المقرر الوزاري بشأن تنظيم السنة الدراسية 2020- 2021 إحكام الطوق حول أعناق الشغيلة
أصدرت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي مقرر رقم رقم 20.029 بتاريخ 5 غشت 2020، بشأن تنظيم السنة الدراسية 2020- 2021، “قطاع التربية الوطنية”، تحت شعار خادع تخفي مفاهيمُه الرنانة المضمونَ النيوليبرالي لهجوم الدولة على حقي التعليم والتوظيف العموميين: “من أجل مدرسة متجددة ومنصفة ومواطنة ودامجة”.
استغلت الوزارة- ولا زالت- ظرفية الوباء والحجر لاستكمال الترسانة القانونية عبر مذكرات ومقررات لتنزيل فعلي لـ”القانون الإطار 51.17″، وأيضا “مشروع النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين” عبر تنزيله على شكل جرعات، تجعله أمرا واقعا قبل المصادقة عليه نهائيا كـ”نظام أساسي جديد”.
تتضمن أغلب المذكرات والمقررات الوزارية الخطوط العريضة لهذا الهجوم”: “مأسسة التعليم عن بعد”، “رقمنة تدبير الموارد البشرية”، إلقاء مهام إدارية على عاتق هيئة التدريس وتكثيف استغلالها، تحميل الأسر جزءً مهما من كلفة تدريس التلاميذ- ات، الدفع بمزيد من “استقلالية المؤسسة” وتفعيل “اللاتمركز إداري”… وهذه هي المحاور التي تضمنها المقرر الوزاري بشأن الدخول المدرسي المقبل.
تظل مرتكزات وصياغات المقررات الوزارية المنظمة للمواسم الدراسية هي ذاتها وتتجدد كل سنة، ويجري استكمال الهجوم بإضافة لمسات هجوم جديدة، وبذلك فهي ليست محض وثائق تقنية وتدبيرية [لوائح العطل، التصريح بالمناصب الشاغرة…]، بل مؤطرة بروح ذات المنطق النيوليبرالي [تقشف، مرونة… إلخ].
هجوم أيديولوجي…
سنكون مخدوعين- ات إذا ظللنا نناقش هذه الهجمات بمعزل عن السياسة العامة للدولة القائمة على الاستمرار في التقشف [الذي أكد عليه القانون التعديلي لمالية 2020] وإعادة الهيكلة الشاملة لعلاقات الشغل داخل الوظيفة العمومية ونقل تلك القائمة بالقطاع الخاص إليها.
تتجلى خطورة هذا العزل في استبطان شغيلة التعليم [ومنظمات نضالها] لنفس الجهاز المفاهيمي الذي تغلف به الدولة هجماتها، ومحاولة إظهار أن الدولة/ الوزارة تتناقض مع تعهداتها المُعلَنة، أو إعلان “فشل الإصلاح”، ما يمنح الدولة فرصة تصوير هجماتها على شكل استجابة لمطالب الشغيلة.
قبل أن تشن الدولة هجمة من هجماتها، تقوم بتمهيد الأرضية لقبولها أيديولوجيا، وتتسلل مفاهيم الهجوم إلى خطاب المستهدَفين- ات به، ويستبطن هؤلاء تلك المفاهيم وكأنها تحصيل حاصل… هذا ما جرى من قبل مع مفاهيم مثل “اللامركزة واللاتمركز” و”الجهوية المتقدمة” التي تعتبر الإطار المرجعي للتوظيف بالتعاقد وتفويت تدبير الموظفين- ات للهيئات الدنيا (جهات، أكاديميات، مندوبيات… إلخ) بعد أن كان ذلك يجري مركزيا… وقد سمعنا سابقا من كان يعترض على التوظيف بالعقدة بمبرر غياب مقومات جهوية حقيقية، ويطالب بهذه المقومات كشرط لقبول التعاقد.
يحدث نفس الشيء حاليا مع مفهومي “الموارد البشرية” و”الرأسمال البشري” الذي تسلل من أدبيات البنك الدولي ومقررات الدولة وأصبحا متداولين في لغة الشغيلة، وأضحى “التشارك في تدبيرها” أمرا تُطالب به قيادات تنظيمات الشغيلة، في حين أن المفهومين “الموارد البشرية” و”آليات تدبيرها الحديثة” تعتبران أساس تفكيك علاقات الشغل القارة داخل الوظيفة العمومية وتعويضها بعلاقات المرونة كتلك السائدة بالقطاع الخاص.
