إسرائيل تمارس نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) ضد الفلسطينيين
يمارس الكيان الصهيوني منذ نشأته حرب استئصال ضد الشعب الفلسطيني، وقد أفلح بطرد الملايين منهم إلى الخارج ونزوح آخرين داخل فلسطين خصوصا خلال موجات اللجوء الكبرى، فالشعب الفلسطيني الصامد في أرضه يتعرض لسلسلة من الجرائم اليومية والانتهاكات الجسيمة ونهب ثرواته الوطنية وحرمانه من حقه في العودة إلى أرضه مقابل توطين ظالم لغرباء أجانب بوطنه. جاء تقرير منظمة العفو الدولي كصك اتهام جديد وفضحا للسجل الحافل بالانتهاكات التي ارتكبها الاستعمار الصهيوني للشعب الفلسطيني، لكنه أيضا ينزع القناع عن أنظمة التطبيع التي أغمضت عينيها وسدت أدنيها عن حقيقة أنها تدوس على معاناة شعب فلسطين وتوفر له التغطية للتنصل من جرائمه ضد الإنسانية.
—————-
إسرائيل تمارس نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) ضد الفلسطينيين
الاعتداءات الإسرائيلية متواصلة ضد الفلسطينيين
في 18 مايو 2021 نظم الفلسطينيون إضرابا عاما ردا على خطط السلطات الإسرائيلية لإخلاء سبع أسر من منازلهم في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، ابتدأ الإضراب بحملة على وسائل التواصل الاجتماعي نظمتها العائلات المهددة بالإخلاء، فلقت اهتماما عالميا وحشدت متظاهرين في فلسطين، ردت عليها سلطات الاحتلال بالقمع الشديد، باستخدام مياه كريهة الرائحة لتفريق المتظاهرين واعتقلت متظاهرين سلميين وألقت القنابل الصوتية والارتجاجية على مصلين بساحة المسجد الأقصى.
أثار هذا القمع الوحشي موجة تضامن في كل مناطق فلسطين المحتلة وفي أوساط الفلسطينيين حملة الجنسية الإسرائيلية (عرب إسرائيل)، فشنت سلطات الاحتلال موجة اعتقالات تعسفية واستخدمت القوة بشكل مفرط ضد الفلسطينيين وتقاعست عن حمايتهم من الاعتداءات المنظمة من جانب معتدين يهود.
في الوقت نفسه أطلقت جماعات مسلحة فلسطينية من قطاع غزة صواريخ في اتجاه إسرائيل، فردت هذه الأخيرة بهجوم عسكري عنيف استمر 11 يوما مستهدفة بنية تحتية أساسية ومباني سكنية مما أدى إلى قتل وإصابة المئات ونزوح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، مما فاقم الأزمة الإنسانية التي نتجت أساسا عن الحصار الإسرائيلي المديد.
إلى جانب هذا العنف الدموي الذي يشنه الكيان الصهيوني باستمرار، واجهت المنظمات الفلسطينية المدافعة عن حقوق الإنسان حصارا وقمعا متزايدا لدعواتها المتواصلة على مستوى الأمم المتحدة لاعتبار نظام الحكم الإسرائيلي نظام فصل عنصري (أبرتهايد) ينتهك القانون الدولي العام وحقوق الإنسان ويمارس جرائم ضد الإنسانية، بل حتى المنظمات الإسرائيلية المهتمة بحقوق الإنسان لم تسلم بدورها من حملات إسرائيلية لتشويه سمعتها ونزع الشرعية عنها، لما تقوم به من نزع القناع على هذا النظام العنصري، وتزايدت حدة الهجوم منذ أكتوبر 2021 باستخدام قانون مكافحة الإرهاب لتجريم منظمات بارزة وإغلاق مقراتها واعتقال ومحاكمة العاملين فيها.
تاريخ من الانتهاكات الجسيمة في فلسطين: إسرائيل تواصل جرائمها ضد الإنسانية
منذ نشوء الكيان الصهيوني في عام 1948 اتبعت السلطات الإسرائيلية سياسة واضحة لتشجيع هيمنة اليهود سكانيا وتقليل عدد الفلسطينيين، مع تسهيل سيطرتهم على الأراضي والموارد بنزع ملكية الفلسطينيين. ومنذ 1967 وسعت هذه السياسة وراء الخط الأخضر لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين منذ ذلك الحين. فغيرت التركيبة السكانية لهذا الكيان الجديد لصالح اليهود الإسرائيليين أما الفلسطينيين سواء داخل هذا الكيان أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة فينظر إليهم كتهديد لإقامة أغلبية يهودية فكان من الضروري طردهم وتشريدهم ونزع ممتلكاتهم وحرمانهم من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
تشجيع هيمنة اليهود سكانيا على فلسطين
رسخت السلطات الإسرائيلية الهوية اليهودية لكيانها في قوانينها وفي ممارسات مؤسساتها الرسمية، ففي الوقت الذي يحضا فيه اليهود الإسرائيليون بامتيازات من خدمات وأشكال الحماية الاجتماعية منصوص عليها في القانون الإسرائيلي، تتعامل هذه السلطات مع الفلسطينيين بنحو مختلف باعتبارهم عرب غير يهود، فوزارة الخارجية الإسرائيلية ووسائل إعلامها صنفت رسميا الحاملين منهم للجنسية الإسرائيلية باعتبارهم “مواطني إسرائيل العرب” (سواء مسلمين أو مسيحيين) وأعفتهم من الخدمة العسكرية بالنظر لارتباطاتهم العائلية والدينية والثقافية مع العالم العربي الذي ترى أنها عرض إسرائيل لاعتداءات متكررة وتتخوف من احتمال الولاء المزدوج، وميزت بينهم وبين باقي الفئات غير اليهودية كالدروز والشركس.
