الجزائر: الحريات رهان طبقي لدى العمال
كمال عيسات
بمناسبة الذكرى الستين لاتفاقات إيفيان، دعت مجلة أنتيكابيتاليست l’Anticapitaliste كمال عيسات، عضو قيادة حزب العمال الاشتراكي، للإجابة على أسئلتها.
L’Anticapitaliste: وضعت اتفاقات إيفيان في آذار/مارس 1962، حداً للحرب على الجزائر ومهدت طريق استقلال البلد. كيف يمر اليوم هذا الحدث الهام في الجزائر، وما المقصود منه عندما يطرح اليمين واليمين المتطرف نقاشا صريحاً حول الاستعمار والعنصرية؟
كمال عيسات: لم تشهد الجزائر بأي وجه، ويا للمفارقة، احتفاء بمناسبة 19 آذار/مارس لأن من سطوا على السلطة أصلاً، منذ عام 1965، كانوا هاجموا الحكومة المؤقتة خلال حرب الاستيلاء على السلطة عام 1962. رفضوا والحالة تلك اتفاقات إيفيان، بمبرر أنها اتفاقات استعمار جديد. كان هدف هكذا طريقة تقويض شرعية الحكومة المؤقتة المتحدرة من جبهة التحرير الوطني. وبالتالي مضت عشر سنوات وحسب على بداية الاحتفاء بيوم 19 آذار/مارس. يعتبر 5 تموز/يوليو إلى حد كبير أهم رمز للاستقلال في الجزائر. لم يحظ هذا اليوم الرمزي الجديد باعتراف رسمي إلا منذ ما يناهز عشر سنوات، لأنه كان أداة تضارب لكسب الشرعية التاريخية منذ سنوات 60-70.
يُخلِّد 19 آذار/مارس في المقام الأول حالياً وقف إطلاق النار، بقيادة جبهة التحرير الوطني التي أصبحت ضعيفة عسكريًا، ودفعت إلى توقيع ما نعتبره اتفاقات استعمار جديد، بقدر ما أن اتفاقات إيفيان بحد ذاتها كرست صون استمرار مصالح برجوازية الاستعمار في الجزائر.
لم تصبح اتفاقات إيفيان والحالة هذه موضع اعتراض تلقائيًا عبر احتلال المواقع، ومن خلال ما سمي عملية التسيير الذاتي التي بدأت في تموز/يوليو 1962، إلا بفعل عفوية انتفاضة الجماهير الشعبية عموماً (خاصة في قطاع الزراعة وجزئيًا في قطاع العمال)، وتوجه فلاحين كثر إلى المدن.
هل تحررت الجزائر الراهنة تمامًا من إرث الاستعمار أم أنها لا تزال تعاني من عواقبه؟
اغتنم فرصة سؤالك لأقول إن نفس السؤال طرحته جريدة الوطن على رفيقنا آلان كريفين عندما جاء إلى الجزائر عام 2007. أجاب بما يلي: «أجل ذهبت فرنسا، لكن مصالحها ما زالت قائمة هناك». كان هذا رده في تشرين الثاني/نوفمبر 2007، خلال انتقاله إلى الجزائر بمناسبة انعقاد مؤتمر حزب العمال الاشتراكي.
أصبح الأمر أعمق بعد خمسة عشر عامًا. يلزم إدراك أن ممثل الإمبريالية الفرنسية هو من يتخذ القرارات الخاصة بالجزائر في مؤسسات عالمية، مثل بريتون وودز أو صندوق النقد الدولي أو البنك العالمي، في إطار توزيع التحكم بالعالم. ليس أمريكيون أو إنجليز؛ هناك إعادة إنتاج مستوطنات في هذه المؤسسات وغالبًا ما تهتم الإمبريالية الفرنسية بمجالها الخاص المسمى الجزائر. بما في ذلك، وبخاصة، حول الإصلاحات التي شهدها البلد في سنوات 1990. لم يعد ثمة استعمار استيطاني ولكن المصالح، المستمرة بطريقة أو بأخرى بتغيرات طبعاً، إذ لا يزال شكل السيطرة قائما.
