لماذا وكيف علينا- نحن الطلبة- الاستمرار في النضال ضد قرار وزارة التعليم بشأن الإقصاء من المباريات؟
تُواصل الدولة هجومها على حق مئات آلاف الشباب والشابات في الحصول على شغل قار، عبر مسلسل من السياسات والبرامج التي تطبقها منذ عقود في قطاع التعليم والتشغيل، الهادفة إلى تدمير المدرسة والوظيفة العموميتين.
تأتي الشروط الإقصائية (شرط السن 30، ميزات تحصيل البكالوريا والإجازة، إجازة علوم التربية، عدم الاشتغال مع مؤسسات القطاع الخاص) التي فرضتها وزارة التربية والتكوين لاجتياز مباراة الولوج إلى مراكز تكوين ما يُطلق عليه “أطر الأكاديميات الجهوية” في إطار التوظيف الجهوي/ التعاقد، في قلب هذا الهجوم الذي بدأ الإعداد له من بداية سنوات الألفين. وصيحةُ هذا الهجوم الممتد والمتعدد الجبهات هو تكييف المدرسة والجامعة لخدمة مصالح الرأسمال والقضاء على نمط التوظيف العمومي القار واستبداله بنمط جديد هش ومرن يستلهم علاقات الشغل القائمة في القطاع الخاص.
مبررات مضللة إخفاء غاية الهجوم
تختبئ الدولة خلف شعارات براقة ولكنها مضللة وتخفي غاياتها الحقيقية، وأهم هذه الشعارات “الارتقاء بمنظومة التربية والتكوين” و”تحسين جاذبية مهن التربية والتكوين”.
إن الارتقاء عند الدولة هو جعل المدرسة خادمة لمحيطها الاقتصادي، عبر تكييف شديد للمناهج والبرامج التعليمية بما يستجيب للمتطلبات المتقلبة للمقاولات أو ما يُطلق عليه “سوق شغل”. وليس الارتقاء بمعنى توفير مقعد لكل تلميذ وتعليم جيد ورفع ميزانيات القطاع وتحسين ظروف اشتغال شغيلة القطاع.
ليس “الارتقاء” جديدا ومرتبطا بالإجراءات الأخيرة، فقد بدأ الأمر منذ زمن بعيد بالهجوم على الدراسات الأساسية بمبرر عدم تطابقها مع سوق الشغل، وفُتحت مسالك التكوين المهني في وجه آلاف الطلاب، وانتُهِجت عشرات برامج تأهيل خريجي- ات الجامعات لتحويلهم- هن إلى مقاولين- ات ناجحين- ات، انتهت كلها إلى الإفلاس. ليس المشكل في ما لُقنه الطلاب- ات بل في سوق الشغل والنسيج الاقتصادي غير القادر على استيعاب عشرات ألوف الخريجين، فضلا عن سياسة خوصصة قطاعات عمومية كبيرة وتقشف أنهت بشكل كلي دور الدولة في التشغيل عبر باب الوظيفة العمومية.
تستمر الدولة في نفس سبيل تطويع التعليم (برامجا ومناهجا) لخدمة أرباب العمل وسياسات التقشف والخوصصة، عبر باب “دعم جاذبية مهن التربية والتكوين”. وادعاء عدم تطابق الإجازات الأساسية مع مواصفات مهن التربية والتكوين ليس إلا امتداد لنفس الذريعة القديمة/ الجديدة القائلة بعدم ملاءمة شهادات الجامعة لسوق الشغل.
إن “جاذبية مهن التربية والتكوين” التي تفرط الدولة في مديحها تصب في مصلحة أرباب العمل الذين ستوفر لهم المدرسة مكوِّنين سيحشون أدمغة التلاميذ- ات والطلاب بما يجعلهم- هن “رأسمالا بشريا” قابلا بكل آليات الاستغلال واعتصار فائض القيمة، كما تصب في مصلحة الدولة التي تريد شغيلة تعليم تقبل بكل أشكال الاستغلال مع أقل قدر من الحقوق، ما يجعل من تلك “المهنة” منفرة وليس جذابة.