نص إعلان قيم دولة إسرائيل منذ صدوره في ماي 1948 على قيام دولة يهودية، وكفل الحق في المساواة التامة لجميع رعاياها لكن القانون الأساسي كوثيقة دستورية للدولة اليهودية في غياب دستور مكتوب لم يكفل هذا الحق، كما وجه مناشدة لشتى يهود العالم بالهجرة إلى إسرائيل، وبموجب قانون العودة 1950 منحت كل يهودي الحق في الهجرة إلى إسرائيل، كما منحتهم الحق التلقائي في الحصول على الجنسية الإسرائيلية بموجب قانون المواطنة سنة 1952، واعتبرت السلطات الإسرائيلية ذلك إجراء ضروريا لمنع إبادة اليهود في أعقاب الهولوكوست (محرقة اليهود) وتوفير المأوى لليهود المضطهدين في العالم، وكرس قانون القومية عام 2018 بوضوح نظام الهيمنة على الفلسطينيين حيث رسخ أن دولة إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي وقصر حق تقرير المصير على “الشعب اليهودي”.
وعلى العكس من ذلك نزح مئات الآلاف من الفلسطينيين كلاجئين خلال الصراع العربي الإسرائيلي ما بين 1947 و1949 من قراهم وبلداتهم ومدنهم فيما أصبح دولة إسرائيل إلى مناطق أخرى مما كان حينها تحت الانتداب البريطاني 22٪ منها خضع لسيطرة الأردن ومصر في أعقاب النزاع العربي الإسرائيلي، وهي التي تشكل حاليا الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونزح معظمهم إلى البلدان العربية المجاورة الأردن وسوريا ولبنان ومنعوا من طرف إسرائيل هم وأبناؤهم وأحفادهم من حق العودة إلى ديارهم وأماكن إقامتهم السابقة، وأسفرت حرب يونيو 1967 التي احتلت فيه إسرائيل عسكريا الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة عن موجة أخرى لتهجير الفلسطينيين وعن خلق نظام قانوني وإداري للسيطرة عن الأراضي المحتلة.
وموازاة مع ذلك شدد مسؤولون سياسيون إسرائيليون بارزون مدنيين وعسكريين علنا باختلاف انتماءاتهم السياسية بالإبقاء على هوية إسرائيل باعتبارها دولة يهودية والتقليل من وصول الفلسطينيين إلى الأراضي الخاضعة للسيطرة الفعلية لإسرائيل، وحصر مكان عيشهم في معازل.
كان قادة الدولة اليهودية المنشأة منذ 1948 مسؤولين عن عمليات طرد جماعية لمئات الآلاف من الفلسطينيين وهدم مئات القرى، مما يرقى إلى مستوى التطهير العرقي، وأجبروا الفلسطينيين على العيش في معازل داخل إسرائيل عقب الاحتلال العسكري الإسرائيلي وفي الضفة الغربية وقطاع غزة منذ احتلالهما سنة 1967.
سيطرة اليهود الإسرائيليون على الأراضي والموارد واغتصاب ممتلكات الفلسطينيين
قبل نشوء الكيان الإسرائيلي عام 1948 شكل الفلسطينيون 70٪ من سكان فلسطين التي كانت وقتئذ خاضعة للانتداب البريطاني ويمتلكون 90٪ من الأراضي المملوكة ملكية خاصة، فيما شكل اليهود الذين هاجر أغلبهم من أوربا 30٪ من السكان، لا تتجاوز ممتلكاتهم سواء الخاصة أو للمؤسسات اليهودية 6.5٪ من الأراضي. لكن السلطات الإسرائيلية استطاعت أن تقلب الوضع رأسا على عقب.
منذ ميلاد الكيان الصهيوني سيطر الإسرائيليون على الغالبية العظمى من أراضي الفلسطينيين ومواردهم الطبيعية بشتى الطرق، حيث سنت قوانين وسياسات واتبعت ممارسات تنطوي على تمييز مجحف في حق الفلسطينيين مما جعلهم يعيشون في حالة خوف وانعدام الأمن فضلا عن حالة الفقر في غالب الأحيان، ورغم أن الفلسطينيين في إسرائيل والأراضي المحتلة يخضعون لنظامين قانونيين وإداريين مختليين إلا أنهم يتعرضون لإجراءات مماثلة لنزع ممتلكاتهم في إطار سياسة التهويد التي تنهجها إسرائيل في مناطق سيطرتها، وحاليا تكثف إسرائيل إجراءاتها في اتجاه دفع الفلسطينيين لترك منازلهم وأراضيهم قسرا في النقب والقدس الشرقية والمنطقة “ج” في الضفة الغربية، تحت أنظمة التخطيط والبناء المتسمة بالتمييز.
