بقضايا النضال الاجتماعي، جعل عموما تلك الحركة (بجمعياتها وشبيبتها) خارجها وغير فاعلة فيها.
وتقتصر تقارير جمعياتها على المطالبة بنفس ما يطرحه النظام: توفير مقومات إقلاع اقتصادي حقيقي، يضع حدا لاقتصاد الريع، ويمكن من إعادة توزيع الثروة على قواعد الإنصاف والعدالة الاجتماعية والمجالية.
يستدعي النضال من أجل إحقاق فعلي للحقوق الثقافية للناطقين بالأمازيغية، دمجا لتلك الحقوق في إطار أشمل يعيد إعادة تأسيس الحياة الاقتصادية والاجتماعية وفق مصلحة الأغلبية المفقرة في المدن والقرى (الطبقة العاملة وصغار المنتجين- ات).
وبهذا، سيكون لانخراط الشبيبة الأمازيغية في حركات الاحتجاج الشعبي، وتسلحها بمنظور تحرري جذري، دور في تخصيب نضال الحركة من أجل الحقوق الثقافية بالنضال من أجل المطالب الاقتصادية والاجتماعية .
يستدعي الأمر القطع مع المنظور الموروث عن المعارضة البرجوازية ناقصة النزعة الديمقراطية القائم على البحث عن تفاهمات مع الاستبداد من أجل “دمقرطة” البلد. فتبرم الحركة من وضع الأمازيغية لا يُعزى إلى ما يرد في تقاريرها حول “عجز الدولة عن تقديم بدائل وحلول ملموسة واقعية”، بل يعزى إلى غياب ما يجبر الدولة على الاستجابة لتلك المطالب؛ أي النضال.
لا سبيل لتحقيق الحقوق الديمقراطية الشاملة، ومنها القضاء على جميع أشكال الميز اللغوي/الثقافي، وضد عنف السياسة النيوليبرالية، ولأجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأجراء-ات وصغار المنتجين-ات القرويين-ات والنازحين-ات نحو المدن، إلا عبر بديل شامل يتعارض مع نظام تسخير كل شيء (طبيعة وبشر) لصالح الرأسماليين، بديل لن يتأتى سوي ببناء ميزان قوى عمالي وشعبي عظيم.
فقط بناء حركة أمازيغية تحررية بديلة مناهضة للرأسمالية بمنظور تغيير شامل وعميق هو ما سيتيح وضع أسس إقرار فعلي للحقوق كاملة بما في ذلك الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، فلنعمل على بنائها وتعزيزها وربطها بالنضال التحرري الشامل.
المناضل-ة
اقرأ أيضا