هل هذا يفسر، في هذه الذكرى السنوية، شعور المرء أن ثمة تمرين توازني من جانب ماكرون وتبون على حد سواء؟ ما الذي يوحي به ذلك بالنسبة إليك بصدد العلاقات التي لا تزال ملتبسة بين فرنسا والجزائر؟
اجتازت علاقات فرنسا والجزائر أطوارا عديدة منذ العام 1962. يجب إدراك أنها حالة نادرة من حالات الاستعمار الاستيطاني وفي غاية الأهمية. إنها المستعمرة الوحيدة التي لم تشهد برجوازية شعوب أصلية. جاءت البرجوازية من بلد الاستعمار لتستقر فيها. لم يعتمد الاستعمار على برجوازية محلية، بل على برجوازية المستوطنين.
يختلف الأمر تماماً عن أمثلة المغرب أو تونس أو مصر، حيث اعتمد الاستعمار على برجوازيات سكان أصليين محلية. كانت حرب التحرير، في تجذرها وكرامتها، تعبر أساساً عن إرادة شعب الجزائر في تجاوز إطار هذه العلاقات. يشكل الاستعمار الاستيطاني بالفعل شكلاً من أشكال العبودية، لأن الاستعمار بدأ بالمصادرة، وأحياناً إبادة السكان المحليين للاستيلاء على أجود الأراضي. استمرت المقاومة ما يفوق 50 عاماً ولم تستأنف المقاومة في الحركة العمالية إلا في سنوات 1920، خاصة في أوساط المهاجرين. لكن منذ 1870-1880، مع هزيمة مقاومة الأمير عبد القادر أو غيره من المقاومين، استقر الاستعمار الاستيطاني. حدثت أعمال العنف الرهيبة وجرائم الاستعمار الفظيعة خاصة في هذه الحقبة.
ثمة ميل إلى إلى اختزال الحرب على الجزائر في 1954-1962 لكنها قبل ذلك بكثير. منذ عام 1962، تبدو مسرحية بأدوار تجسدها الإمبريالية الفرنسية وحكامها، ونظام الجزائر التي نرى أنه تابع للإمبريالية. ما يعني أن السلطة المحلية تلعب على وتر المشاعر الوطنية بواسطة «الأزمات الصغيرة» التي تُحل بعجالة إلى حد ما. يشكل ما شهدناه منذ العام 2013 حدثا مثالا على ذلك، بحيث أتاحت الجزائر للدولة الاستعمارية استخدام مجالها الجوي للقصف في مالي- بينما عملت الجزائر دوما، في إطار «فلسفتها المعادية للإمبريالية»، على مقاومة الضغوطات الرامية إلى فرض تدخلات أجنبية في البلدان المجاورة أو أي مكان آخر. لكن ترخيص المرور عبر أجواء الجزائر كان عام 2013، وأوقفه تبون بضعة أشهر، ويبدو مستأنَفا الآن. ومن هنا يتضح، لفهم جيد للعلاقات بين الإمبريالية الفرنسية والبرجوازيات المتخلفة مثل بورجوازيتنا-السلطات المحلية-أن مصلحة الإمبريالية تكمن في نظام بالجزائر (وفي بلدان الأخرى) يمسك بعنان سكانه، وإلا سيكون هناك خطر حدوث انفجار.
لذا من مصلحتهم وجود نظام قوي-هنا أو في أي مكان آخر على حد سواء (مثل محمد السادس في المغرب). تتيح هذه العلاقة باستمرار سيطرة الإمبريالية على ثروات بلدان الجنوب.
وبالتالي فإن العلاقة بين الجزائر وفرنسا الآن أشد تعقيدًا. لأن الحركة الوطنية نشأت داخل الحركة العمالية بفرنسا، وتحديداً في إطار نقابة الكونفدرالية العامة للشغل بمعمل رونو في سنوات 1920. جاءت أول فكرة حول الاستقلال من منظمة نجم شمال إفريقيا-التي تشكلت أثناء تأسيس الحزب الشيوعي الفيتنامي بقيادة هوشي منه. تأسسا معا بفضل الأممية الثالثة، التي جعلت ضرورة دعم الاشتراكيين والشيوعيين لتحرر الشعوب ضمن شروط الانضمام إليها. نشأت الحركة الوطنية في فرنسا؛ وقام ما يسمى جالية الهجرة بدور رئيس فيها.
