أصل اضطهاد النساء وطبيعته
نص برنامجي صادق عليه المؤتمر العالمي الحادي عشر للأممية الرابعة – 1979، تجدون الوثيقة للتحميل على الرابط التالي: الثورة الاشتراكية ونضال تحرر النساء | المناضل-ة
https://www.almounadila.info/archives/608
فصل من وثيقة الثورة الاشتراكية وتحرر النساء-الأممية الرابعة
الخميس 6 آذار (مارس) 2014
المناضل-ة عدد: 5
1/ خلافا لمزاعم كثيرة، ليس اضطهاد النساء محددا بيولوجيا. فأسسه ذات طبيعة إقتصادية واجتماعية. فطوال المجتمع ما قبل الطبقي والمجتمع الطبقي، لم تتبدل وظيفة الإنجاب عند النساء. لكن مكانتهن الإجتماعية لم تكن دوما مكانة تلك الخادمة المنزلية الخاضعة لتحكم الرجل وسيطرته.
2/ قبل تطور المجتمع الطبقي، خلال الفترة التاريخية التي يسميها الماركسيون عادة الشيوعية البدائية (مجتمع الكفاف)، كان تنظيم الإنتاج الإجتماعي جماعيا وتوزيع منتوجه منصفا. لهذا إنعدم آنذاك كل اضطهاد أو إستغلال مجموعة أو جنس من طرف آخر بسبب إنعدام الأسس المادية لهذا النوع من العلاقات الإجتماعية. وكان الجنسان يشاركان في الإنتاج الإجتماعي مساهمين في ضمان معاش الجميع وبقائهم. وكان الوضع الإجتماعي للنساء كما للرجال إنعكاسا لدور كلاهما اللازم في سيرورة الإنتاج.
3/ ارتبط أصل اضطهاد النساء بالإنتقال من المجتمع ما قبل الطبقي إلى المجتمع الطبقي. وتمثل السيرورة الدقيقة التي جرى بها الإنتقال المعقد موضوعا دائما للأبحاث والنقاشات حتى بين الموافقين على رؤية مادية للتاريخ. وكيفما كان الأمر، فإن الملامح الأساسية لبروز اضطهاد النساء واضحة.
تزامن تحول مكانة النساء هذا مع نمو إنتاجية العمل المرتكز على الزراعة وتدجين الماشية وتكوين مخزونات، كما تزامن مع ظهور تقسيمات جديدة في العمل والحرف والتجارة، ومع التملك الخاص لنتاج إجتماعي فائض متزايد ومع تطور إمكان إغتناء البعض باستغلال عمل الآخرين.
في ظل هذه الظروف الإقتصادية-الإجتماعية الخاصة، وعندما أصبح استغلال الإنسان مصدر أرباح قلة من ذوي الإمتياز، أصبحت النساء، بفعل دورهن البيولوجي في الإنجاب، ملكية مربحة. كانت النساء كالعبيد والماشية مصدر ثروات. فوحدهن قادرات على إنتاج كائنات بشرية جديدة يمكن استغلال عملها فيما بعد. لذا أصبح تملك النساء من طرف الرجال، وبالتالي امتلاكهم كل الحقوق على ذريتهن القادمة، إحدى المؤسسات الإقتصادية والإجتماعية للنظام الجديد المرتكز على الملكية الخاصة. وأنيط بالمرأة أكثر فأكثر دور إجتماعي بوصفها خادمة ومنجبة أطفال.
على نحو مواز لتراكم الثروات الخاص، تطورت العائلة البطريركية بما هي مؤسسة تنقل مسؤولية أعضاء المجتمع غير المنتجين –لاسيما الأطفال- من المجتمع برمته إلى شخص بعينه أو مجموعة أشخاص صغيرة.إنها أول مؤسسة إقتصادية-إجتماعية تضمن تأبيدا عبر الأجيال لإنقسام المجتمع إلى طبقات، إي الإنقسام بين الذين يملكون ثروات ويعيشون من عمل الآخرين والذين لا يملكون شيئا ويضطرون للعمل لفائدة الآخرين للبقاء على قيد الحياة. وكان تدمير تقاليد المساواة والحياة الجماعية للشيوعية البدائية أساسيا لولادة طبقة مستغلة كما سرع وثيرة التراكم الخاص للثروات.
