الصيدالبحري: خصائص الاستغلال والنضال
1- تقديم : هيكلة القطاع
يسمح المسح التاريخي لقطاع الصيد البحري بالمغرب بأبداء ملاحظات حول كيفية تشكل هذا القطاع عبر قرون، اي منذ الحملة الإيبيرية على السواحل المغربية، والتي نظمتها القوى البحرية الصاعدة التي تتزعمها البرتغال واسبانيا. كما يسمح ذلك المسح بالقول ان قطاع الصيد البحري بالمغرب، سواء من حيث الهيكلة او الامكانات اللوجستيكية، قد تشكل في حضن الحماية الاسبانية والفرنسية. ففي سنة 1946 تم انشاء معهد الصيد البحري بالمغرب التابع للمصالح البحرية الفرنسية، وتحول سنة 1969 الى المعهد العلمي للبحث في الصيدالبحري،الذي وضع تحت وصاية المكتب الوطني للصيد البحري. وقد تطورت هيكلة هذا القطاع مع انشاء وزارة الصيد البحري سنة 1981، التي جاءت تتويجا لاتفاقيات 72-73-79 المبرمة مع هيئات الامم المتحدة (الفاو –صندوق التنمية النرويجي ). وفي سنوات 82 و84 و96 و98 عملت الدولة المغربية ،و في إطاراتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحر، على انشاء مؤسسات جديدة ( المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري – المجلس الاعلى لحماية واستغلال الثروة السمكية) لتتكفل بالمصايد المغربية والمخزونات السمكية وبالبحث العلمي. واعتمادا على ما سبق، وبحكم حداثة تلك الهيكلة واشراف الاجانب عليها هل تحوز الدولة المغربية سيادتها علىثرواتها السمكية البحرية؟ وهذه الثروة الم تكن على الدوام موضوع استنزاف من قبل الرساميل الكبرى المحتكرة للمصايد المغربية؟ وما نصيب اليد العاملة المغربية بالقطاع، وكذا الشعب المغربي قاطبة من تلك الثروة؟
2- الاصول الاجتماعية للبحارة وطبيعة عملهم بالقطاع
مع تطور تقنيات الصيد البحري التي وظفتها الاساطيل الاجنبية والمحلية بمصايد المغرب ، بالإضافة الى عامل التلوث والتغيرات المناخية ، التي تعرضت لها هذه الاخيرة ، اصبح النشاط الصيد البحري مركزا بالجنوب، حيث يتجمع اغلب البحارة القادمين من البوادي والمدن الساحلية، الأمر الذي جعل اليد العاملة بالقطاع تتواجد بهذه المنطقة الجنوبية. وتأكيدا لما سبق جاء في التقرير الرسمي للوزارة (البحر في ارقام)، أن معظم وحدات الصيد باعالي البحار النشيطة، المقدرة ب 328 جياب المشغلة لزهاء 8010 من بحارة وضباط تنشط بالسواحل الجنوبية. أما بالنسبة لمراكب الصيد الساحلي، والموزعة على الشكل التالي : مراكب السريدن 697 وحدة، ومراكب الجر 660 وحدة،ومراكب الخيط 437. وتشغل مراكب الصيد الساحلي54511 بحار ا بحيث يعمل معظمهم بالمنطقة الجنوبية . أما بخصوص الصيد التقليدي فمجموع القوارب هو 17070 تشغل ما يعادل 56450 بحارا، كما ينشط أكثرها بالجنوب.
تتحدر اليد العاملة بقطاع الصيد البحري عموما من اقاليم الجهات التالية: جهة الشمال الغربي (طنجة تطوان الحسيمة )، جهة مراكش (اسفي، الصويرة )، جهة سوس ماسة (اكادير).وبخصوص الموانئ الجنوبية فتستقطب اغلب بحارة الصيد الساحلي والتقليدي من منطقة حاحا الموزعة بين اقليمي الصويرة واكادير. وبحكم الإهمال الذي تشهده هذه المنطقة، كما باقي الارياف المغربية عموما ، حيث ضعف خدمة التعليم وتردي الحالة الاجتماعية لأغلبية السكان، تبلغ نسب الهدر المدرسي مستوى مرتفعا ، خصوصا في صفوف الفتيات. وامام ضغط الحاجة، لا يجد شباب هذه المنطقة عند بلوغ 18 سنة فرصة عمل سوى قطاع الصيد البحري كما اسلافهم . اصبح عرض مناصب الشغل اليوم بهذا القطاع مشروطا بإرادة ارباب المراكب الصيد . اذا كانت مراكب الصيد الساحلي والصيد التقليدي تستقطب يدا عاملة غير مؤهلة وذات تعليم متدن، فان مراكب الصيد بأعالي البحار تزاوج مابين يد عاملة نصف مؤهلة ومؤهلة، حاصلة على حد ادنى من التعليم ومن التكوين التقني المتوسط والعالي.