يعيش اليوم ما يفوق 3 ملايين جزائري في فرنسا. بدأت هذه الهجرة سنوات 1920، للاشتغال في قطاعي التعدين والمناجم. نحن في الجيل الرابع أو الخامس، والروابط قوية. تحدث نزاعات لأن هذه العلاقات أصبحت رهان ابتزاز الإمبريالية وحكومة الجزائر، على سبيل المثال حكايات التأشيرات، وحرية التنقل… لأن من غير المقبول رفض ذهاب آباء لرؤية أبنائهم، أو العكس، أو فرض شروط التمكن من السفر على أناس لهم صلة بالمنطقة منذ أجيال.
إذا ما واصلنا سرد التاريخ، يظهر اسما منظمتين متناحرتين مرة أخرى: جبهة التحرير الوطني، ومنظمة الجيش السري، الذين غالبًا ما يُعتبران في خطاب اليمين واليمين المتطرف متقابلين في منزلة واحدة. ما تحليلك حول هذا الموضوع؟
في الواقع، أعتقد أن الأمر كان دوما على هذا النحو. يغذي من يحن إلى الاستعمار أو-بعبارة واضحة-البرجوازيةُ الاستعمارية، التي فقدت مصالحها وقاعدتها المادية في الجزائر، هذا الخطاب وتستفيد منه. لكن لا يمكن مقارنة منظمة الجيش السري مع جبهة التحرير الوطني، التي كانت الأداة التي أتاحت للجزائر انتزاع انتصار ديمقراطي أولي، يعني حق الشعوب في تقرير مصيرها. هذه هي جبهة التحرير الوطني أصلاً. لذا كنا نود أن تكون نجمة شمال إفريقيا أو منظمة من نوع الحزب الشيوعي الفيتنامي، على سبيل المثال، أو شيء من هذا القبيل، أداة تقودنا إلى ثورة اشتراكية.
لكن ما حدث هو أن جبهة التحرير الوطني، المكونة من البرجوازية الصغيرة الجزائرية، استغلت فشل وخيانة الحركة العمالية بقيادة الستالينية أو الاشتراكية الديموقراطية (قال ليون بلوم إن الجزائر كانت «أمة في طور التشكل» ومن الضروري الانتظار حتى يحين وقت المطالبة بالاستقلال) وكانت قادرًة على التأثير إلى حد كبير على انعدام تيار تقدمي في اندلاع حرب التحرير.
تشكل منظمة الجيش السري من جانبها، منظمة إجرامية بالطبع. قلت إن الاستعمار جريمة ضد الإنسانية، وهذا ما أكده ماكرون أيضًا عام 2017، لكنه لم يتجاوز تصريحه ذلك. ستروي الذاكرة درجة فظاعة هذه الجرائم. لم تمارس منظمة الجيش السري إلا الاغتيالات. رفضوا اتفاقات نعتبرها مجرد اتفاقات استعمار جديد لأن منظمة الجيش السري كانت تمثل جناح البرجوازية المحلية المسلح. إنها منظمة مسلحة طبعاً، واضطلع العسكر بدور كبير في الجزائر. كان الجيش الجناح المسلح للبرجوازية «الإقطاعية» وكبار ملاك الأراضي في الجزائر خاصة وجزء من قطاع الصناعة.
ليس ما يقوم به اليمين المتطرف اليوم غير ترديد خطاب جرى تطويره، حتى من قبل قسم من اليسار، حول منافع الاستعمار. فليشرحوا لنا «منافع الاستعمار»، ما خلا بناء الطرق والمنازل التي كانوا يقطنونها. لأن شعب الجزائر لم يكن يسكنها، ولم يكن السكان الأصليين والمحليين الحق في أي شيء. كانت هناك أعمال وعنف ومذابح كثر خلال الحرب.
هناك طرف دافع عن حقوق شعبه وعن تحرره دمقراطياً واجتماعياً، وفي المقابل السلطة المسيطرة. هل يمكن مساواة العنف الثوري بالعنف الرجعي؟ هنا تكمن المسألة كلها. يحن إلى هذه الحقبة من يستغلون الآن فشل الحلول العقلانية على صعيد العالم، وانعدام آفاق أمل على صعيد الإنسانية، بغية العودة إلى خطابات بالية في غاية الخطورة، وحتى «لاإنسانية» وفاشية.