وفي الوقت نفسه منح قادة الكيان الصهيوني للمواطنين اليهود قانونيا وفعليا امتيازات من خلال توزيع الأراضي والموارد مما جعلهم يتمتعون بثراء نسبي على حساب الفلسطينيين، ووسعوا المستوطنات اليهودية على حساب الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لازال نظام الأراضي الذي نشأ بعد فترة وجيزة من ميلاد الكيان الصهيوني مستمرا، ويرتكز على مؤسسات حكومية وشبه حكومية معنية بالأراضي وعلى إعادة تفسير القوانين البريطانية والعثمانية الموجودة سابقا، وعلى قضاء داعم يمكن إسرائيل من السيطرة على أراضي الفلسطينيين وإعادة تخصيصها، واستمرت سياسة نزع أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم وتدمير قراهم بشكل واسع خلال نهاية الأربعينات والخمسينات واستمرت حتى نهاية السبعينات من القرن العشرين، ولازال محظورا عليهم الوصول إلى الأراضي والممتلكات التي كانت ملكهم وملك عائلاتهم وتوارثوها لأجيال.
لعبت ثلاثة تشريعات دورا رئيسيا في هذه العملية، قانون الأراضي البريطاني (الاستحواذ على الأراضي لأغراض عامة) لعام 1943 وقانون أملاك الغائبين (قانون نقل الملكية) لعام 1950 وقانون حيازة الأرض لعام 1953 الذي “قنن” بشكل رجعي مصادرة الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل وجيشها باستخدام أنظمة الطوارئ بعد حرب 1947 – 1949 والقرى والبلدات اليهودية المقامة حديثا، ولازالت هذه القوانين سارية مما أدى إلى ملكية هذه الأراضي حصريا للدولة الإسرائيلية والمؤسسات القومية اليهودية. وتستخدم هذه القوانين في القدس الشرقية منذ السيطرة عليها عام 1967 لتحويل أراضي الفلسطينيين لملكية الدولة وسنت السلطات الإسرائيلية قوانين أخرى تعرقل حق الفلسطينيين في الأرض والسكن في القدس الشرقية.
فبموجب قانون “الغائبين” صادرت إسرائيل ما يزيد عن 10 آلاف متجر 25 ألف مبنى وما يقارب 60٪ من الأراضي الخصبة التي يمتلكها اللاجئون الفلسطينيون في إسرائيل والقدس الشرقية، فهذا القانون منح للدولة السيطرة على جميع أراضي الفلسطينيين الذين فروا أو طردوا من أراضيهم بغض النظر عن كونهم لاجئين خارج البلد أو لا، أو ما إذا كانوا نازحين من قراهم ومنازلهم واستقروا داخل إسرائيل، فاعتبروا غائبين رغم أن منهم من يعيش على بعد بضعة كيلومترات من قراهم وأراضيهم. ونموذج 600 شخص من سكان قرية أقرت قرب عكا الذين أمرهم الجيش الإسرائيلي بمغادرة القرية مؤقتا.
بالإضافة لقانون الطوارئ وأوامر أملاك الغائبين والقوانين العسكرية تلجأ إسرائيل لأوامر عسكرية لمصادرة الأراضي الفلسطينية المملوكة ملكية خاصة بدعوى الحاجة العسكرية لتلك الأراضي، وتضفي المحكمة العليا الإسرائيلية على ذلك صبغة قانونية.
في إسرائيل والقدس الشرقية تنقل حيازة الأراضي من الدولة إلى المنظمات والمؤسسات القومية اليهودية التي لا تخدم غالبا سوى اليهود، فيما يمنع الفلسطينيون حملة الجنسية الإسرائيلية من استئجار الأراضي
التفرقة القانونية لتمزيق وحدة الفلسطينيين
أنشأ النظام العسكري الجديد بالمناطق المحتلة بعد حرب يونيو 1967 على أساس النظام القانوني المتعدد الطبقات المكون من قوانين عثمانية وبريطانية ومصرية وأردنية، فيما يمثل تركة القوى المسيطرة على المنطقة من قبل.
منحت اتفاقية أوسلو 1994 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية للسلطة الفلسطينية سيطرة محدودة على الشؤون المدنية الفلسطينية في المراكز الحضرية، وفشلت في إنهاء الاحتلال، ونصت على تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق إدارية مختلفة، ذات مستويات مختلفة من الولاية العسكرية والمدنية الفلسطينية والإسرائيلية مما زاد من تجزيء الفلسطينيين، ورغم سحبها للمستوطنين من قطاع غزة منذ 2005 فإن إسرائيل احتفظت بالسيطرة على القطاع وشدت الحصار البري والجوي والبحري من خلال فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، خاصة بعد سيطرة حماس على القطاع منذ 2007. فإسرائيل هي المتحكم فعليا في السكان الفلسطينيين هناك وفي مواردهم الطبيعية وفي حدودهم البرية والبحرية ومجالهم الجوي باستثناء جزء يسير يمثل حدود غزة مع مصر، ويضطر الفلسطينيون الذين يعيشون في ظل تلك الولايات المنفصلة للحصول على تصاريح العبور للتنقل بين المناطق المختلفة كالدخول والخروج من الضفة أو القطاع أو التنقل من وإلى القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل، كما أن فلسطينيو الضفة والقطاع منفصلون تماما جغرافيا وعلى أساس حالتهم القانونية عن الفلسطينيين حملة الجنسية الإسرائيلية، كما أن الفلسطينيون الذين هجروا خلال حرب 1974 – 1949 لازالوا مشتتين بدول الجوار، معزولين عن الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل أو في الضفة والقطاع من خلال حرمانهم من حق العودة إلى ديارهم الأصلية.