إذا كان عدد وحدات الصيد بأعالي البحار تصل اجملا الى 328 وحدة نشيطة منها 241 وحدة خاصة باصطياد رأسيات الأرجل (الاخطبوط – الحبار- الحبارة Céphalopodes)، و63 وحدة لاصطياد الأربيان (Crevettiers)و22 وحدة من نوع صيد الاسماك السطحية الصغيرة (البيلاجيك ) واخيرا وحدتين لاصطياد سمك التونة، فإن طبيعة العمل بهذه الوحدات تختلف حسبالفئات. فشغيلة فئة الاربيان يعملون بفوج واحد لمدة سفرة تتراوح ما بين خمسين وستين يوما حسب المحصول ، وبعدد اقل من الأفراد مقارنة بصنف الاخطبوط ، اما هذا الاخير فيشتغل بنظام الأفواج لمدة مرتبطة بالراحة البيولوجية . و إذا كنا قد تطرقنا الى ما يستقطبه الصيد باعالي البحار من بحارة و مدد الشغل به ، فالأمر يختلف في الصيد الساحلي ، بحيث يشغل هذا الصنف 95% من البحارة المتمركزة أغلبهم بالموانئ الجنوبية. يضم هذا الصنف ثلاث فئات : فئة مراكب السردين المكتضة بالبحارة( اكثر من ثلاثين بحار في كل وحدة ) ومن هذه الوحدات تلك التي تتنقل بين مصايد اكادير والعيون ، في حين ان بعضها متمركز بالداخلة (75 وحدة)كما تلتزم وحدات هذه الفئة بالرحلات اليومية (سرح وروح) ، اما مراكب الجر فهي تشغل عددا اقل من البحارة(15 بحار) مقارنة بمراكب السردين ، اذ تزاوج وحدات هذه الفئة بين رحلات قصيرة وطويلة حسب حجم المركب ونوع الصيد. تبقى فئة الصيد بالخيط وهي تشغل اقل من الفئتين السابقتين اذ تعتمد الراحلات الطويلة الامد (10 ايام على الأكثر ). بالنسبة لصنف الصيد التقليدي فهو موزع حسب نوع الصيد كصيد الاخطبوط .والكالماروالحبارة، والقشريات ، والاسماك السطحية ، وقد تصل رحة الصيد الى مدة تترواح مابين ثالث ايام او اربعة حسب نوع الصيد ، ويتكون طاقمها ما بين اثنين الى اربعة.
3 – شروط عمل قاسية وأجور بؤس
ان جردنا لأصناف الصيد البحري من حيث أعداد البحارة التي يستقطبها كل صنف على حدة ، لا يكشف لنا سوى شكل توزيع البحار ة وطرق عملهم. واذا نحن سعينا الى كشف مزيد من التفاصيل حول ساعات العمل، ومخاطر الشغل المحدقة بالبحارة، ومسالة الاجور ومكملاته ، وكذا الحماية الاجتماعية في شمولياتها، فسيتبين لنا لا محالة ان قطاع الصيد البحري بالمغرب قطاع هش تسود فيه الاعراف، ويتيح هامشا واسعا من توظيف الرساميل وجنى الارباح على ظهر يد عاملة رخيصة غير مؤهلة قابلة لفرط الاستغلال. فشروط العمل داخل قطاع الصيد البحري ، خاصة بصنفي الصيد الساحلي والصيد التقليدي، قاسية غير انسانية ، نظرا لغياب شروط الصحة والسلامة، ما يعرض حياة البحارة للخطر ، وقد تكشف ذلك بشكل جلي في فترة جائحة كورونا، بحيث ضحى ارباب العمل ودولتهم بأرواح البحارة سعيا لجني الارباح ، رغم ان مراكب الصيد تفتقر الى ابسط شروط ومستلزمات الراحة ( اماكن نوم ، مرافق صحية غير صالحة، غياب اماكن الاكل ).هذا بالإضافة الى ضيق اسطح المراكب التي لاتوفر امكانيات تباعد البحارة فيما بينهم اثناء العمل ، كما طول ساعات العمل بعموم القطاع لا تقل عن اثنى عشرة ساعة، مما يضع البحارة رهن اشارة الربابنة وارباب العمل طيلة الرحلات ، ومن دون اي تعويض على الساعات الاضافية وكذا ايام الراحة الاسبوعية .ان قرار وزارة الصيد البحري بإلزامية استعمال الصناديق البلاستيكية خاصة بوحدات السردين، هو امعان في ابتزاز جهد ووقت البحارة من دون مقابل ، مع ما يستتبع ذلك من استنزاف لما تبقى من الثروات السمكية خاصة الاسماك السطحية الصغيرة بالجنوب فالوزارة لا يهمها ، في نهاية المطاف، البحارة قدر ما يهمها تنزيل سياسة اليوتيس الواهبة لخيرات البحر للراسمال المحلي والاجنبي.
فبحكم اوضاع البحارة السابقة وشروط عملهم القاسية، وكذا حرمانهم من التعويض عن الاعمالالإضافية، بالإضافة الى الراحة البيولوجية غير المؤدى عنها بالنسبة لبحارة الصيد بالأعالي، يجعل أجور البحارة ومكملاتها هزيلة، ومتقهقرة في بعض الاصناف. ان معدل الحصص السنوية لعموم البحارة هو ما بين 2000.00 درهم و5000.00 درهم. أما اجور الصيد باعالي البحار صنف الاربيان بقيت قارة مند سنوات، بينما ارتفع الاجر الشهري للبحارة العاملين بمراكب صيد الاخطبوط الى 5000.00 ، نلاحظ ان هذه الاجور التي تبتث على حالها في بعض الاصناف أو تراجعت في بعض الاصناف الاخرى ، هي اجور هزيلة ، في حين ان ثروات ارباب مراكب الصيد خاصة باعالي البحار تضاعفت بشكل مهول.
