النضال من أجل ضريبة تصاعدية على الأغنياء إحدى سبلنا لوقف تفقير الطبقة العاملة
تضمن مشروع قانون المالية لسنة 2023 إجراءات ضريبية لصالح أصحاب الرأسمال الكبير، مجسدة في اصلاح تدريجي على مدى أربع سنوات ستبلغ بموجبه الضريبية على الشركات نسبة ستتراوح بين 20% و35% حسب حجم أرباحها، و40% بالنسبة للبنوك والتأمينات. هذا السعر الموحد على الشركات ستستفيد منه المقاولات الكبرى. المقاولات الصغرى ستتضرر حيث كانت نسبة ضريبتها 10%. المهن الحرة ستتضرر أيضا حيث سترتفع ضريبتها على الدخل من 10% الى 20%. ما دفع بعديد من فئات هذه الأخيرة كالمحامين، والصيادلة، والأطباء، والعدول، إلخ الى تنظيم احتجاجات.
هذا الإصلاح التدريجي هو إعطاء الفرصة للشركات الكبرى لإعادة ترتيب أمورها حتى تستفيد من النسبة المنخفضة للضريبة. وسبق أن طبقت نفس المنهجية في القطاع الفلاحي الذي استفاد من الاعفاء الضريبي الكامل منذ سنة 1984 حتى حدود سنة 2014 التي بدأ فيها إرساء الضريبة بشكل تدريجي حتى سنة 2020 استجابة لضغوطات كبار الفلاحين. تساعد الدولة كبار الأغنياء على التملص الضريبي بإجراءاتها في ظل نظام سياسي يكرس آليات الاستحواذ على الثروات من قبل اقلية من الرأسماليين.
تمنح الدولة للرأسماليين أيضا جزءا هاما من الاعفاءات الضريبية (النفقات الضريبية، وهي نفقات عمومية من الميزانية). ويمكن أن نضيف لهذه الاستثناءات المباشرة الإعفاءات الضريبية في المناطق الحرة، والأقطاب الصناعية والفلاحية، وأيضا في بعض القطاعات الإنتاجية خاصة الموجهة للتصدير. كما تعفيهم من رسوم الاستيراد كالخاصة بالبذور الزيتية واللحوم الحمراء والحبوب بالنسبة لهذه السنة. هذه مع العلم أن المداخيل الجمركية على الاستيراد تأثرت سلبا باتفاقيات التبادل الحر التي وقعها المغرب مع قوى صناعية كبرى كالاتحاد الأوروبي وأمريكا التي تغزو السوق الداخلية بمنتوجات مدعمة في غالبها تساهم في افلاس المقاولات الصغرى. ومن جهة أخرى، تسمح هذه الاتفاقيات بترحيل أرباح الشركات متعددة الجنسيات التي لها تقنيات عالية في التملص من الضريبة المنخفضة أصلا.
من يتحمل إذن العبء الكبير من الضرائب التي تشكل 80% من موارد ميزانية الدولة ببلدنا؟ إنهم أساسا الأجراء والأجيرات في القطاعين العام والخاص الذين تقتطع الضريبة من أجورهم من المنبع، ثم صغار المنتجين والطبقات الشعبية. كما تستعد الدولة ابتداء من سنة 2023، لشمول القطاع غير المهيكل بالضريبة، مستعملة لذلك تسجيل المدرجين فيه في الضمان الاجتماعي مطية.
توسيع الوعاء الضريبي ليشمل جميع أصناف الأجراء والأجيرات في القطاعين العمومي والخاص، وجميع الكادحين والكادحات في القطاع غير المهيكل، وصغار المنتجين/ات: هذا هو ورش الدولة لتنمية موارد الميزانية في السنوات المقبلة. هذه الطبقات الشعبية ملزمة أيضا بتحمل غلاء أسعار المحروقات التي حررتها الدولة في 2015، وغلاء أسعار المواد الغذائية الرئيسية التي يستوردها المغرب (حبوب وزيوت وسكر) بعد أن أدت جزءا من تكاليف ما سمي “المغرب الأخضر” في الفلاحة الذي استنزف جزءا كبيرا من الميزانية العمومية طيلة 10 سنوات، ولم يضمن حتى الاكتفاء الغذائي. كما يطرح عليها تحمل نفقات تعليم أبنائها ونفقات الصحة بعد تقدم الدولة في تفكيك هاتين الخدمتين العموميتين وفتحهما للرأسمال الخاص. أما ما سمته الدولة تخفيف العبء الضريبي على الأجراء والمتقاعدين، وذلك من خلال رفع طفيف جدا لنسبة الخصم الجزافي للمصاريف المرتبطة بالوظيفة أو العمل، وأيضا لتلك المرتبطة بالمعاشات، فليس سوى تضليلا مقارنة بالارتفاع المهول في معدل التضخم.
المورد الثاني الكبير لميزانية الدولة في مشروع قانون المالية يكمن في الدين العمومي، حيث ستزداد الموارد المتأتية من الاقتراض الخارجي بنسبة 50% في سنة 2023 حسب مشروع قانون المالية [. علاوة على نفقاتها المرتفعة، تخضع هذه القروض الخارجية لشروط المؤسسات المالية الدولية التي تؤطر سياسات التقشف وتفكيك الوظيفة العمومية وتعميم مرونة الشغل وتوسيع فتح حدود المغرب لغزو الرساميل المضارباتية والسلع الأجنبية، وتخفيف العبء الضريبي على المقاولات الكبرى، إلخ. وجلي أن الطبقات الشعبية هي من يتحمل مرة أخرى جميع هذه الأعباء لخدمة التراكم الرأسمالي. هذه الطبقات، لاستكمال نقص دخلها، غارقة أكثر فأكثر في ديون خاصة بمعدلات فائدة كبيرة تفرضها مؤسسات القروض الصغرى وقروض الاستهلاك والبنوك.
إذن لا يمكن فصل مسألة الضرائب عن مجمل السياسات الليبرالية التي تنهجها الدولة لصالح الرأسمال. لذا وجب ربط مطالب فرض ضريبة تصاعدية على الأغنياء، وإلغاء ضريبة القيمة المضافة على مواد الاستهلاك الشعبي وعلى المواد العلاجية، والقضاء على التهرب والغش الضريبيين، بمطلب توزيع عادل للثروات وببرنامج جذري عام يتضمن إلغاء الديون، وتشريك البنوك، والقطع مع سياسات المؤسسات المالية الدولية. وهذا لن يتحقق سوى بتعبئة شعبية واسعة لجميع الطبقات المتضررة.
المناضل-ة
21 نونبر 2022
اقرأ أيضا