مُشكل الماء والبدائل الشّعبية المطلُوبة
نسخة للطبع
يعاني المغرب أزمة جفاف حادة ويندرج ضمن البلدان المهددة بشحّ المياه بسبب التقلبات المناخية. هذا الجفاف البنيوي يفاقمه نموذج الرأسمالية ببلدنا الذي يتسم بالتبعية والارتهان بمتطلبات السوق العالمية. فأسس “الاستراتيجية الوطنية للماء 2009- 2020” والمخطط الوطني للماء لسنة 2030 تروم توفير الموارد المائية الضرورية لمصاحبة الأوراش الرأسمالية الكبرى في الزراعة (“مخطط المغرب الأخضر” وصيغته الجديدة “الجيل الأخضر”)، وفي السياحة (“المخطط الأزرق”) والصناعة (“مخطط الإقلاع الصناعي”) والمناجم (“مخطط المغرب المنجمي”). وسبق للدولة أن قامت بتحويل خدمات توزيع الماء الصالح للشرب من القطاع العمومي إلى شركات خاصة متعددة الجنسيات في مدن البيضاء (1997) والرباط (1998) وطنجة (2002) بعد وقت لم يكن طويلا من تبني قانون الماء (1995) الذي يعتبر الماء ملكا عموميا. كما يسرت استحواذ رأسماليين خواص على منابع مائية طبيعية: شركة أولماس سيدي علي بقرية تارميلات، والشركة الأورو- إفريقية للمياه بقرية بنصميم. كان هذا السطو ضدا على إرادة سكان هذه المناطق الذين نظموا احتجاجات وتعرضوا للقمع والسجن.
وتتجلى أكثر هذه المشاريع المستنزفة للثروات المائية في منطقة الجنوب الشرقي شبه الصحراوية نذكر منها محطة ورززات للطاقة الشمسية التي تستخدم مياه سد المنصور الذهبي لتبريد المولدات، وزراعة البطيخ الأحمر التي توسعت بطاطا و زاكورة والمناطق المجاورة، ومنجم الفضة بــ إيميضر، وتطوير الوحدات الفندقية والسياحية بالواحات. وليس صدفة أن تشهد هذه المنطقة انتفاضات ضد العطش بدأت منذ 2012.
ونفس السيرورة تشهدها أيضا منطقة سوس ماسة التي يتركز فيها النموذج الفلاحي القائم على تصدير زراعات مستنزفة للماء وتطوير مركبات سياحية فاخرة وملاعب الغولف، إلخ.
تتسارع هذه الأوراش الرأسمالية في جميع مناطق المغرب وتتكامل في المخططات الجهوية والإقليمية والجماعية. وتلجأ الدولة الى الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتطوير مشاريع ماء السقي الفلاحي الكبرى التي تستفيد بموجبها مقاولات خاصة لتوسيع أرباحها، كما هو الشأن لمشروع توزيع ماء السقي الفلاحي بسبت الكردان بنواحي تارودانت، ومعمل لتحلية ماء البحر بمنطقة أكادير، ومشروع جلب المياه السطحية من واد أم الربيع بين أزمور والجديدة، وتهيئة حوض سد دار الخروفة بمنطقة العرائش، إلخ. هذه المشاريع موجهة اساسا لصالح المجموعات الزراعية المصدرة على حساب صغار الفلاحين الذين لن يستطيعوا تحمل تكاليف الربط بالقنوات وأسعار الماء، ويضطرون بالتالي الى التخلي عن أراضيهم. كما أن هذه الاستثمارات الضخمة تمول بالمديونية العمومية التي ارتفعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة وما يرافقها من سياسات تقشف تؤدي الطبقات الشعبية ثمنها.
تمتص الفلاحة 87% من الثروة المائية بالمغرب. تليها قطاعات السياحة والصناعة والمناجم والتجارة والإدارة العمومية وغيرها. في حين لا يتجاوز استهلاك الفرد من الصالح للشرب حاليا 700 متر مكعب في السنة، وهو بأقل بكثير من عتبة نقص المياه الذي تقدره منظمة الصحة العالمية بــ 1700 متر مكعب للفرد في السنة. هذا دون الحديث عن جودتها التي ما فتأت تتدهور. وهنا يتبين ظلم الدولة الصارخ وهي تضغط على الأسر الكادحة في المدن والقرى لتقليص كمية استهلاكها من الماء.
يتبين بوضوح أن جميع سياسات الدولة في الماء ليست حلولا لأزمة الجفاف بل هي جزء من المشكل. فالمنطق الرأسمالي القائم على الربح الخاص يتعارض مع الحفاظ على الثروات المائية. يتم اعداد مخططات تدبير الموارد المائية التي تستدعي تمويلات باهضة جدا من قبل شركات متعددة الجنسيات تتشارك معها أقلية غنية محلية والمؤسسات المالية الدولية التي تمنح القروض. كما أنها تحتاج الى دراسات للإحاطة علما بجميع تأثيراتها البيئة والاقتصادية والاجتماعية. فقد زادت التحذيرات بشأن محطات تحلية ماء البحر بسبب ما تخلفه من أضرار بيئية (ارتفاع ملوحة البحر وتلوثه بمعادن مختلفة).
ليست مسألة الحفاظ على الثروات المائية وعقلنة استعمالها خيارا تقنيا كما توحي به مخططات الدولة، بل يرتبط بخيارات سياسية واجتماعية وبيئية، منها أساسا:
القطع مع النموذج الفلاحي الذي يقوم على إنتاج زراعات وفق متطلبات السوق والتصدير لجني الأرباح. ويكمن البديل في مشروع السيادة الغذائية الذي ينطوي على حماية الموارد الطبيعية وضمنها الماء أساسا، ويرتكز على ممارسة الزراعة البيئية وعلى تطبيق إصلاح زراعي شعبي شامل.
وقف اتفاقيات ما يسمى بالتبادل الحر التي يلتزم بها المغرب في إطار منظمة التجارة العالمية والتي تفتح المجال للشركات متعددة الاستيطان للاستحواذ على الثروات المائية.
إنهاء ضغوطات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي الرامية إلى إرساء دعائم الرأسمال الكبير المستنزف، وذلك بإلغاء الدين العمومي.
وضع حد لجميع أشكال خوصصة الماء من تدبير مفوض وشراكة قطاع عام وقطاع خاص، وتبني التشريك الجماعي والديمقراطي للثروات المائية.
إرساء الديمقراطية الحقيقية التي ترتكز على إشراك الشعب في تحديد مصيره بنفسه وتسطير سياساته البيئية والاجتماعية والاقتصادية وتحديد آليات مراقبته.
هذه الخيارات البديلة التي تحل المشكل من جذوره تستدعي مقدرة نضالية لتجسيدها، إنها لدى القوى الاجتماعية المتضررة من التدبير الرأسمالي المدمر للثروة المائية: الشغيلة وصغار المنتجين وعامة الكادحين. وقد أبدت هذه الكتلة الشعبية استعدادا للنضال، سواء في العديد من تجارب التصدي لجشع الشركات متعددة الجنسية، أو كفاح قرويين بمناطق عديدة ضد استحواذ البرجوازيين على منابع الماء، او احتجاجات متنوعة من أجل ماء الشرب بأشد المناطق تضررا بالجفاف. كل هذه الكفاحات، بمطالبها الأولية، منطلق لتوسيع جبهة النضال من اجل الحق في الماء، وتجذير مطالبها لتصير جسرا نحو البديل الإجمالي، باعتماد التنظيم الذاتي المسير ديمقراطيا.
المناضل-ة
24 أكتوبر 2022
اقرأ أيضا