احتجاجٌ شعبيّ ضدّ جواز التّلقيح الإجباري ودفاعاً عن الحُريات الديمقراطية
بقلم: أحمد أنور
شهدت مُدن مغربية عديدة احتجاجات شعبية غاضبة، رفضاً لقرار الحكومة باعتماد جواز التلقيح شرطا للتنقل بين المدن، وللولوج للمرافق والمؤسسات العمومية. هدف الدولة من هذا القرار هو إجبار المغاربة على التلقيح بطرق مُلتوية، باعتمادها أساليب ضاربة في القدم، وراسخة في ذهنية الحُكام، لا ترى في الشعب إلا رعايا عليهم طاعة “الأوامر العليا”.
ما جذور الغضب الشعبي المُتفجر حاليا؟
بلغ عدد المغاربة الذين تلقوا الجرعة الثانية عند إصدار الحكومة لقرار إجبارية جواز التلقيح، أزيد من واحد وعشرون مليون شخص (بالضبط 21068973)، وحسب الخُبراء فقد تم تجاوز الهدف المحدد في خطة التلقيح ضد كوفيد19. إذن ليس هناك رفض شعبي واسع للتلقيح، بالعكس فالمراكز المخصصة لذلك عرفت في بعض المناطق ازدحاما يفتقر لأبسط شروط التباعد، بل نظمت احتجاجات ضد سوء التنظيم وضد السلوكيات الحقيرة اللصيقة بسلطة مستبدة وفاسدة: الزبونية واستغلال القرابة لقضاء الأغراض دون انتظار، تغيير المواعيد دون مُبرر…الخ. فما الذي جعل الحكومة تنتقل إلى إشهار ورقة إجبار الناس على التلقيح رغم أن غالبيتهم تقوم بذلك كاختيار؟
تدحرجت الحُجج المُقدمة للشعب حول أهمية اللقاحات، فمِن اعتباره علاجا تاما للفيروس، ومن ثمة حبل النجاة الوحيد من الإصابة، إلى الإقرار بأن اللقاحات لا تحمي من الإصابة ولا تَحُول دون نقله للآخرين. وضربت الدولة طوقا جهنميا على مُعطيات المُضاعفات الجانبية للقاح، سواء حالات الإماتة أو حجم المضاعفات الخطيرة جدا. وأصرت على أن اللقاح آمن كُليا، باستثناء بعض المضاعفات الطبيعة الموجودة في جل اللقاحات. لكن لا يمكن حبس تدفق الماء بالغربال، فمع مُرور الوقت تتوالى الوقائع، وتنتشر شهادات المُتضررين من المضاعفات الخطيرة ما بعد اللقاح، وبدأت تتراكم الدلائل التي تكذب التصريحات الرسمية، وبات حذر الجماهير وشكهم يتسع.
قررت الجهات الطبية البدء في الجرعة الثالثة، وحصرتها في البداية في حالات محدودة من كبار السن، وسرعان ما قررت تعميمه على الجميع، فكان هذا القرار القشة التي قطعت شعرة الثقة في قرارات مُخطط التلقيح.
إن قاعدة الغضب الحالي ليست من رافضي التلقيح فقط، والذين حصرت الدولة عددهم بين خمسة أو ستة ملايين شخص، بل أيضا في الذين تلقوا الجرعتين، الأولى والثانية، وأحسوا أن الدولة تتجه بهم نحو مسلسل لا ينتهي من الجرعات التي لا تحميهم من الإصابة، ولا تمنعهم من نقل الفيروس للآخرين، والأهم إحساسهم أنهم خُدعوا من طرف دولة تغير مبرراتها وحججها بشكل ينم عن استغباء ذكائهم، إنهم يحسون بالشماتة واستغلال حسن نيتهم.