4. هشاشة شروط الصحة والصلامة وهزالة الحماية الاجتماعية الخاصة ببحارة الصيد
قطاع الصيد البحري من بين القطاعات المحفوفة بحوادث الشغل والامراض المهنية. فغرق مركب الحمري بتاريخ 31 ديسمبر 2020، وكذا مركب مرمراة في نفس السنة ، حوادث بمثابة حلقة من حلقات سلسلة لاتنتهي من الفواجع المخلفة لمآسي اجتماعية في صفوف اسر البحارة ،فواجع لن توقفها الحملات التحسيسية المختزلة للمشكل في الزامية صدريات النجاة الحديثة رغم اهميتها، بل المعاجلة الشاملة لشروط العمل على ظهر المراكب ، حفاظا على سلامة وصحة البحارة . هذه المعالجة الشاملة تعني الزام ارباب العمل بتوفير كل لوازم الابحار الخاصة بالسلامة والوقاية، ومنع كل مركب من اي نشاط عندما لاتتوفر فيه شروط الابحار. كما ان على الجهات المسؤولة ان تمنع كل مركب من ممارسة الصيد اثناء خطورة حالة الطقس وهيجان البحر، هذا بالاضافة الى توفير لوجيستيك متكامل للإنقاذ ، كمستشفى عائم تتوفر فيه كل لوازم التدخل لانقاذ البحارة، بدل الاكتفاء بقوارب المنقذ الاقل كفاءة وعددا ، والممولة من اقتطاعات مبيعات مراكب الصيد الساحلي والتقليدي، وكذا تجهيز الموانئ بوحدات صحية استعجالية مجهزة بأحدث الوسائل والاطقم الطبية.
رغم قساوة العمل بجميع اصناف الصيد البحري ، وان كانت هناك تفاوتات في المخاطر وطريقة العمل ، فان الحماية الاجتماعية للبحارة الصيادين هشة وضعيفة ،لا تغطي كافة الاضرار التي تلحق بالبحارة وعائلاتهم اثناء عجزهم المؤقت او الكلي عن العمل، وكذا بعد وفاتهم لسبب من الاسباب. وسنتطرق هنا الى انواع الحماية لاجتماعية التي يتوفر عليها بحارة الصيد وهي : التامين الاجباري عن حوادث الشغل وهو تابع لشركات التأمينات الخاصة ، والتغطية التي يضمنها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بما فيها التامين الاجباري عن المرض ، واخيرا صندوق الاغاثة هذا الاخير يجري تمويله من اقتطاعات مراكب الصيد الساحلي والتقليدي .
التامين عن حوادث الشغل والامراض المهنية : رغم التعديلات التي طالت ظهير المنظم لحوادث الشغل و الامراض المهنية ، ورغم حوادث الشغل القاتلة، خاصة اثناء حوادث الغرق المتكاثرة والمسترسلة بالقطاع، فانه لم يأت بتعديلات تهم البحارة وتنهي مع التعقيدات التي تلزم اهالي المفقودين الانتظار لسنوات للحصول على شواهد الوفاة وقبول ملفاتهم ، وتحمل المساطر الطويلة لنيل ايراداتهم . كما ان هذه التعويضات الممنوحة هزيلة ، ما يعرض ذوي الحقوق للتشرد خاصة ان كان الهالك هو المعيل الوحيد للأسرة . ان المساعدات المادية المقدمة من طرف بعض مسؤولي الوزارة ،او جمع التبرعات من المراكب لن تحجب حجم الكوارث وهشاشة التعويضات التي تمنحها التأمينات اثناء العجز الدائم او فقدان البحارة من جراء حوادث الشغل.
