مادلين أولبرايت: وفاة مُجرمة قتّالة في خدمة الإمبريالية الأمريكية
بعد وفاة كاتبة الدولة الأمريكية السابقة، مادلين أولبرايت، عبرت الدولة المغربية عن تأثرها، معتبرة “أن الراحلة التي عرفت بحرصها القوي على الدفاع عن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ، ما فتئت تعمل من أجل النهوض بقيم التعايش والتفاهم في العالم.”
تنويرا لكادحي المغرب وكادحاته، ترجمت المناضل-ة النص التالي لإبراز حقيقة تلك المجرمة غير المأسوف عليها.
يوم 23 مارس 2022، ماتت مادلين أولبرايت، كاتبة دولة أمريكية وسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى منظمة الأمم المتحدة سابقا. أجمعت الطبقة السياسية الأمريكية على الاحتفاء بهذا الوجه البارز بالحزب الديمقراطي، وأول امرأة تُعين في منصب كاتب الدولة، مدافعة متحمسة عن العقوبات الاقتصادية، وعن حلف شمال الأطلسي وعن امبريالية الولايات المتحدة الأمريكية.
“[…] قوة طيبوبة، ولطافة، ولياقة[…]” ، بهذا النحو وصف جو بايدن أولبرايت في إشادة طويلة بكاتبة الدولة السابقة. يوضح القاموس الذي اختاره بايدن، المعاكس لما مثلته هذه المرأة لآلاف ضحايا الامبريالية الأمريكية، كامل نفاق السيدة الديبلوماسية.
فالديبلوماسية التي مارستها أولبرايت لم تتميز كثيرا عن ما فعل سابقوها، لاسيما كيسنجر: فلم تكُف أولبرايت، طيلة مدد ولايتها ،عن الدعوة إلى التدخل العسكري الامبريالي للحلف الأطلسي وللولايات المتحدة الأمريكية ، تحت راية منظمة الأمم المتحدة كلما أمكن، مواصلةً بذلك النحو تطبيق عقيدة ريغن. فالولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها “أكبر ديمقراطية في العالم”، ملزمة بفرض “ديمقراطيتها” على العالم برمته، حتى ولو ترتَّب عن تلك السياسة موتُ ملايين البشر. بهذا الصدد صرحت أولبرايت في العام 1998 :” إن كان علينا أن نستعمل القوة، فلأننا نحن الولايات المتحدة الأمريكية، نحن الأمة التي لا غنى عنها. نقف برأس عال وننظر إلى المستقبل بنحو أبعد من سائر البلدان ونرى الخطر هنا لكل واحد منا”.
بنت عائلة برجوازية تشيكية مهاجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية
ولدت ماري يانا كوربيلوفا في العام 1937 في براغ أبنةً لديبلوماسي تشيكوسلوفاكي كبير، جوزيف كوربيل، الذي عمل بوجه خاص سفيرا لدى يوغوسلافيا. اضطرت الأسرة إلى الفرار هرباً من الاحتلال الألماني بسبب صلات كوربيل بحكومة ادوارد بينيس d’Edvard Beneš في المهجر وبسبب يهودية الأسرة، واستقرت في بريطانيا، قبل أن تعود إلى البلد في متم الحرب. تلقت مادلين تربية خاصة بفعل مخاوف والدها من تأثرها بالأفكار الماركسية، وغيرت اسمها إلى مادلين. واضطرت أسرة كوربيل مرة أخرى إلى الهرب بعد الانقلاب الشيوعي في العام 1948، واستقرت في نيويورك. وهناك تابعت مادلين دراسات العلوم السياسية، والتقت ميديل أولبرايت، حفيد أحد أكبر اثرياء الصحافة جوزيف باترسون ، مؤسس يومية دايلي نيوز .
عبور بمنظمة الأمم المتحدة مطبوع بالدفاع الشرس عن العقوبات ضد العراق
في سنوات 1980، انضمت أولبرايت إلى حملة دوكاكيس Dukakis الرئاسية، مستشارةً في الشؤون الدولية. وأتاح لها ترقيها في هيئات الحزب الديمقراطي بلوغَ منصبِ سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى منظمة الأمم المتحدة في العام 1993. وستكون سنواتها بمنظمة الأمم المتحدة مطبوعةً بوجه خاص بالإبادة الجماعية في رواندا في العام 1994. وكانت مأثرتُها الرئيسية في ارتباط مع الصراع دورَها في سحب قوات الأمم المتحدة من رواندا، في أولىى أسابيع الصراع. ورفضت أولبرايت، طيلة فترة مديدة، الحديث عن الإبادة الجماعية بمبرر عدم كفاية الحجج، ما لم يمنعها من التأسف في مذكراتها على تراخي “المجتمع الدولي” بوجه الإبادة، وانتقاد خصمها في منظمة الأمم المتحدة بطرس غالي لنفس الأسباب.
