وصف بليغ لوضعنا النقابي على لسان رب عمل
بقلم: شيماء النجار
أحيانا، وبفعل حدة غريزتهم الطبقية، يكون أرباب العمل قادرين على تقديم قراءات سياسية سديدة لما هو عليه وضع الصراع الطبقي. ويصدق هذا على وضع الحركة النقابية المغربية، التي يدرك القاصي والداني، وضع التشتت العام وتبعيتها إما لدولة أرباب العمل وأحزابهم تسعى لتشديد الاستغلال أو أحزاب معارضة ليبرالية تريد تلطيفه.
خاطب رئيس حكومة الواجهة عزيز أخنوش ممثلي النقابات خلال جلسة استماع بمجلس المستشارين (13 أكتوبر 2021) قائلا: “أيها النقابيون، لقد أعددنا لكم برامجا، ونريدكم أن تكون شركاءً لنا”، والتفت يبحث عنهم في مدرجات البرلمان متسائلا:” يوجدون هنا وهناك، أليس كذلك؟”. وأضاف ساخرا: “أنا أفهم أن كل طرف نقابي في جهة”.
هل يمكن أن نجد توصيفا عن وضع نقاباتنا أفصح من هذا الذي تقدم به رب العمل عزيز أخنوش والذي يرأس حكومة واجهة أرباب العمل؟
الكل يدرك الأسوار العظيمة التي شيدتها القيادات النقابية للفصل بين شغيلة المغرب المشتتة أوصالها بين أذرع نقابية موالية إما لأحزاب برجوازية أو للدولة مباشرة. هذا في وقت تتوطد فيه الوحدة الطبقية لأرباب العمل عب نقابتهم “الاتحاد العام لمقاولات المغرب” فضلا عن جهاز الدولة ذاته.
طبعا، لا يقتصر واقع أن “كل طرف نقابي في جهة” على طريقة توزيع مقاعد الجلوس في قاعة مجلس المستشارين. فالواقع أكثر تعبيرا من كلمة رب العمل أخنوش، وهو لم يقم إلا بنقل هذا الواقع وترجمته إلى كلمات ساخرة.
وبالاقتصار على مجلس المستشارين ذاته، لا يوجد هناك أدنى تنسيق بين ممثلي الأجراء- ات. فبتاريخ 27 ماي 2021 نظم فريق الاتحاد المغربي للشغل بالمجلس يوما دراسيا حول موضوع “التحولات الهيكلية لقطاع الكهرباء، لأية أهداف وبأية تكلفة”، وبتاريخ 5 نوفمبر نظم نفس الفريق يوما دراسيا حول موضوع “مشروع قانون المالية 2022 ومدى استجابته لتطلعات الأجراء ورهانات التنمية محور يوم دراسي بالدار البيضاء”. استدعى فريق الاتحاد المغربي للشغل في كلا اليومين الدراسيين ممثلي الدولة وخبراء الاقتصاد الليبراليين، غافلا عن ذوي القربى الأَولى بالحضور؛ أي ممثلي الأجراء داخل نفس الغرفة، فضلا عن حركات النضال الأخرى التي ستكتوي شرائحها العمالية والشعبية بنار مقتضيات قانون المالية.
لم يقتصر الأمر على فريق الاتحاد المغربي للشغل، بل أتى نفسَ الفعل الكونفدراليةُ الديمقراطية للشغل التي نظمت يوما دراسيا حول “مشروع قانون المالية 2022 وسؤال العدالة الاجتماعية” بتاريخ 11 نوفمبر 2021، حريصة بدورها على استبعاد الأطراف النقابية ومستدعية خبراء اقتصاد ليبراليين، قد يبدون نقديين إزاء سياسات الدولة لكنهم يتفقون معها على أرضيتها العامة (حفز القطاع الخاص وإزالة كل ما يقف وجهه)، وكأن الطبقة العاملة عقيمة ولم تلِد من صلبها من يحلل قانون مالية الدولة (وغريره من السياسات الطبقية) ويستنتج منه المصالح الطبقية التي يعبر عنها ويقترح مطالب عمالية وشعبية.