ولا تخفي الدولة مضامين مفاهيمها رغم انخداع الشغيلة وتنظيماتها ببريقها، فهي حين تستعمل “الموارد البشرية” تقول صراحة: “الموظفون عبارة عن استثمارات كثيرا ما يُساء تقديرُها. ويكفي لإدراك ذلك، المقارنة بين المجموع الكلي لما يتقاضه أحدهم على مدى 30 عاما والمبلغ اللازم لشراء وصيانة آلة لا يتجاوز عمرها 15 إلى 20 عاما على أحسن تقدير”. [“الدليل المنهجي للتدبير التوقعي للوظائف والأعداد والكفاءات”، وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، 2016].
… لتنزيل الهجمات المادية
يساعد استبطانُ هذه المفاهيم من طرف الشغيلة وقيادات تنظيمات نضالها الدولةَ في أجرأة هجومها دون كبيرِ مقاومة، إذ تقتصر هذه الأخيرة على رد فعل ضد نتائج الهجوم وبمنظور ينتقد الدولة لأنها لم “تَفِ بتعهداتها”، وقد سبق ورأينا قيادات نقابية تطالب الوزارة بإخراج “نظام أساسي عادل ومحفز ومنصف”، رغم أن هذه المفاهيم تؤطر مجمل الهجوم على العمل القار وتعميم المرونة والهشاشة. [انظر- ي مقال “معالمُ النّظام الأساسي الجديد لشغيلة التعليم… ما السّبل النّضالية لمنع تمريره؟”].
تضمن المقرر الوزاري الأخير تنزيلا لهجمات مقررة سلفة (القانون- الإطار 51.17) أو يجري الإعداد للمصادقة عليه (مشروع النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين):
أ. “مأسسة التعليم عن بعد”
نجحت الدولة في فرض “التعليم عن بعد” كآلية إلى جانب التعليم الحضوري، وقد استفادت من ظرفية الحجر الصحي الذي أعدم إمكانية النضال الميداني، ولكن أيضا من قبول مشروط من طرف قيادات تنظيمات شغيلة التعليم [نقابات وتنسيقيات] التي رفضت “التعليم عن بعد” بمبرر انعدام “التجهيزات والتأطير والتكوين”، وهو ما ردت عليه الوزارة بتوفير هذه التجهيزات “للأسر الأكثر فقرا” وتجهيز “أماكن لتصوير الموارد الرقمية” داخل المؤسسات.
وقد فرضت الوزارة تخصيص جزء من شهري يوليوز وغشت للاستمرار في “إنتاج الموارد الرقمية”، وها هو المقرر الوزاري ينص في المادة 1 على “إدراج بعض المستجدات المرتبطة بالتعليم عن بعد، التي تم اعتمادها إبان الموسم الدراسي 2019- 2020، كبديل للدروس الحضورية”.
سيكون “التعليم عن بعد” وسيلة لتشديد وتيرة استغلال شغيلة التعليم وتمطيط ساعات عملها الذي سيمتد ليشمل حتى ساعات تجديد قوة عملها [وقت الفراغ أو الراحة بالمنازل]، وفي نفس الوقت بوابة مشرعة لتنفيذ مخطط ربط الترقية بالمردودية، إضافة إلى تسطيح المعرفة التي سيتلقاها التلاميذ- ات واختصارها في مهارات وكفايات موجهة لخدمة عالم المقاولة.
بـ. “رقمنة تدبير الموارد الرقمية”
إن تناول “الرقمنة” بمعزل عن السياسة العامة للدولة، سيجعلنا نبدو كمحافظين-ات (إن لم يكن رجعيين- ات)، نرفض إدماج التقنيات الحديثة في العمل الإداري. ولكن للدولة غاياتها الخاصة وهي تصرح بها في تقاريرها ومخططاتها: التقشف، تقليص كتلة الأجور، رقابة صارمة على أداء الشغيلة لربط المسؤولية بالمحاسبة أي ربط الأجور بمقدار العمل الذي يؤديه الأستاذ- ة والترقية بمردوديتهما.