هناك نقطة أخرى لازالت قائمة، حساسة ومؤلمة، وهي مسألة الحركيين. كيف تعالج هذه المسألة في الجزائر وما رأيك في مطالب الحركيين إلى حكومة فرنسا لنيل الاعتراف بهم، ورد الاعتبار إليهم؟
اختار الحركيون معسكرهم خلال الحرب، معسكر المستعمِر، وانتقلوا والحالة هذه إلى جانب الدولة الاستعمارية. وبالتالي فإن المسألة، من وجهة النظر هذه، محض فرنسية ولا تهم الجزائر. والآن، قيل الكثير وبشكل مبالغ فيه بين الحركيين. كما هو الحال في جميع الحروب، بما في ذلك في فرنسا عام 1945، كانت هناك بالطبع تصفيات حسابات كثر؛ وسجلت الذاكرة الجماعية هذه الأمور، بما في ذلك عمليات إعدام بلا محاكمة. ليست هذه الظاهرة خاصة بالجزائر وحرب تحريرها.
حمل الحركيون السلاح مع جيش فرنسا ضد الجزائريين؛ لكن هناك أيضًا فرنسيون كثر حملوا السلاح بجانب الجزائر. هناك تيار في الأممية الرابعة دعم النضال بالكامل: كان أول مؤتمر حضرته جبهة التحرير الوطني مؤتمر الأممية الرابعة عام 1957. لقد شيدوا مصنع أسلحة في الجزائر.
توجد اليوم قرى عديدة بها حركيون، من لم يخوضوا الحرب، ومن لم يختاروا معسكرهم. وبالتالي على الرغم من وجود حالات إعدام بلا محاكمة، لم تكن هناك بأي وجه إبادة جماعية. غير أن الحركيين في فرنسا استُغلوا كذريعة. لقد اختاروا معسكرا، ونحن نقر بأن هذا مؤلم. لكنها تظل مسألة لا تهم الجزائر بأي حال من الأحوال.
هل بوسعك اليوم أن تصف لنا الوضع حالياَ، في حين أن حكومة الجزائر تقمع الحريات الديمقراطية؟ أين وصلت النضالات الاجتماعية ووسائل نضالكم ضد نزع الشرعية القانونية عن حزب العمال الاشتراكي.
أود بداية توضيح أمر واحد حول المسألة الاجتماعية والجزائر: يلزم فهم أن المكاسب الديمقراطية والاجتماعية وثيقة الارتباط بحرب التحرير، وأمل التحرر الاجتماعي الذي أثارته الحركة الوطنية ذاتها. إذا انخرط الجزائريون في حرب التحرير، فلأنهم أولاً كانوا شاهدوا نموذج ما يتمتع به المستوطنون من حياة رغيدة (بما في ذلك الطبقة العاملة بين المستوطنين، الذين كانوا يمتلكون شقق سكنية، وفي غاية الارتياح فيها ويمارسون أنشطة ترفيهية، عكس حال الجزائريين الأصليين كما يُسمَّون). كان إطار الجزائريين المرجعي متمثلاً في العيش مثل هؤلاء الناس؛ وكان المستوطنون يجسدون الحلم الاجتماعي، هذا هو معنى الاستعمار الاستيطاني.
أثارت حركة العام 1962 المسماة «حركة التسيير الذاتي»، اهتماما كبيراً في جميع أنحاء العالم، على الرغم من تشوهها لغياب حزب طليعي، ولأن القوة المنظمة في العام 1962 كانت جيش الدفاع، وبسبب انعدام قيادة سياسية. أفضت حركة التسيير الذاتي والحالة هذه إلى طريق مسدود، وسرعان ما انهارت إلى حد ما بعد ثلاث أو أربع سنوات، رغم أن ثمة مناضلين أسهموا في التنظير حول هذه المسألة. لكن لم تؤخذ بالحسبان أهمية غياب منظمة ثورية كما نفهمها، في علاقة بحركة التسيير الذاتي التي لم تؤد إلى مخارج.