تعمل البرجوازية ودولتها، منذ الهجمة النيوليبرالية، على حصر دور المدرسة في تقديم مناهج ومضامين ضيقة لتكوين ملحقات بشرية بآلات الرأسماليين، الذين لن يستفيدوا بأي شكل من الأشكال من تلاميذ وطلاب تلقوا تكوينا في ميادين الفلسفة والفنون والتاريخ والآداب… هذا ما تقصده الدولة تماما بـ”الارتقاء بالمدرسة وتجويدها وتثمينها”.
ومن شأن تدمير دور المدرسة في تقديم المعارف الإنسانية، إلى جانب سياسة التفقير ونزع المكاسب الاجتماعية، أن يحول ملايين الشباب إلى وسط مستلب من قبل الايديولوجية البورجوازية، تدمره الرأسمالية من خلال المدرسة والمخدرات والكبت الجنسي والقمع الثقافي والعائلة البطريركية.
ما مصير الاجازات الأساسية؟
جرى حرمان حاملي- ات الشهادات الأساسية من مباراة الولوج إلى مراكز تكوين أطر الأكاديميات، وسيتم انطلاقا من هذه السنة اعتماد إجازات علوم التربية فقط. تريد الدولة أساتذة بتكوين يتلاءم مع المهام التي ستغرقهم بها، وتريد أساتذة- ات مؤمنين- ات بالمفاهيم الجديدة المستوحاة من القطاع الخاص التي تسعى إلى تكريسها في القطاع العمومي من قبيل: الموارد البشرية، التثمين، المردودية، الحوافز، الانصاف وتكافؤ الفرص ، الأجر مقابل العمل… إلخ. فالمضمون الذي تلقاه طلبة الإجازات الأساسية (آداب ولغات وعلوم حقة وقانونية واجتماعية) لا يفي بذلك الغرض والمناهج التي تعلموا من خلالها لا تضمن الاشتغال بالآليات الجديدة التي تعمل الدولة على استقدامها من القطاع الخاص إلى القطاع العام. وسيجر تعويض تلك الإجازات الأساسية بأخرى من مسلك علوم مهن التربية والتكوين، التي ستضمن يدا عاملة- هيئة تدريس متشربة بدورها تلك الآليات ومقتنعة بها.
يدرس في الجامعات العمومية ذات الاستقطاب المفتوح مليون طالب/ة، كان قطاع التعليم هو المشغل الأول للمحظوظين/ات الذين يحصلون على شهادة الإجازة. أغلقت الدولة هذا الباب أمام مئات الآلاف من خريجي الجامعات العمومية دون خلق بديل يكفيهم شر البطالة وقدمتهم على طبق من ذهب لأرباب الاستغلال والاستعباد في القطاع الخاص. لن يجد خريجو الجامعات العمومية أمامهم سوى هذا القطاع، الذي سيفرض شروطا جديدة أكثر فرطا للاستغلال مستندا على الجيش العظيم الذي خلقته الدولة من ضحايا البطالة، سيمتص القطاع الخاص عرق ودماء الشباب بأجور زهيدة وبشروط عمل قاسية بمباركة الدولة.
الخلاص ليس في إجازات مهن التربية والتكوين
كما كان الحال مع التكون المهني، سيهجر الطلاب الدراسات الأساسية ويتوجهون نحو كليات مهن التربية والتكوين، رغم أنها لن تستوعب إلا أعدادا قليلة بفعل اعتماد الانتقاء، آملين- ات الخلاص من جحيم البطالة والاستغلال في القطاع الخاص. ستتبدد هذه الآمال وتتحطم لأن عدد المناصب التي تعلن عنها الدولة، مقارنة مع الاحتياجات الحقيقية، سائرة نحو التقلص بمبرر تقليص كتلة الأجور والإحالة على التقاعد وتشجيع التقاعد المبكر، تماما كما خابت آمال خريجي مؤسسات التكوين المهني (انظر تقرير المجلس الأعلى لتعليم لسنة 2015).