عملت الوزارة على إعداد عُدَّة اليكترونية لهذه الغاية منذ سنوات، وعلى رأسها منظومة مسار التي ستصبح مثل “الأخ الأكبر” الأورويلي الذي يحسب سكنات وحركات شغيلة التعليم ويراقب مقدار عملها بناء على ما أسمته الدولة “الدلائل المرجعية للكفاءات”.
نص المقرر الوزاري على توسيع استعمال منظومة مسار لتشمل “مراقبة” عمل الشغيلة: “العمل على إعداد جداول الحصص واستعمالات الزمن باعتماد منظومة مسار، مع الحرص على إسناد حصص أنشطة المراجعة والتثبيت والأنشطة التربوية للأستاذات والأساتذة الذين لم تستوف جداول الحصص المسندة إليهم الحصص النظامية الكاملة.
هل نرفض الرقمنة بشكل مبدئي؟ أبدا، لكن نرفض الأهداف التقشفية التي تخدمها “الرقمنة” التي تسعى الدولة لفرضها. فالتقنية ليست شرا في حد ذاتها، لكنها تتحول إلى آلية لتشديد استغلال وإنهاك الشغيلة حين تندرج في إطار سياسة نيوليبرالية هدفها تفكيك علاقات الشغل القار وتقليص كتلة الأجور بربطها مع كمية العمل المقدم فرديا من قِبَل كل موظف-ة، وهو ما عبر عنه صراحة “الدليل المنهجي للتدبير التوقعي للوظائف والأعداد والكفاءات”: “المقصود هو الحصول منهم [أي من الموظفين- ات] على أقصى فائدة من منظور الأخذ والعطاء”.
ج. تكثيف استغلال ومهام إضافية
شنت الدولة هجوما أيديولوجيا على الشغيلة من بوابة “زمن العمل الإداري”، وانتقد تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول الوظيفة العمومية (2017) “التباينَ الملحوظ على مستوى الزمن الفعلي للعمل الإداري داخل مختلف الإدارات العمومية”، مطالبا بـ”وضع آليات تروم التحقق من الوقت الفعلي للعمل في إطار المدة المحددة في النصوص التنظيمية”.
ومعنى ذلك إن ترجمناه إلى لغة الاستغلال: بدل توظيف شغيلة تعليم جديدة، كَثِّف استغلال المتوفر منها، وهو ما عبر عنه موقع وزارة المالية بشكل دقيق في مقال تحت عنوان “التدبير التوقعي للوظائف والكفاءات”: “الاستعمال الأنجع للأعداد المتاحة من الموظفين عبر توصيف دقيق لمضمون الوظائف والمهام المكتسبة”.
وبدل إلغاء “الساعات التضامنية” (8 ساعات) وتوزيع مجمل ساعات العمل على مجل طالبي الشغل لتقليص البطالة والاستجابة للخصاص الهائل في أطر التدريس، تُفضل الدولة نهجا تقشفيا. لهذا نص المقرر الوزاري على “الحرص على إسناد حصة أسبوعية كاملة لجميع الأستاذات والأساتذة”، ويعتبر هذا بابا لتنزيل هجوم آخر وضعته الدولة تحت عنوان “حركية الموظفين”، حيث يحث مقال وزارة المالية على: “توسيع قاعدة الموظفين الممكن نقلهم وتشجيع الحركية بين الإدارات المختلفة والرفع من مستوى الإدارة العمومية”.
ويعني هذا، تكليف الأستاذ- ة على استكمال “الحصة الأسبوعية الكاملة” في مؤسسات أخرى… وهكذا تنجح الدولة في تطبيق “التدبير الحديث للموارد البشرية” القائم على تشديد استغلال هيئة الموظفين- ات القائمة قصد الاستجابة للحاجيات المتزايدة، وهو نفس ما وضعته وزارة المالية- مرة أخرى- تحت تعابير رنانة خادعة: “ترشيد الموارد البشرية عبر تمكين البنيات الإدارية من كفاياتها من الموظفين والأطر بالشكل الذي يستجيب لتطلعات المرتفقين وتوقعاتهم”.
حافظ المقرر الوزاري على أحد أشد أوجه استغلال أطر التدريس بالعالم القروي أكثرها تدميرا لإمكانية تعليم جيد، وهو “الأقسام المشتركة”. فبدل إلغائها يتحدث المقرر عن “حسن تدبيرها” بـ”اعتماد قسم مشترك بمستويين فقط وبأقل من 30 تلميذا، مع القطع النهائي مع الأقسام المشتركة التي تتعدى مستويين اثنين”.