هنا يكمن أصل العائلة البطريركية. والواقع أن كلمة العائلة نفسها، التي لا زالت مستعملة في اللغات ذات الأصل اللاتيني، إشتقت من الكلمة الاثينية “famulus” التي تعني العبد المنزلي ومن الكلمة اللاتينية “familia” التي تعني مجموعة عبيد في ملك رجل واحد.
كفت النساء عن القيام بأي دور مستقل في الإنتاج الإجتماعي. فدورهن الإنتاجي تحدده العائلة التي ينتمين إليها والرجل الذي يخضعن له. وحددت هذه التبعية الإقتصادية المكانة الإجتماعية الثانوية للنساء التي مثلت دوما ركيزة تماسك العائلة البطريركية واستقرارها. ولو أمكن للنساء بكل بساطة أخذ أطفالهن والإنصراف دون أن يستلزم ذلك أي إعاقة إقتصادية أو إجتماعية لما بقيت العائلة البطريركية قائمة طوال آلاف السنين
تزامن ظهور العائلة البطريركية وإخضاع النساء داخلها مع باقي مؤسسات المجتمع الطبقي الناشئ لأجل ترسيخ التقسيم الطبقي الجديد وتأبيد التراكم الخاص للثروات. وعززت الدولة بشرطتها وجيشها وقوانينها ومحاكمها هذا الطراز من العلاقات. وعلى هذه القاعدة ولدت إيديولوجية الطبقات المسيطرة، بما فيها الدين، وأدت دورا حيويا لتبرير الإذلال الذي تعرض له جنس النساء.
4/ العائلة هي المؤسسة الأساسية للمجتمع الطبقي التي تحدد الطابع النوعي لإضطهاد النساء بصفتهن جنسا وتحافظ عليه.
أتبثت مؤسسة العائلة عبر تاريخ المجتمع الطبقي قيمتها بما هي مؤسسة للسيطرة الطبقية. وتطور شكل العائلة وتكيف مع الحاجات المتغيرة للطبقات المسيطرة بقدر تطور أنماط الإنتاج وأشكال الملكية الخاصة في مختلف مراحل التطور الإجتماعي. إذ كانت مؤسسة العائلة في نمط الإنتاج العبودي الكلاسيكي مختلفة عن مؤسسة العائلة في نمط الإنتاج الإقطاعي (لم تكن حقا لدى العبيد عائلة). وكلتاهما مختلفة عما يسمى “العائلة النواتية” المدينية الحالية.
وعلاوة على أن مؤسسة العائلة تستجيب في نفس الوقت لمتطلبات إجتماعية و إقتصادية متباينة حسب الطبقات التي لها أدوار مختلفة في عملية الإنتاج وحقوق ملكية مختلفة، والتي تتناقض مصالحها تناقضا كليا، كانت “عائلة” القن و”عائلة” النبيل، على سبيل المثال، تشكيلات إقتصادية-إجتماعية متباينة للغاية. لكن كلاهما إنتمى لمؤسسة العائلة، أي مؤسسة المجتمع الطبقي التي قامت بدور لا غنى عنه في كل مراحل تطوره التاريخي.
العائلة هي المكان الوحيد في المجتمع الطبقي الذي يمكن أن يلجأ إليه أغلب الناس لمحاولة إشباع عدد من الحاجات الإنسانية الأساسية كالحب أو الحياة المشتركة. ومهما كان بؤس إشباع العائلة لحاجات الكثير منهم، فليس ثمة من بديل ما دامت الملكية الفردية موجودة. ويؤدي تفكك العائلة في ظل الرأسمالية إلى معاناة وبؤس كثيرين بالنظر بالضبط إلى إستحالة أي شكل أرقى للعلاقات الإنسانية في ظل هذا النظام.