يخضع الفلسطينيون حملة الجنسية الإسرائيلية لقوانين مدنية إسرائيلية تمنحهم قدرا من الحقوق وأشكال الحماية مقارنة مع فلسطينيو الأراضي المحتلة، إلا أنها تحرمهم من الحقوق المتساوية مع حقوق اليهود الإسرائيليون بما في ذلك المساواة في المشاركة السياسية، ولم يسلموا من نزع ممتلكاتهم باستمرار، مما يكرس التمييز ضدهم، أما الفلسطينيون في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل فهم يعيشون كذلك في ضل القوانين المدنية الإسرائيلية لكنهم يمنحون فقط إقامة دائمة ومحرومون من الجنسية الإسرائيلية. ولازال فلسطينيو الضفة الغربية خاضعين لقوانين عسكرية إسرائيلية ولأوامر عسكرية شديدة القسوة اعتمدت مند 1967، بينما الغالبية العظمى من هذه الأوامر لم تعد مطبقة في غزة بعد سحب إسرائيل لمستوطنيها من القطاع منذ 2005، ويخضع فلسطينيو الضفة والقطاع لقوانين فلسطينية.
يشكل الفلسطينيون (حملة الجنسية الفلسطينية وحملة الإقامة الدائمة) 21٪ من السكان بإسرائيل ويبلغ عددهم 1.9 مليون نسمة، يعيش 90٪ من حملة الجنسية الإسرائيلية في 139 بلدة وقرية في منطقتي الجليل والمثلث في شمال إسرائيل وفي منطقة النقب بالجنوب لاعتماد سياسة العزل بعناية، وتعيش الأغلبية العظمى من الباقين أي 10٪ في مدن إسرائيلية مختلطة. أما في حدود بلدية القدس فيبلغ عدد الفلسطينيون 358.800 فلسطيني سنة 2021 يمثلون 38٪ من تعداد سكان البلدية، 150 ألف منهم يعيشون في مناطق معزولة عن المدينة بفعل الجدار ونقط التفتيش العسكرية، ويعيش 225.178 مستوطن يهودي إسرائيلي داخل 13 مستوطنة في القدس الشرقية بنيت على أراضي وممتلكات انتزعت من الفلسطينيين بأشكال غير قانونية.
ويعيش بالضفة الغربية حوالي 3 ملايين فلسطيني وأكثر من 441.600 مستوطن يهودي في 132 مستوطنة أقامتها الحكومة الإسرائيلية وفي 140 بؤرة استيطانية أقيمت منذ تسعينات القرن العشرين دون موافقة الحكومة الإسرائيلية، وغير قانونية حتى بموجب القانون الإسرائيلي. وفي قطاع غزة يعيش حوالي مليوني فلسطيني منهم 1.4 مليون أي 70٪ منهم مسجلين كلاجئين لدى ‘الأونروا’ وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى.
إن وجود هذه الأنظمة المنفصلة جغرافيا وقانونيا هي واحدة من الأساليب التي يعتمدها الكيان الصهيوني للهيمنة وقمع الفلسطينيين وتمزيق وحدتهم إلى فئات متباينة لضمان السيطرة السياسية والأمنية عليهم وللتغطية على وجود نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
اعتماد أنظمة الحكم العسكري كأداة للسيطرة ونزع الملكية
مند 1948 استخدمت سلطات الاحتلال الحكم العسكري كوسيلة للسيطرة على الفلسطينيين داخل إسرائيل وفي المناطق المحتلة، وخلال 18 سنة الأولى من وجودها 1948 – 1966 وضعت إسرائيل مواطنيها الفلسطينيين تحت الحكم العسكري، مستخدمة أنظمة الدفاع ‘الطوارئ’ الخاصة بالانتداب البريطاني مما منحها سلطات واسعة للسيطرة على تنقل السكان ومصادرة ممتلكاتهم وهدم منازلهم وإغلاق لقرى بأكملها كمناطق عسكرية ومحاكمتهم أمام محاكم عسكرية وفرضت عليهم استصدار تصاريح لمغادرة مناطق إقامتهم حتى من أجل الوصول إلى أماكن العمل أو إلى الرعاية الطبية وأخضعتهم لنظام مراقبة صارم قيد حرياتهم السياسية وحظرت الاحتجاجات وقبضت عي النشطاء منهم بسبب أنشطتهم السياسية.
وبعد نجاحها في الحد من عودة النازحين الفلسطينيين داخليا من العودة إلى قراهم المدمرة وأراضيهم التي تم تشجيرها ألغت إسرائيل الحكم العسكري للفلسطينيين حملة الجنسية الإسرائيلية سنة 1966 ورفعت القيود على تنقلاتهم تدريجيا لكن عناصر من ذلك النظام لازالت قائمة، فلم يلغ العمل بأحكام أنظمة حالة الطوارئ ووسع نطاق تطبيقها منذ 1967 ليشمل المناطق المحتلة الضفة الغربية وقطاع غزة باستثناء القدس الشرقية مستخدمة الخبرة التي راكمتها خلال الحكم العسكري للفلسطينيين حملة الجنسية الإسرائيلية، كأساس للإدارة العسكرية في الأراضي المحتلة لمنع أية معارضة والسماح لإسرائيل بنزع ممتلكات الفلسطينيين، ومنذ 1967 ألقت سلطات الاحتلال القبض على أزيد من 800 ألف رجل وامرأة وطفل فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية قدمت الكثير منهم لمحاكم عسكرية غابت عنها المعايير الدولية للمحاكمة العادلة وانتهت أغلبها بالإدانة.