الصندوق الوطني لضمان الاجتماعي:
يقتطع المكتب الوطني للصيد نسبة 7.70 % من مجموع محاصيل الصيد الساحلي سردين، و نسبة 6.01 %من مجمل محاصيل مراكب الصيد بالجر والتقليدي، لصالح الصندوق الوطني للضمان.ان نسب اشتراكات الصيادين التي اقرها قانون الصندوق الضمان الاجتماعي بالمغرب ، حيف لأن البحارة يؤدون ما يفوق أو يعادل نسبة مساهمة أرباب المراكب. وليست نسبة مساهمة البحارة هي الاستثناء السلبي والوحيد الذي طال العاملين بالمحاصة والذين يشكلون 95 % من البحارة الصيادين بل استثناهم من التعويض عن فقدان الشغل . ويستتبع هذه الاستثناءات التشريعية ، ضعف مراقبة تلك التصريحات والاشتراكات. وبسبب تفشي السوق السوداء ،خاصة بميناء اكادير، وكذا تعدد المتدخلين من المكتب الوطني للصيد و المندوبيات و ماسكي الحسابات ، يزيد من اضعاف وتعقيد عمليات التصريح بحصص البحارة الشهرية لدى الصندوق. حاولت وزارة الصيد البحري تلميع صورة مخطط اليوتيس، وذلك باجبار ارباب قوارب الصيد التقليدي بالتصريح بالبحارة العاملين بقواربهم، لكن سياسة تدبير مصايد الاخطبوط وبرنامج اليوتيس ، اثرا سلبا على تصريحات عموم االبحارة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وعلى عموم اشكال الحماية الاجتماعية بالقطاع ( اعتماد الراحة البيولوجية، وكوطا الصيد كحلول ترقيعة لانقاد القطاع ) . ان قساوة العمل بقطاع الصيد البحري والمخاطر التي تحدق بالبحارة اثناء عملهم، وتغيير طريقة العمل في مراكب السردين التي فرضها قرار استعمال الصناديق البلاستيكية ، وطول الرحلات ، و التغيرات المناخية ، تتطلب تشغيل الشباب ولا تسمح للبالغين من العمر اكثر من خمسون سنة الاستمرار في هكذا عمل ، لذا ستنخفض لا محالة مبلغ التصريحات المعتمدة في سنوات الثمانية الاخيرة من العمل ، المتخذة اساسا لتحديد معاش تقاعد البحار، اذ ان معظم هؤلاء يبحثون عن مراكب تقل فيها كثافة الانتاج وقساوة العمل.
سلطت جائحة كورونا الضوء على موضوع الحماية الاجتماعية ، واصبح حديث البحارة عن شروط السلامة اجمالا و شرط التباعد التي لا يضمنه العمل بالمراكب بحرا وبرا، و عن اقصاء البحارة من التعويضات التي يقدمها صندوق كورونا والتي يصرفها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للمتضررين من الجائحة، خصوصا بعد صمت وزارة الصيد البحري خلال الاشهر الاولى من بداية الجائحة وبعد التطمينات التي تلقاها البحارة على اثر تصريح احد مسؤولي الضمان الاجتماعي يهم استفادة البحارة وفق الشروط المحددة لذلك، لكن، وبالرغم تقديم النقابة الوطنية لبحارة الصيد الساحلي والصيد باعالي البحار لعريضة الكتورينة في الموضوع مرفقة بمجموعة من المراسلات الى رئاسة الحكومة ، والوزارة، تفاجأ البحارة المتوقفون عن العمل تنفيذا للحجر الصحي ، عبر تصريح رسمي لوزارة الصيد البحري على ان قطاع الصيد البحري لا يعنيه التوقف بسبب الجائحة وان البحارة غير معنيين بالاستفادة، الا ان حملة الكشوفات المخبرية التي نظمت بميناء اكادير لالاف البحارة فندت تلك الادعاءات.
صناديق الاغاثة في ايدي ارباب المراكب : ما فتئت صناديق الاغاثة بالموانئ الجنوبية تتراجع عن دورها المفترض ، فقد سيطر ارباب المراكب على هذا الصندوق عصبا دون ارادة البحارة ، وتحت اشراف وزارة الصيد وامام اعين السلطات المحلية،تتم فبركة مكاتب تسيير لا تمثل الا نفسها، وقد طلب البحارة مند 1998 ، بتغيير القانون الاساسي المسير للصندوق ليكون مطابقا لظهير التعاضديات دون جدوى، كما ان التعويضات التي كان يقدمها لمتقاعدي بحارة الصيد الساحلي والعاجزين عن العمل اثر حوادث وكذا تعويض الارامل ، قد تم تقليصها، ان صندوق الاغاثة بطانطان مثلا كان يؤدي للمتقاعدين 1000.00 درهم، و للارامل 1500.00 درهم كمنحة على راس كل ثلاثة اشهر، وبعد ذلك على راس كل ستة اشهر ، واعتمد مسيرو هذه الصناديق سياسة اقصاء جزء هام من البحارة المتقاعدين بمبررات متعددة وواهية لا يسع المجال لذكرها هنا.
5 التنظيم النقابي بقطاع الصيد البحري
شهد صنف الصيد الساحلي التنظيم النقابي منذ عقود. فمن الاتحاد المغربي للشغل إلى الاتحاد العام للشغالين وصولا إلى تأسيس نقابة البحارة تحت العمالية بميناء أكادير، اذ برزت هذه الاخيرة في خضم نضالات فئات بحارة مراكب السردين منتفضة على سلبية وركودالنقابات الأخرى، بحيث دارت تلك المعارك حول مطالب نذكرمنها : التعويض عن إصلاح المراكب والشباك،إلغاء حصتين تحتسبان لآلة البولي تخصم من حصة البحارة (60%) ،الكف عن الطرد التعسفي… وقد تمكن البحارة من تحقيق بعض المكاسب ضمن هذه النقابة التي تم احتواؤها فيما بعد من قبل ارباب المراكب ودولتهم، اذ أصبحت مهامها مركزة حول مهام ادارية كاستخلاص التعويضات العائلية وتعبئة جوزات المرور. كما ساهمت في اواخر الثمانينات في خداع البحارة ، اذ تم احداث عقد تأمين عن الحياة قدم للبحارة على انه تعاضدية ، مما جعل كل الوعود المقدمة لهم تتبخر بعد مرور سنوات. وسيشهد القطاع تحولا تنظيميا نوعيا بفضل جهود المناضل عبد الله موناصير ورفاقه، المقتنعين بضرورة العمل مع البحارة ولو في اطار نقابة صفراء . وعندما بلغت تلك التجربة حدودها بتكلس نهائي، اتجهت الجهود الى التعبئة لبناء تنظيم نقابي يسمح له بالحد الادنى من الممارسة النقابية الديمقراطية والكفاحية.