لكن ليس منح المحبة والحياة المشتركة هو ما يحدد طبيعة مؤسسة العائلة. إنها مؤسسة إقتصادية وإجتماعية يمكن إنجاز وظائفها فيما يلي:
أ- العائلة هي الآلية الأساسية التي تتملص بها الطبقات المسيطرة من المسؤولية الإجتماعية المتمثلة في الإعالة الإقتصادية لمن تستغل قوة عملهم وهم أغلبية النوع البشري. وتحاول الطبقة المسيطرة، قدر الإمكان، جعل كل عائلة مسؤولة عن نفسها، مضيفة بذلك طابعا مؤسسيا على التوزيع اللا متكافئ للدخل والثروات.
ب- تمنح مؤسسة العائلة وسيلة نقل الثروات من جيل لآخر: إنها الآلية الإجتماعية الأساسية لتأبيد انقسام المجتمع إلى طبقات.
ج- المؤسسة العائلية هي، بالنسبة للطبقة المسيطرة، أرخص آلية لإعادة إنتاج قوة العمل وأكثرها قبولا من الناحية الأيديولوجية: إلقاء مسؤولية إعالة الشباب على عاتق العائلة، أي أقصى خفض لقسط الثروات الإجتماعية –التي أصبحت ملكية فردية- المخصص لإعادة إنتاج الطبقات الكادحة. بل أكثر، يؤدي نضال كل عائلة بشكل معزول لضمان بقاء ذويها، إلى منع الأكثر عرضة للإستغلال والإضطهاد من الإتحاد في فعل مشترك.
د- تعزز المؤسسة العائلية التقسيم الإجتماعي للعمل والذي تتحدد فيه النساء أساسا بدورهن كمنجبات، وتوكل إليهن مهام مرتبطة مباشرة بوظيفة الإنجاب هذه: الإعتناء بأفراد العائلة الآخرين. هكذا ترتكز مؤسسة العائلة إلى تقسيم إجتماعي للعمل وتعززه، وهو تقسيم يخضع النساء لنير العمل المنزلي والتبعية الإقتصادية.
هـ- المؤسسة العائلية مؤسسة قمعية ومحافظة تعيد داخلها إنتاج علاقات التراتب والسلطة الضرورية للحفاظ على المجتمع الطبقي برمته. إنها تحافظ على سلوكات التملك والتنافس والعدوانية الضرورية لتأبيد التقسيم الطبقي.
إنها تكيف سلوك الأطفال وطبعهم منذ سن مكبرة حتى المراهقة. وتروضهم وتخضعهم للإنضباط وتجندهم وتعلمهم الخضوع للسلطة القائمة. إنها تحطم التمردات و الإندفاعات المناهضة للامتثالية، وتقمع كل نشاط جنسي وتحرفه وتضبطه في سلوكات جنسية ذكرية أو أنثوية مقبولة إجتماعيا ومطابقة لأهدافها في مجال الإنجاب وكذا فيما يخص الدور الإقتصادي-الإجتماعي للرجال والنساء. إنها ترسخ في الأذهان كل القيم الإجتماعية وقواعد السلوك الواجب على الأشخاص إستيعابها لأجل العيش في إطار إكراه إقتصادي وتبعية فردية وقمع جنسي.
5/ تطورت مؤسسة العائلة في ظل الرأسمالية، وكذا طوال المراحل التاريخية الأخرى. لكنها تظل مؤسسة لا غنى عنها في المجتمع الطبقي وتقوم بكل الوظائف الإقتصادية و الإجتماعية الآنفة.
تضمن العائلة داخل البورجوازية انتقال الملكية الخاصة من جيل لآخر. ويتيح الزواج غالبا تحالفات مربحة أو إندماج رساميل هامة، على وجه الخصوص في الأطوار الأولى من تراكم الرأسمال.
وكذلك عند البورجوازية الصغيرة التقليدية، عند الفلاحين والحرفيين والتجار الصغار، تمثل العائلة وحدة إنتاج ترتكز على عمل أفرادها.
إن العائلة مؤسسة غريبة عن الطبقة العاملة، رغم أنها تؤمن لأفرادها حدا أدنى من الحماية المتبادلة، فهي مؤسسة مفروضة على البروليتاريا وتخدم المصالح الإقتصادية للبورجوازية، لا مصالح العمال. بيد أن العمال جرى تكييفهم منذ الطفولة على اعتبار العائلة (مثل العمل المأجور أو الملكية الخاصة أو الدولة) أكثر العلاقات الإنسانية طبيعية وديمومة.