لم يكتف المقرر الوزاري بهذا، بل أضاف إلى كاهل أطر التدريس مهاما إدارية، بدل توظيف الأطر الإدارية الخاصة بذلك. تحدث المقرر في المادة 5 عن تخصيص الأسبوع الأول من سبتمبر لـ”إتمام مختلف العمليات التقنية المرتبطة بالدخول المدرسي بإشراف من الإدارة التربوية وبمشاركة هيئة التدريس” وضمن هذه “العمليات التقنية”: “إعداد الوثائق اللازمة لانطلاق الدراسة بما فيها استعمالات الزمن وجداول الحصص ولوائح المتعلمات والمتعلمين لمختلف الأقسام، والبرامج الدراسية والوثائق التربوية بالنسبة للأستاذات والأساتذة الجدد”.
ولم ينس المقرر الوزاري تضمين مواده تفعيلا لمذكرات وزارية صدرت الموسم السابق: “الأستاذ الرئيس”، وهي آليات لإثقال كاهل أطر التدريس بمهام أخرى، حيث تقول المادة 3: “العمل على إسناد أقسام التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي إلى الأساتذة الرؤساء وفق النصوص الجاري بها العمل، وإدراج الغلاف الزمني المخصص للمواكبة التربوية ضمن جداول حصصهم وضمن استعمالات زمن التلاميذ وفق الإجراءات التنظيمية الجاري بها العمل، مع تدقيق هذه المعطيات على مستوى منظومة مسار”.
المزيد من “تنويع الأوضاع القانونية” لشغيلة التعليم
أقر الميثاق الوطني للتربية والتكوين صيغة “تنويع الأوضاع القانونية” لتشتيت وحدة الشغيلة وجعلها عاجزة على الرد الموحد على هجمات الدولة، وتحويل هذا الرد إلى معارك فئوية… ويعتبر “التعاقد” بكل أوجهه السلاح الأمضى لتنويع هذه الأوضاع القانونية.
تضم المؤسسات التعليمية إحدى أكثر الفئات هشاشة وهي المشتغلة في “أقسام التعليم الأولي المدمجة في مؤسسات التربية والتعليم العمومي”، وبدل توظيف أطر هذا التعليم لدى الوزارة يُفوَّض تسييرها لجمعيات، وهو ما أقره المقرر الوزاري المادة 3: “إتمام جميع العمليات المتعلقة بانتقاء الجمعيات الشريكة التي سيتم تكليفها بتدبير وتسيير أقسام التعليم الأولي المدمجة في مؤسسات التربية والتعليم العمومي، والعمل على توقيع اتفاقية شراكة وفق دفتر المساطر”. نفس الشيء بالنسبة لأطر التربية غير النظامية: “وضع الحجرات الشاغرة بالمؤسسات التعليمية رهن إشارة الجمعيات الشريكة لفتح أقسام التربية غير النظامية وكذا التربية الدامجة”. [المادة 3].
الاستمرار في تفتيت المدرسة العمومية
طالبت شغيلة التعليم منذ عقود بتوحيد المدرسة العمومية، وقد سارت الدولة في نهج معاكس قائم على تفتيتها إلى مدرسة خاصة وعمومية، وأدمجت التعليم الأولي والتربية غير النظامية في المؤسسات التعليمية مع تفويض تدبيره لجمعيات عبر عقود شراكة. ولا تَعدم الدول صيغا لمزيد تفتيتٍ للتعليم العمومي.
يجري إدخال صيغ تجريبة- توضع قيد التطبيق في مدارس محددة قبل تعميمها- وإحدى هذه التجارب هي “مدارس الفرصة الثانية” الواردة في المقرر الوزاري.
“مدارس الفرص الثانية” برنامج عمل أُقر في 1 سبتمبر 2018 في إطار مخطط عمل التعاون بين الوزارة ومنظمة “اليونسيف” بالمغرب. ويقوم المخطط على “مواكبة” ضحايا الهدر المدرسي عبر تكوين بالتناوب بين المدرسة والمقاولة، ويجري تسيير مراكز “مدرسة الفرصة الثانية” بنفس المنطق التعاقدي، حيث يُفَوَّضُ تسييرها “جمعيات تتقدم لانتقاء بعد الاستجابة لطابات العروض”.
