لماذا لم تنهض النساء في حراك الريف بالأدوار الرئيسة؟
بقلم: م.ب
جرت لدينا العادة نحن المناضلين/ات، عند إبراز مكانة النساء في الكفاح العمالي والشعبي، أن نتحدث بنبرة تمجيد لدورهن وإعلاء شأنهن النضالي. لا يخلو كل استعراض للنضال الوطني ضد الاستعمار من الإشارات إلى مشاركة نسائية، لكن عند النظر عن قرب نجدها مجرد أدوار صغيرة مكملة لأدوار الرجال الكبيرة: مهام لوجيستية وتقنية، الاتصالات، نقل السلاح، إخفاء مقاتلين… هذا فيما هيئة أركان النضال وكل الوظائف السياسية والعسكرية الرئيسية تعود إلى الرجال.
ولم تحد تجربة نضال اليسار بعد الاستقلال عن القاعدة، وإن سجلت تقدما حقيقيا. فقد أبقيت النساء في الهامش عمليا بفعل آلية تلقائية فاعلة في قوى اليسار كما تفعل في المجتمع برمته. إنها آلية الاستسلام للمعتاد من قسمة جنسية للعمل، ومسايرة تفوق الذكور الأوتماتيكي، وعدم مراعاة كل ما يعوق مشاركة نسائية فعلية.
وجود مناضلات بارزات نادرات استثناء يؤكد القاعدة، كما يقال، وعادة ما يستعمل لاستبعاد المؤاخذة بتهميش النساء. وللالتفاف على المشكلة يجري تمثيل النساء في هيئات قيادة بنسبة أقلية دون نهوضهن بأ دوار مساوية لما ينفرد به الذكور.
غالبا ما يروم الاحتفاء بدور النساء في النضال البرهنة على قدرتهن على ما يأتيه الرجال من بطولات.
والحقيقة أن نبرة التأكيد على مقدرة النساء على أن يكن أندادا للرجال إنما يعبر عن استبطان لأفكار عجز النساء عن مضاهاة الرجال بفعل تكوينهن البيولوجي وحتى مقدراتهن العقلية، وهي أفكار راسخة في الثقافة التقليدية السائدة ببلدنا.
السؤال الحقيقي ليس مدى مشاركة النساء في النضال، بل مستوى هذه المشاركة ونوعيتها: هل ثمة تساو في الأدوار؟ النساء مهمشات في النضال كما في باقي مناحي الحياة. يجب أن نقول الحقيقة، ما هو كائن، فذلك نقطة انطلاق تصحيح وضع غير سليم. أما امتداح مكانة النساء النضالية فيستتتبع ان لاحاجة لتحسين تلك المكانة لتضاهي ما للرجال.
نساء حراك الريف
قد سبق أن برزت النساء عبر خريطة الاحتجاجات الاجتماعية بالمناطق المهملة بالعالم القروي والبلدات الصغيرة، وكذا في الأحياء الشعبية بالمدن. ومن مميزات هذه المشاركة أنها تجري خارج المنظمات النسائية، البعيدة إلى حد كبير عن الحركات المطلبية الاجتماعية، والمنكبة أساسا على المساواة القانونية، ومسائل الأحوال الشخصية وفق منهجية الضغط المؤسسي وليس التعبئة الشعبية.
كذلك كان في الريف، بيد أن مشاركتهن المظاهرات و كل أشكال كفاح حراك 2016-2017، ومسيرتهن التاريخية يوم 8 مارس 2017، طفرة عظيمة قياسا بأيام الكفاح الوطني، وبماضي النضالات الاجتماعية في المنطقة. هذا واقع عاينه كل مهتم بالبعد النسائي للحراك، لا سيما عند اعتبار الطابع المحافظ السائد في المجتمع الريفي وما يضع من حدود لحضور النساء في الفضاء العام.