وبالتالي يقال اليوم، ومنذ العام 1962 في إحالة إلى حرب التحرير، إن الجزائر دولة اجتماعية عليها ضمان العدالة الاجتماعية، اعتمادا على بيان فاتح تشرين الثاني/نوفمبر عام 1954. [ُيعد بيان فاتح تشرين الثاني/نوفمبر 1954 أول نداء جبهة التحرير الوطني الجزائرية والوثيقة الأولى التي أعلنت عن اندلاع الثورة ضد الاحتلال الفرنسي-المترجم]
السكن في الجزائر حق، والعمل حق والصحة مجانية. ضمنت الدولة كل هذه الجوانب منذ العام 1962. ولكن منذ عدة عقود، كانت هناك سيرورة إضفاء ليبرالية، ونشهد باستمرار ضرب جميع المكاسب الاجتماعية. وازداد الأمر سوءًا منذ عام أو عامين، مع آخر السياسات التي نهجوها: قانون المالية للعام 2022 وإصلاح قطاع المحروقات الذي سبقه؛ وقانون شراكات الاستثمار الأجنبي المباشر؛ الذي ألغوه، وقانون احتكار الدولة نسبة 51-49٪ من أسهم الاستثمارات.
إنهم يريدون مس ما يسمى بالتحويلات الاجتماعية، ويقومون بإعداد قانون إنهاء دعم المواد الأساسية (الحليب والخبز والزيت…). يعيش معظم الجزائريين حاليًا بفضلها، وسيفاقم ضربها إفقارا قائما بالفعل، مما سيؤدي إلى عودة الأمراض التي نلاحظها الآن، والمرتبطة بسوء التغذية الذي قضى عليها نظامنا الصحي منذ عام 1962.
نشهد حاليًا سياسة فائقة الليبرالية، تعد اتفاقات لإرضاء المقاولات متعددة القوميات في المقام الأول. إذ تمنحها هذه الاتفاقات سلطات وتسهيلات واسعة. وعد تبون في أول خطابه بـمنح القطاع الخاص في الجزائر 18 مليار دولار. يعني القطاع الخاص في الجزائر البرجوازية الكمبرادورية، أي التي تعيش على ظهر الأسواق العامة أو من خلالها. ليس لدينا برجوازية مستقلة أو متبلورة منتجة. بمجرد حدوث أزمة نفطية، تقل أسواق البرجوازية.
هناك اليوم تعديات كثيرة على الحريات، لكن يجب فهم أنها لا تروم وقف الحراك وحسب، وهذا أمر بديهي. لكن الحريات منتهكة في العالم برمته. عندما ننظر إلى الأمور في العالم، يمكن الحديث عن «الحراك» في جميع البلدان، وقد يتضمن المفهوم حركة السترات الصفراء في فرنسا على سبيل المثال. في جميع أنحاء العالم، يتضح أن ردود الحكومات كانت متسلطة وعنيفة. نشهد اليوم في الجزائر عنفا لتحطيم الشباب السياسي الذي نشأ وأيضا بغية تمرير مشروع الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.
هذا لأنهم غير قادرين على النيل من المكاسب التاريخية المرتبطة بالحرب والذاكرة الجماعية دون رد فعل. يمارسون الترهيب بهدف التمرير. يروم ذلك إقامة نظام اقتصادي واجتماعي جديد في الجزائر. أي تقويض جميع المكاسب.
القمع في الجزائر، في غاية العنف. سنت قوانين، وقانون جنائي يتضمن تعديلات تنص على أن كل شخص يسعى إلى تغيير النظام إرهابي. ما عدا إذا قال المرء: «سأذهب للتصويت لتغيير النظام».
أصدروا مرسوماً ينص على أن منظمات مثل الماك (حركة تقرير المصير في منطقة القبائل) منظمات إرهابية. لا يقتصر هذا التوصيف للإرهاب على الجزائر. نراه في فلسطين ضد منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. ولكن أيضًا في فرنسا، خلال معاينة اتهام منظمات مؤيدة للفلسطينيين بالارتباط بالإرهاب، أو عندما تُتَّهم معاداة الصهيونية بمعاداة السامية.
وبالتالي فإن القمع عنيف في الجزائر، وضد حزب العمال الاشتراكي خاصة، لكنه أيضاً عالمي.
تعرض حزب العمال الاشتراكي والحالة هذه للهجوم، وتلقينا دعما عالمياً ونشكر الرفاق الذين ساهموا في إسدائه. تم وقف نشاط حزب العمالي الاشتراكي ولكن لم نحصل بعد على قرار المحكمة. استمعنا إلى النطق بالحكم لكن لم نتوصل بنسخة الحكم. نفهم لأول وهلة، أن هدفهم هو الامتثال للقانون الذي ينص على أنه يجب حل الحزب في حالة العود. في المرة الأولى التي فرضت فيها السلطة ذلك، قدمنا جميع الوثائق لكنهم رفضوا استلامها، أرسلناها بواسطة مفوض قضائي [محضر قضائي في الجزائر -المترجم] لكنهم تصرفوا كأنهم لم يتلقوا شيئًا. ذهبنا لرؤيتهم، لكنهم لم يستقبلونا. يريدون شلّ الكل، جميع المنظمات، أي من شاركوا في الحركة وفي الحملات المنظمة حول القضايا الديموقراطية.