وهي- إلى جانب ذلك- بوابة لغزو المدرسة العمومية ببرامج تكوين مهني وربطها بالمحيط الاقتصادي، أي إعداد الناشئة كي تتحول مستقبلا إلى يد عاملة رخيصة ومستجيبة لتقلبات عالم الشغل… هكذا سيتعايش داخل نفس المدرسية تعليمين، وسينتهي الأمر بابتلاع التعليم ذو المضامين المهنية ذاك الخاص بالمضامين المعرفية.
إعادة هيكلة الإدارة لتيسير تنزيل الهجوم
يحتاج تنزيل الهجوم إلى هيئة إدارية “فعالة” بمنطق الفعالية النيوليبرالية: أي فريق قيادي مشبع بمفاهيم “التدبير الحديث للموارد البشرية” والمشتغل بعقلية “الفريق القيادي leadership” القادر “على الإبداع والابتكار والتجديد”… وكلها مفاهيم عبارة عن معاول لهدم علاقات الشغل القديمة القائمة على العمل القار والنظامي والذي تضبطه أنظمة أساسية تكفل للشغيلة معايير جماعية لأداء الواجبات المتضخمة وتقليص الحقوق.
بدأت الدولة هذه الهيكلية منذ عقد، و”ابتكرت” ما أسمته “جماعات الممارسات المهنية”، واًصدرت الوزارة في 1 أكتوبر 2012 مذكرة رقم 2440- 2 تحت عنوان “المخطط التنفيذي لمشروع دعم تدبير المؤسسات التعليمية بالمغرب”.
تتجه الدولة نحو تعويض الإدارة الممركزة بمؤسسات مستقلة، حيث الإدارة التربوية أقرب إلى مجلس تدبير وتسيير شركة/ مقاولة منها إلى إدارة مدرسة عمومية. يشرح الأمرَ بحثٌ نشر على موقع الوزارة تحت عنوان “مشروع دعم تدبير المؤسسات التعليمية (PAGESM)”: “جماعة للممارسات المهنية أن تتزود بقواعد الحكامة ككيان مستقل”. وهو نفس ما ورد في “دليل قيادة مشروع المؤسسة”، الصادر عن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني: “تعتبر المؤسسة التعليمية اليوم نقطة ارتكاز المنظومة التربوية، ورهان الوزارة في اعتماد اللامركزية واللاتركيز كخيار استراتيجي، كما يعتبر مشروع المؤسسة الآلية العملية لتنزيل برامج الوزارة، وتنظيم وتفعيل مختلف الإجراءات التدبيرية والتربوية الهادفة إلى تحسين جودة التعلمات في إطار تبني سياسة القرب للاستجابة لمختلف حاجات المؤسسة”.
ولتسهيل تنفيذ هذه “اللامركزة واللاتركيز” أنشأت الوزارة “جماعات الممارسات المهنية” وهي حسب مطوية نشرتها الوزارة بموقعها على الانترنت: “عبارة عن تجمع لمديرات ومديري المؤسسات التعليمية، ينتمون لنفس الأحواض المدرسية… يختارون من ينسق بينهم ويلتقون للتعاون المهني. تهدف جماعة الممارسات المهنية في آن واحد إلى: تبادل الممارسات الجيدة، إيجاد حلول مشتركة للصعوبات المهنية…”، وتعين الوزارة “مُوَاكِباً- ة” (غالبا ما يكون مفتشا- ة تربويا- ة) لهذه الجماعات.
ومرة أخرى، علينا وضع هذه الجماعات في إطار السياسة العامة للدولة القائمة على التقشف وتكثيف استغلال الشغيلة، فـ”تبادل الممارسات الجيدة وإيجاد حلول مشتركة للصعوبات المهنية…” لن يكون إلا تعميما لتكليف أطر التدريس بمهام إدارية، وتدبير حركيتها لاستكمال “الحصة الأسبوعية الكاملة” في مؤسسات عديدة وتطلبا لعمل مكثف تحت يافطة المردودية التي تضمن فرصا أكبر للترقي [الفردي]، إضافة إلى البحث عن حلول لمشاكل تمويل إصلاح البنيات إن لم يكن تجهيزها، وهذا ما أقره بوضوح الإطار المرجعي لهذه الجماعات، أي “المخطط التنفيذي لمشروع دعم تدبير المؤسسات التعليمية بالمغرب” الذي تحدث صراحة عن “إشراك جمعيات محلية مهتمة، في تتبع وتفعيل المشروع والبحث عن شركاء ومتعاونين للدعم”.