وفي اطار الدينامية النضالية المنبعثة في صفوف ضباط الصيد باعالي البحار، ورغبتهم في التنظيم النقابي بغية الخروج من اوضاع البطالة التي يعيشونها ، اسس الرفيق عبد الله موناصير بمعيتهم نقابة بحارة و ضباط الصيد بأعالي البحاريوم 25 ماي 1993 في جمع عام بمقر الكنفدرالية الديمقراطية للشغل باكادير ،بحضورما يفوق 200 بحار وضابط صيد. وضعت هذه النقابة دفترا مطلبيا من خمسة وعشرين نقطة متمحورة حول استقرار الشغل والقانون البحري والحماية الاجتماعية. ورغم جنينية هذا التنظيم، استطاع رفاق موناصير من خلاله بناء تجربة نقابية كفاحية، وظهر اعلام جديد يتناول مواضيع لا تقتصر على قطاع الصيد البحري، بل تطال قطاعات اخرى وتجارب نضالية لعمال بقطاعات كبيرة كتجربة السككيين …الخ ،إلا أن محاصرة بيروقراطية كدش لتحركات مناضلي النقابة الفتية، وتجميد عضوية الكاتب العام عبد الله موناصير ، وعرقلة جموعاتها العامة ، واحتواء الوزارة لفئات الضباط و دفعهم لتاسيس جمعيات ومنحهم مقرات داخل المعهد التكنولوجيا باكادير، كل ذلك ساهم في بطء عمل هذا الاطار الفتي لم يتح فرصا تطور كبيرة للتجربة.
وفي اواسط التسعينات انتفض بحارة الصيد الساحلي سردين ضد “التعاضدية” المزعومة ، بحيث تأسست في هذا الاطار لجنة لمحاسبة رئيسها . وقد كان للرفيق عبدالله موناصير دور رئيس خلال هذه المعركة،اذ خاض البحارة سلسلة من النضالات لاسترجاع مساهماتهم المالية في “التعاضدية” ، أمام مقر شركة التامين الوطنية شطو باكادير.، ورغم محاولات تحييد عبد الله موناصير في هذا الملف من قبل السلطات الاقليمية ، استطاع البحارة استرجاع جزء من اموالهم برفقة قائدهم المستهدف، توج هذا الانتصار بتأسيس نقابة بحارة الصيد الساحلي في اطار الاتحاد المغربي للشغل بداية ابريل 1997 . وفي 27-31 ماي 1997 اختطف و اغتيل الشهيد عبد الله موناصير، هذا الاغتيال كشف بالملموس الطبيعة درجة ارتعاب دولة أرباب العمل من حركية مناضل عمالي نشيط نقابيا وسياسيا. انتفض البحارة بالجنوب كغيرهم من رفاق الشهيد بالقطاعات النقابية الأخرى، مطالبين بإظهار حقيقة الاغتيال ، وكان النظام قد سعى، بقصد طمس الحقيقة، لتلفيق التهم لنقابيين أبرياء تم اعتقالهم، لكن النضال استمر منذ ذاك التاريخ ،وبموزاة الإعداد لتابين جثمان الشهيد ودفنه يوم 19 اكتوبر 1997،اعلنت نقابة بحارة الصيد الساحلي حدادا مرفوقا بإضراب لمدة ستة أيام، هذا الاعلان الذي توج بتجديد المكتب النقابي الذي حضره ألاف البحارة . لقد نظم البحارة مسيرات احتجاجية بالموانئ الجنوبية ، وكان اضراب 09 شتنبر 1998 الذي دام 45 يوما من اهم المعارك التي خاضها البحارة ، الذين رفعوا مطالب على راسها اطلاق سراح المعتقلين الابرياء من تهمة قتل عبد الله موناصير . حقق البحارة انتصار اوليا في هذه المعركة حيث اطلق سراح المتهمين في قضية الشهيد ، وتوج الاضراب بتوقيع اتفاقية 06 نونبر 1998 التي حقق من خلالها البحارة مكاسب جزئية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، منع الطرد التعسفي وتعويض المطرود مع ارجاعه للعمل ، رفع ثمن السردين ب 0.30 سنتيم لكل كيلوغرام ، مع خفض كمية وزن التلج والملح الخ…
وفي سياق تراجع ارباب مراكب الصيد الساحلي وهيئاتهم والمسؤولين عن اتفاقية 06 نونبر، وكذا مراسلة النقابة وزارة الصيد البحري بهذا الصدد احتجاجا على ذلك التراجع ، تم تأسيس تنسيقية بحارة الصيد الساحلي بالمغرب يوم 09 شتنبر 1999، وأعلن الإضراب بتسع موانئ: الدارالبيضاء ، الجديدة ، اسفي ، الصويرة ، اكادير، سيدي افتي ، طرفاية، العيون . لم يقتصر هذا الاضراب كالعادة على بحارة الصيد الساحلي سردين بل انضم اليه كل من بحارة مراكب الصيد الجر والخيط . كانت مطالب البحارة اكثر جذرية من سابقاتها ، رفض الفصل 288 من