رغم قيام السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أسلو 1994 استمرت السيطرة الإسرائيلية على جميع مناحي حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية بما فيها العمل والتنقل والحالة القانونية والنشاط السياسي والاعتقال والمحاكمة والوصول إلى الموارد الطبيعية، من خلال أزيد من 1800 أمر عسكري إسرائيلي، ويفرض القانون العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية من خلال نظام العدالة العسكري. وفي قطاع غزة أخضع الفلسطينيون للقانون العسكري الإسرائيلي وكانوا يحاكمون أمام المحاكم العسكرية إلى أن فككت إسرائيل مستوطناتها بقطاع غزة عام 2005 واستمر تطبيق عناصر من هذا القانون فيما يتعلق بانتقال الأشخاص والسلع من غزة وإليها والوصول إلى المياه الإقليمية للقطاع و’المنطقة العازلة’ على طول السياج الذي يفصل بين إسرائيل وغزة.
وعلى عكس ذلك أعفي المستوطنون اليهود من الأوامر العسكرية التي تحكم الفلسطينيين منذ سبعينيات القرن العشرين، بعد أن مدت إسرائيل تطبيق قانونها المدني ليشمل المواطنين الإسرائيليين بالأراضي الفلسطينية المحتلة أو الذين يتنقلون فيها، لذلك فالمستوطنون اليهود في الضفة الغربية المحتلة يحاكمون أمام المحاكم المدنية الإسرائيلية.
حرمان الفلسطينيون من حقوق القومية والإقامة والحياة الأسرية
تحرم إسرائيل الفلسطينيين الحاملين لجنسيتها من حقوق المواطنة وتعرقل لم شمل أسرهم، وتحرمهم من الحقوق المرتبطة ب(القومية) اليهودية، فتفرق قانونيا بينهم وبين اليهود، إلى جانب حرمانهم من الامتيازات المرتبطة بالخدمة العسكرية، كما تميز في القدس الشرقية بين سكان المدينة الفلسطينيين وسكانها اليهود، حيث الفلسطينيون يمنحون وضع إقامة هش يسمح لهم بالإقامة والعمل في المدينة ويتمتعون ببعض المزايا الاجتماعية توفرها مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلي والتأمين الصحي الوطني، بيد أن السلطات الإسرائيلية تلغي حق الإقامة الدائمة لآلاف الفلسطينيين وبعضهم بأثر رجعي إن لم يتمكنوا من إثبات أن القدس مركز حياتهم، على عكس المستوطنون اليهود الإسرائيليون بالقدس الشرقية فهم يتمتعون بالجنسية الإسرائيلية، ويعفون من الإجراءات التي تسن ضد الفلسطينيين في المدينة.
منذ 1967 سيطرت إسرائيل على السجل السكاني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتفرض قيود للتحكم في التركيب السكاني لتلك الأراضي، ويعتبر الفلسطينيون فيها بلا الجنسية باستثناء من حصل منهم على جنسية من بلد آخر.
وبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية سنة 2000 جمدت الإدارة المدنية الإسرائيلية المشرفة على الشؤون المدنية للفلسطينيين والمستوطنين اليهود في الضفة الغربية باستثناء القدس الشرقية معظم التغييرات في السجل السكاني، بما فيها لم شمل أسر الفلسطينيين المتزوجين من الأجانب في الأراضي المحتلة وأبنائهم، مما يفرق شمل الأسر الفلسطينية. وينطوي ذلك على تمييز بالغ حيث المستوطنون اليهود في الضفة الغربية يحصلون على تصاريح من لدن السلطات الإسرائيلية لدخول من يتزوجون والإقامة معهم.
ومنذ 2003 بدأت إسرائيل في حظر إقامة الفلسطينيين المسجلين في غزة في الضفة الغربية ونقلت الآلاف منهم قسرا ووصفتهم ب”المتسللين”، ورغم تصريحها لبعضهم بتغيير إقامتهم فهي لم تنفذ ذلك إلا جزئيا، وأمام تعرضهم لخطر الترحيل يبقون سجناء منازلهم خوفا من فحص الهوية على الحواجز الإسرائيلية، ولا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والمزايا الاجتماعية والشغل بشكل قانوني، كما حظرت على الفلسطينيين في الضفة والقطاع الحصول على حالة قانونية في إسرائيل أو في القدس الشرقية من خلال الزواج، وبرر وزير الداخلية الإسرائيلي ذلك بالخوف من أن يستغل لم شمل المتزوجين من تحقيق حق العودة بطريقة متوارية، وبدلا من ذلك حصل من قبلت طلباتهم على تصاريح مؤقتة للإقامة لمدة ستة أشهر، وأدخلت إصلاحات على هذا القانون في اتجاه تشديد القيود على لم شمل الأسر الفلسطينية، واستمر العمل بهذا القانون رغم انقضاء العمل به سنة 2021 وخسرت الحكومة الإسرائيلية في التصويت على تمديده.
ومنذ 2008 بقي آلاف من فلسطينيي غزة غير موثقين حيث رفضت السلطات الإسرائيلية تقنين حالتهم، كما تستمر في حرمان اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من ديارهم إبان الحرب 1947-1949 و حرب 1967 وأبنائهم وأحفادهم من حق العودة إلى أماكنهم السابقة وإلى ممتلكاتهم رغم الاعتراف بذلك بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
منع الفلسطينيين من التنقل بحرية
أخضعت السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية لقيود خانقة على التنقل لعزلهم في معازل منفصلة عن العالم وعن بعضهم البعض، تطبق قيود مشددة بسيطرتها على جميع الطرق والمعابر بين الضفة الغربية والخارج، وعلى معبر “إيريز” بين غزة وإسرائيل وباقي الأراضي المحتلة (وتطبق مصر بدورها قيود مشددة بينها وبين غزة في معبر “رفح”).