أ- مع مجيء الرأسمالية ونمو الطبقة العاملة كفت الوحدة العائلية لدى العمال عن كونها وحدة إنتاج بورجوازية صغيرة، إنها بقيت الوحدة الأساسية لضمان رعاية قوة العمل وإعادة إنتاجها.
ويبيع كل فرد من العائلة قوة عمله في السوق بشكل فردي. وبدأ ينحل ذلك الرباط الإقتصادي الأساسي الذي حافظ من قبل على العائلة داخل الفئات المضطهدة والمستغلة- على سبيل المثال وجوب عمل الجميع للبقاء على قيد الحياة. وحصلت النساء، بفعل إقتيادهن إلى سوق العمل، على حد أدنى من الإستقلال الإقتصادي لأول مرة منذ ظهور المجتمع الطبقي. وهذا ما يجنح إلى نسف قبول خضوعهن في إطار المنزل. وعليه فإن مؤسسة العائلة نفسها هي التي أصبحت موضع إعادة نظر.
ب- ثمة في الواقع تناقض بين إدماج النساء المتزايد في سوق العمل وبقاء العائلة. فعندما تحوز النساء إستقلالا أكبر على المستوى الإقتصادي ومزيدا من المساواة، يبدأ تفكك المؤسسة العائلية. لكن العائلة هي ركيزة لا غنى عنها في المجتمع الطبقي. والحفاظ عليها شرط ضروري لبقاء الرأسمالية.
ج- يسبب عدد النساء المتنامي في سوق العمل تناقضات عميقة للطبقة المسيطرة، لاسيما خلال فترات التوسع المتسارع. إذ يتوجب على أرباب العمل تشغيل مزيد من النساء للإستفادة من فرط إستغلالهن. لكن تشغيل النساء هذا ينزع إمكانية تأبيد النظام الذي يلقي على النساء مسؤولية القسط الأعظم من العمل المنزلي المجاني القائم على رعاية الأطفال. وهكذا تضطر الدولة أن تنوب جزئيا عن العائلة بالإضطلاع ببعض وظائفها الإقتصادية-الإجتماعية كالتربية وحضانة الأطفال.
لكن هذه الخدمات الإجتماعية مكلفة أكثر من عمل النساء المنزلي المجاني. إنها تمتص جزءا من فائض القيمة الذي كان سيؤول إلى أصحاب الرساميل. إنها تنقص أرباحهم. بل أكثر من هذا تقوم الخدمات الإجتماعية من هذا النوع بتعزيز فكرة أن المجتمع هو الذي سيتحمل مسؤولية أفراده غير المنتجين وليس العائلة. إنها تخلق طموحات جديدة داخل الطبقة العاملة.
د- يؤدي عمل النساء المنزلي المجاني (الطبخ –التنظيف –الغسيل –رعاية الأطفال) دورا إقتصاديا خاصا في النظام الرأسمالي. وهذا العمل المنزلي عنصر ضروري لإعادة إنتاج قوة العمل التي تباع للرأسماليين (سواء تعلق الأمر بقوة عمل المرأة أو زوجها أو أبنائها أو أي فرد من العائلة)
لو كانت المرأة لا تقوم بعمل مجاني داخل العائلات البروليتارية، وبافتراض تساوي باقي العوامل، لارتفع المستوى العام للأجور. فعلى الأجور الفعلية أن تبلغ من الإرتفاع ما يتيح شراء المواد والخدمات التي تنتج حاليا داخل العائلة (طبعا مستوى العيش العام الضروري لإعادة إنتاج قوة العمل هو معطى محدد تاريخيا حسب كل بلد ومرحلة. ولا يمكن تقليصه بحدة إلا في حال هزيمة ساحقة للطبقة العاملة). وعليه سيودي كل خفض عام للعمل المنزلي الذي تقوم به النساء مجانا إلى إنخفاض كتلة الأرباح الإجمالية، مغيرا توازن الأرباح والأجور لصالح البروليتاريا.