عززت الحكومة وفريقها العلمي الشكوك بتضارب الحجج، وتناقضها أحيانا، فقد أثار عزمهم تلقيح قاصرين دون سن 12 سنة حملة احتجاج كبير، تُوج بإطلاق عريضة وصلت إلى أكثر من 20 ألف توقيع، من بينهم أخصائيو ميدان الطب والصيدلة وجامعيين …الخ. اضطرت اللجنة العلمية للتراجع واغلاق النقاش في انتظار نتائج تجارب علمية حول الموضوع. لولا ردة الفعل الغاضبة وتوسع الموقعين على العريضة، هل كانت الدولة ستتراجع عن تلقيح أطفال حتى سن الخامسة من العمر؟
تحمل الشعب المغربي ظروفا اقتصادية واجتماعية قاسية، منذ مارس2021 وتجرع الألم بسبب عجز المنظومة الصحية عن مواجهة الجائحة، وتضرر المرضى بالأمراض المزمنة الأخرى نتيجة تركهم يعانون باسم أولوية مواجهة كوفيد19، وبسبب الفقر المنتشر. لقد وظفت الدولة أجهزة قمعها لإجبار الناس على تحمل أوضاع قاسية جدا، يكفي التذكير أن أزمة كوفيد19 خلفت مليون عاطل جديد في بلد يعد فيه الحصول على عمل بئيس حلما صعب المنال.
إن النّفس النّضالي الشّعبي الحالي يجد جذوره في الاحتقان المتراكم، بسبب أوضاع اقتصادية واجتماعية سلخت جلد الشعب المغربي، وبسبب غضب عارم نابع من إحساس شعبي واسع بالاحتقار، ورفض تلاعب الدولة بعقول وبثقة المعنيين.
دلالات الاحتجاجات الحالية وافاق تطورها
يعتبر خروج 12 مدينة مغربية في يوم واحد لأجل مطلب مشترك، وخصوصا عودة الزخم الشعبي للنضال بمدن الدار البيضاء وطنجة، اللتين كانتا مركز ثقل أضخم المسيرات خلال حراك 20 فبراير المجيدة، يعتبر، أهم تطور في دينامية النضال الشعبي منذ حملة التنديد بجريمة اغتيال مُحسن فكري في نونبر2016. وأهم من ذلك، يكشف النّضال الشّعبي ضد إجبارية جواز التلقيح، وضد المس بالحريات الديمقراطية قدرة الإبداع وإشعال فتيل الحركات الاحتجاجية بصيغ ومطالب جديدة. هذا ما حصل مثلا في حملة مقاطعة بضائع شركات احتكارية، وهو تتويج لمسار بدأ بتأسيس حركة النضال ضد البطالة وحركة المناطق القروية ضد الفقر والتهميش وتنسيقيات النضال ضد غلاء الأسعار وتوج بحراك 20 فبراير، والنضال ضد نزع الأراضي الجماعية وأخيرا حراك الريف. إنها تراكمات نضالية تبحث عن سبل للتخلص من أوضاع اقتصادية واجتماعية بئيسة لغالبية الشعب المغربي الخاضع لديكتاتورية استبدادية، متخفية خلف واجهة مؤسسات تنفيذية وتشريعية لا مصداقية شعبية لها.
إذا أصرت الدولة على تطبيق قراراها بفرض جواز التلقيح، بما هو طريقة مخادعة لحمل الناس على تلقي الجرعات الثلاث المطلوبة. فذلك سيؤدي لتوسيع حركة الرفض والغضب الشعبي، ما يطرح مهام كبيرة عن آليات: التنظيم والتقرير وأساليب النضال، والشعارات المطلبية، وطرق حماية الدينامية الحالية من خطر التفجير من الداخل، أو حصرها في حدود ضيقة أو استعمالها لغايات غير نضالية، إنها مسؤولية قوى النضال الشعبي الديمقراطي.
الخيار الثاني هو أن تتراجع الدولة خطوات إلى الوراء وتهدئة الوضع إلى حين. هذا طبعا سيقلص قاعدة الغاضبين ضد جواز التلقيح الإجباري، ما سيتطلب توسيع قاعدة المطالب لتشمل النضال ضد غلاء الأسعار وتدهور شروط العيش. لكن يتطلب ذلك تجنب تحويل المطالب المركزية تعسفيا، بل يجب أن يكون ذلك ثمرة نقاش مستمر وتطور سلسل في دينامية الحركة النضالية. لذلك يمثل الانخراط الواسع للمناضلين والمناضلات الديمقراطيات أمرا حيويا خصوصا باستفادتهم من أخطائهم، ومن دروس تجارب نضال سابقة وعلى رأسها الديمقراطية في اتخاد القرارات الجماعية، والإبداع في التنظيم وأساليب النضال.
اقرأ أيضا