ولا يمكن للفلسطينيين بالأراضي المحتلة باستثناء فلسطينيي القدس الشرقية المتمتعين بحق الإقامة الدائمة في إسرائيل السفر إلى الخارج عبر المطارات الإسرائيلية إلا عبر تصريح خاص لا يصدر إلا لكبار رجال الأعمال والحالات الإنسانية الاستثنائية. ويمكن للسلطات العسكرية الإسرائيلية منع أي فلسطيني في الضفة الغربية من السفر إلى الخارج استنادا لمعلومات سرية لا يمكن للمعنيين الطعن فيها أو حتى الإطلاع عليها، وعادة ما يشمل هذا الحضر نشطاء حقوق الإنسان.
ورغم أن السلطات الإسرائيلية تسمح للفلسطينيين حاملي جنسيتها أو للمقيمين في القدس الشرقية بالسفر إلى الخارج عبر المنافذ نفسها التي يستعملها المواطنون اليهود، إلا أنهم يتعرضون لفحوصات واستجوابات أمنية مهينة في المطارات الإسرائيلية تتسم بالتمييز المجحف بسبب هويتهم القومية. ومنذ اندلاع الانتفاضة سنة 2000 فرضت إسرائيل نظام إغلاق شامل على تنقل الفلسطينيين في الضفة الغربية ولازال هذا النظام مستمرا عبر مئات من الحواجز العسكرية الإسرائيلية وتلالا من التراب وبوابات على الطرق المغلقة و700 كلم من الجدار/السياج الملتف، الذي عزل 38 بلدة وقرية فلسطينية في “مناطق التماس” وإجبار سكانها على الحصول على تصاريح خاصة ولدخول ديارهم والخروج منها وعلى تصاريح منفصلة للوصول لأراضيهم الزراعية.
تستثني إسرائيل النساء فوق الخمسين سنة الرجال فوق الخامسة والخمسون لدخول القدس الشرقية أو إسرائيل من الضفة الغربية دون تصاريح ما لم يكن لهم سجل أو حظر أمني، ولا يمكن لسكان غزة دخول الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلا للحالات الإنسانية الاستثنائية أو أصحاب الحالات الطبية العاجلة المهددة للحياة أو الأعمال التجارية الحيوية، وإذا كان الفلسطينيون ملزمون باستصدار تصاريح عسكرية للتنقل بين المنطقتين فإن المستوطنين الإسرائيليين والمواطنون اليهود والرعايا الأجانب بإمكانهم التنقل بحرية داخل الضفة وبينها وبين إسرائيل.
القيود على الحقوق المدنية والمشاركة السياسية في حق الفلسطينيين
تفرض قوانين وسياسات إسرائيلية قيود على مشاركة الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية في صناعة القرار في الكنيست الإسرائيلي، رغم أنه بإمكانهم التصويت والترشح في الانتخابات العامة وينظر إليهم كأعداء من الداخل، فالقانون الأساسي الإسرائيلي لعام 1958 يجيز للجنة الانتخابات المركزية استبعاد أي حزب أو مرشح من الانتخابات إذا كان يرفض تعريف إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية أو يؤيد الصراعات المسلحة لدولة معادية أو منظمة إرهابية ضد إسرائيل. وبموجب قانون الأحزاب السياسية لعام 1992 يحظر أي حزب ينكر من أهدافه أو أفعاله بشكل مباشر أو غير مباشر وجود إسرائيل كدولة “يهودية وديمقراطية”، وهذه القوانين تحد من حرية تعبير النواب الفلسطينيين وتمثيل ناخبيهم بفعالية بالكنيست وتعيق قدرتهم على إسقاط قوانين تقنن الهيمنة اليهودية الإسرائيلية على الفلسطينيين
تتصدى السلطة لاحتجاجات الفلسطينيين حملة الجنسية الإسرائيلية المناهضين للقمع الإسرائيلي بطابع عرقي عنصري واعتقالات جماعية تعسفية واستخدام مفرط للقوة داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة لإسكات أصوت المعارضة، ويتعامل نظام العدالة الجنائية الإسرائيلي بتمييز واضح، فيودع المعتقلون الفلسطينيون رهن الحبس على ذمة التحقيق، فيما يمنح المحتجون اليهود الإفراج بكفالة، وكثيرا ما يحاكم الفلسطينيون مناهضي الاحتلال الإسرائيلي بتهم “العضوية والنشاط في منظمة غير مشروعة”.
ومند عام 1967 حضرت إسرائيل أزيد من 400 منظمة فلسطينية بينها جميع الأحزاب الرئيسية وأبرز منظمات المجتمع المدني المناصرة لحقوق الإنسان والمقدمة لخدمات حيوية مثل المساعدة القانونية والرعاية الطبية، كما ألقي القبض على عشرات النواب الفلسطينيين وأودعوا رهن الاعتقال الإداري أو حوكموا أمام محاكم عسكرية تفتقر للمعايير الدولية.