مهما كان نفع عمل النساء المنزلي، فإنه لا ينتج منتجات تبادلية للسوق. لذا فهو لا ينتج قيمة ولا فائض قيمة، علاوة على أنه لا يندمج مباشرة في سيرورة الإستغلال الرأسمالي. فمن ناحية القيمة فإن العمل المنزلي المنجز مجانا داخل العائلة يؤثر في معدل فائض القيمة، إذ يرفع بطريقة غير مباشرة الكتلة الإجمالية لفائض القيمة الإجتماعي. وهذا صحيح سواء أنجزت النساء هذا العمل بمفردهن أو شارك فيه الرجال.
إن الطبقة الرأسمالية (وليس الرجال عموما ولا بالتأكيد الأجراء الذكور) هي التي تستفيد من عمل النساء المجاني داخل البيت. ولا يمكن القضاء على “استغلال” العائلة البروليتارية هذا، الذي يضغط بثقله على النساء في المقام الأول، إلا بإطاحة الرأسمالية وإضفاء الطابع الإجتماعي على المهام المنزلية في إطار سيرورة بناء المجتمع الإشتراكي.
هـ- دور العائلة الذي لا غنى عنه والمعضلة التي يخلقها للرأسماليين تزايد تشغيل النساء، يصبحان أكثر وضوحا خلال فترة الأزمة الإقتصادية. عندها يصبح للطبقة المسيطرة هدفان أساسيان:
عليها أن تطرد من سوق العمل عددا كبيرا من النساء لإعادة خلق احتياط من اليد العاملة وفرض تخفيض مستوى الأجور.
عليها أن تقلص تكاليف الخدمات الإجتماعية المتنامية التي تقدمها الدولة وتعيد إنزال العبء الإقتصادي ومسؤولية هذه الخدمات على عاتق كل عائلة عمالية بشكل فردي. يتوجب على الرأسماليين، بغية تحقيق هذين الهدفين معا، أن يشنوا هجوما إيديولوجيا ضد فكرة المساواة واستقلال النساء، وأن يعززوا مسؤولية العائلة الفردية تجاه أطفالها وشيوخها ومرضاها. ويجب عليهم تدعيم صورة العائلة كشكل “طبيعي” وحيد للعلاقات الإنسانية، وإقناع النساء اللائى بدأن يتمردن على منزلتهن الوضيعة بأن السعادة الحقيقية لا يمكن أن تأتيهن إلا من القيام بدورهن “الطبيعي” الأساسي، دور الزوجة والأم وخادمة البيت. وبامتعاض يبدأ الرأسماليون يكتشفون أنه رغم صراخهم حول الأزمة والتقشف الذي لا مفر منه، كلما اندمجت النساء في سوق العمل كلما صعب إرجاع عدد كاف منهن إلى المنزل
و:خلال المراحل الأولى للتصنيع الرأسمالي بلغ إستغلال النساء والأطفال، غير الخاضع لأي قانون وطليق العنان والفاحش، مستوى يزعزع جديا بنية العائلة داخل الطبقة العاملة ويهدد فائدتها بوصفها نظاما يتيح تنظيم قوة العمل والتحكم بها وإعادة إنتاجها. هذا الميل هو ما نبه إليه ماركس وانجلز في بريطانيا خلال القرن التاسع عشر. وقد توقعا زوالا سريعا للعائلة داخل الطبقة العاملة. وكانا على صواب فيما خص أسس تحليلهما وفهمهما لدور العائلة داخل النظام الرأسمالي. لكنهما أساءا تقدير القدرة الكامنة لدى الرأسمالية على إبطاء وتيرة تطور تناقضاتها الداخلية. لقد أساءا تقدير إمكانات تدخل الطبقة المسيطرة لتنظيم تشغيل النساء والأطفال وتعزيز العائلة لأجل الحفاظ على النظام الرأسمالي نفسه. وبضغط قوي من الطبقة العاملة يروم تخفيف استغلال النساء والأطفال الفاحش، تدخلت الدولة حسب المصالح بعيدة المدى للطبقة المسيطرة، ولو ضد أهداف كل رأسمالي بمفرده (مصلحة تدفعه إلى امتصاص دم كل عامل طيلة 16 ساعة في اليوم وتركه يموت في حدود 30 سنة).