بيد أن اللحظة التي تُلخص بأفضل نحو ديبلوماسية أولبرايت في منظمة الأمم المتحدة تظل هي مساندتها التي لا تلين للعقوبات على العراق. لم يكن خافيا أن العقوبات التي قررتها الولايات المتحدة الأمريكية سببتْ مجاعة كثيفة في العراق، لدرجة وصفها البعضُ بالإبادة، وعوض إزالة العقوبات وضعت حكومة كلينتون برنامج الغذاء مقابل النفط الذي أتاح للعراق بيع بتروله في السوق الدولية مقابل أغذية وتجهيزات أساسية. وكان برنامجا مفيدا للغاية لمشتري النفط العراقي الغربيين، ومنخورا بالفساد. وعندما سُئلت أولبرايت في برنامج تلفزي ( برنامج 60 دقيقة على قناة CBS ) بهذا الصدد، حول ما إن كان موتُ نصف مليون طفل عراقي مقابلا مقبولا للعقوبات الأمريكية المفروضة على العراق، كان جوابها :” نعم، الأمر يستحق ذلك الثمن”.
أولبرايت كاتبة للدولة: تكاثر التدخلات العسكرية الامبريالية وتعزيز الحلف الأطلسي
في العام 1997، ارتقت أولبرايت إلى منصب كاتبة دولة ( معادل وزيرة الشؤون الخارجية) في ظل حكومة كلينتون الثانية. ولمعت في هذا المنصب بديبلوماسيتها العدوانية وسياسة المزايدة الامبريالية ، لا سيما في يوغوسلافيا و الشرق الأوسط. كانت مساندة أولبرايت المطلقة لقصف الحلف الاطلسي لصربيا، بمبرر “تفادي إبادة” – ستقع فعلا- قد دفع بعض الدبلوماسيين إلى تسمية الصراع بـ”حرب مادلين”. وفي أثناء قمة الحلف الأطلسي في العام 1998، ساندت أولبرايت سياسة المنظمة التوسعية، وأعلنت في خطابها ما سيصير قاعدة غير نظامية للحلف الأطلسي: اللاءات الثلاث: لا تخفيض (للتوسع و للميزانية)ـ و لا تمييز (إزاء غير أعضاء الاتحاد الاوربي، أي البلقان و شرق أوربا) و لا استنساخ ( كبح سعي الاتحاد الاوربي إلى استنساخ ما يقوم به الحلف الأطلسي خارج المنظمة).
“مكان خاصة في الجحيم”؟
منذ نهاية ولايتها في العام 2001، توارت أولبرايت قليلا عن الساحة السياسية، كي تكتب مذكراتها، ـأو تحدث معرضا لمشابك الزينة الخاصة بها (اشتهرت بمواظبة وضعها على صدرها) في متحف الفنون و التصميم في نيويورك. وشاركت مع ذلك في الحملة الرئاسية لصديقتها هيلاري كلينتون، وصرحت بصدد النساء اللائي يساندن خصمها بيرني ساندرس أن ” ثمة مكان خاص في جهنم للنساء اللائي لا يتبادلن المساعدة”. وجلي أنها ملاحظة لا تعني النساء ضحايا العقوبات و القنابل الأمريكية.
إشادة الامبريالية الأمريكية بإحدى حاملات لوائها
تم تنكيس الأعلام و التعبير بصيغ متعددة عن الإشادة من مجمل الطبقة السياسية. لن تثير ردود فعل المؤسسة الأمريكية على وفاة لأولبرايت استغراب أي شخص. انها نفس مشاعر التأثر بالإجماع التي شهدنا مؤخرا بعد وفاة كولن باول، خلفِ أولبرايت في منصب كاتب الدولة ومهندس الحرب على العراق بمبررات أسلحة الدمار الشامل الزائفة، أو وفاة جون ماكاين المرشح السابق إلى الرئاسة.
هكذا يرسم بيل كلينتون صورة كلها مديح لكاتبة الدولة السابقة بقول :” كانت قوة شغوفة بالحرية و الديمقراطية وحقوق الانسان”. ليس استعمال هذه الألفاظ عديم الشأن، فباسم الحرية و الديمقراطية وحقوق الانسان بررت الولايات المتحدة الأمريكية، سواء في ظل كيسنجر أو اولبرايت، تدخلاتها في الصراعات التي غالبا ما كانت محركها.
مآثر مدوية بشدة في سياق حرب أوكرانيا
لا يزيد الصراع في أوكرانيا غير تأكيد نفاق كل تلك الإشادة بأولبرايت. لا بل يسعى البعض إلى مقارنة وضع ملايين اللاجئين الأوكرانيين بوجه الغزو الروسي بوضع أولبرايت كلاجئة بوجه تقدم الاتحاد السوفياتي في أوربا الحرب الباردة. غير أن صلة مادلين اولبرايت بالصراع الروسي الأوكراني مباشر أكثر: إحدى الأسباب الرئيسية للصراع هو التقارب بين الحلف الأطلسي وأوكرانيا، تقارب بات ممكنا بفعل تدخل الولايات المتحدة وتوسع الحلف الأطلسي في شرق أوربا، المدعوم الى حد كبير من قبل أولبرايت طيلة مسارها. وعلى غرار ذلك، تجد سياسة عقوبات الغرب لروسيا والتي تنال مباشرة من الشعب الروسي صدى خاصا في مساندة أولبرايت للعقوبات القاتلة التي أضرب بشعب العراق في سنوات 1990.
قطعيًّا لن نذرف الدمع على موت أولبرايت.
بقلم أماردونيوس Amardonios
المصدر: موقع www.revolutionpermanente.fr
ترجمة المناضل-ة
اقرأ أيضا