ويعاقب الأمر العسكري 101 أي فلسطيني حضر أو نظم تجمعا بشأن “مسألة قد تفسر أنها سياسية” لعشرة أفراد دون تصريح بمدد سجنية أقصاها 10 سنوات أو غرامة كبيرة أو كليهما. وفي القدس الشرقية يقصى الفلسطينيون من الانتخابات العامة رغم أنه يسمح لهم بالتصويت والترشح في الانتخابات البلدية في القدس ودأبوا على مقاطعتها احتجاجا على الاحتلال الإسرائيلي. ويتعرض الفلسطينيون بقطاع غزة لقمع إسرائيلي مميت قرب السياج الذي يفصل غزة عن إسرائيل، رغم سحب المستوطنين من غزة مند 2005.
سياسة التخطيط وكبح التنمية والتمييز المجحف ضد الفلسطينيين
تساهم سياسة التخطيط الإسرائيلية في ترسيخ السيطرة اليهودية على الأراضي الفلسطينية من خلال عرقلة توسع المراكز والبلدات الفلسطينية في إسرائيل والأراضي المحتلة وتخصيص الأراضي لبناء بلدات ومدن ومستوطنات إسرائيلية أو لإقامة منتزهات ومناطق خضراء أو مناطق صناعية أو عسكرية، لعرقلة توسع البلدات الفلسطينية وتطويقها ومحو أثر القرى المهدمة منذ 1948، ولا يراعي نظام التخطيط المتبع في إسرائيل حاجات الفلسطينيين، فلم تنشأ السلطات الإسرائيلية أي قرية أو بلدة جديدة للفلسطينيين باستثناء تلك التي تهدف إلى إجبار البدو في النقب على الاستقرار، والتي لازال أغلبها غير معترف بها من طرف الحكومة فبقيت دون بنية تحتية أو خدمات ضرورية، وبدون تمثيل في الهيئات الحكومية المحلية. فيما أنشأت ما يزيد عن 700 بلدة وقرية لليهود. وتفكك السلطات الإسرائيلية المنشآت التي يقيمها الفلسطينيون بدعوى إقامتها بدون ترخيص ويتحمل مالكها تكاليف الهدم إضافة إلى السجن والغرامة.
خصصت السلطات الإسرائيلية معظم الموارد للمواطنين اليهود في إسرائيل وللمستوطنين في الأراضي المحتلة، في تمييز مجحف ضد الفلسطينيين. فملايين الفلسطينيين يتكدسون في مناطق وتغيب فيها التنمية وتفتقر للخدمات الأساسية كالصرف الصحي وجمع النفايات والكهرباء والماء الصالح للشرب، وتساهم القيود المفروضة على التنقل في تكريس هذا الوضع، وحتى وإن تمكن الفلسطينيون من هذه الخدمات فيكون مستواها أدنى من تلك المقدمة للمواطنين اليهود في تمييز واضح ضد الفلسطينيين. ويرتبط ذلك بتعمد إسرائيل خلق ظروف عيش غير محتملة لإجبار الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم وترك منازلهم لتوسيع المستوطنات والبلدات اليهودية.
جعل التقسيم المتعمد للأراضي الفلسطينية الاقتصاد الفلسطيني مفككا ومدمرا وخاضعا لأهداف إسرائيل، وقضت اتفاقية باريس الاقتصادية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1994 عبر الاتحاد الجمركي عن أية إمكانية لاقتصاد فلسطيني مستقل، فضل الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني راكدا منذ 1999 وارتبطت الأراضي الفلسطينية بالسياسة التجارية الإسرائيلية وعانى اقتصادها من القيود الإسرائيلية، فهذه الأخيرة تسيطر على جميع المنافذ ومناطق العبور التي ستمر منها الواردات والصادرات الفلسطينية، فالتأخيرات والإجراءات الأمنية تزيد من التكاليف مما يخلق عجزا تجاريا مستمرا، وانكمش الاقتصاد الفلسطيني في القدس الشرقية إلى النصف منذ ضمها من قبل إسرائيل.
وسبب الجدار منذ بنائه في أزيد من مليار دولار أمريكي من الخسائر وعزل 10٪ من مساحة الضفة الغربية، فحرم 80٪ من المزارعين الفلسطينيين الذين يملكون أراضي في منطقة التماس بين الجدار والخط الأخضر من إمكانية الوصول إلى تلك الأراضي، فهم ملزمون بالحصول على التصاريح العسكرية وتجديدها مرارا، والوصول إلى تلك الأراضي سيرا على الأقدام ومن خلال بوابات محددة في التصريح. وتؤدي القيود المفروضة على التنقل إلى فقدان الفلسطينيين لأزيد من ستين مليون ساعة عمل سنويا في الضفة الغربية.
ويسبب الحصار والهجمات العسكرية المتواصلة في خسائر ضخمة للبنية التحتية الأساسية في قطاع غزة مما جعلها في حالة أزمة إنسانية مستمرة بسبب تعذر الوصول إلى الرعاية الصحية والدواء والغذاء ومياه الشرب مواد البناء والمعدات الخاصة بالتعليم وغياب الكهرباء ونقص المساكن. مما دفع أزيد من مليون شخص إلى ما تحت عتبة الفقر، وتمنع المنطقة العازلة والمنطقة البحرية المحظورة الفلسطينيين في الوصول إلى 35٪ من الأراضي الزراعية و85٪ من منطقة الصيد في غزة، وتمل إسرائيل منذ 2014 على رش المحاصيل الفلسطينية جوا على طول السياج في غزة بمبيدات الأعشاب، مما أفقد مزارعي غزة سبل الرزق مع عواقب صحية ومنذ اكتشاف النفط قبالة سواحل غزة قلصت إسرائيل بشكل متكرر من الحدود البحرية لغزة، مما أفقر 90٪ من الصيادين، فكرس ذلك اعتماد 80٪ من السكان على المساعدات الدولية.