يجب ألا نساير الدولة في هجومها، بل تجب مقاومته. لا يكمن حل مشكل البطالة في تغيير مسالك التعليم والتكوين، فهو مرتبط أساسا بنموذج اقتصادي يضع في صلب أولياته مصالح أقلية من المستثمرين الذين يستفيدون من إعفاءات ضريبية ويد عاملة رخيصة يراكمون ثرواتهم الخاصة ويضربون عرض الحائط مصلحة السواد الأعظم من الشعب المغربي الذي يمول بضرائبه خزينة الدولة ويعاني ويلات الفقر والبطالة وشتى أنواع الاستغلال في القطاع الخاص. أرباب العمل هؤلاء هم من تسعى الدولة- منذ عقدين- إلى تطويع التعليم وخريجيه ليخدم متطلباتهم ومصالحهم، وضمنها يندرج القرار الأخير للوزارة.
الانتصار ممكن شرط التنظيم من أسفل
ليس واقع البطالة التي تخنق آلاف الشباب قدرا محتوما وجب الاستسلام له، بل نتيجة سياسات مقصودة ومدروسة يجب مقاومتها والتصدي لها. هذه المقاومة يجب أن تبدأ من داخل الجامعات العمومية التي تعمل الدولة على ضرب قيمة شهاداتها.
مهمتنا الأولى هي التنظيم من أجل النضال للدفاع عن حق اختيار مسارنا الدراسي وضمنه الحق في الإجازات الأساسية مع الحق في شغل ودخل يضمن الكرامة الإنسانية. والنضال ضد كل المخططات التي تخرب الجامعة العمومية، كي لا يذهب عناء سنوات الدراسة في الجامعة سدى، يجب أن يمتد هذا النضال ليشمل مطلب الشغل القار أو التعويض عن البطالة لكل المعطلين- ات بدون استثناء.
أبان الطلبة عن استعداد نضالي خارق في موجة الاحتجاج الأخيرة، لكنها كما سابقاتها، اصطدمت بحائط انقراض التنظيم الطلابي. تبددت الاندفاعة الطلابية كخيط دخان، لأن الوعاء التنظيمي الذي كان سيمركزها ويوجهها مفتقَدٌ. علينا العمل على تفادي هذا التبديد في الموجات النضالية التي تلوح في الأفق. علينا الانتظام داخل الجامعات من أسفل، بدل انتظار من ينظمنا من أعلى: جموعات عامة خاصة بالشعب في المدرجات والأقسام حيث يتواجد الطلاب بالمئات والآلاف، وحيث مناخ التآلف بين طلاب نفس الشعبة قائمٌ ويتيحُ حرية الكلام، بدل أشكال تقرير تقتصر فقط على الطلاب المسيَّسين.
انخراطنا الواسع في المعارك (تقريرا وتسييرا ورقابة) هو ما سيدفع النضال ضد تخريب الجامعة وضد البطالة إلى الأمام. وهذا أمر ممكن فقط إذا اخترع الطلاب، أو أعادوا إحياء، أشكال تنظيمهم الذاتي بدءً من أسفل (لجان أقسام، جموع عامة للشعب) ومركزتها عبر أشكال تنظيم تغطي الكلية وتمتد بعدها لتشمل الجامعة. وسيفتح هذا بابا واسعا للخروج من حالة اللاتنظيم التي طغت في الجامعة المغربية منذ بداية ثمانينات القرن العشرين.
النضال هو الخلاص الوحيد
سنقاوم ونناضل من أجل حقوقنا الأساسية
بقلم- ثورية
اقرأ أيضا