القانون الجنائي والمطالبة بالحرية النقابية ، ومن اهم المطالب التي اثارت غضب ارباب المراكب هو المطالبة بمنحة الشباك التي كان يستفيد منها ارباب المراكب لوحدهم والتي تمنحها المعامل وتقدر ب 10 % من مجموع قيمة المبيعات الخام ، وكذا المطالبة باحداث مكتب حسابات تابع للدولة بدل ماسكي الحسابات الذين يختارهم ارباب المراكب . قمعت اجهزة الدولة بمختلف تلاوينها مند الايام الاولى البحارة المضربين ، وجرى اقتحام اعتصام البحارة ببمراكبهمبميناء أكادير، و تم اعتقال المناضلين ، الكاتب العام موناصير ابراهيم، وابرغاز محمد واوشيخ بميناء اكادير، وحكموا بسنة جسنا نافدة وغرامة مالية 5000.00 درهم ،واعتقال اخرين بميناء العيون الذين اطلق سراحهم فيما بعد، كما حوصر البحارة المضربون بالموانئ الجنوبية، ومنعوا من التنقل، واقدمت سلطات الموانئ على طرد ىلاف البحارة من العمل . هزم النظام البحارة في هذه المعركة ، بعد 45 يوم من الاضراب،المرفوق بالمسيرات والوقفات الاحتجاجية بالموانئ ،باكادير ومواقع اخرى .استمرالقمع من اجل استئصال جذور التوجه النقابي الكفاحي بالموانئ ، وبعد اطلاق سراح المعتقلين ، اغلق مقر النقابة من طرف السلطات المحلية بمعية رئيس نقابة ارباب مراكب الصيد الصناعي باكادير لمنع التحاق البحارة ،ان المحاولات المتكررة لوأد هذه الحركة الاحتجاجية واجهاض توسعها كان حاضرا بقوة لدى البروقراطية الاتحاد المغربي للشغل مند 1998، لقد تظافرت جهود البيرقراطية النقابية والسلطات المحلية في ايقاف الدينامية النضالية المنبثقة اثر النضالات الكفاحية السابقة ، وذلك بتزوير المكتب النقابي مباشرة بعد اطلاق سراح معتقلي اضراب 1999 ، وبعد ذلك منع ما يقارب 600 بحار من المشاركة في ذكرى فاتح ماي 2001 ، ومحاصرة السلطة لهم بأجهزتها القمعية امام مقر الاتحاد المغربي للشغل بأكادير.
أما بخصوص بحارة الصيد باعالي البحار، وفي عز نضالات بحارة الصيد الساحلي نجحت بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل في اجهاض تجديد المكتب النقابي لبحارة الصيد باعالي البحار ،بحيث حاولت فرض رئيس للنقابة محليا خلال الجمع العام الذي حضره ازيد من 100 بحار،اذ تم افشال هذه المحاولة . وعلى انقاض كل ذلك اسست باكادير النقابة الوطنية لضباط وبحارة الصيد باعالي البحار بالمغرب تابعة لهيكل نقابي تابع لما كان يسمى جبهة القوى الديمقراطية [التهامي الخياري] .
استطاعت النقابة هذه، بعد حملة واسعة رفعت خلالها مطلب منحة نسبة مئوية من الانتاج، ان توحد صفوف ضباط وبحارة الاعالي ،وأن تعلن اضرابا وطنيا قابل للتمديد بكل من طانطان واكادير يوم 25 ابريل 2002 ، شل حركة بواخر الصيد بأعالي البحار المختصة في صيد الاخطبوط . وفي سياق تمديد الاضراب تعرض المضربون المعتصمون بميناء اكادير للقمع يوم 09 ماي 2002 . ان الاحاطة الشاملة بمجريات هذه المعركة تدفعنا للقول بكونها معركة حاملة لبذور فشلها ، فالقرارات الانفرادية للقيادة النقابية ، وتدني وعي البحارة المضربين ، وغطرسة نقابة مجهزي المراكب ، وكذا مسايرة الجهات المسؤولة للوبي المتحكم في القطاع، بالإضافة الى كل ذلك عزلة المعركة وغياب التضامن،كل هذا جعل مطلب المضربين في مهب الريح ، اذ تم اقحامهم في سلسلة من الحوارات الماراطونية ، و الاقرار باعتماد نظام الاجرة الشهرية والرفع من حدها الادنى من 1800.00الى 2660.00 درهم ، مع تقديم وعود باستمرار الحوار في شان المطلب المرفوع. ومما زاد الطينة بلة بالصيد بأعالي البحار، تمديد الراحة البيولوجية الى ثمانية اشهر دون اجر سنة 2004 ، في اطار سياسة تدبير مصايد الاخطبوط المستنزفة، مما حتم على بحارة الصيد باعالي البحار بتنظيم نضالات دفاعية على شكل وقفات مركزية ومحلية مطالبين بالتعويض عن الراحة البيولوجية.