ز- إن الساسة الرأسماليين المسؤولون عن وضع سياسات موجهة للدفاع عن مصالح الطبقة المسيطرة واعون تمام الوعي بالطابع اللازم لدور العائلة الإقتصادي و الإجتماعي والسياسي، ولضرورة الحفاظ عليها بما هي بنية إجتماعية أساسية للرأسمالية. وليس “الدفاع عن العائلة” مجرد شعار ديماغوجي لليمين المتطرف. فالحفاظ على المؤسسة العائلية هو التوجه السياسي الأساسي لكل دولة رأسمالية، تمليه الضرورات الإجماعية و الإقتصادية للرأسمالية نفسها.
6/ تمنح العائلة أيضا في ظل الرأسمالية الآلية الضرورية لإستغلال النساء المكثف بوصفهن عاملات:
أ – إنها تزود الرأسمالية باحتياط من اليد العاملة مرن بشكل فريد، يمكن إدخاله إلى سوق العمل أو إرجاعه إلى المنزل مع عواقب إجتماعية أقل بكثير قياسا بمكونات الجيش الإحتياطي الأخرى.
نظرا لكون كل البنية الفوقية الأيديولوجية تعزز خرافة أن مكانة المرأة هي المنزل، فإن مستوى مرتفعا من بطالة النساء له نسبيا عواقب أقل على مستوى التعبئات الإجتماعية. إذ يقال إن النساء على كل حال لا يعملن إلا للحصول على تكملة لدخل موجود لدى العائلة. وإن كن عاطلات فإنهن مع ذلك ينشغلن بالمهام المنزلية وبالتالي ليس جليا أنهن “دون عمل”. وغالبا لا يستطيع غضبهن وسخطهن أن يتحول إلى خطر إجتماعي حقيقي نظرا لعزلتهن و تذريرهن بما هن نساء منزل منفصلات عن بعضهن البعض، لهذا تؤدي دوما إجراءات التقشف التي تتخذها الطبقة المسيطرة خلال فترات الأزمة الإقتصادية إلى هجمات على حق النساء في العمل وتتجلى في الضغوط المتزايدة عليهن لقبول مناصب عمل جزئي وتعويضات خاصة بـ”ربات البيوت” وتقليص الخدمات الإجتماعية كالحضانات.
ب -إفتراض أن مكانة النساء “الطبيعية” هي المنزل يمد الرأسمالية بتفسيرات عقلانية مقبولة على نحو واسع لتأبيد:
1. تشغيل النساء في أعمال هزيلة الأجر وعديمة التأهيل. “لا حاجة لتكوينهن لأنهن يصبحن حوامل ويتزوجن وينصرفن” 2. التفاوت ومستوى أجور منخفض “لا يعملن على كل حال سوى لشراء زخارف وأشياء تافهة” 3. إنقسامات عميقة داخل الطبقة العاملة نفسها: “إنها تعمل مكان الرجل” 4. ضعف نسبة النساء العاملات المنتسبات إلى النقابات أو منظمات عمالية أخرى “لا يجب أن تهرع المرأة من اجتماع إلى آخر، فمكانها في المنزل لرعاية الأطفال” ج -بما أن كل نظام العمل المأجور مبني انطلاقا من أخفض الأجور، فإن فرط استغلال النساء هذا بوصفهن يد عاملة احتياطية يقوم بدور لا غنى عنه لأجل الإبقاء على المستوى المنخفض لأجور الرجال.
د-يمنح إخضاع النساء داخل مؤسسة العائلة الأسس الإقتصادية و الإجتماعية والأيديولوجية التي تتيح استغلالهن بإفراط. ليست العاملات مستغلات كقوة عمل مأجورة وحسب، بل كقسم منبوذ من اليد العاملة بسبب جنسهن.
