العُنف المدرسي.. نتيجةٌ لعنف الدولة
تشهد المؤسسات التعليمية العمومية، بين الفينة والأخرى، موجات عنف، ضحيتها المدرسون والتلاميذ. وتتعالى الأصوات لعقاب المتورطين. يَمثل المدرسون أمام مجالس تأديبية (حالة أستاذ مادة التربية الإسلامية بالثانوية الإعدادية الفقيه المرير بمدينة تطوان الموقوف عن العمل مؤخرا بمبرر تعنيف تلميذ)، أو تُحرك مذكرات بحث وإعتقال في حق التلاميذ (نموذج تلميذ ثانوية سيدي داوود بوارززات المعتقل بمبرر تعنيف أستاذه).
تُعد الدولة أكبر مُمارس للعنف في حق شغيلة التعليم والمُتمدرسين، على غرار باقي طبقتنا العاملة. أليست هي التي هشمت جماجم الأساتذة المتدربين وكسرت أضلاعهم؟ أليس بوليس الدولة وقواتها المساعدة من يعنف ويعتقل الطلاب والتلاميذ عندما يناضلون من أجل شروط دراسة أفضل؟ من يطوق أسوار وأبواب الثانويات والجامعات عندما ينتصب التلاميذ والطلاب للدفاع عن المدرسة والجامعة العموميتين.
أليست الدولة هي من اعتقل في 22 مارس 1965 بالدار البيضاء لوحدها أكثر من 700 تلميذ وقتلت في اليوم الموالي المئات منهم بالرصاص الحي. الدولة هي التي قتلت أزيد من 400 متظاهر من بينهم تلاميذ في انتفاضة 1984. أليست هي من اعتقل وحاكم تلاميذ زاكورة بفصول القانون الجنائي يوم 8 اكتوبر 2017.
يشكل هذا العنف المادي تكملة لعنف أشد يتمثل في سياسات الدولة، المعتمدة في قطاع التعليم، منذ ثمانينيات القرن العشرين. سياسات روحها تدمير كل ما هو مجاني وجيد في التعليم العمومي، وتحفيز القطاع الخاص وتشجيعه.
يشكل العنف المدرسي المتصاعد في السنوات الأخيرة، بشكل مُلفت، نتيجة لسياسات تدمير المدرسة العمومية، عبر تقليص ميزانية القطاع، وتليين البرامج الدراسية وتخفيف مضامينها بذريعة تكييفها مع حاجات المقاولات، ثُم تقديم التعليم كسلعة للقطاع الخاص لنهب جيوب الأسر… الخ.
أفرغ هجوم الدولة هذا، المدرسة العمومية من مضمونها كليا، وأعدم إمكانية بلوغ شباب المغرب معرفة علمية نقدية في عصر فائق التطور التقني.
تفاقم هذه السياسة الشروط الكارثية للدراسة (نصف المؤسسات التعليمية بلا مراحيض ولا كهرباء في القرى) وضمن ذلك، تكديس آلاف التلاميذ في قاعات دراسية مهترئة كالقطيع، وبنى تحتية متقادمة لا تصلح للتدريس والإيواء كالمطاعم والداخليات والحجرات الايلة للسقوط.
هجوم القى بالملايين خارج الدراسة، ويتعمق بإغلاق المؤسسات العمومية أو تفويتها: 191 مؤسسة تعليم عمومي أولي وثانوي جرى إغلاقها خلال الفترة بين 2008 و2013. فيما تم اهداء اخرى للقطاع الخاص بالمدن الكبرى كالدار البيضاء مثلا.
خرب هجوم الدولة على التعليم العمومي ظروف عمل شغيلة التعليم، بشكل لم يسبق له مثيل في العقود الماضية (التشغيل بموجب عقود، ضرب حق استقرار الشغل، وتجميد الأجور والترقيات، الهجوم على حق التقاعد، فصل التكوين عن التوظيف، تجريم حق الإضراب…). وأصبح المدرسون ضحايا تشهير يحملهم مسؤولية ما آل إليه وضع التعليم.
يجب، إذن، إدراك الجذور الحقيقية للعنف المدرسي، بما هو نتيجة حتمية لتدمير التعليم العمومي، ومن ثمة لا تكفي إدانته واستنكاره وعقاب الأفراد، بل يجب ربط المشاكل الجزئية بسياقها العام.
يجب ربط المشاكل الجزئية، بما فيها العنف في المدارس بالنضال من أجل إنقاذ المدرسة العمومية، وضمان حق المتعلمين في تعليم مجاني وجيد. لن يتأتي هذا دون القطع مع سياسات التقويم الهيكلي واتفاقيات التبادل الحر وسياسات المؤسسات المالية المانحة، التي أغرقت المغرب في التبعية وحولته الى بلد مستعمر عبر آلية الديون وسياسة التبادل الخ.
العنف المتبادل بالوسط التعليمي ليس إلا صورة مصغرة للعنف الذي يخترق المجتمع ككل. لكن عنف الدولة منظم منهجيا، وأكثر شمولا. ليس هذا العنف نتاج نفسية مريضة بالضرورة، بل نتاج مجتمع قائم على الظلم الاجتماعي: آلاف الشباب ضحايا الاقصاء الاجتماعي مع قلق دائم من غموض المستقبل، معرضون لصنوف الأمراض الاجتماعية (مخدرات، إجرام، عنف دائم في الحياة اليومية.. الخ)، يكدسون في شروط غير ملائمة للدراسة.
لا يكفي إعلان مواقف نبذ العنف ومعاقبة مرتكبيه، والاقتصار على أشكال نضال رمزية مفصولة عن المطالب الجوهرية. لا يمكن وقف حالات العنف بالمدرسة، وكافة الأمراض الناتجة عن مخططات الدولة، دون إسقاط هذه المخططات.
يجب ربط التجليات بالجذور؛ أي بالسياسة النيوليبرالية المُدمرة لكل مكاسب وحقوق المدرسين والمتمدرسين على السواء.
مناضل نقابي بوارززات
اقرأ أيضا