وقد تنامى تدريجيا انخراط النساء وتجلى بوجه خاص في انضمام نساء ايمزورن مع شروع الدولة في الحملة القمعية، فيما لم يخرجن قبلها. ما يدل على ضغط تقاليد ممارسة الحجر والوصاية على النساء. إن عقلية “ مملكة المرأة بيتها” عميقة الجذور حتى لدى قسم من المناضلين، وحتى المدركين لرسوخها يلاقون صعوبة في تجاوزها في الممارسة.
تجلى ضغط ذكورية المجتمع على النساء في كون العديد من النساء التحقن بالحراك بإخفاء مشاركتهن عن أسرهن. ضغط اشتكت منه الناشطة سيليا بقول :» أحاول رغم الصعوبات وسط هذا المجتمع الذكوري أن أفرض نفسي، وحضوري في “الحراك” دائما، لكي تكون المرأة الريفية حاضرة”. وجوابا عن سؤال موقع “الأول”، حول ما إذا كانت تتعرض لمضايقات من قبل رفاقها بسبب كونها امرأة، قالت سيليا: “الزفزافي متواضع ويحاول دائما الدفع بي، لكي أكون إلى جانب باقي النشطاء في الحراك، بالرغم من أن وجود إمرأة تردد الشعارات، وتقف على المنصة وتلقي الكلمات، هو صعب جداً في مجتمع مثل مجتمعنا”.
تكاد كل الأوجه البارزة في الحراك تكون رجالية، و إذا اعتبرنا لائحة معتقلي الحراك عينة معبرة عن الأدوار النضالية، فلن نفاجأ بانعدام المرأة ضمن المعتقلين الذين يفوق عددهم 400. لماذا؟
ولا شك أن غلبة الذكور في هذه التجربة النضالية تجلت أيضا في قائمة مطالب الحراك (كما عممتها لجنة الإعلام و التواصل) حيث لم تأت على ذكر النساء سوى في مطلب وحيد يتعلق بإحداث مراكز تكوين ثقافي ومهني خاصة بالنساء.
لماذا لا تتساوى الأدوار؟
يفرض المجتمع على النساء مكانة دونية في كل مناحي الحياة: يضعن تحت سلطة الذكور، في مرتبة أدنى في دواليب الدولة ، في الأحزاب يمينا ويسارا، و في النقابات العمالية، وفي النضال. ظاهرة ممتدة لهذه الدرجة لأن لها نفس الجذر: قسمة العمل الجنسية في المجتمع، وطغيان الذكور. ولا يزال هذا مستمرا حتى في مجتمعات قطعت أشواطا على طريق تحرر النساء.
في نقابات الشغيلة، وفي منظمات اليسار، تُرفع راية تحرر النساء بين فينة وأخرى، وتسطر في البرامج أهداف نسائية، لكن الواقع مغاير، الممارسة اليومية تكريس للذكورية. إننا نعيد إنتاج الميز الاجتماعي وتهميش النساء في النضال وفي منظماته. وهذا أحد تناقضاتنا التي تحول دون بناء وحدة حقيقية للمضطهدين.
ليس المطلوب تخلص الذكور الأفراد من ذكوريتهم وحسب، بل تأمين مساواة فعلية في تمثيل النساء وحضورهن في دائرة القرار. إن ثمة ألف قيد وقيد يشل النساء عن مشاركة كاملة في النضال وفي بناء منظماته، ولا بد من جهد واع، بإرادة لا تلين، لتحطيم تلك القيود.
كل منظمات النضال مطالبة بهذا الجهد، وإلا فقدت كل مصداقية. يجب أن نجعل كل تجارب النضال الشعبي، بالعالم القروي، وبالأحياء الشعبية بالمدن، مدارس للتربية على محاربة الذكورية في الأذهان وفي الممارسة. يجب أن تكون مشاركة النساء المقزمة موضوع بحث ونقاش دائمين يفضيان إلى إجراءات عملية تطور مكانة النساء.
م.ب
اقرأ أيضا