الموقف العمالي المناضل من الانتخابات المهنية: التمثيل في المؤسسات مجرد وسيلة ثانوية في بناء منظمات النضال
لتحميل البيان نسخة pdf
بقلم: تيار المناضل-ة
9 يونيو/ حزيران 2021
تحظى انتخابات ممثلي الأجراء [مندوبي العمال في القطاع الخاص، وأعضاء اللجان الثنائية في قطاعات الدولة] باهتمام بالغ يفوق أهميتها الموضوعية، قياسا بأمور أخرى ذات صبغة نقابية، مثل دعوات إلى الإضراب العام، قطاعي أو وطني، أو حملات التضامن مع ضحايا قمع الحريات النقابية، أو نصرة نضالات جارية، أو الانشغال بقهر النساء العاملات المضاعف.
ثمة خلف هذا الاهتمام البالغ أمران، أولهما من جانب القيادات الساعية إلى الظفر بالتمثيلية، حيث تتطلع إلى ما تتيح من منزلة مُخاطَب لدى الدولة، وعدد من الامتيازات المادية، وفرص المشاركة في عدد من الهيئات الرسمية، منها حتى مجلس المستشارين، أحد مكونات السلطة التشريعية المزعومة. وهذه كلها منافع مادية ومعنوية تعزز ما يتشكل داخل المنظمات العمالية من شريحة ذات امتيازات، وما يترتب عن ذلك من أثر على السلوك النقابي لمن يحظون بها. فهذه الشريحة هي ما يسمى بالبيروقراطية النقابية كفئة منتفعة تصير متعاونة مع أرباب العمل والدولة في تدبير نزاعات الشغل، وفي تمرير خطط ذات جوهر مناقض لمصلحة الأجراء والأجيرات، وفي دمج متزايد للنقابة العمالية في جهاز الدولة، مع ما يستلزمه ذلك من تغييب للديمقراطية العمالية.
ومن جانب القواعد العمالية، ثمة انشغال بالانتخابات المهنية لوجود رغبة في استعمال مؤسسات تمثيل الأجراء، مندوبين ولجان ثنائية، للدفاع عن بعض المكاسب المتعلقة بتطبيق تشريعات العمل وتحسين المسار المهني. ويتعاظم هذا الانشغال بهذه الانتخابات بقدر ما يكون النزوع النضالي القائم على الاعتماد على قوة الشغيلة الجماعية ضعيفا. فالانتخاب تفويض، أي توكيل وليس فعلا ذاتيا مباشرا. هذا ما يجعل العمل كمندوبين و في اللجن الثنائية مفضلا عند ممارسي نقابة الوساطة لا الفعل الجماعي.
من جانب أرباب العمل بالقطاع الخاص، يجري تفضيل مندوبي الأجراء على النقابة لعدة اعتبارات أهمها:
– أن مندوب الاجراء محدود الوظيفة، إذ تقتصر على عرض الحالات الفردية من عدم تطبيق قانون الشغل على رب العمل، ولزوم جواب منه، ضمن آلية صمام أمان لتفادى المقاومة العمالية الجماعية.
– يكون بإمكان رب العمل أن يصنع مندوبي أجراء حسب المقاس الذي يريد، إما بصفة غير منتمين، أو تحت غطاء هذه النقابة أو تلك. وهذا ما يتيح له حتى إبطال الدور الضئيل الذي يسنده قانون الشغل لمندوب الاجراء، وما يترتب على صعيد التحكم في لجنة المقاولة ولجنة السلامة وحفظ الصحة رغم ضعف صلاحياتهما الشديد، فضلا عن استعمال المندوبين المصنوعين أدوات ضد العمال والعاملات من ذوي النزوع النضالي.
أما الدولة، بصفتها مشغلا، فتشرك النقابات في تدبير جزئي للمسار المهني الفردي، بما يتيح لها خلق وهم الإشراك والتعاون مع تكريس النزوع الى حل المشاكل فرديا. ومن الناحية السياسية، تستعمل الدولة تمثيل منظمات الأجراء في عدد من المؤسسات الرسمية [مجلس الوظيفة العمومية، المجلس الأعلى للتعليم، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مؤسسات الحماية الاجتماعية …] وفي مجلس المستشارين بالبرلمان، لتوريط تلك المنظمات العمالية في إضفاء مشروعية وطابع إجماع على سياسات جوهرها معادي لمصلحة طبقة الاجراء. وقد شهدنا ذلك في قطاع التعليم، حيث يجري تطبيق السياسة الرأسمالية القائمة على تحويله الى سلعة بمباركة باسم النقابات منذ المصادقة على ما سمي ميثاق التربية والتكوين، وكذلك ما جرى من نيل من مكاسب تقاعد الموظفين بما سمي اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد، وفي فرض التشغيل بالتعاقد…
كما تستفيد الدولة البرجوازية من هذا التمثيل، وبخاصة في مجلس المستشارين، مؤسسة يُزعم أنها جزء من بنيان ديمقراطي، في تمويه الاستبداد، وفي التضليل الايديولوجي والسياسي.