وستقوم هذه الجماعات بتنفيذ السياسة التقشفية القائمة على تكثيف استغلال المتوفر من الشغيلة بدل توظيفات جديدة، وهو ما نص عليه صراحة “الدليل المنهجي للتدبير التوقعي للوظائف والأعداد والكفاءات”، وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، 2016”: “التدبير التوقعي للوظائف والأعداد والكفاءات” تسمية تشير إلى المسؤولية التي تقع على عاتق المسؤولين ومدراء الموارد البشرية للتوصل إلى الاستخدام الأمثل لهذه الموارد، فهم مطالبون بالسهر على الرفع من مستوى الموظفين بالمصالح الإدارية وبترشيد استخدام الإمكانات المتاحة”.
ولأجرأة هذا الهجوم نص المقرر الوزاري الأخير على تفعيل دور هذه الجماعات: “تكليف المواكبين والمنسقين الجدد لجماعات الممارسات المهنية، وتنظيم لقاءات تواصلية مع المديرين والمواكبين ومنسقي جماعات الممارسات المهنية والمتفشين ورؤساء المصالح للتعريف بالتوجهات الجديدة لمشروع المؤسسة”.
دخول مدرسي في عز جائحة وسياسة تقشف رهيبة
أكد القانون التعديلي لمالية 2020 التوجهات التقشفية للسياسة المالية للدولة، حيث خفض الميزانية الخاصة للقطاعات الاجتماعية وضمنها التعليم. وفي ظل وضعية وبائية متفاقمة تتجه الوزارة، حسب منطوق المقرر الوزاري نحو “تنظيم السنة الدراسية المقبلة في وضعها الطبيعي”، ولا يعني “تعديل تكييف تفعيل مقتضيات هذا المقرر، عند الاقتضاء، ووفق ما تتطلبه الضرورة، وذلك في ضوء معطيات تطور الحالة الوبائية”، توفيرا لبنية ملائمة لاستقبال التلاميذ- ات والطلبة في شروط تحفظ السلامة، فهذا يستدعي قطعا جذريا مع سياسة التقشف القائمة.
إن توفير تعليم جيد في شروط السلامة الوقائية تفرض رفعا جذريا لنفقات قطاع التعليم [تجهيزا وتوظيفا قارا] بتشغيل المزيد من الاساتذة والاداريين، وبناء مؤسسات جديدة ومصادرة البنايات فارغة وتحويلها لمدارس، وتوفير العناية والمتابعة الطبية بالمؤسسات والداخليات وتوفير المطاعم المدرسية للجميع بجودة عالية، واستثمار أمثل للتكنولوجيات الجديدة لأجل تعليم شعبي جيد، بعيدا عن متطلبات الرأسمال وعالم المقاولات.
ما العمل؟: الفهم من أجل المواجهة
يبدو أن أهم نقاط قوة الدولة هو عدم فهم ما تُعده من هجمات، وأكثر من ذلك استبطان الشغيلة وقيادات تنظيماتها [نقابات وتنسيقيات] للمفاهيم الأيديولوجية التي تغلف بها الدولة هجماتها، واعتبارها سقفا للمطالب ومعيارا لمحاكمة إجراءات الدولة.
يستدعي الأمر تصحيحا عميقا للمفاهيم المستعملة في لغة أدوات الشغيلة وتنقيتها من المفاهيم النيوليبرالية [البرجوازية في آخر المطاف]، واستبدالها بمطالب ذات طابع طبقي معادٍ لإجراءات التفكيك والخوصصة والتقشف والمرونة.
ولن يتم هذا دون نقاش جماعي ديمقراطي بين أدوات نضال الشغيلة [نقابات وتنسيقيات] بعيدا عن كل روح عصبوية وعقلية فئوية: ندوات وحملات توزيع مكثفة لمناشير تفكك خطاب الدولة وتشرح خطورة هجماتها للشغيلة.
شادية الشريف
اقرأ أيضا