تأثر بحارة قطاع الصيد البحري برياح الحراك الشعبي الاتية من تونس ، وظهور حركة 20 فبراير، اذ أسس رفاق الشهيد عبد الله موناصير النقابة الوطنية لبحار الصيد باعالي البحار بتاريخ 22 غشت 2011 ، بحضور قرابة 400 بحار بالمركب الحاج الحبيب بانزا اكادير، تتويجا لاحتجاجات ومسيرات سابقة لبحارة الصيد الساحلي خاصة صنف السردين بكل من ميناء اكادير وطانطان والعيون. هكذا عقد العزم على الشروع في تجربة جديدة بناء على دروس سابقاتها، بايجابياتها ونواقصها . رفضت السلطات المحلية تسلم الملف القانوني لنقابتنا، وطعنت في قانونية الجمع العام، وبعد ست سنوات من التقاضي في موضوع الشطط في استعمال،قضت محكمة النقض بشرعية نقابتنا، وتسلمت بعدها وصل ايداع مؤقت يوم 18 يناير 2018. ناضلت نقابتنا على واجهتين قضائية ونقابية، تجلت ميدانيا في تجمعات ومسيرات احتجاجية بالموانئ الجنوبية،مندد ة بالأوضاع المزرية للبحارة. عملت السلطة على محاولة إجهاض هذه التجربة الميدانية،وذلك بتضييق الخناق على النقابيين ،سواء باستدعائهم الى مخافر الدرك ومقرات الشرطة وتحرير محاضر ، أو بطردهم من طرف ارباب المراكب المدعومين من مندوبيات وزارة الصيد ،وعلى سبيل المثال لا الحصر الطرد التعسفي لنائب الكاتب العام وعضو نشيط من العمل بتاريخ 14/11/2011 ،وامعانا في محاصرة نقابتنا ،وترهيب البحارة أصدرت السلطة قرار منع مسيرة فاتح مايو 2012 بمبرر عدم قانونية النقابة . الا ان اصرار المناضلين على تنظيم المسيرة ووجه بالقمع ومحاولات الاعتقال .
وفي سياق فرض العمل بالصناديق البلاستيكية بمراكب السردين ، خاضت النقابة اضراب لمدة 72 ساعة يوم 02 سبتمبر2012 بميناءاكادير،مرفوقا باعتصامات ومسيرات احتجاجية. وبتاريخ 09-10-11 نونبر 2012 نظمت نقابتنا، رغم الحصار المضروب حولها، ملتقى وطني لبحارة الصيد بالمغرب، شاركت فيه تسع هيئات ممثلة لبحارة جل الموانئ المغربية، وقد اصدر هذاالملتقى توصيات تضمنت جزءا مهما من الملف المطلبي للبحارة، تم ارسالها الى رئاسة الحكومة والوزارة الوصية، وعلى ضوء هذا الملتقى تم اصداربيانين باسم التنسيق الوطني لبحارة الصيد بالمغرب، طرح أحدهما قضية الشهيدعبد لله موناصير،بينما الثاني ركزعلى الحريات النقابية ورفض تقنين للإضراب وكذا مشروع قانون النقابات.
يمكن ايجاز الخطوات العملية التي انخرطت فيها نقابتنا فيما يلي : – الانخراط في شبكة تقاطع في الملتقى الوطني الثاني بتاريخ 26 أكتوبر2014.المشاركة في تأسيس شبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية بتونس .التواصل الميداني مع البحارة بجل الموانئ الجنوبية وهنا تندرج الزيارات التي يقوم بها مناضلونا على راسهم محمد أبرغاز– وتنشيط إعلام بديل وسط البحارة عبر كل وسائط التواصل الاجتماعي بالدارجة والامازيغية.
ماذا يجري اليوم بقطاع الصيد البحري:
اسست حركة بركة بقطاع الصيد البحري ، متزامنة مع انطلاق حركة 20 فبراير، وهي حركة مكونة من تجار السمك وارباب مركب الصيد وبعض الهيئات النقابية المأجورة، وكان الغرض من ذلك احتواء والتحكم في نضالات البحارة خصوصا وان بحارة الصيد بالاعالي مشرفين على العطالة مع بداية فترة الراحة البيولوجية غير المؤدى عنها في بداية ماي2011 ، وانطلاق حراك في موانئ الجنوب وميناء العرائش وظهور مناضلين يدعون البحارة بالالتحاق بحراك 20 فبراير .
ازدادت اوضاع البحارة بالأعالي سوءا ، واسس بعض الضباط وبحارة الصيد باعالي البحار الجامعة لوطنية لضباط وبحارة الصيد باعالي البحار في اطار الاتحاد الوطني للشغل ، اذخاضوا نضالات للدفاع عن حقهم في التشغيل والابقاء عن الامتيازات التي يستفيد منها جزء من بحارة الصيد ببعض الشركات. و بعد توقف نشاط اكبرشركة للصيد بطانطان بتاريخ 26 ماي 2012،وتشريد ازيد من 2200 عامل من بينهم 1200 بحار لمدة سنة ونصف،وظهور ازمة أخرى بميناء اكادير،اتسمت بحدثين متتالين في بيع كبريات شركات الصيد الاتحاد المغربي الاماراتي للصيد UMEP التابعة لشركة صوميد وشركة مارونا التابعة ل SNI، قادت الجامعة باحتجاجات محلية ومركزية ، وتعرض تسعة من أعضائها للمتابعة بالفصل 288 من القانون الجنائي تمت تبرئتهم فيما بعد، وقد عصفت هاته التفويتات بمكاسب البحارة ، وتعرض جزء منهم للعطالة ، وحصل بحارة مارونا فقط على تعويضات هزيلة.