رب قائل، والحالة هذه، أن لا حاجة لنا كمناضلين نقابيين حريصين على مصلحة طبقتنا إلى هذا التمثيل العمالي، وإلى هذه الانتخابات، وأن جبهة النضال الحقيقية هي الفعل الميداني المباشر.
مؤسسات مندوبي العمال، واللجن الثنائية، والمجالس العليا لكذا وكذا، ومجلس المستشارين، كلها مؤسسات تُحدثها البرجوازية لغاياتها الخاصة، وهي في آخر المطاف غايات تدبير صراعها مع الطبقة العاملة وسائر الفئات الشعبية، بغاية نهائية هي تأبيد نظام الاستغلال والقهر الطبقي والاستبداد السياسي.
والموقف العمالي الجذري من مجمل هذه المؤسسات هو استعمالها طالما لم نمتلك مقدرة تجاوزها. الوجود بهذه المؤسسات يتيح صيانة مكاسب وتحسين أوضاع، لكن بشرط اندراجه في رؤية نضالية تقيم الوزن الأول والأعظم للفعل النضالي المباشر خارج المؤسسات.
الوجود النضالي بهذه المؤسسات هو أيضا لغايات منبرية، أي جعل الحملة الانتخابية فرصة إشعاع للتنظيم النقابي، ثم ممارسة معارضة في المؤسسات تتيح استعمال الصراع داخلها مادةً لتنوير أقسام طبقتنا وعامة المقهورين التي تغط في سبات، وايقاظها الى إدراك أصل البلاء، واستيعاب البديل التحرري العمالي على طرف نقيض من الواقع البرجوازي، وكذا سبل التحرر عبر التنظيم والفعل الجماعيين.
بهذا المعنى، دون سواه، يمكن للمشاركة في الانتخابات المهنية، وما يترتب عنها من تمثيل بعدد من المؤسسات، أي يكون وسيلة ثانوية ضمن أُخر لبناء التنظيم العمالي كميا ونوعيا.
ومن أولى شروط هذه المشاركة أن يعمل المندوبون، وأعضاء اللجن الثنائية، والممثلون في مختلف مؤسسات الدولة البرجوازية، تحت رقابة القاعدة العمالية الدائمة. يجب العملُ بكشوف حساب لعمل الممثلين العماليين، ونهجُ سياسة شفافيةٍ وتواصلٍ دائم بإشاعة المعلومات وتنظيم النقاش الجماعي في الهياكل التنظيمية، وربط العمل في المؤسسات بحاجات الكفاح العمالي خارجها. وثاني شروط تلك المشاركة تقييمها المنتظم ووضع حصيلة ختامية عند انتهاء الانتداب، ومعيار التقييم مدى خدمة البناء النقابي الكفاحي والديمقراطي ومجمل نضال طبقة الشغيلة بمختلف جبهاته.
هذا كله ضمن منظور جذري يروم ديمقراطية عمالية في تسيير النضال ومنظماته، منظور يحفز التنظيم الذاتي أي كل أشكال اللجان والتنسيقيات والمجالس التي تؤمن المشاركة الحرة للقاعدة العمالية العريضة.
هذا النوع من المشاركة في الانتخابات إلى مؤسسات الدولة البرجوازية هو ما أكدت الخبرة النضالية العمالية فائدته منذ فجر الحركة العمالية العالمية حتى اليوم، وما سواه إنما يصب الماء في طاحونة رأس المال ودولته. فلا المشاركة المنساقة مع مرامي البرجوازية ودولتها، ولا الامتناع عن المشاركة الجذري ظاهريا والعقيم جوهرا، يخدمان قضية النضال البروليتاري وبناء منظماته.
تيار المناضل-ة
9 يونيو/ حزيران 2021
اقرأ أيضا