7/ بما أن اضطهاد النساء مرتبط تاريخيا بانقسام المجتمع إلى طبقات، وبدور العائلة كوحدة أساسية للمجتمع الطبقي، فإنه لا يمكن القضاء على هذا الإضطهاد إلا بإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. إن الطابع الطبقي لعلاقات الإنتاج هذه –وليس القدرات الإنتاجية للبشرية- هو الذي يعيق حاليا نقل وظائف العائلة الإقتصادية و الإجتماعية في ظل الرأسمالية إلى المجتمع برمته
8/ إن التحليل المادي للأصول التاريخية والجذور الإقتصادية لإضطهاد النساء أساسي لتقديم برنامج ومنظورات قادرة على فرض تحرر النساء. ويؤدي رفض هذا التفسير العلمي، لا محالة، إلى إحدى الخطأين التاليين:
أ -خطأ ارتكبه العديد ممن يؤكدون اتباع المنهج الماركسي، يرفض، أو على الأقل يقلل أهمية وجود إضطهاد جنس النساء طوال تاريخ المجتمع الطبقي. إنهم يعتبرون اضطهاد النساء مجرد جانب صرف وبسيط من استغلال الطبقة العاملة. ومن وجهة النظر هذه لا يولون أهمية سوى للنضالات التي تخوضها النساء في أماكن العمل. إنهم يعتقدون أن الثورة الإشتراكية، خلال مسيرها ستحرر النساء، ولذا فهن في غنى عن التنظيم بصفتهن نساء يناضلن من أجل مطالبهن الخاصة. إن إنكار ضرورة تنظيم النساء لأجل النضال ضد إضطهادهن يعمق الإنقسامات داخل الطبقة العاملة مؤخرا بذلك نمو وعي طبقي لدى النساء اللائى بدأن يتمردن على مكانتهن المتدنية.
ب-خطأ مقابل إرتكبه من يعتقد بوجود سيطرة الرجال على النساء قبل ظهور المجتمع الطبقي، وبتجسدها في تقسيم العمل على أساس الجنس. هكذا وجب تفسير الإضطهاد البطريركي بعوامل أخرى غير تطور الملكية الخاصة والمجتمع الطبقي. يعتبر النظام البطريركي نظام علاقات إضطهاد مواز للعلاقات الطبقية لكنه مستقل عنها.
على العموم تقوم التيارات التي طورت وجهة النظر هذه على نحو ممنهج بعزل مسألة دور النساء في الإنجاب وتركز تحليلها على هذه النقطة وحدها. إنها تجهل إلى حد كبير تفوق العمل التعاوني، جوهر المجتمع الإنساني، وتولي أهمية ضئيلة لمكانة النساء في سيرورة الإنتاج في كل مرحلة تاريخية. بل ذهب البعض إلى التنظير لوجود نمط بطريركي للإنجاب، خارج الزمن، مركزا على تحكم الرجال بوسائل الإنجاب (النساء). وتقدم في الغالب تفسيرات خاصة بالتحليل النفسي، تسقط في مثالية لا تاريخية، ترى جذور الإضطهاد في البيولوجيا أو النفسية متغاضية هكذا عن تصور ماركسي للعلاقات الإجتماعية.
يضم هذا التيار، المنظم أحيانا تحت اسم “النسوية الراديكالية”، المناهضات صراحة للماركسية ونساء أخريات يعتبرن أنهن يقترحن “إعادة تحديد نسوي للماركسية”. لكن إعتبار إضطهاد النساء موازيا لتطور المجتمع الطبقي وليس متجذرا في بزوغه، يقود أكثرهن إتساقا إلى التأكيد على ضرورة حزب سياسي للنساء مرتكز على برنامج “نسوي” يدعي الإستقلال عن صراع الطبقات.
إنهن يعادين ويرفضن ضرورة تنظيم الرجال والنساء سوية على أساس برنامج ثوري للطبقة العاملة لوضع حد للإستغلال الطبقي وللإضطهاد الجنسي، ولا تدركن ضرورة التحالف في النضال مع باقي الفئات المضطهدة والمستغلة.
تنكر كلتا هاتين المقاربتين، أحاديتي الجانب، الدينامية الثورية للنضال من أجل تحرر النساء بما هي جزء من الصراع الطبقي. ولا يتسنى لأي منهما فهم أن انتصار نضال تحرر النساء يقتضي تخطي حدود علاقات الملكية الرأسمالية. كلاهما ترفض ما يمليه ذلك على الطبقة العاملة وعلى قيادتها الماركسية الثورية.
اقرأ أيضا