إلى جانب سيطرتها على الأراضي سيطرت إسرائيل على مجمل الموارد المائية في الأراضي المحتلة ومنعت على الفلسطينيين أية إمكانية للوصول إليها دون تصاريح عسكرية في تمييز صارخ، ف فتفوق نسبة استهلاك مستوطنيها للماء ستة أضعاف ما يستهلكه الفلسطينيون. وحرمتهم من نفط وغاز وأحجار ومعادن البحر الميت، عكس انتفاع مواطنيها اليهود، وحرمت الفلسطينيين من الوصول إليها على قدم المساواة.
وفي الصحة والتعليم تمارس سلطات الاحتلال تمييزا ضد الفلسطينيين، ففي إسرائيل والقدس الشرقية، فالبرغم من تدهور صحتهم مقارنة مع الإسرائيليين اليهود لا توفر السلطات الخدمات الصحية في المناطق التي يسكنها الفلسطينيون مما يرغمهم على السفر لمسافات بعيدة، وفي الضفة والقطاع فضلا عن أزمة الطاقة تؤثر التصاريح العسكرية الإسرائيلية على قدرة الفلسطينيين على الحصول على الخدمات الصحية خصوصا في الحالات الخطيرة التي لا يتوفر علاجها إلا في إسرائيل أو القدس الشرقية أو الخارج. وفي التعليم يتلقى الفلسطينيون تمويلا أقل ب 30٪ مما يتلقاه نظرائهم اليهود في إسرائيل والقدس الشرقية في جميع مستويات التعليم.
الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الفلسطينيون جرائم ضد الإنسانية
صنفت منظمة العفو الدولية مجمل الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في إطار جرائم ضد الإنسانية، معتمدة على القانون الدولي، خاصة نظام روما الأساسي واتفاقية الفصل العنصري. فإسرائيل تطبق سيلا من القوانين في تمييز واضح ضد الفلسطينيين في إسرائيل والقدس الشرقية والأراضي المحتلة لحصرهم في معازل ضيقة، وتفرض عليهم أنظمة للتخطيط والبناء غالبا ما تؤدي إلى هدم منشآتهم بما فيها المتصلة بكسبهم اليومي، بذريعة عدم الحصول على التصاريح وتحرمهم عن قصد من الخدمات الأساسية وتستنكف عن حمايتهم من الاعتداءات المتكررة من طرف اليهود الإسرائيليين، لإجبارهم على ترك منازلهم وتلغي إسرائيل حق الإقامة الدائمة لآلاف الفلسطينيين في القدس الشرقية مما يؤدي إلى ترحيلهم بشكل قسري، ودمرت إسرائيل العديد من المنازل من خلال غاراتها التي لم تكن لها ضرورة عسكرية وحولت عشرات الآلف من الفلسطينيين إلى نازحين أو مشردين دون مأوى، فبين 1947 و1949 دمرت 500 قرية فلسطينية، وترقى هذه الممارسات إلى مستوى انتهاك القانون الدولي.
ومنذ احتلال الضفة والقطاع سجنت إسرائيل بموجب أوامر اعتقال آلاف الفلسطينيين منهم أطفال، لأشهر أو لسنوات دون تهمة أو محاكمة وخصوصا ضد معارضي الاحتلال، وتعرض المعتقلون لتعذيب ومعاملة سيئة أتناء القبض عليهم أو استجوابهم، ولا تجري السلطات الإسرائيلية أية تحقيقات في ادعاءات الفلسطينيين بشأن التعذيب مما يعد موافقة السلطات على ممارسته، فيما يشكل انتهاكا للقواعد الأساسية للقانون الدولي.
مارست سلطات الاحتلال أعمال قتل بشكل ممنهج منذ 1967 لآلاف المدنيين في الأراضي المحتلة خارج نطاق النزاع المسلح خلال قمع المظاهرات والاعتقال وإجراء عمليات الاقتحام والتفتيش، مع إفلات من المساءلة وأحيانا يستهدف العاملون في المجال الطبي والصحفي وفي مجال حقوق الإنسان، ولم ينجو منها حتى الفلسطينيون حملة الجنسية الإسرائيلية، ويبقى المسؤولون عن القتل العمد دون مساءلة أو يتابعون في حالات ناذرة بتهم أقل خطورة.
تواص إسرائيل فرض قيودها على التنقل والإقامة بما فيها الحق من مغادرة البلاد أو العودة إليها، مستهدفة الفلسطينيين مما يقوض تمتعهم بمجموعة من الحقوق والحريات الأساسية على مدى سنوات مما يعتبر أفعالا لاإنسانية. كما تواصل تطبيق قوانين تمييزية ضد الفلسطينيين بمنعهم من الوصول إلى أراضيهم أو نقل حق الإقامة لمن يتزوجون وإلى أطفالهم دون أدلة على أنهم يشكلون تهديد. وغالبا ما تنفذ إسرائيل سياستها المبررة بأسباب أمنية مما يتسبب في انتهاكات للحقوق الفلسطينية. بقلم عيسى أيار
فبراير 2022
اقرأ أيضا