التنظيم النقابي بالقطاع، اية افاق ؟
خاض بحارة قطاع الصيد البحري مجموعة من التجارب النضالية في اطارات مختلفة تخللتها محطات كفاحية اربكت ارباب المركب ودولتهم ، مما جعلهم يمارسون كل الضغوط من اجل افراغ العمل النقابي من كل مضمون ديمقراطي وكفاحي، واستعانوا في هذا الشأن بأجهزة القمع وبكل الفئات الرثة بالقطاع. كما حاول ارباب العمل خلق اطارات وهمية من قبيل حركة باسطا لمنع البحارة في الانخراط بالحراك الشعبي الذي اطلقته حركة 20 فبراير، كل ذلك خلق تشويشا في أوساط البحارة ، الذين منعهم تدني وعيهم النقابي من الاستفادة من دروس الماضي، وامام تراجع المكتسبات السابقة والعزوف عن التنظيم،أصبح بحارة الصيد باعالي البحار يخضون معارك عفوية من قبيل اضراب “جيابات” شركة “مجموعة اطلنطا” بميناء اكادير يومي 28 و29، وبحارة “فياسود” و”امنيوم المغربي للصيد” بطانطان ايام 28 و29 و30 يونيو 2018. وإذا كان مطلب رفع الاجور قد تحقق نسبيا عن طريق هذه النضالات العفوية، التي لا تكرس في نهاية المطاف سوى غياب التنظيم في صفوف البحارة، وتشتيت الجهود، فان حملة “خليه مريوط” التي جاءت فيما بعد، ورغم انخراط كل الفسيفساء النقابية فيها التي لم تزد اللوحة الا قتامة، قد كشفت الضعف النضالي للبحارة ، كما عرت التخبط في رفع المطالب ، الذي لا يميز ما بين مطالب البحارة ومطالب الباترونا ، كالمطالبة بحق البحارة في تمثيلية في الغرف البحرية، والتركيز على مضاعفة الاجر 10000.00 درهم كحد أدنى الاجر. مما سمح لأرباب المراكب واقلامهم الصفراء من النقابيين وغير النقابيين، لشن حملة اعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي ضد البحارة، بالاضافة الى تقلص الحملة لتشمل فقط ميناء طانطان ، وكذا التهديدات بالطرد ، كل ذلك ادى الى الفشل وتكسير الاضراب .
ليس وضع البحارة استثناء ضمن أوضاع الطبقة العاملة المغربية. فهذه تعاني من ضعف تنظيمي يكرسه ضغط جيش العاطلين الاحتياطي، وبؤس العمل النقابي كما تمارسه القيادات النقابية التي تتعاون عمليا مع الدولة لتمرير هجماتها الساعية للنيل من حقوق الشغلية ومكاسبهم. وقد ادت العديد من الهزائم التي تسبب فيها، في القطاعين الخاص والعام، التسيير المتحكم به للمعارك إلى إفساد صورة النقابة لدى شريحة واسعة من العمال، وبالتالي نفورهم من التنظيم، ومراهنتهم على الحلول الفردية و انتظار “الحظ السعيد”. وقد بلغت حدة الاستغلال بقطاع الصيد البحري مستويات غير مسبوقة، تجلت في هجر العديد من البحارة للقطاع، وفي ظاهرة الانتقال من مركب على آخر، سعيا لدخل وظروف عمل أفضل. وهذا عامل موضوعي مساعد على العمل النقابي، لكن بشرط الاستفادة من تجارب الماضي للتغلب على المصاعب الذاتية، أي المرتبطة بالبحارة، ومنها الأثر السلبي لاستشراء الأمية والجهل، وعقلية انتظار الخلاص من جهات أخرى غير قوة تنظيمهم. ولا يمكن طبعا ان ينفرد هذا القطاع اوذاك بتطور ايجابي إذ لا بد من نهوض النقابيين بكافة القطاعات بمهامهم أحسن نهوض، بروح التعاون و التضامن، رغم تعدد الانتماءات.
ولا شك ان جهود التنوير صوب القاعدة العريضة لعمال البحر هي من اولويات الساعة، خاصة مع ما تتيحه تكنولوجيا الاتصال راهنا من إمكانات للتغلب على مشكل الامية. يجب ان نجعل من الهاتف الذكي الموجود اليوم بجيب كل بحار اداة إعلام وتكوين، ووسيلة للانصات لنبض الجماهير العمالية، لرفع مستوى الوعي النقابي والسياسي لعامة البحارة، ومن أجل تبلور طليعة راقية الوعي تكون قيادة للقادم من معارك، لا محالة.
اقرأ أيضا