لا يمكن أن نتخلف عن هذه الحملات، لكننا اليوم تحت تهديد الحل والحظر. لدينا رفاق متابعون. نحن لا نتحدث عن ذلك كثيرًا لأننا لا نريد تغذية ما ينجم عنه من خوف في المجتمع. بل نريد بناء نويات مقاومة ونحن موجودون في مبادرات إطلاق جبهات دفاعاً عن الحريات وضد القمع وللإفراج عن المعتقلين. نحن حاضرون ونقوم بدور نضالي.
هل هذا هو شكل الرد الذي ستعتمدونه؟
الأمر معقد للغاية في حالة قمع من هذا القبيل. يخشى الناس الكتابة على فيسبوك والتحدث والتعبير، وبالتالي من المهم الاتحاد لأننا لا نواجه الخوف إلا جماعياً، ولا يمكن أن نعيشه فردياً. يتيح صون أشكال التنظيم مواجهة الخوف جماعياً.
نعتقد أن الضرورة الملحة هي الإفراج عن المعتقلين والدفاع عن الحريات والحق في التنظيم.
نحن حاضرون في النضالات الاجتماعية. هناك سخط كبير لكن النضالات ضعيفة جدا لأنها غير مقترنة بحركة نقابية، لأن هناك تشتت كبير. نشأت الحركة النقابية للطبقة العاملة في الجزائر تاريخيا داخل الحركة الوطنية، وليس في إطار الصراع الطبقي الكلاسيكي.
كان نضال عمال مقاولة نوميلوغ حتى الآن أهم نضال طبقي، ويمثل مواجهة عمال فروع نقابية مباشرة ضد يسعد ربراب، رب عمل خاص، وأحد أكبر الرأسماليين في الجزائر، وصديق ماكرون. طُردوا من العمل، ويحاكمون الآن بتهمة تنظيم تجمعات دفاعاً عن مطالبهم.
هناك نضالات اجتماعية يمكن أن تأتي من جبهة شعبية، من ارتباط بين الطبقة العاملة والنضالات الشعبية القائمة في الأحياء. هذا هو التضافر الذي يجب الاشراف عليه ومساعدته. نحن موجودون بوصفنا حزب العمال الاشتراكي، بنقاط ضعفنا.
قد يحل الحزب في أية لحظة، ونقوم بحملة ضد حل حزب العمال الاشتراكي. تلقينا توقيعات وعريضة نشرت في موقع ميديا بارت. سنقوم بتوسيعها أكثر لمناشدة السلطات العامة على أساس العرائض لأننا نحظى أيضًا بشرعية تاريخية في هذا البلد. نحن جزء من التيارات التي يمكن أن تنسب أنفسها إلى شبكة هنري كورييل، وحاملي الحقائب، والمتعاطفين مع أحد التيارات النادرة التي دعمت حرب التحرير الوطني، أي الأممية الرابعة. قام رفاقنا بدور لا يستهان به إطلاقاً في الحركة الوطنية وحتى بعد الاستقلال، كما جاء في مؤلفات المؤرخ محمد الحربي، أو كما يرويه الرفيقان بونوا في كتابهما الجزائر في القلب. L’Algérie au cœur.
ختاماً، تتمثل أولوياتنا اليوم في مقاومة الإصلاحات الليبرالية، وبناء شبكات مقاومة لكن دفاعاً عن الحريات، لأن التنظيم غير ممكن بدون حرية. إذا انعدم حق التجمع، وحق التعبير، فإن البرجوازية هي الأسمى تنظيماً، وبوسعها الانسجام مع ديكتاتورية، أو تجاوزات استبدادية، كما رأينا في بلدان عديدة. لكن العمال لا يمكنهم ذلك! إن الحريات أساسية للطبقة العاملة ويمكن القول إنها رهان طبقي.
نيسان/أبريل 202
المصدر:
ترجمة : المناضل-ة
اقرأ أيضا