ليس هذا مرة أخرى إلا ترجمة لواقع تمزيق أوصال النقابات/ أدوات نضال الشغيلة بين قيادات بيروقراطية موالية لأحزاب غير عمالية/ برجوازية (ليبرالية ورجعية) كما هو الحال مع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (فدرالية اليسار الديمقراطي) والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب (العدالة والتنمية) والاتحاد العام للشغالين بالمغرب (حزب الاستقلال) والمنظمة الديمقراطية للشغل (حزب الأصالة والمعاصرة) أو موالية مباشرة للدولة (الاتحاد المغربي للشغل). وقامت كل هذه القيادات النقابية بدعوة “الطبقة العاملة” للتصويت في الانتخابات الأخيرة؛ أي التصويت للحزب الذي يهيمن على قيادة كل نقابة على حدة.
كانت نتيجة هذا التمزيق لجسم الشغيلة وتوزيعه بين نقابات تهيمن عليها بيروقراطيات حزبية وموالية للدولة، تجرؤ رب العمل عزيز أخنوش رئيس حكومة الواجهة على تحديد الخطوط الحمراء التي لا يجب على النقابات والشغيلة تجاوزها. خاطب أخنوش ممثلي الأجراء بمجلس المستشارين قائلا: “نحن في حاجة إليكم وسنتحاور معكم… كل صراحة دون أن نضيع وقتنا أو أن نضيع وقتكم. ما نستطيع تقديمه سنخبركم به وما نعجز عنه سنطلب منكم انتظار حلول أوانها… فهذا ليس وقت الإضراب، إنه وقت العمل… وعلينا أولا أن نتحاور”.
وفي حديثه على أن الوقت ليس ملائما للإضراب كان يلمح إلى تنسيقية التعاقد المفروض التي كانت عازمة على خوض إضراب لخمسة أيام في شهر أكتوبر. ولم يتجرأ أي فريق برلماني على رفض تدخل رب عمل (ورئيس حكومة واجهة أرباب العمل) في شؤون محض نقابية وعمالية. وكان السكوت علامةَ رضا، شهدنا سوابقه في قبول القيادات النقابية للاقتطاع من أجور المضربين بمبرر قاعدة “الأجر مقابل العمل، وها هي ذات القيادات النقابية تقبل بالمزيد من تقييد حق الإضراب بقبولها التفاوض حول “مشروع قانون تنظيمي للإضراب”.
تعدى هذا السكوت مجال الكلام من منبر مجلس المستشارين، وشمل أيضا مجال الفعل النضالي. إذ لم تعمد أي قيادة مركزية إلى الدعوة إلى إضراب تضامني مع إضراب شغيلة التعاقد المفروض، ونفس الشيء مع الاحتجاجات الشعبية ضد فرض جواز التلقيح وغلاء المعيشة وتردي خدمات الصحة العمومية…
هكذا إذن تساهم هذه القيادات في تطبيق الإطار المرجعي للبرنامج الحكومي الذي يشكله تقرير “لجنة النموذج التنموي” الذي حدد للنقابات وظيفتها (وهي ذات الوظيفة التي حددها دستور 2011): “تعبئة النقابات والغرف المهنية في إطار مهمة الوساطة التي تقوم بها. إن تعزيز كفاءة هذه الهيئات ووسائلها ومشروعيتها سيجعل منها شريكا ذا مصداقية بالنسبة للدولة، سواء على الصعيد الوطني أو الصعيد الترابي”.
وهي ذات اللغة التي تحدث بها عزيز أخنوش في جلسة الاستماع آنفة الذكر، وطيلة هذه الجلسة كانت آمال العمري رئيسة الفريق البرلماني للاتحاد المغربي للشغل تحرك رأسها صعودا وهبوطا مومئة باتفاقها مع مضمون كلام رئيس حكومة أرباب العمل!
إن الجسم اليساري المتواجد داخل الاتحاد المغربي للشغل، هذا الجسم اليساري بمختلف أصوله وانتماءاته، أمام امتحانٍ قاسٍ، ليس إلا استمرارا للامتحانات السابقة: إما تبرير الممارسة النقابية لقيادة الاتحاد المغربي للشغل بالشهادة زورا على أن النقابة مستقلة عن أرباب العمل والأحزاب والدولة، وإما التقدم بخط نقابي طبقي مستقل عن تلك القيادة، خط قائم على مجابهة هجوم الباطرونا ودولتها بمطالب عمالية وشعبية يجري الإعداد لتحقيقها عبر التعاون الطبقي والنضالي الصادق مع نقابات الشغيلة الأخرى، بدل التعويل على إقناع الدولة والبرجوازية عبر ندوات في صالات مكيفة ومغلقة.
نفس الشيء ينطبق على الجسم اليساري المشتغل داخل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ولكل من ينسب نفسه لمصالح الاجراء- ات في النقابات.
اقرأ أيضا